أفغانستان: أطول حرب أمريكية بطعم الهزيمة والعار
وكالات
2021-08-21 12:02
تقترب أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة من نهايتها مع خسارة أمام العدو الذي هزمته في أفغانستان منذ ما يقرب من 20 عاما وصدمة من الانهيار السريع للحكومة والجيش اللذين دعمتهما وعمليات إجلاء فوضوية في اللحظة الأخيرة.
ويحل هذا العام موعد إحياء ذكرى مرور عشرين عاما على هجمات 11 سبتمبر أيلول في نيويورك وواشنطن مع عودة طالبان إلى السلطة.
وقال مسؤول عسكري أمريكي "هذه لم تكن حربا استمرت 20 عاما. "لقد كانت حروبا تستمر عاما وتم خوضها عشرين مرة" وذلك للتعبير عن الإحباط من التفكير القصير المدى والعثرات المتعددة وعدم الاتساق في عهد أربع إدارات.
وسلطت المقابلات التي أجريت مع ما يقرب من عشرة من المسؤولين والخبراء الأمريكيين الحاليين والسابقين الضوء على الإخفاقات التي أعاقت جهود الولايات المتحدة لتحقيق الاستقرار في أفغانستان والتي شهدت إنفاق واشنطن أكثر من تريليون دولار ومقتل أكثر من 2400 من العسكريين الأمريكيين وعشرات الآلاف من الأفغان من بينهم مدنيون كثيرون .وواجهت إدارتان جمهوريتان وأخريان ديمقراطيتان صعوبة في محاربة الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان حتى مع غض الطرف عن كثير منها مع سعيها لتعزيز الديمقراطية وسيادة القانون وبناء جيش أفغاني قوي والحفاظ على استمرار مشاركة الأمريكيين الذين ضجروا من الحرب.
وشجعت الإدارات الأمريكية وجود حكومة مركزية قوية في بلد تحظى فيه القبائل منذ قرون بحكم ذاتي محلي. وأدت برامجها للقضاء على المخدرات إلى زيادة عداوة الناس في معاقل طالبان الريفية والذين يعتمدون في العيش على زراعة الخشخاش الذي يُصنع منه الأفيون.
وكان لأوجه قصور معلومات المخابرات تأثير أيضا، ومنها ما حدث الأسبوع الماضي عندما توقعت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ألا تدخل طالبان كابول قبل بضعة أشهر لتدخلها طالبان في بضعة أيام.
ولكن تحقق نجاح لا يمكن إنكاره.
فقد ساعدت الولايات المتحدة وشركاؤها في تحسين الحياة في واحدة من أفقر دول العالم وتعزيز حقوق النساء والفتيات ودعم وسائل الإعلام المستقلة وبناء المدارس والمستشفيات والطرق.
وكل ذلك الآن معرض للخطر.
تشتت بسبب العراق
أعلن الرئيس جورج دبليو بوش "الحرب على الإرهاب" وأطاح بحكومة طالبان في كابول التي استضافت مقاتلي القاعدة المسؤولين عن شن هجمات بطائرات مخطوفة عام 2001. ونجحت الاستراتيجية لبعض الوقت. وتعرضت طالبان لهزيمة قاسية واضطُرت القاعدة للفرار.
لكن مسؤولين وخبراء سابقين قالوا إنه بدلا من العمل على تأمين أفغانستان من عودة طالبان، قامت إدارة بوش بتحويل الموارد والأفراد والوقت لغزو العراق بادعاء خاطئ بأن حكومة صدام حسين تملك برامج أسلحة دمار شامل غير مشروعة.
وقالت ليزا كورتيس المحللة السابقة في وكالة المخابرات المركزية والخبيرة الإقليمية التي عملت خلال رئاسة كل من بوش ودونالد ترامب وهي الآن زميلة بارزة في مركز الأمن الأمريكي الجديد "الحرب في العراق شتت الولايات المتحدة لسنوات".
وأضافت "كانت الإطاحة بطالبان الشيء الصحيح الذي يجب القيام به... للأسف، بعد وقت قصير من هزيمتنا طالبان، بدأ توجيه قدر أكبر من الاهتمام للحرب في العراق".
ويقول المسؤولون الحاليون والسابقون إن تركيز إدارة بوش الشديد على العراق ترك استراتيجيتها في أفغانستان تسير دون هدى.
وقال جوناثان شرودن، الخبير في معهد (سي.إن.إيه) للسياسة والذي عمل مستشارا للقيادة المركزية الأمريكية "هل كنا نحاول بالفعل المساعدة في بناء هذه الأمة (أفغانستان) وإصلاحها أم أننا نحاول الخروج فقط؟".
وعندما تولى الرئيس باراك أوباما منصبه في 2009 استمرت الرسائل المتضاربة.
وتطلع أوباما إلى خفض القوات الأمريكية في أفغانستان لكنه وافق على زيادتها في محاولة للضغط على طالبان لإجراء محادثات سلام.
وأعلن في كلمة ألقاها في وست بوينت في نوفمبر تشرين الثاني 2009 أنه سيرسل 30 ألف جندي إضافيين لكنه أضاف أنه "بعد 18 شهرا، ستبدأ قواتنا في العودة إلى الوطن".
وفي سعيه لتهدئة جمهوره المحلي، أبلغ أوباما طالبان بشكل فعلي إن بإمكانها انتظار خروج الولايات المتحدة.
استشراء الفساد
وأطلق أوباما كمرشح رئاسي على أفغانستان اسم "الحرب الجيدة" مقارنا إياها بالكارثة العسكرية في العراق.
وارتفع عدد القوات الأمريكية إلى أكثر من 90 ألفا بحلول 2010 كما ارتفع أيضا حجم التمويل.
وفي ظل الحاجة الماسة والمستمرة لحكومة مستقرة، تعاونت الولايات المتحدة مع أفغان ذوي نفوذ لكنهم كانوا متورطين في الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان.
وقال بيتر جالبريث، السفير الأمريكي السابق الذي شغل منصب نائب ممثل الأمم المتحدة في أفغانستان، إن مبدأ الولايات المتحدة لمكافحة التمرد يشدد على ضرورة وجود "شريك محلي".
وأدى ذلك إلى إضفاء الولايات المتحدة والأمم المتحدة ودول أخرى الشرعية على الحكومات الأفغانية المتعاقبة والقبول الفعلي بالفساد المستشري حتى أثناء تعزيزها لجهود مكافحته.
وقال إن هذه السياسة تجسدت في موافقة واشنطن ودول أخرى والأمم المتحدة على الانتخابات الرئاسية التي جرت في 2009 و2014 و2019 على الرغم من علمها بوجود عمليات تزوير واسعة النطاق ومخالفات أخرى.
قال مسؤول حكومي كبير سابق لرويترز، شريطة عدم الكشف عن هويته، "ليس لدينا أدوات للقضاء على الفساد المستشري في المجتمعات".
وأصاب أيضا الفساد الجيش الأفغاني الذي خصصت له الولايات المتحدة 88 مليار دولار على مدى عشرين عاما.
وعلى سبيل المثال لم تتغلب الولايات المتحدة بشكل كامل مطلقا على مشكلة "الجنود الأشباح"، وهم جنود غير موجودين يدرج قادة فاسدون أسماءهم في القوائم لأخذ رواتبهم.
ولذلك فعلى الرغم من أن عدد قوات الأمن الأفغانية يبلغ 300 ألف جندي على الورق (SE:2300) فإن العدد الفعلي أقل من ذلك بكثير.
ووجد تقرير صدر عام 2016 عن هيئة رقابية تابعة للحكومة الأمريكية أنه في إقليم هلمند وحده لا وجود لما يتراوح بين 40 و50 في المئة تقريبا من قوات الأمن.
القضية الباكستانية
يقول مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون إن طالبان لم تكن لتنتصر لو كانت الإدارات الأمريكية المتعاقبة اتخذت إجراءات لإنهاء الملاذ الآمن وغيره من أشكال الدعم التي قدمتها باكستان ووكالة المخابرات الداخلية التابعة لها للمقاتلين.
وقالت كريستين فير، خبيرة شؤون الجيش الباكستاني بجامعة جورجتاون "بدون باكستان، ستكون طالبان مجرد مصدر إزعاج... لن تكون قوة قتالية ذات كفاءة".
ونفت إسلام أباد مرارا دعمها لطالبان في إطار ما يصفه خبراء بأنها استراتيجية لتأمين حكومة حليفة في أفغانستان للحد من نفوذ الهند.
الضجر من الحرب
تولى الرئيس دونالد ترامب منصبه عام 2017 متعهدا بإنهاء ما وصفها "بحروب سخيفة لا نهاية لها".
واعتمدت حسابات ترامب في جانب منها على أن الأمريكيين ببساطة ليسوا مهتمين بأفغانستان بدرجة تسوغ إنفاق مليارات الدولارات سنويا ومقتل جنود أمريكيين.
وأدى ذلك إلى اتفاق مع طالبان في فبراير شباط 2020 لانسحاب كامل للقوات الأمريكية إذا استوفت الحركة شروطا معينة. واستُبعدت الحكومة الأفغانية من المحادثات.
وقال جون بولتون، الذي عمل خلال رئاستي بوش وترامب، لرويترز إن هذا الاتفاق كان خطأ ترامب الفادح وكان على بايدن إعادة تقييمه.
لكن بايدن شرع في الانسحاب الكامل على عكس مشورة القادة العسكريين الأمريكيين ودون البت في أعداد كبيرة من طلبات التأشيرات الخاصة من الأفغان المعرضين للخطر لعملهم لصالح الحكومة الأمريكية، مما أدى إلى عملية إجلاء سادتها الفوضى.
وتزايد تشكك بايدن في الجهود العسكرية في أفغانستان بعد رحلة قام بها عام 2009 إلى كابول أكسبته قناعة بأن الولايات المتحدة محاصرة في حرب لا يمكن الفوز بها.
وقال مسؤول أمريكي لرويترز، شريطة عدم الكشف عن هويته، إن استطلاعات الرأي الداخلية أظهرت أن معظم الأمريكيين يؤيدون الانسحاب مما يجعل بايدن مرتاحا لقراره.
وأكد استطلاع أجرته مؤسسة إبسوس في أبريل نيسان أن غالبية الأمريكيين يؤيدون بايدن.
ولم يتضح بعد كيف سينظر الأمريكيون إلى قرار بايدن بعد عرض مشاهد تلفزيونية لطائرات هليكوبتر عسكرية أمريكية وهي تخلي السفارة الأمريكية والأفغان يحتشدون في المطار أملا في المغادرة.
وأصر بايدن على أن الانسحاب من كابول لن يكون تكرارا لعملية الإجلاء الأمريكية السيئة السمعة من سايجون عام 1975.
وقال في يوليو تموز "لن تكون هناك ظروف نرى فيها أشخاصا يُلتقطون مع على سطح سفارة الولايات المتحدة في أفغانستان".
بايدن يدافع بشدّة عن قرار الانسحاب
ودافع الرئيس الأميركي جو بايدن الإثنين بشدّة عن انسحاب الولايات المتّحدة من أفغانستان، مؤكّداً وقوفه بقوة خلف هذا القرار ومشدّداً على أنّ الوقت حان للمغادرة من هذا البلد بعد 20 سنة من الحرب.
وقال بايدن في خطاب إلى الأمّة من البيت الأبيض "أنا أقف بقوة خلف قراري. بعد 20 عاماً، تعلّمت بالطريقة الصعبة أنّه لن يكون هناك أبداً وقت جيّد لسحب القوات الأميركية" من أفغانستان.
وأضاف أنّ المصلحة القومية لبلاده في أفغانستان كانت بشكل أساسي تتمحور دوماً حول منع استهداف الولايات المتحدة بهجمات إرهابية انطلاقاً من البلد الغارق في الحرب، مشدّداً على أنّ "المهمة في أفغانستان لم تكن يوماً بناء دولة".
