الاغتيالات في العراق والمصير المجهول للانتخابات

وكالات

2021-05-26 06:46

شارك الآلاف في تظاهرة في ساحة التحرير ببغداد ضمت أشخاصا من مدن جنوبية مثل الناصرية وكربلاء، رفعوا صور ناشطين تعرضوا للاغتيال، لا سيما إيهاب الوزني رئيس تنسيقية الاحتجاجات في كربلاء، والذي كان لسنوات عدة يحذر من هيمنة الفصائل المسلحة الموالية لايران وأردي برصاص مسلّحين أمام منزله بمسدسات مزوّدة كواتم للصوت. يأتي ذلك مع اقتراب الانتخابات البرلمانية المبكرة المقرر إجراؤها في تشرين الأول/أكتوبر.

وقد قتل متظاهران الثلاثاء برصاص القوات الأمنية في بغداد إثر تفريقها تظاهرة انطلقت في وقت سابق للمطالبة بمحاسبة قتلة ناشطين مناهضين للنظام السياسي، وسط شعورٍ بالاحباط والفشل بازاء الحكومة الحالية. بحسب فرانس برس.

وتولت هذه الحكومة السلطة عقب استقالة الحكومة السابقة في مواجهة "ثورة أكتوبر" التي خلفت نحو 600 قتيل ولم تتوقف إلا بعد حملة ترهيب وخطف واغتيالات.

وأكد مصدر طبي مقتل المتظاهر "نتيجة إصابته بطلق ناري في الرقبة بعد نصف ساعة من وصوله للمستشفى"، وهو شاب من الديوانية جنوباً يدعى محمد باقر وسيجري تشييعه الأربعاء في المدينة، فيما أكد مصدر أمني مقتل متظاهر آخر بالرصاص أيضاً.

وأصيب كذلك 28 متظاهراً بجروح، فضلاً عن 57 عنصراً من قوات الأمن على الأقل، وفق المصادر الطبية والأمنية.

ولم تعلن أيّ جهة مسؤوليتها عن اغتيال الوزني، وهو أمر تكرّر في اعتداءات سابقة في بلد تفرض فيه فصائل مسلّحة سيطرتها على المشهدين السياسي والاقتصاد.

ومنذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في العراق قبل نحو عامين، تعرّض أكثر من 70 ناشطاً للاغتيال أو لمحاولة اغتيال، فيما خطف عشرات آخرون لفترات قصيرة، ففي تموز/يوليو 2020، اغتيل المحلل المختص على مستوى عالمي بشؤون الجماعات الجهادية هشام الهاشمي أمام أولاده في بغداد.

وهدفت تظاهرة الثلاثاء التي بدأت بشكل سلمي قبل أن تتحول صدامات بين قوات مكافحة الشغب والمتظاهرين، إلى الضغط على الحكومة لاستكمال التحقيق في عمليات الاغتيال التي وعدت السلطة بمحاكمة مرتكبيها، لكن الوعود لم تترجم أفعالا.

وتجمع المتظاهرون في ساحة الفردوس فيما تجمع آخرون في ساحة النسور قبل الانطلاق الى ساحة التحرير مركز التظاهر في بغداد، وسط اجراءات امنية مشددة وانتشار مئات من عناصر مكافحة الشعب وحفظ النظام.

وهتف المتظاهرون الذين كان غالبيتهم من الشباب "بالروح بالدم نفديك يا عراق" و"الشعب يريد إسقاط النظام" و "ثورة ضد الاحزاب".

وقال المتظاهر حسين البالغ 25 عاما لفرانس برس "التظاهرة اليوم احتجاجا على قتل الناشطين" وأضاف "كل من يرشح نفسه من العراقيين الاحرار غير المنتمين الى حزب يتعرض للقتل".

وتابع "لذلك نعتبر الانتخابات باطلة (...) يراد منها تدوير النفايات الفاسدة".

وبالنسبة للمتظاهر محمد البالغ 22 عاماً "هناك مندسون بين المتظاهرين. يلتقطون صورنا لتهديد وقتل الناشطين لاحقاً. إنهم الميليشيات والأحزاب الذين يفعلون ذلك".

وتأتي الاحتجاجات بعد نحو عامين من انطلاقة "ثورة أكتوبر" في 25 تشرين الأول/اكتوبر 2019 والتي انتهت باستقالة رئيس الحكومة عادل عبد المهدي وتولي مصطفى الكاظمي رئيس جهاز المخابرات المسؤولية.

وكانت التظاهرات قد خمدت كلّها تقريبا في 2020 في سياق التوترات السياسية وفي مواجهة الوباء، لكن التحركات عادت إلى الظهور في عدة مناسبات، لا سيما في الناصرية جنوباً، وذهب ضحيتها متظاهرون عديدون خلال الأشهر الماضية.

إلا أن تظاهرة الثلاثاء هي الأولى التي تشهد عنفاً مماثلاً في بغداد منذ احتجاجات تشرين.

