أمريكا والاتفاق النووي.. أتون معركة داخلية محركها اسرائيل
كمال عبيد
2015-08-02 08:23
يموج الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية وسط معركة شرسة بين إدارة الرئيس باراك أوباما والكونجرس الأمريكي إذ يعمل بعض الجمهوريين منذ فترة طويلة على إفشال التوصل لاتفاق، بينما يرى المحللون المتخصصون بهذا الشأن انه ستواجه أي محاولة في الكونجرس لإلغاء الاتفاق معركة شاقة، ويتمتع الجمهوريون بالأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ لكنهم سيحتاجون دعما من عشرات من أعضاء الحزب الديمقراطي الذي ينتمي له أوباما لضمان إصدار "قرار بالرفض" وهو القرار الذي يمكن أن يعرقل الاتفاق.
لكن احتمالات حدوث ذلك محدودة، ويحتاج إصدار قرار بالرفض إلى تأييد الأغلبية الجمهورية وحسب في مجلس النواب لكنه يحتاج لأصوات ستة أعضاء ديمقراطيين على الأقل لتحقيق الأغلبية المطلوبة لتمرير القرار في مجلس الشيوخ وهي 60 صوتا.
وتبدو احتمالات حشد أصوات كافية لإلغاء استخدام أوباما شبه المؤكد لحق (الفيتو) اعتراضا على قرار الرفض المحتمل أقل.
لذا يرى اغلب المحللين ان الكونغرس الاميركي سيقف عقبة امام النووي الايراني، فليس مطلوبا من الكونغرس الاميركي ان يوافق على الاتفاق الذي تم التوصل اليه في فيينا حول الملف النووي الايراني، لكنه يستطيع تعطيل تطبيقه من قبل الرئيس باراك اوباما بعد ان توعدت الغالبية الجمهورية بعرقلته، كما شكك القادة الجمهوريون وبعض الديموقراطيين في الكونغرس الاميركي بالاتفاق النووي التاريخي الذي ابرم مع ايران، معتبرين انه يمنح طهران هامشا واسعا للمناورة ولا يحمي المصالح الامنية الاميركية.
في المقابل اكد اوباما انه سيعطل اي قرار يرفض الاتفاق، ويحتاج تجاوز هذا الفيتو الى غالبية الثلثين في مجلسي الكونغرس، وهي نسبة كبيرة، فالاتفاق الذي يأتي ثمرة مفاوضات شاقة استمرت سنتين، سيكون من ابرز الانجازات في حصيلة اوباما، وهو يبعد احتمالات تدخل عسكري لما كان من الممكن التكهن بنتائجه، في منطقة تشهد انعداما للاستقرار واضطرابات كثيرة.
ويثير الاتفاق بالطبع انتقادات، سواء في الولايات المتحدة او على الساحة الدولية، من اسرائيل الى دول الخليج. وحتى لو اجتاز خلال الاسابيع المقبلة مرحلة الكونغرس الاميركي الدقيقة، فان ابعاده الحقيقية لن تتكشف الا بعد عدة سنوات، اي بعد فترة طويلة على انتهاء ولاية اوباما، غير انه بوسع الرئيس الاميركي الرابع والاربعين ان يرى فيه منذ الان تكليلا لاحد المبادئ الجوهرية لسياسته الخارجية وهو اعطاء مجال للحوار، حتى مع اعداء اميركا.
وبعد اتفاق إيران يعتزم الرئيس الأمريكي باراك أوباما إرسال وزير دفاعه إلى الشرق الأوسط حيث يواجه مهمة شاقة لطمأنة حلفاء مثل إسرائيل أن الاتفاق النووي مع إيران لن يقوض التزام أمريكا تجاه أمنهم.
وحتى الآن لم يكشف البيت الأبيض سوى عن محطة واحدة في الجولة وهي إسرائيل حيث أدان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اتفاق وقال إنه "خطأ تاريخي مذهل"، وقال مسؤولون بوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) لرويترز إن وزير الدفاع أشتون كارتر سيتوجه إلى أماكن أخرى داخل المنطقة لكنه امتنع عن تقديم تفاصيل.
ويقول بعض المحللين ما يجري في امريكا بعد الاتفاق النووي يطرح سؤالاً مهماً هو ما حزمة التعويضات التي ستقدمها أمريكا لإرضاء إسرائيل بعد توقيع الاتفاق النووي؟، خصوصا وانها تمتلك لوبيات مؤثرة في الكونغرس الامريكي.
في حين يرى محللون آخرون انه على الرغم من توحد الجمهوريين بوجه عام بشأن هذه القضية ومعارضة بعضهم ومنهم مرشحون محتملون لانتخابات الرئاسة لعام 2016 للاتفاق بشراسة فإن من المرجح أن يكون الدور الرئيسي في هذا الأمر للمشرعين من الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه أوباما، وعليه فرغم من هذا التشكيك ومحاولات العرقلة سيكون من الصعب على الجمهوريين اقناع عدد كاف من الديموقراطيين بالتخلي عن اوباما وعرقلة الاتفاق، مما يعني ان الاتفاق النووي سيمر بأمان على الارجح.
كيري يحذر الكونجرس
في سياق متصل كثف وزير الخارجية الأمريكية جون كيري مساعيه لتفنيد انتقادات للاتفاق النووي الإيراني وإقناع أعضاء الكونجرس بأن رفضه سيفتح لطهران الباب للحصول على سلاح بسرعة ويتيح لها مليارات الدولارات المجمدة بسبب العقوبات.
وقال الوزير للجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي "إيران وافقت وللأبد على التوقف عن إنتاج أو الحصول على يورانيوم عالي التخصيب أو بلوتونيوم يمكن تطويره للاستخدام لإنتاج أسلحة نووية"، وأضاف "حين يتعلق الأمر بالتحقق والمراقبة فلا توجد أي نهاية في هذا الاتفاق، لا في عشر سنوات ولا في 15 سنة ولا في 20 سنة ولا في 25 سنة.. لا نهاية على الإطلاق، "اذا أحبطتم الاتفاق فإنكم لا تساعدون بهذه الطريقة على أن تصبح أمريكا أكثر أمنا"، وحضر كيري الجلسة أمام اللجنة برفقة وزير الخزانة جاك لو ووزير الطاقة إيرنست مونيز في محاولة لإقناع الأعضاء المتشككين في الكونجرس من أجل دعم الاتفاق. بحسب رويترز.
كان واضحا أن صبر كيري نفد في بعض الأوقات. وقال إنه استمع لشكاوى عديدة محورها ما لا يحققه الاتفاق بينما لم يقدم المعترضون أي بديل، وقال "ما يفترض أن يحققه هذا الاتفاق هو منعهم من الحصول على سلاح نووي، الآن أريد أن أسمع من يقول لي كيف سيمنعهم من الحصول على سلاح نووي بدون هذا الاتفاق"، وأكد كيري أن انسحاب الولايات المتحدة سيقودها للعزلة.
وعبر أعضاء جمهوريون وديمقراطيون عن قلقهم لاحتجاز أربعة أمريكيين في السجون الإيرانية. وقال كيري إنه يجري محادثات "مباشرة" مع طهران عن هؤلاء السجناء، ويساور آخرون القلق بشأن دعم إيران لمسلحين يقاتلون حلفاء للولايات المتحدة، ويقول كثير من الديمقراطيين إنهم لم يتخذوا حتى الآن قرارا بشأن التصويت حين يعود أعضاء الكونجرس في سبتمبر أيلول بعد عطلة مدتها خمسة أسابيع.