وارتدى هذا الخطاب أهمية استثنائية لأنّه تضّمن أول ردّ فعل من سيّد البيت على التطوّرات التاريخية التي شهدتها أفغانستان في نهاية الأسبوع الماضي والتي قابلها بايدن بصمت مطبق.
وأقرّ الرئيس الديموقراطي بأنّ الحكومة الأفغانية انهارت بشكل أسرع من المتوقّع، مؤكّداً أنّ الولايات المتّحدة فعلت كلّ ما بوسعها لدعمها.
وقال "لقد تعهّدت دائماً للشعب الأميركي أن أكون صريحاً معه. الحقيقة هي أنّ هذا حدث أسرع بكثير من تقديراتنا"، في إشارة الى انهيار الحكومة الأفغانية.
وأضاف "أعطيناهم كلّ فرصة لتقرير مستقبلهم. لا يمكننا إعطاؤهم الإرادة للقتال من أجل مستقبلهم".
كما توّعد بايدن حركة طالبان المتشدّدة بـ"ردّ مدمّر" إن هي عرقلت أو عرّضت للخطر عملية الإجلاء الحاصلة عبر مطار كابول لآلاف الدبلوماسيين الأميركيين والمترجمين الأفغان.
وقال إنّه في حال وقع أيّ هجوم فإنّ ردّ الولايات المتّحدة سيكون "سريعاً وقويّاً"، مضيفاً "سندافع عن أناسنا بقوة مدمّرة إذا لزم الأمر".
كذلك، فقد تعهّد الرئيس الأميركي إعطاء الأولوية للطريقة التي ستعامَل بها النساء والفتيات الأفغانيات تحت حكم الحركة الإسلامية المتشدّدة.
وقال "سوف نستمرّ برفع الصوت عالياً بشأن الحقوق الأساسية للشعب الأفغاني والنساء والفتيات".
ورأى الرئيس الأمريكي أن انهيار الحكومة الأفغانية وسيطرة حركة طالبان على البلاد حدثت أسرع مما توقعت الحكومة الأمريكية، وألقى باللوم على القادة السياسيين والجيش والأفغاني، مضيفا أن مهمة الولايات المتحدة في أفغانستان "لم تكن بناء دولة أو خلق ديمقراطية مركزية".
وقال بايدن إنه يريد تذكير الأمريكيين "كيف وصلنا إلى هنا وما هي مصالح أمريكا في أفغانستان". وأضاف أن مهمة أمريكا في أفغانستان التي بدأت قبل عقدين من الزمان "لم يكن من المفترض أن تكون بناء دولة أو خلق ديمقراطية مركزية... مصلحتنا الوطنية الحيوية الوحيدة في أفغانستان تبقى اليوم كما كانت دائمًا، منع هجوم إرهابي على وطننا"
وأقر بايدن بأن انهيار الحكومة الأفغانية وسيطرة طالبان على البلاد حدث بسرعة أكبر مما توقعته الحكومة الأمريكية، مما أدى إلى اندلاع الأزمة المستمرة أمام العالم.
ورفض بايدن التراجع عن قراره بإنهاء المهمة القتالية للجيش الأمريكي في أفغانستان، حيث خاضت الولايات المتحدة أطول حرب في البلاد، وأنفقت أكثر من تريليون دولار على حد تعبيره.
وألقى بايدن باللوم على القادة السياسيين في أفغانستان والقوات المسلحة الأفغانية لعدم التصدي لهجوم طالبان السريع الخاطف الذي أعادهم إلى السيطرة بعد عقدين من الحرب.
وقال بايدن: "أنا أقف بشكل مباشر وراء قراري. بعد 20 عامًا، تعلمت بالطريقة الصعبة أنه لم يكن هناك وقت مناسب لسحب القوات الأمريكية. لهذا السبب ما زلنا هناك، كنا واضحين بشأن المخاطر، خططنا في كل حالة طارئة. لكنني وعدت الشعب الأمريكي دائمًا بأن أكون صريحًا معكم"، وأضاف: "الحقيقة هي أن هذا حدث بسرعة أكبر مما توقعنا".
ترامب يدعو بايدن إلى الاستقالة
من جهته طالب الرئيس الأمريكي السابق الجمهوري دونالد ترامب الأحد خليفته الديمقراطي بالاستقالة على خلفية انتصار حركة طالبان في أفغانستان ولكن أيضا بسبب ما اعتبر أنه سوء إدارة من جانب جو بايدن لملفات أخرى مثل جائحة كورونا.
وأوضح ترامب في بيان أنه "حان الوقت كي يستقيل جو بايدن" بسبب "عار ما سمح بحدوثه في أفغانستان جنبا إلى جنب مع الارتفاع الهائل في الإصابات بكوفيد، وكارثة الحدود، وتدمير استقلال الطاقة، واقتصادنا المُعَطّل".
وأشار في بيان آخر يوم الأحد إلى أن "ما فعله جو بايدن بأفغانستان أسطوري. سيصبح أحد أعظم الهزائم في التاريخ الأميركي!".
من جهته، دافع بايدن عن قراره وضع حدّ لحرب استمرت عشرين عاما في هذا البلد. وقال الأحد "أنا الرئيس الرابع الذي يحكم مع انتشار عسكري أميركي في أفغانستان، لا أريد أن أنقل هذه الحرب إلى رئيس خامس".
وكان ترامب حمّل الخميس بايدن المسؤولية عن التقدم العسكري لطالبان في أفغانستان، قائلا إن الوضع الحالي "غير مقبول". وأضاف "لو كنتُ رئيسا الآن، لأدرك العالم أن انسحابنا من أفغانستان مرهون بشروط".
وتابع "كان يمكن أن يكون الانسحاب مختلفا وأكثر نجاحا، وطالبان كانت تعلم ذلك أفضل من أي شخص آخر. لقد أجريت محادثات شخصيا مع قادة من طالبان وهم فهموا أن ما يفعلونه اليوم لن يكون مقبولا".
وبعد عشرين سنة تقريبا على طردها من السلطة، بات انتصار طالبان العسكري كاملا مع انهيار القوات الحكومية في غياب الدعم الأمريكي.
الأسلحة الأميركية غنيمة بيد طالبان
أنفقت الولايات المتحدة خلال عشرين عاماً مئات مليارات الدولارات لتدريب الجيش الأفغاني وتجهيزه. لكن ذلك لم يمنع القوات الأفغانية من الانهيار أمام هجوم حركة طالبان التي باتت تملك ترسانة هائلة غنمتها من العدو.
في تموز/يوليو قال الرئيس الأميركي جو بايدن "لقد قدّمنا لشركائنا الأفغان كل الأدوات، دعوني أشدد على ذلك، كل الأدوات"، أثناء دفاعه عن قراره سحب ما تبقى من القوات الأميركية من البلاد وترك الأفغان يقاتلون من أجل مستقبلهم.
إلا أن عناصر قوات الأمن الأفغانية لم يبدوا رغبة كبيرة في القتال. فقد ألقى الآلاف من بينهم أسلحتهم، أحياناً بدون أدنى مقاومة. وسارع متمردو طالبان من جانبهم إلى وضع يدهم على هذه "الأدوات".
تنتشر بشكل واسع على مواقع إلكترونية موالية لطالبان مقاطع فيديو تُظهر مقاتلين من الحركة يصادرون شحنة أسلحة هنا أو هناك، ومعظمها مقدّم من قوى غربية.
في صور أخرى لجنود يستسلمون أمام مقاتلي طالبان في مدينة قندوز في شمال شرق البلاد، تظهر آليات مصفّحة ومجهّزة بقاذفات صواريخ بين أيدي المتمردين.
في مدينة فرح الغربية، يسيّر مقاتلون دوريات في الشوارع على متن آلية رُسم عليها نسر يهاجم أفعى، وهي الشارة الرسمية لأجهزة الاستخبارات الأفغانية.
توضح جوستين فليشنر من مؤسسة بحوث التسلح أثناء النزاعات (كونفليكت أرمامنت ريسرتش) أنه رغم أن القوات الأميركية أخذت معها أثناء انسحابها المعدّات التي تُعدّ "متطوّرة"، إلا أن متمردي طالبان استحوذوا على "مركبات وآليات هامفي وأسلحة خفيفة وذخيرة".
يرى الخبراء أن هذه الغنيمة غير المتوقعة ساعدت إلى حدّ بعيد متمردي طالبان الذين بامكانهم أيضاً الاعتماد على مصادرهم الخاصة للحصول على أسلحة. واتُّهمت باكستان خصوصاً بتمويل مقاتلي طالبان وتسليحهم، الأمر الذي نفته على الدوام.
يعتبر الخبير في كلية "اس. راجاراتنام" للدراسات الدولية في سنغافورة رافايلو بانتوتشي أن هذا التسلح لن يساعد متمدري طالبان في الوصول إلى كابول فحسب، إنما كذلك في "تعزيز سلطتهم" في المدن التي سيطروا عليها.
مع الانسحاب شبه الكامل للقوات الأميركية، يجد متمردو طالبان أنفسهم يملكون عدداً كبيراً من المعدّات الأميركية، بدون الحاجة إلى إنفاق فلس واحد للحصول عليها.
وأضاف بانتوتشي "إنه أمر خطير للغاية. من الواضح أنه نعمة سقطت عليهم".
قبل أسابيع من الذكرى العشرين لاعتداءات 11 أيلول/سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، تعرض طالبان بزهو هذه الترسانة وتواصل بحسب الأمم المتحدة، إقامة روابط وثيقة مع تنظيم القاعدة الذي يقف خلف هذه الاعتداءات.
يوضح جايسون أمريني وهو عنصر سابق في القوات الأميركية الخاصة شارك في غزو أفغانستان عام 2001 لطرد طالبان من الحكم، أن الأميركيين كانوا مستعدّين لفكرة أن مقاتلي طالبان سيستحوذون على بعض الأسلحة، لكن سقوط المدن بشكل سريع في أيدي المتمردين كان السيناريو الأكثر تشاؤماً بالنسبة لهم.
ويقول "الولايات المتحدة جهّزت الجيش الوطني الأفغاني مفترضةً أن الأسلحة والمعدات يمكن أن تقع في أيدي طالبان" مضيفاً "الأزمة الحالية كانت السيناريو الأسوأ، عندما اتُخذت قرارات شراء" المعدات.
في مطار قندوز، يظهر عنصر من طالبان في فيديو على متن دراجة نارية حمراء اللون أثناء مشاهدته مروحية عسكرية على مدرج قريب.
يمكن ملاحظة مشهد الابتهاج نفسه في كافة الأراضي التي سيطرت عليها الحركة. لكن إذا واصلت إظهار هذه المشاهد لإثارة حماسة مقاتليها، فلن تتمكن من استخدام هذه المروحية بدون طيار في ساحة المعركة.
يشير المحلل السابق في مجال مكافحة الإرهاب في وكالة الاستخبارات الأميركية (سي اي ايه) أكي بيريتز إلى أن "ذلك سيكون لأغراض دعائية فقط".
فالأسلحة الخفيفة أكثر فائدة، على غرار الآليات التي ستسهّل التنقلات في هذه الأراضي الوعرة. ستعزز هذه المعدّات إضافة إلى تراجع معنويات الجيش الأفغاني، التهديد الذي تمثله طالبان.
رغم ذلك، أكدت إدارة بايدن أنها ستواصل تجهيز الجيش الأفغاني الذي يوشك على الانهيار.
التاريخ يعيد نفسه بالنسبة للولايات المتحدة. فبعد انسحابها من العراق، سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على مدينة الموصل منتصف العام 2014، واستولى على أسلحة وآليات هامفي أميركية. واستخدم التنظيم هذه المعدات بعد ذلك لإعلان الخلافة الإسلامية في العراق وسوريا.
على غرار مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في الموصل، يقف مجنّدو طالبان لالتقاط صور مبتسمين وهم يحملون ذخائر استولوا عليها في المدن التي سيطروا عليها في كافة أنحاء أفغانستان.
يقول بيريتز إن "هذا الانسحاب يتحوّل إلى هزيمة".