كولن باول: رحلة الكذب والحرب والأضواء

مروة الاسدي

2021-10-19 07:16

غيّب الموت وزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن باول هذا الاثنين، بعد إصابته بفيروس كورونا المستجد، عن عمر ناهز 84 عاما. وأوضحت عائلة باول الذي توفي في مستشفى والتر ريد بضواحي واشنطن، أن وفاته جاءت بعد معاناة من مضاعفات كوفيد-19.

وباول هو أول وزير خارجية أميركي أسود البشرة، ولعب دورا بارزا مع العديد من الإدارات الجمهورية في تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية في السنوات الأخيرة من القرن العشرين والسنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين. شغل باول منصب رئيس أركان القوات المسلحة، قبل أن يصبح كبير الدبلوماسيين الأمريكيين في ظل الرئاسة الجمهورية لجورج دبليو بوش.

كان المدافع عن الحرب في العراق حيث ألقى في الـ 5 فبراير-شباط 2003 أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، خطابا طويلا حول أسلحة الدمار الشامل التي كان يُزعم أن نظام صدام حسين يمتلكها، والحجج التي أدت إلى تبرير غزو العراق.

واعترف لاحقًا أن هذا الأداء كان "وصمة عار" على سمعته، مؤكدا أنه قدم ذلك العرض إلى العالم نيابة عن الولايات المتحدة، وأنه سيظل دائمًا جزءًا من سجله.

من هو كولن باول؟

عسكري وسياسي أميركي، بدأ مشواره المهني عسكريا في الجيش الأميركي وترقى في صفوفه وصولا إلى منصب قائد الأركان. خلال عهد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش نزع كولن باول بزته العسكرية ليقود الخارجية الأميركية بينما تدق بلاده طبول "الحرب على الإرهاب"، وتستعد لغزو العراق وأفغانستان.

المولد والنشأة

ولد كولن باول يوم 5 أبريل/نيسان 1937 في نيويورك، وتربى في بيئة شعبية في حي متعدد الأعراق، وكان والده قد هاجر إلى الولايات المتحدة قادما من جامايكا.

الدراسة والتكوين

حصل على إجازة في الجيولوجيا عام 1958.

الوظائف والمسؤوليات

خدم في العسكرية الأميركية إلى أن عين قائدا لأركان الجيش الأميركي عام 1989، وعمل في البيت الأبيض مستشارا للأمن القومي.

تولى وزارة الخارجية عام 2001، ليكون أصغر جنرال وأول أسود يتولى منصب وزير الخارجية الأميركية.

التجربة السياسية

قدم باول في 5 فبراير/شباط 2003 أمام مجلس الأمن ملفا ركز فيه على وجود أسلحة دمار شامل في العراق، وتبين لاحقا أن جميع معلوماته كانت خاطئة.

وهو صاحب نظرية عسكرية جديدة مفادها أن على الولايات المتحدة أن تسعى خلال كل عملية عسكرية تقوم بها إلى تحديد أهداف سياسية واضحة متزامنة مع خطة عسكرية تهدف إلى تحقيقها بطريقة أكثر حسما وقوة وسرعة.

ولهذا انتقد عام 1999 الغارات الجوية لحلف شمال الأطلسي على يوغسلافيا معتبرا أنها تناقض مبادئ التدخل العسكري التي حددها، وعقب غزو العراق الكويت كان باول من أنصار فكرة الاكتفاء بفرض العقوبات، وعارض كذلك استخدام القوة لإزاحة صدام، لكنه نادرا ما أصر على مواقفه.

وعلى خلفية العلاقات المتوترة بين سوريا وأميركا خاصة بعد غزو العراق، زار باول دمشق عدة مرات حاملا مطالب وتحذيرات أميركية، ولكنه كان نسبيا يخفف الاحتقان بين البلدين خاصة أن إدارة الرئيس جورج بوش الابن كانت تعج بالصقور المستائين من دمشق.

وخلال شهادة له أمام إحدى اللجان في الكونغرس، قال باول في مارس/آذار 2003 إن على سوريا سحب "جيشها المحتل" من لبنان، وهي المرة الأولى التي يصف فيها الوجود السوري في لبنان بالاحتلال.

وبالرغم من ذلك، كان باول يرى أن هناك مجالات كثيرة للتعاون ولم تنقطع زياراته لدمشق، وكان له لقاء بالأسد في ديسمبر/كانون الأول 2003 قللت واشنطن من أهميته.

كما أنه زار دمشق مرة أخرى في أكتوبر/تشرين الأول 2004 ووضع أمام المسؤولين السوريين لائحة المطالب الأميركية، وشدد على أن بلاده لا تنوي مهاجمة سوريا ولكن النظام السوري إذا أراد البقاء فعليه أن "يتأقلم" مع المتغيرات الإقليمية.

بعد عدة سنوات أدار خلالها دفة السياسية الأميركية، ترك باول مقعد وزارة الخارجية الأميركية في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2004، لتخلفه في منصبه كوندوليزا رايس.

أول وزير خارجية أمريكي من أصول أفريقية

ينحدر كولن باول من خلفية اجتماعية متواضعة، وقد ولد في حي هارلم مدينة نيويورك، في 5 أبريل/ نيسان عام 1937، لوالدين جامايكيين مهاجرين، كان والداه ينطقان اسمه في الأصل بحرف "o" بالطريقة الإنجليزية التقليدية، لكنه غير النطق تكريما للطيار في سلاح الجو الأمريكي، كولن كيلي، الذي قُتل بعد فترة وجيزة من هجوم بيرل هاربر، الذي نفذته البحرية الإمبراطورية اليابانية في 7 ديسمبر/ كانون الأول 1941، على الأسطول الأمريكي في قاعدته البحرية في ميناء بيرل هاربر بجزر هاواي.

لقد كان باعترافه طالبا عاديا ترك المدرسة الثانوية بدون خطط وظيفية، أثناء دراسته الجيولوجيا في جامعة سيتي في نيويورك، انضم إلى فيلق تدريب ضباط الاحتياط، وهو برنامج مصمم لاكتشاف وتأهيل القادة العسكريين المستقبليين، تعرض باول لإصابة أثناء خدمته في فيتنام، وقد وصف باول لاحقا تلك التجربة بأنها إحدى أفضل وأسعد تجارب حياته إذ يقول عنها: "لم تكن تجربة أحببتها فحسب، بل كانت شيئا برعت فيه".

وبعد التخرج عام 1958، عُين برتبة ملازم في الجيش الأمريكي، كما خضع لتدريب أساسي في ولاية جورجيا، حيث اختبر الامتناع عن خدمته كزبون في الحانات والمطاعم، بسبب لون بشرته.

في عام 1962 كان واحدا من آلاف المستشارين الذين أرسلهم الرئيس جون كينيدي، إلى جنوب فيتنام لدعم الجيش المحلي ضد تهديد الشمال الشيوعي.

أصيب باول خلال جولته في فيتنام، عندما داس عن طريق الخطأ على وتد خشبي حاد مخبأ في الأرض ويستخدم كمصيدة.

نجم صاعد

في عام 1968 عاد إلى فيتنام، وحصل على وسام الشجاعة بعد أن نجا من حادث تحطم طائرة مروحية، وأنقذ ثلاثة جنود آخرين من الحطام المحترق.

وكُلف باول بالتحقيق في رسالة من جندي في الخدمة، تدعم مزاعم بوقوع مذبحة في ماي لاي في فيتنام في مارس/ آذار 1968، قتل خلالها جنود أمريكيون مئات المدنيين، بمن فيهم أطفال.

لكن النتيجة التي خلص إليها باول بعد التحقيق هي أن "العلاقات بين الجنود الأمريكيين والشعب الفيتنامي ممتازة"، جاءت مخالفة للأدلة المتزايدة على المعاملة الوحشية للمدنيين من قبل القوات الأمريكية.

وقد اتُهم فيما بعد بـ "تبييض" أنباء المذبحة، التي لم تُنشر تفاصيلها على الملأ حتى عام 1970.

وبعد عودته من فيتنام، حصل باول على ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة جورج تاون بواشنطن، قبل أن يحصل على "زمالة البيت الأبيض" المرموقة في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون، وبات ينظر إليه على أنه نجم صاعد، وقد خدم لفترة برتبة مقدم في كوريا الجنوبية قبل الانتقال إلى البنتاغون كضابط أركان، وزير الدفاع ديك تشيني (إلى اليسار) يعقد مراسم اليمين الدستورية للجنرال كولن باول كرئيس لهيئة الأركان المشتركة في عام 1989. زوجة الجنرال باول، ألما، تحمل الكتاب المقدس.

وزير الدفاع ديك تشيني (إلى اليسار) يعقد مراسم اليمين الدستورية للجنرال كولن باول كرئيس لهيئة الأركان المشتركة في عام 1989. زوجة الجنرال باول، ألما، تحمل الكتاب المقدس.

وبعد فترة خدم فيها بكلية عسكرية تمت ترقيته إلى رتبة جنرال وقائد لواء الفرقة 101 المحمولة جواً، قبل توليه منصب استشاري في الحكومة، عمل لفترة في إدارة الرئيس جيمي كارتر، ثم أصبح مساعدا عسكريا كبيرا لكاسبار واينبرغر، وزير الدولة لشؤون الدفاع المعين من قبل الرئيس رونالد ريغان.

عقيدة كولن باول

في عام 1987 أصبح باول مستشارا للأمن القومي، وكانت الولايات المتحدة في ذلك الوقت متورطة في ما يسمى بـ "الحروب القذرة" في أمريكا الجنوبية، بما في ذلك دعم جماعات "الكونترا" اليمينية شبه العسكرية في نيكاراغوا.

وعندما تولى جورج بوش الأب منصب الرئيس عام 1989، عين باول رئيسا لهيئة الأركان المشتركة، وهو أعلى منصب عسكري في وزارة الدفاع الأمريكية.

وكان باول حينها يبلغ من العمر 52 عاما، وكان أصغر ضابط يشغل هذا المنصب على الإطلاق، والأول من أصول أفريقية.

وما أن تولى هذه المنصب حتى وجد نفسه في مواجهة أزمة عندما غزت الولايات المتحدة بنما في ديسمبر/ كانون الأول 1989، وأطاحت بالديكتاتور الجنرال نورييغا، في خطوة أدانتها الأمم المتحدة بشدة.

شهدت حرب الخليج عام 1990 تنفيذ استراتيجية أطلق عليها عقيدة باول، الذي كان يرى أن اللجوء إلى القوة العسكرية يجب ألا يحصل إلا بعد فشل جميع الوسائل الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية.

كما يشدد باول أنه في حال اللجوء إلى الحل العسكري كملاذ أخير، ينبغي نشر الحد الأقصى من القوة اللازمة لإخضاع العدو بسرعة لتقليل الخسائر الأمريكية، كما يجب الحرص على وجود دعم شعبي كبير، ويبدو أن جزءا كبيرا من هذه العقيدة مرده إلى تصميم باول على أن الولايات المتحدة، لا ينبغي أن تجد نفسها بعد الآن متورطة في صراع طويل غير مثمر، كما حدث في فيتنام.

وقد عارض باول في البداية استخدام القوة في الخليج، مخالفا بذلك رغبات وزير الدفاع آنذاك ديك تشيني، لكن رغم ذلك نجحت عمليتا عاصفة الصحراء ودرع الصحراء، وكانتا السبب في ذياع صيت كولن باول عالميا.

ظل باول رئيسا لهيئة الأركان المشتركة خلال الأشهر الأولى من رئاسة بيل كلينتون، لكنه وجد صعوبة في العمل جنبا إلى جنب مع إدارة أكثر ليبرالية.

تحرك سياسي

واختلف باول مع الرئيس الجديد حول مسألة السماح للمثليين بالانضمام إلى الجيش، إذ كان معارضا للفكرة، كما كان على خلاف عام مع مادلين أولبرايت -كانت حينها سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة- بشأن التدخل العسكري في البوسنة، وكان باول يعتقد اعتقادا راسخا بأن التهديد لمصالح الولايات المتحدة فقط هو الذي يبرر الرد العسكري، وقال: "الجنود الأمريكيون ليسوا بيادق نحركها على رقعة شطرنج عالمية".

ترك الجيش عام 1993 وتفرغ لكتابة سيرته الذاتية، التي تصدرت لدى نشرها قائمة أفضل الكتب مبيعا في نيويورك تايمز، كما انخرط في أعمال خيرية.

بعد أن تحرر من واجباته كضابط في الخدمة، بدأ بالانخراط في الحياة السياسية، وقد سعى رؤساء من الحزبين الرئيسيين الديمقراطي والجمهوري، لترشيحه لمنصب نائب الرئيس، قبل أن يكشف عن ميله باتجاه الحزب الجمهوري عام 1995.

ورشحت أنباء عن عزمه الترشح ضد بيل كلينتون في الانتخابات الرئاسية عام 1996، لكن باول قرر حينها أنه يفتقر إلى الشغف بالعمل السياسي، وفي عام 2000 عين جورج دبليو بوش، كولن باول وزيرا للخارجية، ليكون بذلك أول أمريكي من أصول إفريقية يتولى هذا المنصب.

بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، وجد باول نفسه في مواجهة صقور مثل وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، الذين فضلوا التدخل الأمريكي، حتى بدون دعم الدول الأخرى، فيما أطلق عليه "الحرب على الإرهاب".

عارض باول الذي تمسك بعقيدته، تدخل الولايات المتحدة في العراق، لكنه عاد بعد ذلك وتراجع عن موقفه وقرر دعم بوش، ومن المؤكد أن سمعته كرجل نزيه أسهمت في إقناع الأمم المتحدة بقضية غزو العراق، عندما مثل أمام مجلس الأمن في عام 2003.

لكن وبعد 18 شهرا فقط وبعد الإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين، أعلن باول استقالته من منصب وزير الخارجية، واعترف بعدها بفترة وجيزة بأن المعلومات الاستخباراتية التي أشارت إلى أن صدام حسين كان يمتلك "أسلحة دمار شامل"، كانت مغلوطة وخاطئة، وظل صريحا في القضايا السياسية ومنتقدا إدارة بوش على عدة جبهات، بما في ذلك معاملة المعتقلين في خليج غوانتانامو، وفي عام 2008، أيد باول ترشح باراك أوباما لرئاسة الولايات المتحدة، مما لا شك فيه أن باول كان يتمتع بمهارات دبلوماسية عالية، وأكبر دليل على ذلك وجود حلفاء له من كل الفرقاء على الساحة السياسية.

لقد كان رجلا لطيفا يحظى بالاحترام في وزارة الخارجية، حيث كان يتمتع بسمعة طيبة وبدماثة خلق وقدرة على المجاملة، الأمر الذي قد يراه البعض نادر الحدوث نظرا للمنصب الرفيع الذي كان يشغله.

قوة باول كانت تكمن في الإيمان بأن التحالف أفضل من المواجهة، وخير تجسيد لذلك هو أن رفضه لاستراتيجية رامسفيلد للتدخل أحادي الجانب للولايات المتحدة، وهو ما أدى لبناء تحالف عالمي في الحرب ضد الإرهاب، وقال باول ذات مرة: "يجب أن تكون الحرب سياسة الملاذ الأخير، وعندما نذهب إليها، ينبغي أن يكون لدينا هدف يفهمه شعبنا ويدعمه".

محطات غيرت شكل العالم

بوفاته يوم الاثنين، ترك وزير الخارجية الأميركي الأسبق، كولن بأول، تاريخا طويلا في السياسات الأميركية، كان لها دور كبير في منطقة الشرق الأوسط خاصة، ومع رحيل باول، نسترجع أهم المحطات في حياة وزير خارجية أميركا الأسبق، ودوره فيتشكيل أهم القرارات الأميركية في الفترة الأخيرة.

حرب فيتنام

دخل باول الجيش الأميركي بعد تخرجه في عام 1958، ثم خدم في جولتين في جنوب فيتنام خلال الستينيات، وفي حرب فيتنام، أصيب باول مرتين، بما في ذلك أثناء تحطم طائرة هليكوبتر حيث أنقذ جنديين أميركيين.

وبقي باول في الجيش الأميركي بعد عودته إلى الوطن، وحضر الكلية الحربية الوطنية وترقى في القيادة، وتمت ترقيته إلى رتبة عميد في عام 1979، وعُيِّن كمستشار الرئيس رونالد ريغان الأخير للأمن القومي في عام 1987، وعينه بوش الأب عام 1989 لرئاسة هيئة الأركان المشتركة.

رئيس هيئة الأركان المشتركة

تميزت فترة ولاية باول في إدارة بوش الأب بمشاركته في بعض أبرز الأعمال العسكرية الأميركية في أواخر القرن العشرين، بما في ذلك عملية بنما عام 1989، وبعدها حرب الخليج عام 1991، والتدخل الإنساني الأميركي في الصومال.

حرب الخليج

على الرغم من أن باول كان مترددا في البداية في إرسال قوات أميركية عندما غزا العراق الكويت في عام 1990، فقد أصبح أحد المتحدثين الرسميين الأكثر ثقة لدى الإدارة عندما وقع الهجوم على جيش صدام حسين أخيرا، بعد الهجوم على الجيش العراقي، أصبح باول بطلا قوميا أميركيا، حيث تمتع بتقييم تفضيل بنسبة 71 بالمئة في السنوات القليلة الأولى بعد الحرب، كما أكسبته جهوده خلال الحرب جائزتين بارزتين، وهما ميدالية الكونغرس الذهبية في مارس 1991، تقديرا لأدائه المثالي في تخطيط وتنسيق الرد الأميركي على غزو العراق، بالإضافة لميدالية الحرية الرئاسية.

وزارة الخارجية

كان باول اختيار بوش الابن الأول لمجلس الوزراء، عندما أُعلن عن ترشيح وزير الخارجية، وبفضل خبرته في السياسة الخارجية وشعبيته الواسعة، أكده مجلس الشيوخ بالإجماع، وأصبح باول أول وزير خارجية أميركي من البشرة السوداء، وعمل في المنصب من 2001 إلى 2005.

الحرب على الإرهاب

كان مترددا في إظهار القوة العسكرية الأميركية في جميع أنحاء العالم، وهي وجهة نظر سرعان ما تغيرت بعد الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001، بصفته أكبر دبلوماسي في عهد بوش الإبن، تم تكليفه بحشد الدعم الدولي للحرب على الإرهاب، بما في ذلك حرب أفغانستان، ولكن فترته عرفت بالشكل الأكبر خلال تصدره المشهد في دفع الإدارة الأميركية للتدخل في العراق، بالرغم من مخاوف حلفاء الولايات المتحدة من هذه الخطوة.

حرب العراق

في فبراير 2003، ألقى باول خطابا أمام الأمم المتحدة، قدم فيه أدلة قالت الاستخبارات الأميركية إنها تثبت أن العراق قد ضلل المفتشين الدوليين، وأخفى أسلحة دمار شامل، وحذر باول من أن "صدام حسين يمتلك أسلحة بيولوجية وقدرة على إنتاج المزيد منها بسرعة كبيرة".

المفتشون اكتشفوا فيما بعد عدم وجود مثل هذه الأسلحة في العراق، وبعد عامين من خطاب باول في الأمم المتحدة، قال تقرير حكومي إن أجهزة الاستخبارات كانت "مخطئة تماما" في تقييماتها لقدرات أسلحة الدمار الشامل العراقية قبل الغزو الأميركي.

الاعتراف بـ"وصمة العار"

ووصف باول، الذي غادر وزارة الخارجية في أوائل عام 2005 بعد تقديم استقالته لبوش، خطابه في الأمم المتحدة بأنه "وصمة عار" ستبقى إلى الأبد في سجله، وقال في مقابلة مع لاري كينغ من شبكة "سي إن إن" في عام 2010: "أنا آسف الآن لأن المعلومات كانت خاطئة - بالطبع أنا آسف"، وأضاف باول: "لكن سيُنظر إلي دائما على أنني الشخص الذي قدم القضية أمام المجتمع الدولي"، واعترف باول أن خطابه أثر بالرأي العام في قضية غزو العراق: "لقد أثرت في الرأي العام.. لا شك هناك في ذلك".

باراك أوباما

قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الأميركية 2008، أعلن باول في لقاء صحفي مع قناة "إن بي سي"، عن دعمه للمرشح الديمقراطي باراك أوباما الأمر الذي فاجأ الجمهوريين والشعب الأميركي، وأكد باول أن أوباما لديه القدرة على الإلهام، وكل الأميركيين، وليس فقط الأميركيين من أصول أفريقية سيكونون فخورين بفوز أوباما، ويعتبر باول أول عضو جمهوري بارز وكبير يؤيد المرشح الديمقراطي أوباما، الذي فاز لاحقا بالانتخابات.

كتاب الوداع

بعد تقاعده من العمل العسكري، كتب باول سيرته الذاتية التي حققت مبيعات كبيرة.. "رحلتي الأميركية"، في كتابه عام 2012، اعترف باول مرة أخرى بالخطأ في الخطاب الشهير، وكتب أن هذه ستكون روايته الأخيرة حول الموضوع.

وكتب: "أنا غاضب من نفسي لأنني لم أشم رائحة المشكلة. خذلتني غرائزي"، في إشارة إلى التقرير الذي استخدمه والذي يحتوي على أدلة خاطئة عن أسلحة دمار شامل مفترضة عراقية، وأضاف في كتابه الشهير: "لم يكن ذلك خطأي الأول، لكنه كان أحد أكثر إخفاقاتي الجسيمة، التي كان لها تأثير واسع النطاق".

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا