الامارات والسعودية واللعب على الحبلين الروسي والامريكي
وكالات
2022-03-13 06:34
يكشف الغزو الروسي لأوكرانيا عن شرخ في العلاقة كان مستبعدا حتى الأمس القريب، بين الولايات المتحدة من جهة والسعودية والإمارات، حليفيها الرئيسيين في الشرق الأوسط وعملاقي النفط الساعيين لإبراز استقلالية دبلوماسية على الساحة الدولية، من جهة أخرى.
ولم يصدر عن دول الخليج الثرية التي تستضيف قوات أميركية على أرضها وتقيم حلفا ثابتا مع الولايات منذ عقود، مواقف مؤيدة لإدارة الرئيس جو بايدن في محاولتها خنق موسكو، من الطاقة إلى الدبلوماسية.
ووفقا لمحللين، فإنّ الموقف الجديد المنبثق من مجموعة من الخلافات بما في ذلك تلك المتعلقة بجريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي على أيدي سعوديين في تركيا، يكشف عن نقطة تحوّل في العلاقات الخليجية مع الولايات المتحدة.
وتقول الخبيرة في الشؤون الخليجية والباحثة في معهد مونتين الفرنسي آن غادال لوكالة فرانس برس "هذا أكثر من تحوّل فعلي، هذه اللحظة هي بالتأكيد محطة مهمة في العلاقات الخليجية الأميركية".
وتضيف أن دول الخليج "تدرك أنها بحاجة للتحضير لشرق أوسط مختلف، وأن ميزان القوى يتغيّر بشكل عام".
وامتنعت الإمارات التي تتولى حاليا رئاسة مجلس الأمن الدولي، الشهر الماضي عن التصويت على مشروع قرار أميركي ألباني يدين الغزو الروسي لأوكرانيا.
وبينما تسبّبت الحرب على أوكرانيا في ارتفاع تكاليف الطاقة، قاومت دول الخليج حتى الآن الضغوط الغربية لزيادة إنتاج النفط بهدف كبح جماح الأسعار.
وأكدت السعودية التزامها بالحصص الإنتاجية ضمن تحالف "أوبك بلاس" النفطي بقيادة موسكو والرياض. وشدّد وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي الخميس على التزام بلاده بحصص إنتاج التحالف.
النفط مقابل الحماية
وأوردت صحيفة "وول ستريت جورنال" أنّ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رفضا طلبات من الولايات المتحدة للتحدث إلى بايدن في الأسابيع الأخيرة، وذلك نقلاً عن مسؤولين من الشرق الأوسط والولايات المتحدة.
لكن المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض إميلي هورن قالت إنّ تقرير الصحيفة غير صحيح.
وفي الواقع، لم يتحدث الرئيس الأميركي والأمير محمد منذ أن تولى بايدن منصبه وتعهّد بمعاملة السعودية كدولة "منبوذة"، على خلفية جريمة قتل خاشقجي في اسطنبول عام 2018 التي ألقت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية باللوم فيها على ولي العهد السعودي.
وردا على سؤال في مقابلة مع صحيفة "ذي أتلانتيك" نُشرت هذا الشهر عمّا إذا كان بايدن يسيء فهمه، قال بن سلمان "ببساطة، أنا لا أكترث"، مضيفا "الأمر يعود له للتفكير في مصالح أميركا".
لا نتلقّى أوامر
وُلد التحالف الأميركي السعودي على متن سفينة أميركية في عام 1945، عندما أجرى الملك السعودي الراحل عبد العزيز بن سعود والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت محادثات، واتفقتا على ما عرف لاحقا بـ"النفط مقابل الحماية".
وفي العديد من مناطق العالم العربي، بات يُنظر الى دول الخليج التي تستضيف قوات وقواعد أميركية وأجنبية أخرى، على أنّها مثابة "دمى" في أيدي الأميركيين.
لكن هذا الأمر بدأ بالتغيّر قبل نحو عقد عندما أدت انتفاضات الربيع العربي إلى تهميش القوى العربية التقليدية مثل مصر وسوريا، ما سمح لدول الخليج المستقرة والمزدهرة بلعب دور أكبر.
وأوضحت السعودية والإمارات، أكبر اقتصادين عربيين، أنّهما تسعيان إلى سياسة خارجية مستقلة قائمة على المصالح الوطنية.
وقال أستاذ العلوم السياسية الإماراتي عبد الخالق عبد الله لشبكة "سي أن أن" هذا الشهر، "(لا ينبغي) اعتبار الإمارات دمية في يد الولايات المتحدة بعد الآن".
وتابع "فقط لأننا نتمتع بعلاقات مهمة مع أميركا، لا يعني أنّنا نتلقى أوامر من واشنطن. علينا أن نقوم بأشياء تتفق مع استراتيجيتنا وأولويتنا".
وأدّت العديد من التوترات إلى تشنج في العلاقات، بما في ذلك سعي بايدن للعودة الى الاتفاق النووي مع إيران بعد انسحاب الرئيس السابق دونالد ترامب منه، وتردّد الولايات المتحدة في تصنيف المتمردين الحوثيين في اليمن على أنهم جماعة إرهابية.
لكنّ مسألة "الحماية" بقيت في صلب التوترات، ومن أسبابها الرئيسية عدم وجود رد عسكري من الولايات المتحدة عندما تعرّضت منشآت أرامكو النفطية السعودية لهجوم في 2019، ورغبة واشنطن المعلنة في خفض تدخلّها العسكري في الشرق الأوسط.
وفي هذا السياق، كتب حسين إيبش من معهد دول الخليج العربية في واشنطن الأسبوع الماضي، "دول الخليج مثل السعودية والإمارات... لم تعد مستعدّة للاعتماد على الولايات المتحدة كضامن نهائي للأمن".
وتابع "بينما تظل الولايات المتحدة شريكا استراتيجيا أساسيًا، فإنّ هذه (...) الدول التي لديها الكثير لتخسره، لا تستطيع سوى تنويع خياراتها الدبلوماسية وأدواتها الاستراتيجية".
وقال إنّ "ظهور عالم متعدد الأقطاب (...) وخصوصا مع صعود روسيا والصين، أمر لا مفر منه".
قطر حليفا رئيسيا للولايات المتحدة
لكن قطر القوة الخليجية التي تنافس على القيادة الخليجية أصبحت اكثر قربا من الولايات المتحدة، فقد قال البيت الأبيض إن الرئيس الأمريكي جو بايدن صنف قطر حليفا رئيسيا للولايات المتحدة من خارج حلف شمال الأطلسي، وفاء بالوعد الذي قطعه للدولة الخليجية هذا العام.
وتمنح الولايات المتحدة هذا التصنيف للحلفاء المقربين من خارج الحلف الذين لديهم علاقات عمل استراتيجية مع الجيش الأمريكي.
ووعد بايدن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في يناير كانون الثاني خلال اجتماع بالبيت الأبيض بأنه سيمنح قطر هذا الوضع الخاص.
الإمارات تقول لأمريكا ما زلتم بحاجة إلينا
بعد ما تمكنت الإمارات منفردة من خفض أسعار النفط المتصاعدة بواقع 13 بالمئة في يوم واحد هذا الأسبوع، أظهرت الإمارات مدى ما تتمتع به الدول الخليجية المنتجة للنفط من قوة وتأثير على السوق وبعثت برسالة إلى واشنطن لتذكيرها بأن عليها إيلاء مزيدا من الاهتمام بحلفائها القدامى.
فقد تجاهلت السعودية والإمارات، وهما من كبار المنتجين في منظمة أوبك وتشعران بالاستياء من خيارات واشنطن مؤخرا، مناشدات الولايات المتحدة لاستخدام فائض طاقتهما الإنتاجية لكبح أسعار الخام التي أفلتت من عقالها وباتت تهدد بركود عالمي في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا.
جاء الهبوط الحاد في أسعار النفط، وهو الأكبر في يوم واحد منذ نحو عامين، في أعقاب تصريحات أدلى بها سفير الإمارات في واشنطن والذي قال إن بلاده تؤيد ضخ المزيد من النفط.
وارتدت الأسعار صعودا عندما ناقضه وزير الطاقة الإماراتي الذي قال إن الدولة الخليجية ملتزمة بترتيبات الإنتاج المتفق عليها مع مجموعة أوبك+ التي تضم أعضاء منظمة أوبك وحلفاءها، وبينهم روسيا.
وقال عبد العزيز صقر رئيس مركز الخليج للأبحاث عن تضارب التصريحات الإماراتية "كان هذا متعمدا"، مضيفا أن الرسالة التي أرسلت لواشنطن مفادها "أنتم بحاجة إلينا ونحن بحاجة إليكم، لذا تعالوا نسوي القضايا بيننا".
وأضاف أن واشنطن، التي دقت ناقوس الخطر بشأن خطط روسيا لغزو أوكرانيا قبل وقت طويل من عبور القوات الروسية للحدود في 24 فبراير شباط، كان ينبغي أن تنسق بشكل أكبر مع المنتجين الخليجيين في الفترة التي سبقت الغزو، بدلا من اللجوء إليهم فور اندلاع الأزمة.
وتابع قائلا "لقد عملت دول الخليج على مدى عدة سنوات على بناء علاقة جيدة مع روسيا، ولا يمكنها عكس الاتجاه بهذه السهولة".
وتريد الولايات المتحدة من الخليج أن يتخذ صف الغرب في الأزمة الأوكرانية، لكن واشنطن هي من تسبب في تقلص رصيدها السياسي مع الرياض وأبو ظبي من خلال تجاهل مخاوفهما بشأن منافستهما الإقليمية إيران، وإنهاء دعمها لحربهما في اليمن ووضع شروط على مبيعات الأسلحة الأمريكية لدول الخليج.
إعادة بناء الثقة
شعر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالغضب إزاء رفض الرئيس جو بايدن التعامل معه مباشرة باعتباره الحاكم الفعلي للمملكة بسبب مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في 2018. وأشار تقرير للمخابرات الأمريكية إلى ضلوع الأمير في عملية القتل لكنه نفى هو أي دور له في ذلك.
وقال مصدر خليجي "هناك العديد من المشاكل بين الولايات المتحدة وحلفائها الخليجيين تحتاج إلى معالجة على نطاق واسع وحلها"، مشيرا إلى ضرورة إعادة بناء الثقة، وأن الأمر "لا علاقة له بروسيا أو حرب أوكرانيا".
وأضاف المصدر أنه كان ينبغي لواشنطن أن تتحرك قبل الغزو الروسي. وقال "الإدارة الأمريكية كانت تعلم أنها تتجه صوب أزمة. يجب أن تكون لديهم علاقات ثابتة مع حلفائهم وأن ينسقوا معهم ويصطفوا معهم مسبقا...لا أن يتوقعوا منهم الامتثال على الفور والتعامل مع أسعار النفط".
ويتراكم الشعور بانعدام الثقة منذ الانتفاضات العربية عام 2011 عندما فوجئ حكام الخليج بالطريقة التي تخلت بها إدارة باراك أوباما عن الرئيس المصري الراحل حسني مبارك بعد تحالف استمر 30 عاما، مما سمح بسقوطه، وكذلك بسبب تجاهل مخاوف حكام الخليج من صعود حركة الإخوان المسلمين.
وشعرت دول الخليج العربية أيضا بالصدمة عندما أبرمت واشنطن اتفاقا نوويا مع إيران في عام 2015 دون أن يتطرق هذا الاتفاق لمخاوف الخليج بشأن برنامج طهران الصاروخي ووكلائها الإقليميين سواء في اليمن، حيث دخلت بعض الدول الخليجية الحرب الدائرة هناك، أو في لبنان الغارق الآن في الأزمات.
وشعرت المملكة بالإهانة بشكل خاص في عام 2019 عندما قوبلت هجمات باستخدام الصواريخ والطائرات المسيرة على أراضيها برد فعل أمريكي فاتر، على الرغم من أن الرياض وواشنطن ألقتا باللوم على طهران. ونفت إيران أن يكون لها دور في الهجمات.
كما أصيبت الإمارات بالإحباط بنفس القدر في يناير كانون الثاني عندما شنت جماعة الحوثي اليمنية هجمات على أبوظبي. وعلى الرغم من دعوات الإمارات لبايدن لإعادة إدراج الجماعة المدعومة من إيران على قائمتها للجماعات الإرهابية، لم تفعل واشنطن ذلك حتى الآن.
تجاهل المكالمات الهاتفية
وقال المصدر الخليجي ومصدر آخر مطلع لرويترز إن بايدن أثار حفيظة الشيخ محمد بن زايد، الحاكم الفعلي للإمارات وولي عهد أبوظبي، بعدم الإسراع في الاتصال به بعد هجوم الحوثيين.
وقال المصدر الخليجي "اتصل به بايدن بعدها بثلاثة أسابيع. لم يرد الشيخ محمد على المكالمة. حليفك يتعرض لهجوم إرهابي وتنتظر ثلاثة أسابيع للاتصال به؟".
وقالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض إيميلي هورن إنه "لم تكن هناك مشاكل تتعلق بإجراء مكالمة هاتفية" وإن بايدن سيتحدث مع الزعيم الإماراتي قريبا. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الإماراتية إنه يجري تحديد موعد لمكالمة هاتفية.
وفي الشهر الماضي، تحدث بايدن مع العاهل السعودي الملك سلمان بينما كان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان متواجدا في الغرفة. وقالت مصادر إن بايدن طلب التحدث مع ولي العهد لكن الأخير رفض لأن الاتصال كان مقررا مع الملك فقط.
ولم يرد البيت الأبيض والحكومة السعودية على الفور على طلبات لرويترز للتعليق على ما حدث في هذا الاتصال. وقال البيت الأبيض في إفادة صحفية إنه لا توجد خطط لبايدن "في هذه المرحلة" للاتصال بالأمير محمد.
وتفجرت أزمة أوكرانيا في الوقت الذي تجري فيه الولايات المتحدة وروسيا وقوى عالمية أخرى محادثات لإحياء الاتفاق النووي مع إيران. لكن يبدو أن موسكو أخرجت هذه الجهود عن مسارها في الوقت الحالي بمطالبة واشنطن بضمانات بأن العقوبات الغربية على روسيا لن تؤثر على أنشطتها التجارية مع إيران.
وكثيرا ما شعرت دول الخليج بأن المحادثات تغفل مخاوفها إزاء إيران كما تخشى أن يؤدي الاتفاق إلى تعزيز موقف إيران ووكلائها الإقليميين.
ولا يزال من المتوقع أن ترجح دول الخليج كفة علاقاتها مع الولايات المتحدة التي تعتمد عليها في أمنها على كفة علاقاتها مع روسيا التي تركز على الطاقة والأعمال.
وقال نيل كويليام الزميل الباحث في معهد تشاتام هاوس "في نهاية المطاف، الولايات المتحدة لديها نفوذ واسع، لكن حاجز المقاومة في السعودية والإمارات مرتفع بشكل خاص في الوقت الحالي، نظرا لاستيائهما العميق من سياسة الولايات المتحدة تجاههما".
العلاقات تمر باختبار تحمل
وقال دبلوماسي إماراتي بارز إن العلاقات بين بلاده والولايات المتحدة تمر باختبار، في اعتراف نادر بضغوط تشهدها الشراكة الاستراتيجية بين البلدين والتي سُلّطت عليها الأضواء بسبب غزو روسيا لأوكرانيا.
وعبرت الإمارات عن عدم ارتياحها في السنوات الماضية بشأن ما تعتبره تراجعا في التزام واشنطن بأمن شركائها في المنطقة بينما وطدت أبوظبي علاقاتها بموسكو وبكين.
وزادت الخلافات بشأن الحرب في اليمن وسياسة واشنطن تجاه إيران وشروط أمريكا لتنفيذ صفقات مبيعات السلاح من تلك المخاوف ثم تفاقم الأمر بعدم دعم الإمارات لقرار صاغته الولايات المتحدة لإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا بامتناعها عن التصويت وهو ما أظهر أن واشنطن لا يجب أن تعتبر دعم الإمارات أمرا مسلما به.
وقال يوسف العتيبة سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة في مؤتمر لتكنولوجيا الدفاع في أبو ظبي "مثل أي علاقة. فيها أيام قوية، العلاقة فيها صحية جدا. وأيام العلاقة فيها موضع تساؤل. واليوم نحن نمر باختبار تحمل، لكني أثق أننا سنجتازه ونصل إلى وضع أفضل".
وتحاول الإمارات ودول خليج عربية أخرى البقاء على الحياد بين الحلفاء الغربيين وروسيا شريكتهم في تكتل منتجي النفط أوبك+.
كما أن لصناديق الاستثمار الإماراتية التابعة للدولة حصصا في شركات روسية وعلاقات استراتيجية بصندوق الثروة السيادي الروسي.
كما أن لدى الإمارات وروسيا مصالح جيوسياسية مشتركة في سوريا وليبيا.
وبعد الامتناع عن التصويت في مجلس الأمن ضد روسيا، صوتت الإمارات هذا الأسبوع دعما لقرار مماثل في الجمعية العامة للأمم المتحدة لكنه كان تصويتا غير ملزم ومن غير المرجح أن يخفف من وطأة موقف الإمارات الأصلي من الأمر.
وتقول سينثيا بيانكو الزميلة الزائرة في المجلس الأوربي للعلاقات الخارجية "الأمر مضر لأنه مؤشر علني للغاية على التوتر" وقارنت بين الامتناع عن التصويت والقنوات الأخرى غير العلنية التي عبرت بها أبوظبي من قبل عن استيائها.
ورغم أن الأمارات ودول خليج عربية أخرى تعتمد في العادة على المظلة العسكرية الأمريكية للحماية، إلا أن تلك الدول لديها مخاوف من أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن قلصت من التزامها حيال المنطقة خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وتركيزها المتزايد على مواجهة الصين.
وقالت بيانكو إن رسالتهم لواشنطن هي "إذا أردتم تغيير قواعد اللعبة وتريدون تقليل الالتزام نحونا، فنحن نستعيد الحق في أن نكون أقل التزاما نحوكم".
رد أمريكي متواضع
ربط بعض الدبلوماسيين بين تردد الإمارات في إدانة موسكو وتصويت بعدها بأيام قليلة دعمت فيه روسيا حظرا من الأمم المتحدة على السلاح لحركة الحوثي اليمنية التي شنت هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ على الإمارات والسعودية.
ونفت الإمارات وروسيا التوصل لأي اتفاقات بشأن التصويت. لكن مسألة الحوثيين لا تزال نقطة تثير التوتر مع واشنطن.
وسعت الإمارات، بعد أن قتلت هجمات صاروخية للحوثيين ثلاثة مدنيين في أبوظبي في يناير كانون الثاني، إلى دفع واشنطن لإعادة تصنيف جماعة الحوثي تنظيما إرهابيا ومساعدة الإمارات على تعزيز دفاعاتها ضد مثل تلك الهجمات.
وقال دبلوماسي غربي "يعتبرون رد الولايات المتحدة متواضعا... كانوا مصرين حقا على تصنيفهم (الحوثيين) جماعة إرهابية".
كما تشعر الإمارات بالإحباط بسبب بطء وتيرة تنفيذ صفقة لشراء مقاتلات أمريكية من طراز إف-35 والشروط المرتبطة بها. وقالت في ديسمبر كانون الأول إنها ستعلق المباحثات حول الصفقة التي تمثل جزءا من صفقة أكبر قيمتها 23 مليار دولار وتتضمن طائرات مسيرة وذخائر متطورة أخرى.
ومن النقاط العالقة مخاوف من علاقة أبوظبي مع الصين بما في ذلك استخدام تكنولوجيا الجيل الخامس من إنتاج شركة هواوي الصينية في الإمارات وكيفية نشر الطائرات المقاتلة إف-35 ومدى التكنولوجيا التي يمكن للإمارات استخدامها في الطائرات.
وقال العتيبة "أعتقد أنه ليس لنا فقط سجل قوي جدا ونظيف جدا في عدم الحصول على أشد التكنولوجيا الأمريكية والغربية الأخرى حساسية بل إن لنا سجلا متينا بصورة لا تُصدق في حماية تلك التكنولوجيا"، مضيفا أنه لم يحدث أن وقعت أي تكنولوجيا في "في الأيدي الخطأ".
ولدى الإمارات مقاتلات أمريكية من طراز إف-16.
وقال العتيبة إن الإمارات تريد تطوير صناعة دفاعية مكتفية ذاتيا.
وأضاف "نريد أن تأتي دول وشركات إلى هنا وتقيم الصناعة ... نريد أن ينقل الناس تكنولوجياتهم إلى هنا. ونريد أن يطور الناس تكنولوجياتهم هنا".
وتراقب الإمارات أيضا عن كثب جهود إحياء الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية والتي قد تثمر في الأيام القليلة المقبلة عما يؤدي لرفع العقوبات عن طهران وإعطاء اقتصادها دفعة ويرسخ من موقفها الإقليمي.
وإضافة لصلات إيران بالحوثيين، زادت جماعات مسلحة تدعمها طهران نفوذها في دول مثل العراق ولبنان. ومن أجل موازنة القوة الإيرانية إلى حد ما، تؤسس الإمارات لعلاقات قوية مع دول مثل الصين وروسيا وتسعى لتعزيز قدراتها الدفاعية.
ويقول أندرياس كريج الأستاذ المساعد في كلية الدراسات الأمنية في كينجز كوليدج في لندن "هذا الميل صوب الشرق يعني بالضرورة ابتعادا من الإمارات عن الغرب" مضيفا أن الإمارات ستسعى إلى تحقيق مصالحها الوطنية.
يقول أيهم كامل من مجموعة يوراسيا للأبحاث إن تصريحات السفير عتيبة تظهر حدود العلاقة مع واشنطن التي وصفها بأنها شراكة وليست تحالفا رسميا بموجب معاهدة.
وتابع قائلا "القيادة في أبوظبي ليست مستعدة لتكون قوة تعمل بالوكالة. هم ليسوا ذراعا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط... ليس هناك معاهدة".
ورقة النفط للحصول على اعتراف أمريكا
يقول ولي العهد السعودي إنه "ببساطة لا يهتم" ولا يعنيه ما إذا كان جو بايدن يسيء فهمه.
بدلا من ذلك، يتطلع الأمير لاستخدام قوة النفط التي يمتلكها لتحقيق أهدافه، التي تقول مصادر مطلعة على طريقة التفكير في الرياض إنها تتمثل في اعتراف الرئيس الأمريكي بأن ولي العهد هو الحاكم الحقيقي للمملكة وبأن له الذراع الطولى في حرب اليمن باهظة التكلفة.
وأضافت المصادر أن هذا هو أحد أسباب مقاومة الأمير محمد بن سلمان للضغوط الأمريكية لضخ مزيد من النفط لتخفيض الأسعار التي قفزت منذ أن شنت روسيا هجومها على أوكرانيا، فضلا عن حفاظ الرياض على اتفاقها النفطي مع موسكو.
قال أحد المصادر المطلعة على تفكير الحكومة السعودية لرويترز "السعوديون أيضا لهم مطالب قبل تلبية أي من الطلبات الأمريكية، يأتي على رأسها ملف اليمن والاعتراف بولي العهد حاكما فعليا للمملكة".
وفي مقابلة مع مجلة "ذي أتلانتيك" نُشرت يوم الخميس، قال الأمير محمد إن هدفه هو تعزيز العلاقة التاريخية بين الرياض وواشنطن، لكنه أضاف أنه لا يعنيه ما إذا كان بايدن يسيء فهمه.
ونقلت المجلة عن ولي العهد قوله "ببساطة لا أهتم.. التفكير في مصالح أمريكا شيء يرجع لبايدن".
لم ترد السلطات السعودية على طلبات رويترز للتعليق. وينفي الأمير محمد التورط بأي صورة من الصور في مقتل خاشقجي.
وتشدد الرياض مرارا على قوة شراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، وتؤكد أن سياستها النفطية تقوم على أساس الالتزام باستقرار السوق وتأمين الإمدادات بدوافع آليات السوق الأساسية.
ورقة ضغط وحيدة
تتراجع منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاؤها وفي مقدمتهم روسيا عن تخفيضات الإنتاج التاريخية التي فرضتها في 2020 لتعزيز الأسعار، بعد أن كانت جائحة كورونا تسببت في تراجع غير مسبوق للطلب في السوق العالمية.
لكن، منذ اقتحام القوات الروسية للأراضي الأوكرانية في الأسبوع الماضي وفرض عقوبات غربية قاسية على موسكو، قفزت أسعار النفط لأعلى مستوياتها منذ 2012 مدفوعة بمخاوف تعطل الإمدادات، في ظل عدم وجود فائض طاقة عالمي يُذكر لضخ مزيد من الخام.
تريد واشنطن من تحالف المنتجين، المعروف باسم أوبك+ زيادة الإنتاج بوتيرة أسرع مما هو عليه الحال منذ أغسطس آب، لكن قلة قليلة فقط من الدول هي التي لديها فائض طاقة، من بينها السعودية والإمارات.
توجه آموس هوكستين المبعوث الخاص لوزارة الخارجية الأمريكية لشؤون الطاقة إلى الرياض الشهر الماضي لإجراء محادثات حول سبل التصدي للتأثيرات المحتملة على أسواق النفط في حالة وقوع غزو روسي لأوكرانيا، وهو ما حدث بعد ذلك بأسبوع واحد.
قال مصدر آخر مطلع على طريقة التفكير السعودية "ورقة محمد بن سلمان الوحيدة هي السياسة النفطية للضغط على الأمريكيين لإعطائه ما يريد.. الاعتراف والأسلحة (لحرب) اليمن".
والتزم تحالف أوبك+ يوم الأربعاء بخططه طويلة الأمد للزيادة التدريجية في الإنتاج بمقدار 400 ألف برميل يوميا كل شهر، وليس تسريع وتيرة تعزيز الإمدادات.
كتب جيمس دورسي وهو زميل بارز في معهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة الوطنية "تسعى السعودية... لعدم الظهور بصورة المعارض للمصالح الروسية. وبذلك، يمكنها أن تضرب عصفورين بحجر، فتبقي الباب مفتوحا أمام موسكو، وترد، بقدر ما، على رفض الرئيس جو بايدن التواصل مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان".
وفي إشارة تدلل على حرصه على أن يكون جزءا من الحوار مع واشنطن، ألغى الأمير محمد رحلة للصين لحضور دورة الألعاب الأولمبية الشتوية كي يضمن وجوده بجانب والده عندما اتصل بايدن بالملك سلمان بن عبد العزيز في التاسع من فبراير شباط، حسبما قالت ثلاثة مصادر لرويترز.
وقالت وسائل إعلام حكومية إن الملك تحدث، في المكالمة التي تناولت قضايا الطاقة وإيران واليمن، عن الحفاظ على استقرار السوق وشدد على ضرورة الحفاظ على اتفاق أوبك +.
قال دبلوماسي مقيم في الرياض "الوضع لا يزال على حاله، نظير لنظيره، لكن نظرا لصعوبة الموقف بالنسبة للولايات المتحدة الآن، فقد تحدث تنازلات"، مضيفا أن الأمير محمد يريد اعترافا رسميا من الولايات المتحدة ودعما من واشنطن في حملة الرياض باليمن المستمرة منذ سبع سنوات.
وردا على طلب للتعليق، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية "في حين أن قضايا الطاقة والأمن لها اعتبارات سياسية مهمة لكلا البلدين، إلا أننا لن نناقش تفاصيل ترتيباتنا الدبلوماسية الخاصة".
وأضاف "كما أشرنا بشكل معلن، أجرينا مناقشات مع السعودية حول نهج تعاوني لمواجهة ضغوط السوق المحتملة الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا".
محاولة البقاء على الحياد
قالت المصادر ومحللون إن السعودية ودول الخليج الأخرى لا يمكنها البقاء على الحياد بين حلفائها الغربيين وروسيا لفترة طويلة، وإنها ستختار في نهاية المطاف أمريكا ضامنة الأمن للمنطقة خصوصا مع فرضية وجود مخاطر عقوبات ثانوية بخصوص أوكرانيا.
قال مصدر كبير بصناعة النفط إن الرياض ومنتجي النفط الخليجيين الآخرين قد يتمسكون في الوقت الحالي بموقف الحياد بما يسمح لأوبك+ بمواصلة العمل.
ففي آخر مرة انهار فيها اتفاق المنتجين، دخلت الرياض وموسكو في حرب أسعار ومعركة شاملة على حصة في السوق مما ترتب عليه انخفاض الأسعار، ولحق الضرر في نهاية الأمر بأوبك ومنتجي النفط الأمريكيين على حد سواء.
يقول منتجو أوبك الآخرون إن ارتفاع الأسعار مدفوع بالتوتر الجيوسياسي وليس بالآليات الأساسية الحاكمة للسوق، وإن العودة المحتملة لإيران في حالة إحياء اتفاقها النووي يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند تحديد كميات الإنتاج.
وقال دبلوماسي غربي في الرياض "الرد الذي تلقيناه من السعوديين مفاده أنهم ينظرون إلى اتفاق أوبك+ مع روسيا على أنه التزام طويل الأمد، وأنهم ليسوا مستعدين لتعريض هذا التعاون للخطر... في الوقت الذي يوضحون فيه أنهم يقفون مع الغرب على صعيد التعاون الأمني".
يضيف أنهم "يحاولون البقاء على الحياد قدر الإمكان، لكن الآن بعد أن وصل (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين حد الغزو الشامل، ربما لم يعودوا يملكون هذه الرفاهية".
من ليس معنا فهو ضدنا
لدول الخليج أيضا مصالح تجارية وجيوسياسية مع روسيا، التي وقف رئيسها إلى جانب ولي العهد عندما نبذه الزعماء الغربيون بسبب الضجة التي أعقبت مقتل خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول.
لكن الغرب هو الذي أرسل القوات لتحرير الكويت في حرب الخليج في 1990 و1991، ودافع عن الرياض عندما غزا الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الكويت.
ولا تزال الرياض ودول الخليج الأخرى تحتمي بالمظلة الأمنية الأمريكية، حتى في الوقت الذي تتحرك فيه لتنويع الشركاء الدفاعيين، انطلاقا من تصور بأن التزام الولايات المتحدة آخذ في التراجع.
قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن "الولايات المتحدة ملتزمة بتعزيز الدفاعات السعودية.. بيننا أيضا حوار قوي حول مساعدة المملكة على تحسين قدراتها في الدفاع عن أراضيها ضد التهديدات الأمنية من اليمن وأماكن أخرى في المنطقة".
وقال دورسي إن المشكلة بالنسبة لقادة الخليج تتمثل في أن أوكرانيا يمكن أن تفتح باب المشاكل عندما تستحضر القوى الكبرى على جانبي الصراع عبارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش بعد هجمات 11 سبتمبر أيلول "من ليس معنا فهو ضدنا".
في مقال ذي أتلانتيك، ألمح ولي العهد إلى أن دولا أخرى مثل الصين على أهبة الاستعداد للتواجد على الساحة إذا توترت العلاقات مع واشنطن.
وقال "أين الإمكانيات الواعدة في العالم اليوم؟.. إنها في السعودية. إذا كنت تريد أن تخسرها، فإنني أعتقد أن آخرين في الشرق سيكونون سعداء للغاية".