روسيا وأمريكا وصراع الخطوط الحمراء
عبد الامير رويح
2021-05-05 03:34
تصاعد التوتر بين روسيا والولايات المتحدة بشكل كبير في الفترة الاخيرة، بسبب الاتهامات المتبادلة والقرارات التي اتخذتها ادارة الرئيس الامريكي الجديد بايدن، الذي وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتن بـ"القاتل"، متعهدا بجعله "يدفع ثمن أعماله". وهو ما اعتبرته موسكو إهانة للشعب الروسي. كما أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات على روسيا ردا على ما تصفه بهجمات إلكترونية وأعمال عدائية أخرى. وتستهدف العقوبات، التي فصلها أمر تنفيذي وقعه الرئيس جو بايدن، عشرات الكيانات والمسؤولين والدبلوماسيين الروس. وأدرجت الحكومة الأمريكية شركات روسية على القائمة السوداء وطردت دبلوماسيين روسا ومنعت البنوك الأمريكية من شراء سندات سيادية من البنك المركزي الروسي وصندوق الثروة الوطني ووزارة المالية.
هذه الاجراءات والتصريحات اثارت استياء وغضب روسيا، التي ردت ايضاً، على العقوبات الأمريكية بطرد دبلوماسيين وفرض عقوبات على مسؤولين. وأعلنت وزارة الخارجية الروسية، حظر 8 مسؤولين سابقين وحاليين أمريكيين من دخول أراضيها. وكان وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، أكد أن "موسكو ستنشر لائحة بأسماء 8 مسؤولين أمريكيين في قائمة العقوبات". وأضاف، في تصريحات خلال مؤتمر صحفي: "سنطلب من 10 دبلوماسيين أمريكيين مغادرة البلاد". وتابع وزير الخارجية الروسي: "سنوقف عمل مؤسسات أمريكية حكومية غير رسمية تتدخل في شؤوننا الداخلية".
بدورها أكدت وزارة الخارجية الروسية أنهم "مستعدون لخفض الوجود الدبلوماسي الأمريكي في موسكو إلى 300 شخص إذا لم تغير واشنطن نهجها". وأشارت، في بيان، إلى أنه "بالإمكان إلحاق الأذى بالاقتصاد الأمريكي إذا اختارت واشنطن الاستمرار في مسار العقوبات". وتابع: "مستعدون للحوار مع الولايات المتحدة لإيجاد سبل لإعادة العلاقات إلى طبيعتها بين البلدين". وفي أواخر عام 2016 فرضت الإدارة الأمريكية على عهد الرئيس السابق باراك أوباما وكما نقلت بعض المصادر، مجموعة من العقوبات الصارمة على روسيا.
ومع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ساد نوع من الترقب بصدد مستقبل العلاقات بين الجانبين، فيما لم يخفِ البعض تفاؤله من إمكانية رفع العقوبات التي فرضت على روسيا في أعقاب توتر الأوضاع في أوكرانيا، حيث قامت الولايات المتحدة حينها بتوجيه تحذير لروسيا بسبب ما اعتبرته تدخلاً عدائياً في أوكرانيا، وتكثيف وجودها العسكري على الحدود مع هذا البلد، وفي شبه جزيرة القرم، ومع ذلك ستشهد العلاقات مدّاً وجزراً بسبب التباين في الرؤى إزاء عدد من القضايا الأمنية والعسكرية، والأزمات الدولية، وبخاصة في ما يتعلق منها بالملف النووي الإيراني، وتطور الأوضاع في كل من سوريا وأوكرانيا.
ولم يخف جو بايدن، انزعاجه من روسيا خلال حملته الانتخابية، وعندما تولى الرئاسة شهدت العلاقات بين البلدين توتراً ملحوظاً، حيث كثفت الولايات المتحدة من تموقعها في فضاءات لا تخلو من أهمية استراتيجية بالنسبة إلى روسيا، كما هو الأمر بالنسبة إلى أوروبا الشرقية، كما لم تخف واشنطن قلقها المتزايد من تسميم المعارض الروسي ألكسي نافالني، ما دفعها إلى فرض عقوبات على عدد من الشخصيات الروسية.
عقوبات متبادلة
وفي هذا الشأن كشفت روسيا النقاب عن ردّها على العقوبات الأميركية الجديدة، عبر قرارات شملت طرد دبلوماسيين وحظر دخول مسؤولين أميركيين كبار إلى أراضيها، وذلك رغم تشديدها على أنها منفتحة على فكرة عقد قمة بين الرئيسين فلاديمير بوتين وجو بايدن. ويأتي تبادل فرض العقوبات في وقت واصلت العلاقات بين الخصمين الجيوسياسيين تدهورها على خلفية اتهامات الولايات المتحدة لروسيا بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2020 والتجسس وتنفيذ هجمات إلكترونية.
وأعلنت واشنطن سلسة عقوبات تستهدف روسيا، تشمل طرد عشرة دبلوماسيين روس وحظرا على البنوك الأميركية لشراء ديون مباشرة صادرة عن هذا البلد بعد 14 حزيران/يونيو. وجاء ردّ موسكو سريعا إذ أعلن وزير خارجيتها سيرغي لافروف قرار بلاده طرد عشرة دبلوماسيين أميركيين وفرض قيود مختلفة من شأنها أن تعرقل عمل البعثات الدبلوماسية الأميركية في روسيا، فضلاً عن حظر المؤسسات الأميركية والمنظمات غير الحكومية على أراضيها بسبب "تدخلها العلني" في السياسة الروسية الداخلية.
كما أنّ العديد من أعضاء إدارة جو بايدن لن يُسمح لهم بعد الآن من دخول روسيا، وهم وزراء العدل والأمن الداخلي ومستشارة السياسة الداخلية إلى جانب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي ومديرة المخابرات. كما أشار لافروف إلى أن كبير مساعدي الرئيس الروسي في مجال السياسة الخارجية يوري أوشاكوف نصح بأن يغادر السفير الأميركي جون سوليفان إلى واشنطن لإجراء "مشاورات جدية".
واستدعت روسيا في وقت سابق، سفيرها لدى الولايات المتحدة للتشاور بشأن مستقبل العلاقات مع واشنطن، في خطوة جاءت بعدما قال بايدن إن بوتين "سيدفع الثمن" لتدخله المفترض في الانتخابات، مبديا موافقته على التقييم القائل بأن بوتين "قاتل". كما أعلنت روسيا أنها قررت طرد خمسة دبلوماسيين بولنديين رداً على إعلان وارسو طرد ثلاثة دبلوماسيين روس تضامناً مع الإجراءات الأميركية ضد موسكو.
وكما درجت العادة بعد كل مرة تفرض فيها الإدارة الأميركية حزمة عقوبات، وصفت الرئاسة الروسية التدابير العقابية الجديدة التي أعلنتها واشنطن ضد موسكو بأنها "غير مقبولة". وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف إن "الرئيس بوتين تحدث (أولاً) عن ضرورة تطبيع العلاقات وخفض التصعيد. يتحدث عن ذلك بشكل مستمرّ. إنه موقف مقتنع به". وأضاف "من وجهة النظر هذه، فإن تطابق وجهات نظر الرئيسين هو أمر إيجابي"، مشيراً في الوقت نفسه إلى وجود نقاط خلافية عديدة بين واشنطن وموسكو.
وأكدت وزارة الخارجية الروسية أنها تنظر بـ"إيجابية" إلى مقترح البيت الأبيض عقد القمة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي جو بايدن رغم التوتر بين البلدين وتبادلهما فرض عقوبات وطرد دبلوماسيين. ومنذ وصوله إلى الحكم، تعهّد بادين بأن يكون أكثر صرامة حيال روسيا من سلفه دونالد ترامب المتهم بالتهاون مع الرئيس الروسي. بحسب فرانس برس.
يأتي ذلك في ظل تزايد التوتر بين روسيا وأوكرانيا، إذ إن هذه الأخيرة تتهم موسكو بأنها تبحث عن ذريعة لاقتحام أراضيها، في المقابل تتهم موسكو كييف بالتحضير لهجوم ضدّ الانفصاليين الموالين لروسيا في الشرق الأوكراني. ودعت الدول الغربية موسكو إلى خفض عديد قواتها في المنطقة وأعربت عن دعمها لكييف. ولم تكفّ روسيا عن التأكيد أن مناوراتها في المنطقة ليست تهديداً لأحد وتعتبر أنها رد مناسب للوجود المتزايد لحلف الأطلسي في أوروبا الشرقية ودعمه لأوكرانيا.
ومنعت وزارة الخزانة الأميركية المصارف الأميركية من أن تشتري مباشرة سندات خزينة تصدرها روسيا بعد 14 حزيران/يونيو المقبل. وفرضت عقوبات أيضا على ست شركات تكنولوجيا روسية متهمة بدعم أنشطة القرصنة التي تقوم بها استخبارات موسكو. من جانب آخر، فرضت الخزانة الأميركية عقوبات على 32 كيانا وفردًا بتهمة محاولة "التأثير على الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة عام 2020"، لحساب الحكومة الروسية كما أضاف البيت الابيض.
وبالتنسيق مع الاتحاد الاوروبي وكندا وبريطانيا واستراليا، فرضت الحكومة الأميركية أيضا عقوبات على ثمانية أشخاص وكيانات "شريكة في احتلال شبه جزيرة القرم والقمع المستمر فيها". من جهتها، طردت الخارجية الأميركية عشرة مسؤولين يعملون في السفارة الروسية اتُهم بعضهم بأنهم أعضاء في أجهزة استخبارات موسكو. وتهدف كل هذه العقوبات أيضًا إلى تحميل السلطات الروسية "المسؤولية" بعد اتهام روسيا بعرض مكافآت على طالبان لمهاجمة جنود أميركيين أو أجانب في أفغانستان. وتعد الخطوة الأميركية من أقسى الإجراءات ضد روسيا منذ طرد العديد من الدبلوماسيين في نهاية ولاية باراك أوباما.
برميل بارود
من جانب اخر اتهمت موسكو الولايات المتحدة وغيرها من الدول المنضوية في حلف شمال الأطلسي بتحويل أوكرانيا إلى "برميل بارود". إذ نقلت وكالات إخبارية روسية عن نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف قوله إن "الولايات المتحدة ودول أخرى في حلف شمال الأطلسي تحوّل أوكرانيا عمدا إلى برميل بارود"، مضيفا أن الدول الغربية تزيد إمداداتها من الأسلحة إلى أوكرانيا. وقال ريابكوف "إذا حصل أي تصعيد، فسنقوم بالطبع بكل ما يمكن لضمان أمننا وسلامة مواطنينا، أينما كانوا". وأضاف "لكن كييف وحلفاءها في الغرب سيتحملون المسؤولية الكاملة عن أي تفاقم مفترض".
وشهدت الفترة الأخيرة تصعيدا في المواجهات بين القوات الأوكرانية والانفصاليين المدعومين من موسكو في شرق أوكرانيا، ما شكل ضربة لوقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه العام الماضي. وبعد ارتفاع منسوب العنف، حشدت روسيا قواتها عند الحدود، ما أثار المخاوف من احتمال حدوث تصعيد كبير في النزاع المستمر منذ سنوات في شرق أوكرانيا، المنطقة التي تقطنها أغلبية ناطقة بالروسية.
وحذر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من "عواقب" في حال وقوع "عدوان" روسي على أوكرانيا، معبرا عن "مخاوف" واشنطن حيال التعزيزات العسكرية الروسية على الحدود مع أوكرانيا. وقال بلينكن في مقابلة بثتها شبكة "إن بي سي""هناك حشود روسية على الحدود أكثر من أي وقت منذ 2014، خلال الاجتياح الروسي الأول". وأشار إلى أن الرئيس جو "بايدن كان في غاية الوضوح: في حال تحركت روسيا بشكل متهور أو عدواني، ستكون هناك تكاليف، ستكون هناك عواقب" بدون أن يحدد طبيعة أي رد أميركي محتمل.
وأكد بلينكن الذي ناقش المسألة الجمعة في اتصال هاتفي مع نظيريه الفرنسي والألماني، أن الولايات المتحدة "وحلفاءها الأوروبيين يتقاسمون المخاوف ذاتها". واندلعت الحرب في منطقة دونباس في نيسان/أبريل 2014 في أعقاب ثورة مؤيدة للغرب في أوكرانيا ردت عليها روسيا باحتلال شبه جزيرة القرم وضمها. وأوقع النزاع أكثر من 13 ألف قتيل وتسبب بنزوح حوالى 1,5 مليون نسمة. وتراجعت حدة المعارك بشكل كبير بعد توقيع اتفاقات السلام في مينسك عام 2015، لكن التسوية السياسية للنزاع لا تحرز تقدما. بحسب فرانس برس.
وانتقدت كييف وعدة عواصم غربية موسكو لحشدها قوات على حدود أوكرانيا وفي شبه جزيرة القرم، في وقت تجري اشتباكات دامية شبه يومية مع الانفصاليين الموالين لروسيا. وتحذر أوكرانيا بأن موسكو قد تبحث عن ذريعة لإطلاق عملية عسكرية واسعة النطاق. ولم ينف الكرملين نشر تعزيزات لكنه يؤكد أنه لا يهدد أي جهة، متهما في المقابل كييف بالقيام بـ"استفزازات" تهدف إلى "تصعيد الوضع على الجبهة". وأكد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف "بالطبع، لا أحد يسلك طريق الحرب، ولا أحد يقبل باحتمال نشوب مثل هذه الحرب".
قمة مرتقبة
الى جانب ذلك قال البيت الأبيض إن مستشاري جو بايدن وفلاديمير بوتين بحثا هاتفيًا إمكانية عقد أول قمة بين الرئيسين الأميركي والروسي و"سيواصلان" مناقشة الأمر. واقترح رئيس الولايات المتحدة خلال اتصال هاتفي على بوتين عقد لقاء هذا الصيف في دولة ثالثة بهدف إضعاف الاستقرار على العلاقات بين القوتين المتنافستين بعدما بلغت أدنى مستوياتها. وأعربت فنلندا والنمسا خصوصا عن استعدادهما لاستضافة قمة كهذه التي رحبت بها موسكو على الرغم من فرض عقوبات وعقوبات مضادة بين البلدين.
وتباحث مستشار الأمن القومي لجو بايدن جايك سوليفان عبر الهاتف مع الأمين العام لمجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف. وقال البيت الأبيض في بيان إنه بالإضافة إلى "عدد من الموضوعات المتعلقة بالعلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والعالمية" التي لم يُكشف عن تفاصيلها، فإنهما "أثارا احتمال عقد قمة بين رئيسي الولايات المتحدة وروسيا ... وقررا البقاء على اتصال" في هذا الصدد. وأشار مجلس الأمن الروسي من جهته إلى أنه تم التطرق إلى "استعدادات اللقاء" و"أهمية المبادرة بسرعة إلى إطلاق آلية ثنائية للاستقرار الاستراتيجي" والتطورات حول البرنامج النووي الإيراني و"المشكلة النووية في شبه الجزيرة الكورية". وأضاف في بيان أن "الجانب الروسي شدد على عدم جواز التدخل الأميركي في الشؤون الداخلية لروسيا وحلفائها".
وستستمر الاتصالات إلى حين التوصل إلى قرار. في غضون ذلك، أعلن الكرملين أن فلاديمير بوتين سيشارك عبر الفيديو في القمة العالمية الافتراضية التي ينظمها جو بايدن حول المناخ. وجاء الرد الروسي الإيجابي وسط تصاعد التوتر بين موسكو والغرب حول الكثير من القضايا الدولية ولا سيما بشأن أوكرانيا والمعارض الروسي المسجون أليكسي نافالني.