مشهد الحرب في سوريا.. التصعيد العسكري يقلص الحلول السياسية

كمال عبيد

2015-07-23 06:33

مع استمرار نزيف معارك الكر والفر في الحرب السورية، يبدو أن الاوضاع الامنية والسياسية والاقتصادية ستزداد سوءا في المستقبل القريب، بسبب الاستنزاف المستمر والتخريب التدميري، فضلا عن التناحر المضطرد ذو الطابع الطائفي الذي تقوده جماعات مسلحة تحارب بالوكالة، فقد اظهرت التطورات الميدانية على الصعيد العسكري ديمومة السجال في هذه الحرب الغامضة والمجهولة النتائج، وذلك على غرار استهداف اربع بلدات شيعية في شمال سوريا من لدن الجماعات الارهابية، رداً على تقدم الجيش السوري وحزب الله في مدينة الزبداني قرب الحدود اللبنانية، وهذا سيشعل لهيب الصراع الحربي خلال الفترة المقبلة على نحو مضطرد، مما قد يشكل مشهداً مأساوياً لحرب مفتوحة على كل الاحتمالات.

ففي الآونة الاخيرة بدأ الجيش السوري يستعيد زمام المبادرة بعد التقدم في مدينة الزبداني التي تمثل آخر مدينة حدودية مع لبنان في منطقة ريف دمشق. ويرى المحللون ان السيطرة على مدينة الزبداني ستمثل مكسبا استراتيجيا للرئيس بشار الأسد الذي يقاتل جيشه في عدة جبهات جماعات بينها مقاتلي المعارضة غير الجهاديين ومتشددي تنظيم داعش، كما يمثل التغلب على الجماعات المسلحة في سوريا أيضا ممرا لحزب الله لنقل المقاتلين والأسلحة، وتشرف الزبداني على الطريق العام بين دمشق وبيروت، وتعتبر استراتيجية لحزب الله اكثر منها لمقاتلي المعارضة المحاصرين منذ اكثر سنتين فيها، ومن شأن سيطرة الحزب عليها ان تسهل تنقلاته وامداداته بين سوريا ولبنان.

في حين يرى محللون آخرون يبدو أن الدفعة التي ساعدت الجماعات المقاتلة في سوريا على تحقيق سلسلة من الانتصارات الخاطفة على قوات الرئيس بشار الأسد تباطأت وتيرتها في هجومين كبيرين للسيطرة على مدينتي حلب في الشمال ودرعا في الجنوب، وهذا له أسباب منها إصرار القوات الحكومية وحلفائها على وقف سلسلة الانتكاسات التي منيت بها. ومنها كذلك وجود أوجه قصور في استراتيجية قوات المعارضة وفي تسليحها مما يصعب عليها السيطرة على مدينتين بمثل هذه القيمة الاستراتيجية.

لكن على النقيض من المعارك الأخيرة التي أجبر فيها تقدم المعارضين القوات الحكومية على التراجع.. ظلت قوات الجيش والفصائل التي تقاتل متحصنة في درعا التي لا يزال يقيم بها عشرات الآلاف من المواطنين.

يرى الكثير من المحللين ان المكاسب التي حققها الجيش السوري في الفترة الاخيرة، أربكت الجماعات الارهابية المدعومة من بعض الدول الاقليمية والدولية، وبذلك يرجح المحللون ان الجماعات المسلحة تحاول البحث عن انتصارات سريعة من اجل كسر فرضية الانتصارات المتواصلة لقوات النظام بصورة متصاعدة.

وقد كشفت المعارك الاخيرة ان موازين الحرب في سوريا تجري على أساس المزيد من التصعيد العسكري من اجل تحقيق المزيد من السيطرة على الأراضي، من لدن طرفي النزاع وهذا الامر يقلص اي حل سياسي مفترض.

وعليه يبدو أن ما يجري داخل الاراضي السورية حالية هو عمليات مد وجز عسكرية ميدانية لا تغير في الموازين لا أمنيا ولا سياسيا، مما يعني بقاء المشهد السوري غامضا حتى اللحظة الراهنة.

استهداف اربع بلدات شيعية في شمال سوريا

في سياق متصل أمطرت الفصائل المقاتلة المعارضة للنظام السوري اربع بلدات شيعية محاصرة في شمال سوريا بالقذائف الصاروخية والمدفعية، ردا، بحسب قولها، على تعرض بلدة الزبداني في ريف دمشق لهجوم من قوات النظام وحزب الله اللبناني، وافاد المرصد السوري لحقوق الانسان عن مقتل سبعة اشخاص الاثنين في اكثر من 300 قذيفة محلية الصنع صاروخية ومدفعية سقطت على بلدتي الفوعة وكفريا في محافظة ادلب في شمال غرب البلاد. بحسب فرانس برس.

ولم يعرف، بحسب المرصد، "ما إذا كان الضحايا مدنيين أم من عناصر قوات الدفاع الوطني" الذين يقاتلون في البلدتين، مشيرا الى "اشتباكات لأكثر من ثماني ساعات متواصلة في محيط البلدتين" حاول خلالها مقاتلون من فصائل اسلامية وجبهة النصرة (تنظيم القاعدة في بلاد الشام) دخول البلدتين.

وقال المرصد ان الفصائل الإسلامية وجبهة النصرة استأنفت اليوم "استهداف مناطق في الفوعة وكفريا" ذات الغالبية الشيعية، بينما نفذ الطيران الحربي السوري اربع غارات على مناطق في محيط البلدتين، وكانت عائلات متحدرة من الفوعة وكفريا موجودة في ضاحية السيدة زينب قرب دمشق تظاهرت، بحسب المرصد، مطالبة بحماية سكان الفوعة وكفريا، واضاف المرصد ان المتظاهرين اقدموا على "قطع الطريق الواصل إلى مطار دمشق الدولي مطالبين حزب الله اللبناني بإرسال" دعم للدفاع عن البلدتين.

وكان "جيش الفتح" المؤلف من جبهة النصرة ومجموعة من الفصائل غالبيتها اسلامية اعلن الاربعاء في بيان نشره على حسابه على موقع تويتر "بدء معركة كفريا والفوعة ضد قوات النظام الاسدي وميليشيات ايران لنذيقهم في الشمال ما يذيقون اهلنا في الزبداني"، وتحاصر فصائل "جيش الفتح" بلدتي الفوعة وكفريا الشيعيتين بشكل كامل منذ نهاية شهر اذار/مارس، واصدرت "غرفة عمليات حلب" التي تضم مجموعة من الفصائل ابرزها حركة نور الدين الزنكي ولواء الحرية ولواء صقور الجبل بدورها امس بيانا اعلنت فيه "استهداف ثكنات الجيش الاسدي والميليشيات الايرانية في معسكري نبل والزهراء نصرة لأهلنا في الزبداني"، متوعدة بتكثيف الحملة، واكد المرصد السوري سقوط اكثر من 160 قذيفة امس على البلدتين الواقعتين في محافظة حلب، ما تسبب بمقتل شخص والعديد من الجرحى، وتحاصر فصائل المعارضة بلدتي نبل والزهراء منذ 2013، وتقوم طائرات النظام بإلقاء حصص غذائية للسكان من الجو.

المعارك مستمرة في الزبداني الاستراتيجية

فقد قتل حوالى سبعين مقاتلا من الفصائل المعارضة للنظام السوري وحزب الله اللبناني الداعم لقوات النظام في مدينة الزبداني السورية الحدودية مع لبنان منذ بدء عملية عسكرية واسعة فيها قبل أكثر من اسبوعين، بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان.

وقال المرصد السوري "لا تزال الاشتباكات مستمرة في مدينة الزبداني بين حزب الله اللبناني والفرقة الرابعة في القوات النظامية السورية من جهة، وفصائل اسلامية ومسلحين محليين من جهة أخرى" منذ بدء قوات النظام وحلفائها هجوما على المدينة. بحسب فرانس برس.

وقال المرصد في بريد الكتروني "ارتفع إلى 46 عدد مقاتلي الفصائل الإسلامية والمقاتلين المحليين الذين تمكن المرصد السوري لحقوق الإنسان من توثيق استشهادهم منذ الرابع من تموز/يوليو الجاري، في اشتباكات في مدينة الزبداني ومحيطها، إثر هجوم نفذه حزب الله اللبناني مدعماً بعناصر الفرقة الرابعة ومسلحين موالين للنظام على المدينة بغية السيطرة عليها"، كما وثق "مقتل 21 عنصراً على الأقل من حزب الله اللبناني خلال الهجوم ذاته، والذي دخل يومه السادس عشر".

الجيش السوري يستعيد زمام المبادرة بعد انتكاسات

الى ذلك قالت جماعة حزب الله الشيعية اللبنانية إن مقاومة الجيش السوري لهجمات كبيرة للمعارضة المسلحة في الآونة الأخيرة تدحض التنبؤات بأن أيام الرئيس بشار الأسد باتت معدودة، وقال الأمين العام لجماعة حزب الله حسن نصر الله في كلمة بمناسبة "يوم القدس" السنوي لدعم الفلسطينيين إن الجيش استعاد زمام المبادرة منذ أن فقد السيطرة على معظم محافظة ادلب لصالح تحالف لجماعات إسلامية تضم جبهة النصرة التابعة للقاعدة، ويقاتل حزب الله إلى جانب الجيش السوري. بحسب رويترز.

وقال نصر الله أمام أنصاره في معقل الحزب في الضاحية الجنوبية ببيروت "قبل مدة وجيزة عندما سقطت ادلب قال البعض إن سوريا انتهت وبدأوا بعد أيام .. هم يعدون أيام وأسابيع منذ خمس سنوات".

وأخفق الهجومان حتى الآن في تحقيق تقدم كبير في مواجهة مقاومة شديدة من الجيش الذي استخدم تفوقه بالقوة الجوية لقصف مواقع المعارضة، ويتقدم الجيش صوب مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية الذين يسيطرون على مدينة تدمر الأثرية في وسط سوريا حيث تقف القوات الساعية لاستعادة السيطرة عليها على بعد حوالي عشرة كيلومترات.

وقال نصر الله المدعوم من إيران إن الجيش بدأ يستعيد زمام المبادرة في عدد من خطوط المواجهة بما في ذلك في مدينة الزبداني الحدودية القريبة من طريق بيروت-دمشق السريع والتي يقاتل الجيش وحزب الله لاستعادتها. وتسيطر المعارضة السورية على المدينة منذ ثلاث سنوات، وقال حزب الله "اللي صار في الأسابيع الماضية واضح إن المشهد تغير صمود الجيس السوري والقوات الشعبية في مواجهة الحملات الكبرى في درعا والسويداء والحسكة وحلب وسهل الغاب والآن بدأت تستعيد زمام المبادرة في الزبداني وفي تدمر".

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي