مفاوضات الفرصة الأخيرة في فيينا هل تنهار؟
وكالات
2021-12-15 06:45
أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن الولايات المتحدة تُحضّر بشكل "نشط" مع حلفائها "بدائل" للاتفاق النووي الايراني في حال فشلت مفاوضات فيينا الرامية إلى انقاذه.
وقال بلينكن خلال مؤتمر صحافي في العاصمة الاندونيسية جاكرتا "قريبًا يفوت الأوان، ولم تنخرط ايران بعد في مفاوضات حقيقية"، مردداً الملاحظات التي أبداها في اليوم السابق الأوروبيون المشاركون في المفاوضات مع طهران.
وأضاف أنه "ما لم يحصل تقدم سريع ... فإن الاتفاق النووي الإيراني سيصبح نصا فارغا"، في تصريح يذكر بموقف المفاوضين الألمان والبريطانيين والفرنسيين.
وشدّد على أن "ما نراه حتى الآن هو أن ايران تهدر وقتًا ثمينًا في الدفاع عن مواقف لا تنسجم مع عودة" إلى اتفاق العام 2015. بحسب فرانس برس.
وإذ اعتبر أن الدبلوماسية لا تزال "حتى اليوم" تعتبر "الخيار الأفضل"، أضاف "لكننا نناقش بشكل نشط بدائل مع حلفائنا وشركائنا".
غير أن بلينكن لم يوضح إن كان يعتبر على غرار ما قال نظيره البريطاني، أن المفاوضات الحالية في فيينا تُشكّل "الفرصة الأخيرة" لايران.
وأبرمت إيران وكل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين وألمانيا، اتفاقا في 2015 بشأن برنامجها النووي أتاح رفع الكثير من العقوبات التي كانت مفروضة عليها، وذلك مقابل الحدّ من نشاطاتها النووية وضمان سلمية برنامجها.
الا أن مفاعيل الاتفاق باتت في حكم اللاغية منذ العام 2018، عندما انسحبت الولايات المتحدة منه أحادياً في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب وأعادت فرض عقوبات اقتصادية قاسية على إيران.
وبعد نحو عام من الانسحاب الأميركي من الاتفاق، تراجعت إيران تدريجيا عن تنفيذ غالبية التزاماتها الأساسية بموجبه.
استؤنفت المفاوضات غير المباشرة بين ايران والولايات المتحدة بوساطة من الأوروبيين خصوصا، في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر في فيينا في محاولة لانقاذ الاتفاق النووي، ولكن بدون إحراز تقدم ملموس.
مقترحات لا تتماشى مع بنود الاتفاق النووي
وقال مسؤولون دبلوماسيون من الدول الأوروبية الثلاث المشاركة في مفاوضات فيينا لوكالة فرانس برس، إن إيران قدمت مقترحات "لا تتماشى" مع الاتفاق النووي المبرم عام 2015.
وأعرب الدبلوماسيون من فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة عن أسفهم لأنه "لم يتسن حتى الآن الدخول في مفاوضات حقيقية". وأضافوا "نضيع وقتا ثمينا في مناقشة مواقف ايرانية جديدة لا تتماشى مع خطة العمل الشاملة المشتركة أو تتجاوز ما تنص عليه".
بعد توقف دام خمسة أشهر، استُؤنفت المفاوضات لإحياء الاتفاق النووي الإيراني في 29 تشرين الثاني/نوفمبر في فيينا، بمشاركة الدول التي لا تزال أطرافًا في الاتفاق، وهي الدول الأوروبية الثلاث بالإضافة إلى الصين وروسيا وإيران.
أما الولايات المتحدة التي انسحبت أحاديا من الاتفاق عام 2018 وأعادت فرض عقوبات على طهران في عهد الرئيس دونالد ترامب، فهي تشارك بشكل غير مباشر.
وتابع الدبلوماسيون أن "الوضع محبط لأن الخطوط العريضة لاتفاق عادل وشامل يسمح برفع كافة العقوبات المرتبطة بخطة العمل الشاملة المشتركة والاستجابة لمخاوفنا بشأن عدم الانتشار معروفة بوضوح منذ الصيف الماضي".
ونبّهوا أن "الوقت ينفد. وبدون إحراز تقدم سريع، في ضوء التقدم السريع لبرنامج إيران النووي، ستصبح خطة العمل الشاملة المشتركة قريبا إطارا فارغا".
من جهته، أكد كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري الأحد إحراز تقدم في تحديد جدول أعمال الموضوعات التي ستناقش في محادثات فيينا.
وقال باقري في تصريحات أوردتها وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء (ارنا) بالعربية إن "الجانبين يمضيان قدما من أجل التوصل إلى إجماع واضح بشأن نطاق وحدود القضايا التي ستدرج في جدول المفاوضات".
واعتبر الدبلوماسي الإيراني ذلك "انجازا جيدا... لو تمكنا خلال المرحلة الراهنة من التوصل الى هذا الاجماع، سيكون مهما لأنه منذ البداية كانت هناك خلافات بين الطرفين في هذا الخصوص".
لكن الدول الغربية اتهم إيران بالتراجع عن نقاط التوافق المحرزة في الربيع. وقد أبدت الخارجية الأميركية شكوكا في أن طهران تريد كسب الوقت مع مواصلة برنامجها النووي الذي يقربها أكثر فأكثر من تطوير سلاح ذريّ.
وحذرت واشنطن في الأيام الأخيرة من أنها لن تسمح لطهران بمواصلة ذلك، وأكدت أن خطة بديلة قيد الإعداد، بدون أن توضح طبيعتها.
الفرصة الأخيرة
من جهتها حذرت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس في ختام اجتماع لمجموعة السبع في ليفربول من أن المفاوضات التي استؤنفت لانقاذ الاتفاق النووي الايراني هي "الفرصة الأخيرة أمام ايران" لاعتماد موقف "جدي".
وقالت الوزيرة البريطانية التي تتولى بلادها حاليا رئاسة مجموعة السبع "إنها الفرصة الأخيرة أمام ايران للمجيء الى طاولة المفاوضات مع حل جدي لهذه المشكلة".
وشددت على أنه "لا يزال هناك وقت لإيران كي تأتي وتقبل هذا الاتفاق" لكن "هذه هي الفرصة الأخيرة" وحثت طهران على تقديم "اقتراح جدي".
وقالت في مؤتمر صحافي في ليفربول بشمال إنكلترا "من المهم أن تقوم بذلك لاننا لن نسمح لايران بامتلاك السلاح النووي".
استؤنفت المفاوضات غير المباشرة بين ايران والولايات المتحدة بوساطة من الأوروبيين خصوصا، في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر في فيينا في محاولة لانقاذ الاتفاق النووي المبرم عام 2015 والهادف لمنع الجمهورية الاسلامية من امتلاك السلاح الذري.
وتهدف محادثات فيينا إلى إحياء الاتفاق المبرم بين إيران وست قوى كبرى (الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا، الصين، وألمانيا) عام 2015 بشأن برنامج طهران النووي، بعد أعوام من التوتر والمفاوضات الشاقة.
وأتاح الاتفاق رفع الكثير من العقوبات المفروضة على الجمهورية الإسلامية، في مقابل تقييد أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها.
الا أن مفاعيل الاتفاق باتت في حكم اللاغية مذ قررت الولايات المتحدة الانسحاب أحاديا منه عام 2018 في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب الذي أعاد فرض عقوبات قاسية على طهران. من جهتها، قامت الأخيرة بعد نحو عام من الانسحاب الأميركي، بالتراجع تدريجا عن تنفيذ غالبية التزاماتها الأساسية بموجبه.
بحسب ليز تراس فان اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع عبر عن جبهة موحدة في مواجهة موسكو التي يتهمها الغربيون منذ أسابيع بالتحضير لاجتياح محتمل لاوكرانيا رغم نفي الكرملين ذلك.
وقالت الوزيرة البريطانية إن اجتماع ليفربول أظهر "الصوت الموحد لدول مجموعة السبع التي تمثل 50% من إجمالي الناتج الداخلي العالمي وهو واضح جدا" حول واقع "انه ستكون هناك عواقب هائلة على روسيا في حال غزو أوكرانيا".
وكان التهديد بعقوبات غير مسبوقة صدر في الأيام الماضية عن واشنطن وخصوصا الرئيس جو بايدن الذي تحدث هاتفيا مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين.
هل وصلت المفاوضات إلى نقطة الانهيار؟
كيف يمكن إنقاذ الاتفاق الدولي بشأن النووي الإيراني المحتضر منذ انسحاب الولايات المتحدة منه عام 2018؟ تجري محاولة الإجابة على هذا السؤال في المفاوضات الشاقة الجارية في فيينا خلف أبواب مغلقة.
عُقدت الجولة الأولى من المحادثات بين نيسان/أبريل وحزيران/يونيو بمشاركة الدول التي لا تزال أطرافا في "خطة العمل الشاملة المشتركة"، ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة والصين وروسيا وإيران.
وأفاد دبلوماسي أوروبي أن المحادثات الأولى قادت إلى إنجاز "70 إلى 80 بالمئة من العمل" حول نقطتي رفع العقوبات الأميركية وعودة إيران إلى التزاماتها النووية.
لكن انتخاب المحافظ المتشدد إبراهيم رئيسي رئيسا لإيران في حزيران/يونيو أدى إلى تعليق المفاوضات.
استؤنفت الاجتماعات في 29 تشرين الثاني/نوفمبر مع "شعور بأن الأمر ملح أكثر من المعتاد"، بحسب منسق المفاوضات الأوروبي إنريكي مورا.
تم توسيع الوفود (40 عضوا لإيران وحدها) ونقل مقر المفاوضات إلى قصر كوبورغ المهيب حيث أبرم الاتفاق التاريخي عام 2015.
وتجري الاجتماعات ذات الصيغ المتعددة (ثنائية وثلاثية الأطراف وعلى مستوى الخبراء) حتى وقت متأخر من الليل في جو مثابر، وفق ما تظهر الصور التي نشرتها شخصيات مشاركة على الإنترنت.
لا يلتقي الأميركيون والإيرانيون أبدا حول طاولة واحدة، وهو ما يبطئ المهمة بشكل كبير لاضطرار الدبلوماسيين الأوروبيين للتنقل بين وفدي البلدين. ويقيم الوفد الأميركي في مبنى منفصل يقع في مكان قريب من قصر كوبورغ.
بمجرد استئناف المفاوضات، حذرت واشنطن طهران من إطالة النقاشات، لكنها لم توجه لها إنذارا نهائيا حتى الآن.
وأبدى الأوروبيون مواقف مشابهة، وقد حذر مسؤولون أوروبيون كبار من أن "الوقت ينفد. وبدون إحراز تقدم سريع، في ضوء التقدم السريع لبرنامج إيران النووي، ستصبح خطة العمل الشاملة المشتركة قريبا إطارا فارغا".
منذ بداية العام، اتخذت إيران عدة خطوات في برنامجها النووي، إذ رفعت معدل تخصيب اليورانيوم إلى مستويات غير مسبوقة قريبة من نسبة 90 بالمئة اللازمة لصنع قنبلة ذريّة.
وأشار الدبلوماسيون الأوروبيون إلى أن المشكلة الرئيسية تتعلق بشروط إيران "الجذرية" ومقترحاتها التي "لا تتماشى مع خطة العمل الشاملة المشتركة أو تتجاوز ما تنص عليه".
من جهته، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن "قريبا يفوت الأوان، ولم تنخرط إيران بعد في مفاوضات حقيقية".
وأبدى دبلوماسي في تصريح لوكالة فرانس برس امتعاضه من "النقاشات الطويلة".
وأضاف "نبحر دون أشرعة. الأمر مثل رقصة: خطوة إلى الوراء وأخرى إلى الأمام، الوضع يختلف من يوم لآخر"، وأكد مع ذلك أن "النقاشات صعبة ولكننا نحتاجها".
تشدد إيران على ضرورة "الرفع الكامل للعقوبات غير العادلة وغير الإنسانية" التي أعاد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب (2017-2021) فرضها. والمفاوضات متعثرة أساسا حول طبيعة العقوبات التي سترفعها واشنطن والضمانات التي تطالب بها إيران.
لكن كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري أكد الأحد إحراز تقدم في تحديد جدول أعمال الموضوعات التي ستناقش في المحادثات.
وباقري الذي يشغل منصب نائب وزير الخارجية ينتمي إلى معسكر المحافظين المتشددين وعارض الاتفاق عام 2015.
واعتبر المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي بهادري جهرني أنه "لو توفرت لدى الأطراف الغربيين إرادة جدية بشأن إلغاء الحظر" فإنه "سيتم التوصل الى اتفاق قطعا"، وفق ما نقلت عنه وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء (ارنا) بالعربية.
ودان جهرني ما وصفه بأنه "حرف للحقائق في ما يخص وقائع المفاوضات"، وأكد أنه يتم "الترويج لتصريحات مغلوطة في هذا الخصوص".
وتبقى روسيا والصين متحفظتين، وقد نقلت وكالة "تاس" الروسية عن السفير ميخائيل أوليانوف تأكيده تسجيل تقدم مع استمرار العديد من المسائل عالقة، مثل مصير أجهزة الطرد المركزي المستخدمة في تخصيب اليورانيوم.
أي سيناريوهات متوقعة؟
اعتبر دبلوماسي مشكك في إمكانية التوصل إلى اتفاق أن "كل ما يتطلبه الأمر هو قرار سياسي" من المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي لتحريك النقاشات.
وأضاف أنه علاوة على الجانب الاقتصادي للعقوبات التي تخنق الاقتصاد الإيراني، تعرف طهران أن "أزمة انتشار (أسلحة نووية) في هذه المنطقة يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة".
من جهته، أكد بلينكن أن الولايات المتحدة تعمل "بشكل نشط" على إعداد "بدائل" في حال فشل المفاوضات.
يمكن لواشنطن أن تطلب عقد اجتماع استثنائي لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بحلول نهاية كانون الأول/ديسمبر لإدانة عدم تعاون إيران، كما يشير علي فائز المتخصص في الملف في منظمة "انترناشيونال كرايسس غروب".
وتواصل الوكالة التابعة للأمم المتحدة المسؤولة عن مراقبة الطبيعة السلمية للبرنامج النووي الإيراني، إدانة العراقيل التي تعترض عمليات التفتيش التي تقوم بها الجمهورية الإسلامية.
أما المعارضون لاتفاق 2015، فيحضّون واشنطن على مضاعفة الضغط الاقتصادي والدبلوماسي على إيران، قبل اللجوء إلى خيار عسكري محتمل.