شكوك الكونغرس ولوبي اسرائيل
على صعيد ذي صلة شكك القادة الجمهوريون وبعض الديموقراطيين في الكونغرس الاميركي بالاتفاق النووي التاريخي الذي ابرم مع ايران، معتبرين انه يمنح طهران هامشا واسعا للمناورة ولا يحمي المصالح الامنية الاميركية.
وكان بعض اعضاء الكونغرس اكدوا انهم مستعدون لرفض الاتفاق لانه لا يتضمن وقف عمليات التخصيب ولا يضمن عمليات تفتيش في اي وقت او موقع، ورأى المرشحون الجمهوريون للرئاسة الاميركية خلفا لباراك اوباما ان الاتفاق يعزز سلطة الملالي في ايران بدلا من التصدي لها، وقال احد هؤلاء المرشحين جيب بوش "هذه ليست دبلوماسية - هذه تهدئة".
وقال رئيس مجلس الشيوخ جون باينر ان الاتفاق "غير مقبول" مؤكدا انه اذا كان النص كما فهمه "فسنفعل اي شيء يمكن ان يوقفه"، وبموجب قانون اقر في ايار/مايو، امام البرلمانيين 60 يوما للنظر في الاتفاق.
وستجري مناقشات في جلسات الاستماع العلنية التي يمكن ان تبدأ الاسبوع المقبل. وطلب المشرعون ايضا بعض الجلسات المغلقة للاستماع لبعض الشخصيات الرسمية حول الجوانب التقنية للاتفاق، ويمكن للكونغرس بعد ذلك ان يوافق على الاتفاق او يرفضه او لا يتبنى اي موقف منه.
واصطف الجمهوريون وراء باينر في التعبير عن مواقفهم المعارضة للاتفاق، وقال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بوب كوركر "ابدأ بالتشكيك بعمق في ان الاتفاق يحقق فعليا هدف منع ايران من الحصول على سلاح ذري"، واضاف ان الكونغرس "سيحتاج الى التدقيق في الاتفاق ومعرفة ما اذا كان تطبيقه يستحق تفكيك نظام العقوبات الذي بني بجهود شاقة واحتاج لاكثر من عقد لاقامته".
اما الديموقراطية دايان فينستين التي شغلت في الماضي مقعدا في لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ فقد دعت البرلمانيين الى دراسة الاتفاق بدقة قبل اصدار احكام عليه. وقالت "مما اراه انه جيد وافضل ما يمكن التوصل اليه"، واكد اعضاء في الحزبين ان تسويق الاتفاق في الكونغرس سيكون امرا صعبا.
وقال السناتور الديموقراطي روبرت مينينديز احد مهندسي العقوبات الصارمة ضد طهران "اخشى ان تكون الخطوط الحمر التي رسمناها تحولت الى خطوط خضر وان تكون ايران مطالبة بالحد من برنامجها النووي وليس تفكيكه بينما الاسرة الدولية مطالبة برفع العقوبات"، واضاف ان "الامر يعني ان الاتفاق لا ينهي البرنامج النووي الايراني بل يبقيه".
وتساءل بعض الديموقراطيين علنا عن سبب معارضة المرشحين الجمهوريين الكاملة للاتفاق قبل قراءته، وقال الرجل الثاني في الكتلة الديموقراطية في مجلس الشيوخ ديك داربن "الغريب ان الجمهوريين يقفون ويقولون انهم ضد الاتفاق بينما لم يجف الحبر الذي كتب به بعد. نريد ان نقرأه ثم نتخذ موقفا متعقلا منه".
وحذر عدد من البرلمانيين من ان الاتفاق يكافىء ايران بمليارات الدولارات بفضل رفع العقوبات، وقال السناتور الجمهوري لينسدي غراهام المرشح بدوره للسباق الرئاسي ان اوباما ووزير الخارجية الاميركي جون كيري كانا "ساذجين بخطورة" في تعاملهما مع ايران، واضاف "اخذنا اكبر دولة راعية للارهاب في العالم ومنحناها المال لتزيد نشاطاتها الارهابية"، مثل تمويل حزب الله وحركة حماس والرئيس السوري بشار الاسد، وفق تعبيره.
انصار اوباما
الى ذلك قالت نانسي بيلوسي زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب الأمريكي إن الاتفاق النووي مع إيران سيحظى بدعم قوي منها وإنها ستقنع زملاءها كي يصوتوا لصالحه، واضافت أنها متفائلة بشأن مصير الاتفاق في الكونجرس. ووصفت الاتفاق بأنه "أفضل خيار ممكن"، وقالت بيلوسي خلال مؤتمرها الصحفي الأسبوعي حيث كانت تمسك بنسخة من الاتفاق النووي "أنا متفائلة للغاية بشأن تصويتنا لدعم الرئيس". بحسب رويترز.
وأضافت بيلوسي "أؤكد بالفعل .. أن الناس لديهم إجابات على ما يعن لهم من أسئلة وقد أوضحت لهم موقفي الشخصي من القضية ولماذا أعتقد أنها اتفاقية جيدة"، وبموجب تشريع ووفق عليه بأغلبية ساحقة في الكونجرس ووقعه أوباما ليصبح قانونا في مايو أيار فإن أمام مجلسي النواب والشيوخ 60 يوما كي يقررا إما السماح بسريان الاتفاق أو التصويت بالموافقة عليه أو رفضه.
ومن شأن قرار بالرفض أن يصيب الاتفاق بالشلل لانه سيعطل قدرة أوباما على رفع معظم العقوبات الأمريكية على إيران وهو بند أساسي في الاتفاق النووي، وتعهد أوباما باستخدام حق النقض ضد أي قرار بالرفض، ويعارض الجمهوريون بشدة الاتفاق النووي.
وقال جون بينر رئيس مجلس النواب وهو جمهوري خلال مؤتمره الصحفي الأسبوعي إن "من الواضح" أن أغلبية أعضاء مجلسي النواب والشيوخ يعارضون هذا الاتفاق النووي، لكن معارضي الاتفاق يحتاجون لأغلبية الثلثين في مجلسي الشيوخ والنواب لتجاوز حق النقض. وسيعني هذا أن يصوت عشرات الديمقراطيين ضد مسعى الرئيس وبيلوسي حتى يصبح قرار الرفض نافذا.
"ما زلت في بداية عملي على الساحة الدولية". بتلك العبارة اقر باراك اوباما عند تلقيه جائزة نوبل للسلام في بداية ولايته الاولى بالجدل الذي اثارته تلك الجائزة التي فاجأت الجميع. وبعد حوالى ست سنوات، ها هو يحقق نجاحا دبلوماسية كبيرا مع توقيع الاتفاق حول البرنامج النووي الايران.
وقال لدى تلقيه جائزة نوبل في اوسلو في كانون الاول/ديسمبر 2009 انه يجب عدم ادخار اي جهد من اجل ايجاد توازن "بين العزلة والتعاون، بين الضغوط والحوافز"، مرددا قناعته بان "العقوبات بدون اليد الممدودة والادانات بدون المناقشات" محكومة بالفشل. بحسب فرانس برس.
وفيما اقام سلفه جورج دبليو بوش لائحة بالدول "المارقة" راسما فيها "محور الشر" الذي بات يشتهر به، فان اوباما حاول انتهاج الانفتاح، فقام حتى في ايلول/سبتمبر 2013 بخطوة لم تكن واردة على الاطلاق من قبل كسر فيها احد الحواجز، اذ اجرى مكالمة هاتفية مع نظيره الايراني حسن روحاني، وقد اكد الرئيس الاميركي باراك اوباما ان الاتفاق النووي مع ايران يتيح الفرصة لاتباع مسار جديد في العلاقات مع ايران لكنه وعد اسرائيل المشككة في الاتفاق بعدم التخلي عنها.