ودفعت أجواء الترهيب عدداً من الأحزاب والتيارات المنبثقة من "ثورة أكتوبر" إلى الإعلان عن مقاطعة للانتخابات البرلمانية المبكرة المقرر إجراؤها في تشرين الأول/أكتوبر في العراق بوعد من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.

واعتبرت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير الأسبوع الماضي أنه "في حال لم تكن السلطات العراقية قادرة على اتخاذ خطوات عاجلة لوقف عمليات القتل خارج نطاق القضاء، فإن مناخ الخوف الملموس الذي خلقته سيحدّ بشدة من قدرة أولئك الذين كانوا يدعون إلى التغيير على المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة".

وعلى أثر اغتيال الوزني وهو احد ابرز قادة الاحتجاجات في كربلاء، دعا 17 تياراً ومنظمةً منبثقةً من الحركة الاحتجاجية رسمياً إلى مقاطعة الانتخابات المبكرة التي وعد بها الكاظمي.

وأعلنت تلك التيارات في 17 ايار/مايو في بيان مشترك من كربلاء رفض "السلطة القمعية" وعدم السماح "بإجراء انتخابات ما دام السلاح منفلتا والاغتيالات مستمرة" والتي ينسبها ناشطون إلى ميليشيات شيعية، وسط تعاظم نفوذ فصائل مسلحة تحظى بدعم إيران على المشهد السياسي.

وتعهدت الحكومة باتخاذ اجراءات صارمة ضد ما تصفه بجماعات مسلحة إجرامية تحاول زعزعة استقرار البلاد وفرض سيطرة الدولة على الأسلحة في إطار جهود للحد من نفوذ الفصائل المسلحة.

الاغتيالات تهدد الانتخابات المبكرة في العراق

وتوالت المواقف المقاطعة للانتخابات البرلمانية المبكرة المقرر إجراؤها في تشرين الأول/أكتوبر في العراق على خلفية مناخ الخوف الذي أحدثته موجة اغتيالات طالت نشطاء، لكن لم يحاسب مرتكبوها حتى الآن.

رغم تلك الدعوات، يشكك محللون سياسيون في أنها ستقف أمام إجراء الاقتراع في الواقع، نتيجة سيطرة الأحزاب التقليدية على اللعبة السياسية من خلال الضغط وشراء الأصوات.

النائب المستقيل وأحد أبرز ناشطي حركة تشرين الأول/أكتوبر 2019 الاحتجاجية فائق الشيخ علي، واحد ممن قرروا مقاطعة الانتخابات النيابية.

وأعلن في تغريدة في التاسع من أيار/مايو انسحابه من الانتخابات، داعياً "القوى المدنية وثوار تشرين إلى الانسحاب أيضاً والتهيؤ لإكمال الثورة في الشهور المقبلة ضد إيران وميليشياتها القذرة (...) فلا خيار أمامنا سوى الإطاحة بنظام المجرمين".

تأتي هذه المواقف احتجاجاً خصوصاً على اغتيال إيهاب الوزني، منسق الاحتجاجات المناهضة للسلطة في كربلاء والذي كان لسنوات عدة ينبّه من هيمنة الفصائل المسلحة الموالية لايران، وهو في طريقه إلى منزله في المدينة الواقعة في جنوب العراق قبل أسبوعين تقريبا.

في اليوم التالي، استهدف الصحافي أحمد الحسن في الديوانية جنوباً بالرصاص، ليصاب في رأسه، ولا يزال يتلقى العلاج في مستشفى في بغداد.

كذلك، دعا حسين الغرابي مؤسس "الحركة الوطنية للبيت العراقي" أحد التيارات السياسية المنبثقة عن الحركة الاحتجاجية، إلى المقاطعة.

وأكّد لوكالة فرانس برس "قرّرنا تبني معارضة النظام السياسي وممانعة إجراء الانتخابات"، إلى حين معرفة "قتلة شهداء تشرين وبالأخص إيهاب الوزني".

مذّاك، دعا 17 تياراً ومنظمةً منبثقةً عن الحركة الاحتجاجية رسمياً إلى مقاطعة الانتخابات المبكرة التي وعدت بها حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إثر توليه السلطة بعد أشهر من الاحتجاجات ضد الفساد والطبقة السياسية.

وأعلنت تلك التيارات في 17 ايار/مايو في بيان مشترك من كربلاء الرفض "للسلطة القمعية" وعدم السماح "بإجراء انتخابات ما دام السلاح منفلت والاغتيالات مستمرة" والتي ينسبها ناشطون إلى ميليشيات شيعية، وسط تعاظم نفوذ فصائل مسلحة تحظى بدعم إيران على المشهد السياسي.

وأغرق نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي بالأسئلة عن قتلة زملائهم، مطلقين على تويتر وسم "من قتلني". ونشروا أيضاً على نطاق واسع صورة تضم مجموعة من أبرز الناشطين بينهم هشام الهاشمي وريهام يعقوب التي اغتيلت بالبصرة جنوبا.

وهؤلاء من بين أكثر من 70 ناشطاً تعرضوا للقتل أو محاولة الاغتيال، فيما تعرض عشرات للخطف، منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في العام 2019.

يدفع هذا المناخ المتوتر إلى التشكيك في شفافية الانتخابات، التي كان يفترض أن تقام أصلاً في حزيران/يونيو قبل أن تؤجل إلى تشرين الأول/أكتوبر.

في هذا الإطار، يعتبر المحلل السياسي علي البيدر أنه من الأفضل "تأجيل الانتخابات، لحين أن يتم توفير مناخ انتخابي آمن، فالأوضاع اليوم أشبه بالفوضى".

ويرى أيضا أن تأثير مقاطعة الانتخابات قد يكون محدوداً أصلاً. ويوضح "ربما سيكون لتلك الخطوة تأثير إعلامي ... لأن الأحزاب الكبيرة تملك قوة ونفوذاً كبيرين".

دفعت عوامل التوتر تلك التيارات المنبثقة عن احتجاجات تشرين إلى أن تدرك أن "الأحزاب التقليدية المدعومة من دول أجنبية، ولا سيما إيران، هي التي تسيطر على الدولة والسلطة والمال والسلاح"، كما أوضح المحلل إحسان الشمري.

من هنا علمت أنه "من الصعب جداً لها اختراق الساحة السياسية، ولهذا فضلت الانسحاب ومقاطعة الاقتراع"، على ما يقول الشمري.

كل ذلك ينذر بالخطر، بالنسبة لرئيس الحزب الشيوعي رائد فهمي، فقد قال "تمر البلاد بأزمة سياسية خطيرة. السكان محبطون. إذا تم إغلاق أبواب الديموقراطية والانتخابات الحرة والشفافة، فقد يؤدي ذلك إلى موجة جديدة من العنف".

رغم الخطر المحدق، وربما محدودية أثر هذه الخطوة، يرى جاسم الجلفي من الحزب الشيوعي، أن ذلك يبقى "موقفاً ينطلق من رفض الواقع الحالي ... لبيئة لا توفر عدالة وإنصافاً ولا تضمن تكافؤ الفرص".

الفشل سيولد غضبا وخيبة أمل كبيرين

من جهتها جددت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، جينين-هينيس بلاسخارت، دعوتها لجميع الجهات المعنية العراقية إلى الالتزام بنزاهة العملية الانتخابية. وقالت "العالم يراقب".

جاء ذلك خلال إحاطتها الافتراضية أمام مجلس الأمن، حيث ركزت على الانتخابات التي ستُجرى في 10 تشرين الأول/أكتوبر.

وحذرت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق ورئيسة بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، السيّدة جنين-هينيس بلاسخارت، من أن الفشل في تنظيم انتخابات ذات مصداقية من شأنه أن يولّد غضبا وخيبة أمل كبيرين ودائمين وواسعي النطاق، "الأمر الذي ربما يتسبب بالمزيد من عدم الاستقرار في البلاد في وقت هي في أمس الحاجة فيه إلى القوة والوحدة".

وأشارت السيّدة هينيس-بلاسخارت إلى أن الضغط والتدخل السياسيين والتخويف والتمويل غير المشروع، جميعها من أشد العوامل إضرارا بمصداقية الانتخابات، وبالتالي في الإقبال على المشاركة فيها.

وشددت المسؤولة الأممية في إحاطتها على أن الدعم الفني للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات متواصل، "ونحن ملتزمون بمساعدة العراق على إجراء هذه الانتخابات".

وأضافت تقول: "من أجل أن تكون انتخابات ذات مصداقية، لا بد من مكافحة التضليل بالحقائق ولا بد من أن تحل المساءلة محل التخويف".

وعلى الرغم من أن الانتخابات كانت مطلبا مركزيا للحركة الاحتجاجية، لكن العديد من أعضائها لا يزالون يتعرّضون للاضطهاد في ظل تفشي الإفلات من العقاب. وقالت المسؤولة الأممية: "اغتيال الناشط إيهاب جواد الوزني منذ يومين على يد مسلحين مجهولين أمام منزله في كربلاء مثال مأساوي على ذلك".

ورأى النائب سعد الحلفي عضو تحالف "سائرون" الذي يمثل التيار الصدري في البرلمان، إن "عودة مسلسل الاغتيالات ... تندرج ضمن المخطط التخريبي ... وعرقلة الانتخابات".

بدوره، حذر الزعيم الشيعي البارز مقتدى الصدر، في تغريدة إن "للمشاركة في الانتخابات شروطها وميثاقها ... والاغتيالات ليست منها على الإطلاق".

عقب هذه الهجمات، تصاعد الاحتجاج المناهض لدور إيران التي لها حلفاء داخل البرلمان بعدما تزايد نفوذها في العراق منذ الغزو الأميركي عام 2003.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي