الفساد الممنهج يهدد الديمقراطية وحقوق الإنسان
مؤشر مدركات الفساد لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
وكالات
2022-02-13 06:36
مع معدل عام يبلغ 39 درجة من أصل 100 للعام الرابع على التوالي، تكافح الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتحقيق نتائج ملموسة في مكافحة الفساد. لم يسجل أي بلد في المنطقة تحسناً ملحوظاً على مؤشر مدركات الفساد لعام 2021 في العقد الماضي. بحسب تقرير لمنظمة الشفافية الدولية.
لقد سمح سوء السلوك السياسي الممنهج والمصالح الخاصة التي يتم تحقيقها على حساب المصلحة العامة بتعرّض المنطقة - التي دمرتها بالفعل صراعات كثيرة طويلة الأمد – لمزيد من الدمار بسبب الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان خلال جائحة كوفيد-19.
الإمارات العربية المتحدة (التي حصلت على درجة 68 على مؤشر مدركات الفساد) وقطر (63) هي الأفضل أداءً في المنطقة، بينما كانت ليبيا (17)، واليمن (16) وسوريا (13) التي مزقتها الحرب هي الأسوأ.
استشراء الفساد السياسي
بعد ما يقرب من عقد من احتجاجات الربيع العربي التي اجتاحت المنطقة، لا يزال الفساد السياسي يعيق مكافحة الفساد والتقدم نحو الديمقراطية.
أصبحت تونس (التي حصلت على درجة 44 على مؤشر مدركات الفساد)، والتي أشعلت تلك السلسلة من الاحتجاجات في أوائل عام 2011، مثالاً مؤسفاً على كيفية خسارة المكاسب الديمقراطية. لقد أُغرقت الديمقراطية الواعدة التي أعقبت دكتاتورية استمرت 31 عاماً مؤخراً في حالة من عدم اليقين. فقد سيطر الرئيس المنتخب قيس سعيّد على السلطة التشريعية، ممدِّداً بذلك "تجميد" البرلمان التونسي المستمر منذ أشهر. وتشمل التدابير المقلقة الأخرى وضع رئيس البرلمان تحت الإقامة الجبرية، الأمر الذي يضعف آليات المساءلة القائمة ويثير مخاوف بشأن مصير المبلغين عن الفساد.
الأردن يفشل في تحقيق تحسّن
بسبب الفساد السياسي والسياسات الحكومية غير الكفؤة بشكل عام، ظل الأردن (49) عالقاً على نفس الدرجة منذ خمس سنوات. ارتفاع معدل التغييرات في المناصب الحكومية والوزارية -أربع تعديلات وزارية في عام 2021 وحده- جعل مكافحة الفساد صعبة، حيث تضع كل حكومة جديدة أولوياتها الخاصة بدلاً من البناء على عمل سابقاتها. وقد عانت منظمات المجتمع المدني من عمل الحكومة على تقييد جهودها. ساهم هذا النهج قصير النظر في عدم وجود إصلاحات مستدامة في الأردن. كما يساعد الفصل الضئيل بين السلطة التنفيذية والبرلمان على الفساد، وكذلك المماطلة في إجراء الإصلاحات الديمقراطية التي أُطلقت الوعود بإجرائها منذ سنوات.
خلال جائحة كوفيد-19، ذُكر أن الحكومة أساءت استخدام إجراءات السلامة لانتهاك حريات التجمع والتعبير. وشكّل قانون الأمن السيبراني لعام 2019 أداة حاسمة للحد من هذه الحقوق وتقييد الوصول إلى المعلومات. حتى أن الحكومة لجأت إلى اعتقال وسجن الصحفيين لانتقادهم استجابة الدولة للجائحة.
انهيار درجة لبنان
في لبنان (24)، تسبب ارتفاع مستويات الفساد السياسي في أزمات متعددة، ومنها الانفجار المأساوي في مرفأ العاصمة عام 2020. حتى قبل هذه المأساة، طالبت الاحتجاجات المستمرة منذ تشرين الأول/أكتوبر 2019 بإصلاحات منهجية. وفي أعقاب انفجار بيروت، غرق لبنان في الانهيار الاقتصادي وعدم الاستقرار السياسي، حيث استمر دون حكومة لمدة 13 شهراً. وقوبلت الاحتجاجات واسعة النطاق من قبل المواطنين اللبنانيين على الفساد السياسي والانهيار الاقتصادي بالاضطهاد والقمع الشديد للحقوق الأساسية من قبل السلطات، حتى مع فشل الطبقة السياسية اللبنانية في معالجة الأزمات المتفاقمة. ولذلك ليس من المفاجئ أن يتراجع لبنان، منخفضاً 6 نقاط (من 30) على مؤشر مدركات الفساد منذ عام 2012.
عدة قوانين صدرت خلال العامين الماضيين لم تصبح حتى قريبة من التنفيذ. كما يعاني لبنان أيضاً من أوجه قصور كبيرة في عمليات المشتريات العامة والشفافية المالية. في حزيران/يونيو 2021، وفي محاولة لاستعادة الثقة في الحكومة بعد انفجار بيروت، تبنى البرلمان قانوناً جديداً للمشتريات العامة. يحتوي القانون على ثغرات مثيرة للقلق تسمح بعدم الإفشاء بالمعلومات وبتضارب المصالح وبإبقاء أسماء أصحاب الشركات مخفية، من بين ثغرات أخرى مثل عدم إعطاء دور لمنظمات المجتمع المدني.
من بين جميع الشركات في الملاذات الضريبية الآمنة في العالم التي تم الكشف عنها في تسريبات "أوراق باندورا"، تبين أن السياسيين ورجال الأعمال اللبنانيين يمتلكون العدد الأكبر منها – وهو عدد هائل يبلغ 346 شركة. وعلى الرغم من أن التسريبات ذكرت أسماء العديد من الشخصيات العامة والمكشوفة سياسياً، إلا أنه لم يتم إجراء أي تحقيق من قبل السلطات اللبنانية.
انتشار الواسطة
الاستخدام الفاسد للعلاقات الشخصية - المعروفة باسم ’الواسطة‘ - يعزز عدم المساواة في جميع أنحاء المنطقة. وفقاً لمقياس الفساد العالمي 2019 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، فإن واحداً من كل خمسة مواطنين في الدول العربية دفع رشوة، وأكثر من واحد من كل ثلاثة استخدم العلاقات الشخصية لتلقي خدمات عامة أساسية مثل التعليم والرعاية الصحية.
في العراق (21)، تتعرض الجهود المبذولة لتفكيك الفساد الممنهج من قبل نظام حوكمة قائم على تقاسم السلطة أضعفته الطائفية للعرقلة. وقد أدى ذلك إلى تعيين موظفين في مؤسساتهم بسبب الولاء الطائفي والعلاقات الشخصية وليس على أساس الكفاءة. ومن الطبيعي ألاّ تُظهر مثل تلك المؤسسات مساءلة عامة تذكر، وبدلاً من ذلك تكون مدفوعة بالمواقف والقوة السياسية لكل مجموعة.
الحريات المدنية تتعرض للهجوم
لم يكن الأردن الدولة العربية الوحيدة التي تدهور فيها الفضاء المدني والوصول إلى المعلومات مؤخراً. وقد أدت جائحة كوفيد-19 إلى تفاقم هذه النزعة.
في المغرب (39)، لم يقتصر قانون الطوارئ على حرمان المواطنين من حرياتهم في التنقل والتجمع والكلام فحسب، بل تم استخدامه أيضاً كغطاء قانوني لاستهداف منتقدي الحكومة والمدافعين عن حقوق الإنسان الذين رفعوا الصوت انتقاداً لسوء إدارة استجابة البلاد للجائحة.
كانت مصر (33) واحدة من الدول الأسوأ أداءً هذا العام، مع قيام السلطات بمعاقبة المعارضة واحتجاز الصحفيين، والسياسيين والناشطين. قوبلت الاحتجاجات برد وحشي، بما في ذلك الاستخدام غير القانوني للقوة والاعتقالات الجماعية. ولا تزال حريات التجمع والتعبير مقيدة بشدة في البلاد.
خلل في الدول ذات الأداء الأفضل
قد تكون الإمارات العربية المتحدة (69) وقطر (63) من أفضل دول المنطقة أداءً، لكن كلتاهما نجتا من فضائح كبرى عابرة للحدود. فقد كشفت تحقيقات أوراق باندورا عن استخدام حسابات في الملاذات الضريبية الآمنة في العالم من قبل أمير قطر ورئيس الوزراء السابق للبلاد، إلى جانب نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ورئيس وزرائها. وقد أبرزت مجموعة العمل المالي الثغرات في أطر مكافحة غسل الأموال في قطر والإمارات على حد سواء وأوجه القصور في الكشف عن الأشخاص الذين يقفون وراء الشركات المجهولة. وقد عززت أوجه القصور هذه سمعة البلدين كبؤرتين للأموال القذرة.
كانت سجلات قطر والإمارات في مجال حقوق الإنسان وحرية التعبير مريعة. ففي كانون الثاني/يناير 2020، أقرّت الحكومة القطرية قانوناً صيغ بشكل غامض لمعاقبة طيف واسع من أنشطة التعبير عن الرأي والنشر. وما يزال 25 شخصاً في السجن في الإمارات العربية المتحدة بسبب الاحتجاج والمعارضة السياسية السلمية، بمن فيهم محامون وأكاديميون ومدافعون عن حقوق الإنسان.
في هذه الأثناء، فإن نظام الكفالة في المنطقة يمنح أصحاب العمل سلطة غير متناسبة على العمال المهاجرين، بما في ذلك وضع إقامتهم والقدرة على توجيه اتهامات جنائية بحقهم. ويعتقَد أن هذا النظام يعزز الفساد، حيث أن القوة الهائلة الموضوعة في أيدي أصحاب العمل تؤدي إلى تغييرات فورية وغير قانونية في كثير من الأحيان في قواعد العقود. وهذا يترك العمال الضعفاء أصلاً عرضة لخطر التعرض للابتزاز. خلال الاستعدادات لكأس العالم لكرة القدم في عام 2022 في قطر، عمل العمال المهاجرون العاملون في مواقع بناء الملاعب لشهور دون أجر. لا يُسمح لهم بتكوين نقابات أو الانضمام إليها، وغالباً ما يعيشون ويعملون فيها في ظروف من الاكتظاظ وعدم توفر الشروط الصحية.
اعتمدت نجاحات مكافحة الفساد في دول الخليج الأفضل أداءً حتى الآن على التبسيط الإداري. إلاّ أن الجمود ساد خلال العقد الماضي بشكل يُظهر محدودية نهج العمل من القمة إلى القاعدة الذي لا يشرك المجتمع المدني أو الصحافة الحرة. علاوة على ذلك، لا تتمتع المؤسسات العامة ولا السلطة القضائية بالاستقلال، ولا يُطبَق القانون على الجميع بالتساوي. يتم الكشف عن الفساد هنا من خلال التحقيقات الدولية، وليس عبر التدقيق من داخل البلاد.
الطريق إلى الأمام
الفساد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ممنهج، ويضرب جذوراً عميقة سواء في المؤسسات أو في الحياة اليومية. من الفساد السياسي رفيع المستوى إلى الواسطة إلى الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ثمة مجموعة من القضايا التي تتوجب معالجتها لتمكين المواطنين وتحريرهم من الفساد.
يجب أن تبدأ الحكومات بترسيخ مبادئ ديمقراطية متينة تسمح بالمساءلة من خلال الالتزام بالإصلاحات، وبناء مؤسسات قوية ومستقلة، واحترام الفصل بين السلطات. كما يجب عليها أيضاً حماية الفضاء المدني ووسائل الإعلام والمُبلغين عن الفساد، بحيث تتمكن جميع أجزاء المجتمع من الانضمام بشكل جماعي إلى جهود مكافحة الفساد.