أفغانستان انهيار الدولة الشبح بإذلال
وكالات
2021-08-16 07:40
فر الرئيس أشرف غني من أفغانستان تاركا السلطة عمليا لحركة طالبان التي وصلت الى كابول في مؤشر إلى انتصارها العسكري الكامل في غضون عشرة أيام فقط.
وكتب غني على فيسبوك "طالبان انتصرت"، مؤكدا أنه غادر بلاده لتجنيبها "اراقة الدماء" لأن "عددا كبيرا من المواطنين كانوا سيقتلون" والعاصمة "كانت ستدمر" لو بقي فيها.
ومساء الأحد، أعلن المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد عبر تويتر أن "وحدات عسكرية من إمارة أفغانستان الإسلامية دخلت مدينة كابول لضمان الأمن فيها"، مضيفا أن "تقدمهم يتواصل في شكل طبيعي".
وأكد ثلاثة مسؤولين كبار في طالبان لوكالة فرانس برس أن المتمردين سيطروا أيضا على القصر الرئاسي من دون أن تؤكد مصادر أخرى هذه المعلومة، لافتين إلى أن اجتماعا يعقد فيه للبحث في أمن العاصمة.
وتستعدّ الحركة الإسلامية المتشددة للعودة إلى السلطة، بعد عشرين عاماً على طردها من الحكم من جانب تحالف بقيادة الولايات المتحدة بسبب رفضها تسليم زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، في أعقاب اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر 2001.
أما الهزيمة فكاملة لقوات الأمن الأفغانية رغم أن الولايات المتحدة انفقت عليها مئات مليارات الدولارات طوال عشرين عاما.
وقبيل اعلان طالبان، كان نائب الرئيس السابق عبدالله عبدالله أول من أعلن أن غني غادر البلاد بعدما حكمها لسبعة اعوام من دون أن يحدد وجهته. كذلك، لم يحدد غني مكان وجوده.
وكان رحيل غني أحد ابرز شروط طالبان خلال أشهر من المفاوضات مع الحكومة.
انتقال سلمي
وأكد المتحدث باسم طالبان سهيل شاهين لهيئة "بي بي سي" الأحد، أن المتمردين يريدون انتقالاً سلمياً للسلطة "في الأيام المقبلة". وصرّح "نريد حكومة إسلامية جامعة، ما يعني أن جميع الأفغان سيكونون ممثلين في هذه الحكومة".
بدوره، أكد وزير الداخلية الأفغاني عبد الستار ميرزا كوال الذي دعا الأفغان إلى "عدم القلق"، أن "انتقالاً سلمياً للسلطة إلى حكومة انتقالية" سيجري.
وثمة خشية كبيرة من فراغ أمني في كابول بعدما تخلى آلاف من عناصر الشرطة والعسكريين عن مواقعهم وأسلحتهم.
في هذا الوقت، باشرت الولايات المتحدة اجلاء دبلوماسييها والمدنيين الأفغان الذين عملوا معها ويخشون على حياتهم إلى مطار كابول، أي نحو ثلاثين ألف شخص يتولى خمسة آلاف جندي اميركي حمايتهم.
وقال مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية إن "مئات" من موظفي السفارة الاميركية تم اجلاؤهم من أفغانستان.
واشارت السفارة الأميركية الى تلقيها "معلومات عن اطلاق نار في المطار" من دون تأكيد ذلك.
وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ إن الحلف يساعد في تأمين المطار الذي يتوجه اليها الغربيون والأفغان لمغادرة افغانستان.
ودافع الرئيس جو بايدن عن قراره وضع حد لحرب استمرت عشرين عاما في هذا البلد.
وقال الأحد "انا الرئيس الرابع الذي يحكم مع انتشار عسكري أميركي في أفغانستان (...) لا أريد أن أنقل هذه الحرب الى رئيس خامس".
بدوره، أكد وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن لشبكة "سي ان ان" أن "هذا ليس سايغون"، في اشارة الى سقوط عاصمة فيتنام العام 1975 في حدث لا يزال مؤلما في الذاكرة الاميركية.
وفي المملكة المتحدة، دعا رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الغربيين الى تبني "موقف مشترك" في مواجهة طالبان "لتفادي ان تغدو افغانستان مجددا تربة للارهاب". وتقوم لندن ايضا باجلاء طاقمها الدبلوماسي على غرار دول اوروبية اخرى.
وبحلول المساء، قالت طالبان إنها سيطرت على معظم المناطق المحيطة بضواحي العاصمة.
وذكر تحذير أمني من السفارة الأمريكية أن "الوضع الأمني في كابول يتغير بسرعة بما في ذلك عند المطار. هناك تقارير تفيد بأن المطار يتعرض لإطلاق نار ولذلك نحن نأمر المواطنين الأمريكيين بالاختباء في أماكنهم".
وتكدس مئات الأفغان، بعضهم وزراء في الحكومة وموظفون حكوميون ومدنيون آخرون بينهم العديد من النساء والأطفال، في المطار في انتظار يائس لرحلات المغادرة.
وقال مسؤول في المطار، طلب عدم نشر اسمه لأسباب أمنية، "الوضع في المطار خرج عن السيطرة .. الحكومة (الأفغانية) باعتنا للتو".
وجرى نقل الدبلوماسيين الأمريكيين من سفارتهم باستخدام طائرات هليكوبتر، وذلك في أعقاب اختفاء قوات الأمن الأفغانية التي تلقت تدريبا وعتادا من جانب الولايات المتحدة ودول أخرى بتكلفة بلغت مليارات الدولارات.
ولم يتم التأكد بعد من وجهة غني، لكن مسؤولا كبيرا في وزارة الداخلية قال إنه غادر إلى طاجيكستان، بينما قال مسؤول بوزارة الخارجية إن موقعه غير معروف وقالت طالبان إنها تتحقق من مكانه.
ووصف بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي المحليين غني بأنه "جبان" لأنه تركهم في حالة من الفوضى.
وقال مسؤول كبير في وزارة الداخلية لرويترز إن مقاتلي طالبان وصلوا إلى كابول "من جميع الجهات"، ووردت بعض التقارير عن إطلاق نار متقطع في أنحاء المدينة.
وذكر مستشفى في كابول أن ما يزيد على 40 شخصا أصيبوا في اشتباكات في الضواحي يتلقون العلاج، لكن لا يبدو أن هناك اشتباكات عنيفة.
وقال اثنان من كبار قادة طالبان في كابول إن مسلحين دخلوا القصر الرئاسي وسيطروا عليه. ولم تؤكد الحكومة الأفغانية ذلك.
وقال عبد الستار ميرزاكوال القائم بأعمال وزير الداخلية يوم الأحد إن السلطة ستُسلم إلى إدارة انتقالية. وكتب على تويتر "لن يكون هناك هجوم على المدينة، وجرى الاتفاق على أن يكون التسليم سلميا".
لكن اثنين من مسؤولي طالبان قالا لرويترز إنه لن تكون هناك حكومة انتقالية. وقالت طالبان في وقت سابق إنها تنتظر استسلام حكومة غني المدعومة من الغرب دون قتال.
قيم إسلامية
طوال النهار، سادت حالة من الهلع في العاصمة حيث أغلقت المحلات أبوابها وباتت زحمة السير خانقة وشوهد شرطيون يستبدلون بزّاتهم بملابس مدنية.
وشهدت غالبية المصارف ازدحاماً، وسط تهافت الناس على سحب أموالهم قبل فوات الاوان. وكانت الشوارع أيضاً مكتظة بالسيارات المحمّلة بالأغراض محاولةً مغادرة المدينة أو اللجوء إلى حيّ يعتبره السكان أكثر أماناً.
وفي حي التيماني وسط العاصمة، بدت مشاعر الخوف والارتباك على وجوه الناس.
وقال التاجر طارق نظامي (30 عاما) لوكالة فرانس برس "نحن نقدر عودة طالبان إلى أفغانستان، لكننا نأمل أن يفضي وصولهم إلى السلام وليس إلى حمام دم. أتذكر الفظائع التي ارتكبتها طالبان، عندما كنت طفلاً صغيراً".
وفي مؤشر إلى أن الناس بدأوا يرضخون للأمر الواقع شوهد عامل يغطي بالطلاء لوحة إعلانية لصالون تجميل تظهر عروسا متبرجة.
يخشى كثير من الأفغان المعتادين على الحرية التي تمتعوا بها في السنوات العشرين الماضية، وخصوصا النساء، عودة طالبان إلى السلطة. فعندما حكمت البلاد بين 1996 و2001 قبل أن يطردها تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة من السلطة، فرضت طالبان رؤيتها المتطرفة للشريعة الإسلامية. فمنعت النساء من الخروج بدون محرم ومن العمل. كذلك منع تعليم البنات وكانت النساء اللواتي يتّهمن بالزنا يتعرضن للجلد والرجم.
غير أن طالبان الحريصة اليوم على إظهار صورة أكثر اعتدالاً، تعهدت مرارا إذا عادت إلى السلطة احترام حقوق الإنسان، خصوصا حقوق المرأة، بما يتوافق مع "القيم الإسلامية".
لكن في المناطق التي سيطروا عليها في الفترة الأخيرة، اتهم عناصر طالبان بارتكاب الكثير من الفظائع، من قتل مدنيين وقطع رؤوس وخطف مراهقات لتزويجهنّ بالقوة.
الشريعة
يخشى كثير من الأفغان أن تعود طالبان لممارساتها الوحشية السابقة المتصلة بفرضها أحكام الشريعة. ففي فترة حكم الحركة بين 1996 و2001 لم يكن يُسمح للنساء بالعمل، وكانت الحركة تطبق عقوبات مثل الرجم والجلد والشنق.
وسعى المتشددون لإظهار وجه أكثر اعتدالا فوعدوا باحترام حقوق النساء وحماية الأجانب والأفغان.
وقال سهيل شاهين، المتحدث باسم حركة طالبان، لهيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) "نطمئن الناس، لا سيما في مدينة كابول، أن ممتلكاتهم وأرواحهم آمنة"، موضحا أن من المتوقع تسلم السلطة في غضون أيام.
وقال سكان إن الكثير من شوارع كابول عانت زحاما من سيارات وأناس إما يحاولون أن يهرعوا لبيوتهم أو الوصول إلى المطار.
وقال أحد السكان لرويترز "ترك البعض مفاتيحهم في السيارات وبدأوا السير إلى المطار". وقال آخر "الناس يتوجهون لبيوتهم خوفا من القتال".
وفي وقت مبكر يوم الأحد شوهد لاجئون من الأقاليم التي سيطرت عليها طالبان ينزلون متاعهم من سيارات أجرة بينما يقف أفراد أُسرهم أمام بوابات السفارات، في حين كان وسط المدينة مكتظا بأناس يسعون لتخزين مواد تموينية.
وقال مسؤولون أمريكيون إن طائرات هليكوبتر تنقل دبلوماسيين إلى المطار من سفارتهم في منطقة وزير أكبر خان المحصنة. وقال مسؤول في حلف شمال الأطلسي إن العديد من موظفي الاتحاد الأوروبي انتقلوا لمكان أكثر أمنا في كابول.
وقال شخص مطلع إن القوات الأمريكية ما زالت تصل إلى المطار وسط مخاوف من احتمالات "تمرد" المتعاقدين الأمنيين الأفغان المدججين بالسلاح لأنهم ليسوا على يقين من أن واشنطن ملتزمة بإجلائهم.
إجلاء أمريكي
قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في وقت سابق في واشنطن إن البعثة الدبلوماسية ستنتقل إلى المطار ولديها قائمة بالأشخاص الذين يتعين إخراجهم لإبعادهم عن الخطر.
وردا على سؤال عما إذا كانت لقطات الطائرات الهليكوبتر وهي تجلي أمريكيين تعيد للذاكرة الرحيل الأمريكي عن فيتنام في 1975 قال بليكن لقناة (إيه.بي.سي) "دعونا نتأمل الأمر..هذا ليس مثل سايجون بكل وضوح".
وقال مسؤول في حلف شمال الأطلسي إن الحلف يساعد في تأمين المطار مشيرا إلى أن التوصل إلى حل سياسي "بات ملحا الآن أكثر من أي وقت مضى".
وقالت روسيا إنها لا ترى حاجة لإخلاء سفارتها في كابول في الوقت الراهن.
وفي وقت سابق من يوم الأحد، سيطرت حركة طالبان على مدينة جلال اباد شرق البلاد دون قتال مما منحها السيطرة على أحد الطرق السريعة الرئيسية في البلاد.
وسيطر مقاتلو الحركة أيضا على معبر تورخم الحدودي القريب مع باكستان ليصبح بذلك مطار كابول هو السبيل الوحيد للخروج من أفغانستان ولا يزال في قبضة الحكومة.
وقال مسؤول أفغاني في جلال اباد لرويترز "فتح المجال أمام مرور طالبان كان السبيل الوحيد لإنقاذ حياة المدنيين".
وأظهر مقطع مصور وزعته طالبان أناسا يهللون ويكبرون مع دخول شاحنات المدينة وعلى متنها مقاتلون يرفعون الأسلحة الآلية ورايات طالبان البيضاء.
وقالت إيران إنها أقامت مخيمات على الحدود مع أفغانستان لتقديم مأوى مؤقت للأفغان الفارين من بلادهم.
وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم السبت إنه وافق على نشر خمسة آلاف جندي للمساعدة في إجلاء المواطنين وضمان تقليص عدد العسكريين الأمريكيين بطريقة "منظمة وآمنة".
وقال بايدن إن إدارته أبلغت مسؤولي طالبان خلال محادثات في قطر بأن أي تحرك يضع الأمريكيين في خطر "سيواجه برد عسكري أمريكي سريع وقوي".
ويواجه بايدن انتقادات متزايدة في الداخل لتمسكه بخطة الانسحاب التي بدأها سلفه دونالد ترامب لإنهاء المهمة العسكرية الأمريكية بأفغانستان بحلول 31 أغسطس آب.
وقال بايدن يوم السبت "الوجود الأمريكي بلا نهاية وسط صراع أهلي ببلد آخر غير مقبول عندي".
طالبان تسيطر على مزار شريف
وسيطر مقاتلو طالبان مساء السبت على مزار شريف، آخر كبرى مدن الشمال الأفغاني التي كانت لا تزال تسيطر عليها الحكومة، محكمين قبضتهم أكثر على البلاد، في حين أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن زيادة عديد قواته المرسلة إلى أفغانستان.
وتعهّد الرئيس الأفغاني أشرف غني في وقت سابق السبت "إعادة تعبئة" القوات الحكومية، فيما تواصل حركة طالبان تقدّمها باتّجاه مشارف كابول، حيث يُبدي سكان مخاوفهم ممّا قد تحمله الأيام المقبلة.
وإزاء تقهقر الجيش الأفغاني، أعلن بايدن السبت رفع عديد القوات الأميركية المرسلة إلى أفغانستان للمشاركة في إجلاء طاقم السفارة ومدنيين أفغان إلى خمسة آلاف عنصر، محذّرا حركة طالبان الزاحفة إلى كابول من عرقلة هذه المهمة ومتوعدا إياها بـ"رد عسكري أميركي سريع وقوي" إذا ما هاجمت مصالح أميركية.
وقال عتيق الله غيور الذي يقيم في جوار المسجد الأزرق الشهير في مزار شريف لوكالة فرانس برس إنّ متمرّدي طالبان "يحتفلون على آليّاتهم ودرّاجاتهم الناريّة، مطلقين النار في الهواء"، لافتا إلى أنّ القوات الأفغانية انسحبت من المدينة.
وأضاف ان طالبان دخلت "من دون أن تُواجه مقاومة تُذكر" في أكبر رابع مدينة في البلاد من حيث عدد السكّان (نصف مليون نسمة).
وأدلى سكّان آخرون بروايات مماثلة، فيما أعلن المتمرّدون سيطرتهم على المدينة، عاصمة ولاية بلخ والتقاطع التجاري المهم، بعدما شهدت ضواحيها صباح السبت معارك كثيفة.
وقالت طالبان في بيان إنّ "المقاتلين سيطروا على مزار شريف. كلّ المباني الرسمية (...) باتت في أيديهم".
ولجأ المارشال عبد الرشيد دستم، النائب السابق للرئيس الأفغاني، وعطا محمد نور، الحاكم السابق لبلخ، وكانا قادا قوات المقاومة المحلية لطالبان في مزار شريف، إلى أوزبكستان المجاورة وفق ما أفاد مصدر قريب من نور، موضحاً أنّ قوّاتهما انسحبت على بُعد ستّين كلم من المدينة.
من جهته، قال غني إنّ "إعادة تعبئة قوّاتنا الأمنية والدفاعية على رأس أولوياتنا". وأفاد ببدء مشاورات قال إنها "تتقدّم سريعاً" داخل الحكومة مع المسؤولين السياسيين والشركاء الدوليين لإيجاد "حل سياسي يضمن توفير السلام والاستقرار للشعب الأفغاني".
وأعلن القصر الجمهوري مساءً أنّ "الحكومة ستشكّل وفداً في وقت قريب، وسيكون جاهزاً للتفاوض".
قلق بشأن المستقبل
وبات الوضع الميداني حرجاً للغاية بالنسبة إلى الحكومة، إذ تمكّنت طالبان خلال ثمانية أيّام من السيطرة على معظم شمال أفغانستان وغربها وجنوبها، أي حوالى نصف عواصم الولايات الأفغانية. وباتت بعد سيطرتها الجمعة على مدينة بولي علم، عاصمة ولاية لوغار، على بُعد 50 كيلومترا فقط إلى الجنوب من كابول.
وسيطرت الحركة السبت على ولاية كونار في الشرق، وصار بإمكانها التقدّم نحو كابول من الشمال والجنوب والشرق.
ويسود الخوف بين سكّان كابول وعشرات آلاف الأشخاص الذين لجأوا إليها بعد الفرار من منازلهم في الأسابيع الأخيرة.
وقالت مزدة (35 عاما) التي وصلت إلى العاصمة مع شقيقتها من ولاية بروان شمالا، لفرانس برس "أبكي ليل نهار عندما أرى طالبان تجبر الفتيات الصغيرات على الزواج من مقاتليها. ... رفضتُ عروض زواج في الماضي ... إذا أجبرني (مقاتلو) طالبان على الزواج منهم، سأنتحر".
من جهته، قال داود هوتاك (28 عاما) وهو تاجر من كابول إنه "قلق بشأن مستقبل" شقيقاته الصغيرات ولا يعرف "ماذا سيحدث لهنّ ... إذا ساء الوضع حقًا سنغادر أفغانستان مرة أخرى كما فعلنا مطلع تسعينات" القرن الماضي.
مشاة البحرية الأميركية
يخشى كثير من الأفغان الذين اعتادوا على الحرية التي تمتعوا بها في السنوات العشرين الماضية، وخصوصا النساء، عودة طالبان إلى السلطة.
فعندما حكمت البلاد بين 1996 و2001 قبل أن يطردها تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة من السلطة، فرضت طالبان رؤيتها المتطرفة للشريعة الإسلامية. فمُنعت النساء من الخروج بدون محرم ومن العمل. كما مُنعت الفتيات من الذهاب إلى المدرسة. وتعرضت النساء المتهمات بجرائم مثل الزنا، للجلد والرجم.
وحلّقت مروحيات ذهابا وإيابا في كابول السبت بين المطار الدولي والمجمع الدبلوماسي الأميركي الواسع في المنطقة الخضراء التي تخضع لإجراءات حماية مشددة، بعد 46 عاما على إجلاء مروحيات الأميركيين من سايغون في نهاية حرب فيتنام
ووصلت كتيبة أولى من مشاة البحرية الأميركية إلى العاصمة حيث سيكون دورها تأمين إجلاء الدبلوماسيين والأفغان الذين عملوا مع الولايات المتحدة ممن يخشون أعمالا انتقامية تنفذها طالبان.
وأعلن البنتاغون أنه يعتزم إجلاء نحو ثلاثين ألف شخص من أفغانستان.
وتلقى موظفو السفارة الأميركية أوامر بإتلاف أو إحراق الوثائق الحساسة والرموز التي يمكن أن تستخدمها طالبان "لأغراض دعائية".
وأعلنت لندن في الوقت نفسه إعادة نشر 600 جندي لمساعدة البريطانيين على المغادرة.
كذلك، أعلنت دول أوروبية هي بريطانيا وألمانيا والدنمارك وإسبانيا والجمهورية التشيكية، الجمعة تقليص وجودها في أفغانستان إلى الحدّ الأدنى، مطلقةً برامج لنقل موظفيها الأفغان.
وفضّلت بلدان أخرى بينها النروج والدنمارك إغلاق سفاراتها موقتا، بينما قالت سويسرا، التي ليست لديها سفارة هناك، إنها قررت سحب بعض الموظفين السويسريين ونحو أربعين موظفا محليا. كما أبدت ايطاليا جهوزيتها لإجلاء دبلوماسييها ورعاياها "سريعاً" من كابول.
وعلى الرغم من الجهود السريعة لإجلاء الرعايا، تُصرّ إدارة بايدن على أنّ سيطرة طالبان على البلاد بكاملها ليست حتمية. وقال المتحدث باسم البنتاغون الجمعة إن "كابول لا تواجه حاليا تهديدا وشيكا"، لكنه أقرّ بأنّ مقاتلي طالبان "يحاولون عزل" المدينة.
وقال بايدن في بيان السبت إنّ "عاماً أو خمسة أعوام إضافية من الوجود العسكري الأميركي لن تُحدث أي فارق إذا كان الجيش الأفغاني غير قادر أو غير عازم على الدفاع عن بلده".
وتابع "أنا رابع رئيس يتولى المنصب في ظل وجود قوات أميركية في أفغانستان"، مؤكدا "لن أورّث هذه الحرب إلى رئيس خامس".
أشرف غني رمز لانهيار الدولة
الرئيس الأفغاني أشرف غني الذي أُعلن أنه غادر البلاد الأحد بعد وصول طالبان إلى مشارف كابول، أكاديمي وخبير اقتصادي أراد المساهمة في إعادة بناء بلاده لكنّه أصبح خلال سنوات رمزا لانهيار الدولة في أفغانستان على الرغم من المساعدات الدولية.
انتُخب غني رئيسا لأفغانستان في العام 2014 إثر حملة تعهّد فيها إصلاح الأوضاع في البلاد ووضع حد للفساد الذي ينخرها، لكنّه في نهاية المطاف لم ينفّذ أيا من هذه التعهّدين واضطر للتخلي عن السلطة بعدما حاصرت حركة طالبان العاصمة كابول.
وغني البالغ 72 عاما نشأ في أفغانستان وغادر البلاد في العام 1977 إلى الولايات المتحدة حيث درس الانتروبولوجيا والعلوم السياسية في جامعة كولومبيا في نيويورك. وعمل في مجال التدريس في عدة جامعات أميركية خلال الاحتلال السوفياتي لأفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي.
كما عمل في البنك الدولي منذ العام 1991، وعاد الى كابول مستشارا خاصا للأمم المتحدة بعيد إطاحة طالبان من الحكم في 2001.
في المرحلة التي تلت، ادى دورا رئيسيا في تشكيل الحكومة الانتقالية وأصبح وزير مالية نافذا في ظل رئاسة حميد كرزاي من 2002 حتى 2004، وشن حملة ضارية على الفساد.
عرف غني بحيويته ومواظبته على العمل. فقد طرح عملة جديدة، ووضع نظام ضرائب، وشجع المغتربين الافغان الاغنياء على العودة الى وطنهم، كما تقرب من المانحين في مرحلة ما بعد إطاحة نظام طالبان، لكنّه لاحقا بات يوصف بأنه غير مرن ومزاجي.
منعزل في قصره
وشدد الكاتب الباكستاني أحمد راشد الذي تربطه معرفة بغني منذ نحو ثلاثين عاما على أن الأخير "لم يسمح لأحد بالتقرّب منه"، وهو اعتبر أن نوبات غضبه المتكررة وغطرسته تجاه مواطنيه الأفغان "جعلت منه شخصية مكروهة".
في انتخابات الرئاسة العام 2009، لم يحقق غني نتائج جيدة وحل رابعا بنيله أقل من ثلاثة بالمئة من الأصوات. وفي انتخابات 2014، اثار صدمة العديد من الافغان باختياره الجنرال عبد الرشيد دوستم للترشح لمنصب نائب الرئيس، لان زعيم الحرب الاوزبكي متهم بارتكاب العديد من انتهاكات حقوق الانسان.
وحقق في الجولة الأولى من الانتخابات نتائج أفضل مما توقعه مراقبون كثر، إذ حصل على 31,6% من الأصوات مقابل 45% لخصمه عبدالله عبدالله.
وفي الجولة الثانية، فاز بنسبة 55% متقدما على عبدالله، رغم شبهات الفساد التي شابت عملية الاقتراع.
وبعد الانتخابات، شكّل "حكومة وحدة وطنية" برئاسة عبدالله في أعقاب وساطة أميركية لتقاسم السلطة مع الأخير.
وقبل خوضه السباق الرئاسي أشرف غني على نقل المسؤوليات العسكرية من حلف شمال الأطلسي إلى القوات الأفغانية.
وتعرّضت علاقاته بواشنطن التي كانت تبدو جيّدة، لنكسة بعدما جرى تهميشه في المفاوضات التي أجرتها الولايات المتحدة مع طالبان في الدوحة.
وكانت واشنطن استبعدته من المحادثات بعدما رفضت حركة طالبان مشاركته، وقد أجبر لاحقا على إطلاق سراح خمسة آلاف من عناصرها في إطار مفاوضات سلام لم تثمر.
وباستثناء وقف لإطلاق النار خلال شهر رمضان في حزيران/يونيو 2018، رفضت طالبان كل مبادرات السلام التي أطلقها غني، وقد وصفته بأنّه "دمية" بيد واشنطن. وتوعّد غني بمحاربة المتمردين "لأجيال" إذا ما أخفقت المفاوضات.
وغني متزوج من رولا التي تعرّف إليها خلال دراسته في الجامعة الأميركية في بيروت، ولديهما ولدان، وقد شفي مؤخرا من سرطان في المعدة.
وكان قد صرّح لوكالة فرانس برس قبل انتخابه رئيسا "لا أعتزم أن أعيش حياة انعزال"، لكنّه في نهاية المطاف فعل العكس إذ أصبح منعزلا أكثر فأكثر في قصره مانحا ثقته لقلّة قليلة من معاونيه.
أمراء الحرب استسلموا بسهولة تثير الدهشة في أفغانستان
تعهد أمراء الحرب الأفغان الدفاع عن معاقلهم في مواجهة طالبان وسحق المتمردين، لكنهم وعلى غرار القوات الحكومية، استسلموا بسهولة مثيرة للدهشة.
وفيما كان المتمردون يجتاحون شمال البلاد في هجوم خاطف استهدف معقل المناهضين لطالبان في أفغانستان، دعا الرئيس أشرف غني إلى تعبئة وطنية لقوات الميليشيات.
ورغم تاريخ غني المتقلب مع أمراء الحرب في أفغانستان، كان الرئيس المحاصر يأمل في أن يتمكنوا من المساعدة في وقف هجوم المتمردين.
في مدينة مزار شريف في شمال البلاد، طلب غني مساعدة الرجل القوي عطا محمد نور وأمير الحرب الأوزبكي عبد الرشيد دوستم، إذ إنهما معروفين بقتالهما المستميت ضد طالبان خلال تسعينات القرن الماضي، كما انهما بقيا شخصيتين مؤثرتين خلال العقدين الماضيين من الحرب.
في الأيام التي سبقت هزيمتهما، بدا القائدان الأشيبان كأنهما المحاربين القديمين اللذين كانا عليهما خلال سنوات الشباب.
وصرح دوستم للصحافيين الأسبوع الماضي بعد عودته إلى مزار شريف أن "طالبان لم تتعلم إطلاقا من الماضي"، مشيرا إلى مجزرة نفذها مقاتلوه ضد عناصر في الحركة في 2001 . وأضاف "أتى مقاتلو طالبان إلى الشمال مرات عدة لكنهم كانوا دائما محاصرين. ليس من السهل عليهم الخروج".
أما نور فلجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي لإصدار تحذيراته ونشر صورا لمقاتلين من طالبان قتلتهم قواته فيما توعّد بالقتال حتى الموت.
وكتب على تويتر "أفضّل الموت بكرامة على الموت من اليأس" إلى جانب منشورات أخرى تنطوي على تحد تتعهد "الدفاع عن الوطن".
وفي مقطع فيديو نشر على فيسبوك السبت، تحدث نور ببزته العسكرية، بهدوء فيما كانت تسمع طلقات نارية من مكان قريب.
مؤامرة جبانة
في نهاية المطاف، لم تنجح الشجاعة في هزيمة المتمردين.
ومساء السبت، هُزمت مليشيات المحاربَين المخضرمَين بعد استسلام الوحدات العسكرية الأفغانية التي كانت تدعمها، لطالبان. وفر كل من دوستم ونور عبر الحدود الأوزبكية القريبة.
وكتب نور على تويتر أنهما كانا ضحيتين لخيانة متأصلة، مضيفا أن مقاومة الميليشيات انتهت "نتيجة لمؤامرة كبيرة منظمة وجبانة". ولم يقدّم أي تفاصيل إضافية.
في الوقت نفسه، أظهر مقطع فيديو نُشر على حسابات في وسائل التواصل الاجتماعي مناصرة لطالبان، مجموعة من مقاتلين شباب تابعين لطالبان وهم يمشطون مسكن دوستم المتخم بالأثاث ويبحثون في الخزائن.
وجاءت هزيمة نور ودوستم بعد أيام من أسر مقاتلي طالبان في مدينة هرات (غرب) الرجل القوي إسماعيل خان.
وكان خان قبيل هزيمته، يبدو كأنه الشخص القوي الذي حكم بقبضة من حديد لعقود، لدرجة أنه لقب بـ "أسد هرات".
وقال خان الشهر الماضي "نطالب كل القوات الأمنية المتبقية بالمقاومة بشجاعة".
لكن خان أجبر الجمعة على التقاط صور مع مقاتلي طالبان وإجراء مقابلة مع وسيلة إعلامية تابعة للمتمردين.
وبعد كل الوعود الضخمة... كانت النهاية مذلّة.
جنود أفغان يبحثون عن متمردي طالبان... طلبا للعفو بعد سقوط هرات
احتشد آلاف الجنود الأفغان في مكتب الحاكم في مدينة هرات في غرب البلاد بحثا عن متمرّدي طالبان، ليس لمحاربتهم بل لطلب العفو.
سقطت ثالث أكبر المدن الأفغانية بدون قتال الخميس مع انسحاب القوات الحكومية واحتجاز المتمردين أمير الحرب الشهير في هرات إسماعيل خان.
ومع تزايد المخاوف من أعمال انتقامية عنيفة مع اقتراب طالبان من السيطرة الكاملة على البلاد، تجمع جنود أفغان في هرات معظمهم يرتدون ملابس مدنية، السبت في محاولة للحصول على مذكرة عفو.
داخل مكتب حاكم هرات في السابق، جلس أفراد من طالبان على أرائك وُضعت على بعضها بنادق عسكرية أميركية، فيما كانوا يدونون الأسماء ويراجعون قوائم موضوعة على طاولة سطحها زجاجي.
وكان أحدهم يكتب مذكرات العفو على أوراق تحمل شعار طالبان، بعضها طويل الأجل وبعضها صالح لبضعة أيام فقط.
وروى جندي أفغاني كان في المكان لوكالة فرانس برس أن وحدته كانت محاصرة من قبل طالبان قبل سقوط المدينة. والآن، لا يريد سوى أن يكون بأمان.
وقال أحمد شهيدي "جئت إلى هنا للحصول على مذكرة عفو للخروج من المدينة (...) حتى أجد مكانا يمكنني أن أبقى فيه آمنا في المستقبل".
قال نجيب الله كاروخي وهو أحد أفراد طالبان، إن حوالى ثلاثة آلاف شخص حصلوا على عفو. وأضاف أن "الأشخاص الذين ينتمون إلى ولايات أخرى سيحصلون على مذكرة عفو تصلح لمدة ثلاثة أيام حتى يتمكنوا من الوصول إلى ولاياتهم الأصلية حيث سيحتاجون إلى الحصول على مذكرة عفو أخرى طويلة الأجل من مسؤولينا هناك".
في الجزء المظلل من الفناء في المجمع، كان يجلس مئات بصبر فيما يحمل رجل خطابات عفو ينادي بالأسماء الواحد تلو الآخر لاستلامها.
ويبدو أن العملية البيروقراطية لطالبان بدأت بسلاسة بعد السرعة الخاطفة لهجماتها عبر أفغانستان.
قبل أسابيع فقط، كان إسماعيل خان الذي حكم هرات بقبضة من حديد على مدى عقود، يعد بالدفاع عن المدينة بميليشياته ويدعو القوات الحكومية إلى إظهار المزيد من الشجاعة.
لكن دفاعات المدينة تبخرت بين ليلة وضحاها مع انسحاب القوات الحكومية إلى قاعدة خارج المدينة ما مكّن طالبان من أسر خان.
وقال الناطق باسم أمير الحرب السابق إنه سمح له بالعودة إلى مقر إقامته بعد محادثات مع طالبان، لكن لم يتضح ما هي الصفقة التي تم التوصل إليها بين الطرفين.
وصرح مصدر أمني حكومي كبير من هرات لفرانس برس "اضطررنا لمغادرة المدينة من أجل منع حصول مزيد من الدمار".
والخوف من انتقام طالبان ليس بلا أساس. فقد فرض المتمردون عقوبات قاسية على المعارضين، وعلى أي شخص كان ينتهك رؤيتهم الصارمة للشريعة الإسلامية عندما كانوا في السلطة بين 1996 و2001.
واتهم المتمردون بارتكاب جرائم حرب في المدن التي سيطروا عليها أخيرا، بما فيها مذابح بحق مدنيين وجنود خارج القتال... إلا انهم ينفون ارتكاب مثل هذه الفظائع.