الحوار الاستراتيجي العراقي الأمريكي: رسائل متعددة والهدف واحد
عبد الامير رويح
2021-04-10 04:40
الجولة الجديدة من الحوار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية التي عقدت مؤخراً بين العراق برئاسة وزير الخارجية فؤاد حسين والولايات المتحدة برئاسة وزير الخارجية أنتوني بلينكن عبر دائرة تليفزيونية مغلقة، وهي اول حوار في ظل إدارة الرئيس جو بايدن، الذي يسعى وبحسب بعض المصادر الى إصلاح أخطاء سلفه دونالد ترامب. واجراء تغيير شامل للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط، تتضمن مراجعة للدعم العسكري واستئناف الحوار مع إيران وغيرها من الامور الاخرى، عدها بعض المراقبين، تطور جديد يمكن ان يسهم في معالجة بعض الازمات والمشكلات المهمة، خصوصاً وان الولايات المتحدة قد أعلنت وبشكل رسمي أنها ستسحب ما تبقى من قواتها القتالية المنتشرة في العراق لمحاربة تنظيم داعش، لكنها ستواصل تدريب القوات الحكومية العراقية.
وفي وقت سابق صوّت البرلمان العراقي على قرار ينص على ضرورة سحب القوات الاميركية من العراق، وتعرضت المعسكرات الاميركية في العراق للعديد من الهجمات الصاروخية وقذائف الهاون، ازدادت حدتها بعد عملية اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي في العراق أبو مهدي المهندس وعدد من المرافقين العراقيين والإيرانيين، نفذها الجيش الأمريكي بضربة صاروخية قرب مطار بغداد الدولي في الثالث من يناير/كانون الثاني عام 2020.
ويرى بعض المراقبين ان الضغط الشعبي و التصعيد العسكري ضد القوات الامريكية، دفع الادارة الجديدة الى اتخاذ قرارات مهمة من اجل معالجة بعض المشكلات ومنها قضية استهداف القوات الامريكية، من خلال انهاء الوجود العسكري الأمريكي او تخفيض أعداد القوات الأمريكية في الخارج، والعمل ايضاً على تغير مهامها في بعض الدول ومنها العراق، مع ذلك، لا يتوقع أن تسعى ادارة بايدن إلى انسحاب شامل من العراق، الذي يعد قاعده مهمة وحساسة للولايات المتحدة الامريكية، التي تسعى ايضاً على تقليص نفوذ ايران اهم حليف للعراق بما يخدم مصالحها الخاصة في المنطقة يضاف الى ذلك التصدي لنشاط تنظيم "داعش" وباقي الجماعات المسلحة.
وقال ماثيو تولر سفير أمريكا في بغداد، إن تواجد قواتنا في العراق للتدريب والاستشارة وتم الاتفاق على تشكيل لجنة عسكرية مشتركة". وأوضح أن أحد أهم وظائف القوات الأمريكية هي المساعدة في الحرب ضد عصابات داعش الإرهابية. وأشار السفير الأمريكي بالعراق إلى أن "البيان المشترك للجولة الثالثة من الحوار الاستراتيجي، أكد مساعدة العراق على جميع الأصعدة".
جولة جديدة
انطلقت الجولة الثالثة من الحوار الاستراتيجي العراقي- الأمريكي عبر تقنية الاتصال المرئي، والقى فؤاد حسين وزير الخارجية العراقي كلمة بلاده، وجاء فيها، أن "اجتماعنا اليوم يأتي تاكيدا على علاقة الشراكة بين العراقِ والولايات المتحدة، ومساعي الحكومتين الجادة لتعزيزها واستكمال الجهود المشتركة التي بذلت في الجولتين السابقتين من الحوار الاستراتيجي، إذ عقدت الجولة الأولى افتراضيا 11 يونيو عام 2020، فيما عقدت الثانية في العاصمة واشنطن في 19 أغسطس 2020، ونتج عنها توقيع عدد من مذكرات التفاهم واتفاقات على مبادئ أساسية شملت العديد من القطاعات مثل (قطاع النفط والغاز، والكهرباء، والقطاع المالي، والصحي والبيئي، والثقافي إضافة إلى الجوانبِ الأمنية والعسكرية)".
وأضاف "نتطلع في اجتماعنا اليوم إلى استكمال ما تحقق من تقدم ملموسٍ في الجوانب المشار اليها آنفا، والعمل على تنفيذ ما يتفق عليه الجانبان خلال هذه الجولة من الحوارِ الاستراتيجي"، لافتا إلى أن "حكومة العراق تشيد بالجهود التي تبذلها حكومة الولايات المتحدة الأمريكية لتأهيل وتدريب القوات الأمنية العراقية وتجهيزها وتقديم المشورة في المجال الاستخباراتي وصولا إلى الجاهزية المطلوبة في اعتمادها على قدراتها الذاتية بما يعزز سيادة العراق وأمنه والحفاظ على مكتسباته بدحرِ تنظيمِ داعش الإرهابي".
وتابع حسين "نؤكد أن قواتنا الأمنية لا تزال بحاجة إلى البرامج التي تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية المتعلقة بالتدريب والتسليحِ والتجهيز وتطوير الخبرات، ونسعى إلى مواصلة التنسيقِ والتعاون الأمني الثنائي، كما نؤكد التزام حكومة العراق بحماية أفراد البعثات الدبلوماسية ومقراتها ومنشآتها"، مشددا على اننا ندعو الولايات المتحدة إلى تعزيِزِ شراكتنا من خلال المذكرات والاتفاقات الموقعة بين البلدين، وما سيتم الاتفاق عليه لاحقا، لا سيما في جانب تطويرِ حقول النفط والغاز وقطاع الكهرباء وصولا إلى تحقيقِ الغاية المنشودة وما نصبو إليه من الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة".
وأشار إلى أهمية الشراكة في مجال الاستثمار في مختلف القطاعات، وتعزيز حضور الشركات الاستثمارية الأمريكية ذات الخبرة والكفاءة لضمانِ انسيابية أعمالها في الأسواق العراقية الواعدة، كما ندعو إلى تعزيزِ مشاريع الشراكة في مختلف القطاعات المهمة والحيوية. يذكر أن القواعد العسكرية العراقية التي تتواجد فيها القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي والمنطقة الخضراء وسط بغداد والتي تتواجد فيها مباني الحكومة العراقية وسفارات عدد من الدول العربية والأجنبية ومن بينها سفارة الولايات المتحدة الأمريكية ومطار بغداد الدولي تتعرض إلى عمليات قصف بقذائف الهاون وصواريخ الكاتيوشا بين الحين والآخر.
وأعلن السفير الأمريكي لدى العراق ماثيو تولر، عن أربع أولويات للإدارة الجديدة في العراق، ضمنها محاربة تنظيم "داعش"، فيما أكد أن الأهداف الاستراتيجية ثابتة رغم تغير الإدارات. وقال تولر خلال مشاركته في ندوة مرئية، إن "الأهداف الستراتيجية الأميركية ثابتة رغم تغير الإدارات المتعاقبة في البيت الأبيض، إلا أنه من ناحية عملية، فإن إحدى ثمار هذا النظام الأميركي أنه في كل 4 أو 8 أعوام تأتي إدارة جديدة تنظر إلى التحديات بعيون تختلف عن الإدارة السابقة". وأضاف، أن "هذه العيون تجلب عدسات جديدة لبعض التحديات التي نواجهها، لكن بالطبع ستكون هناك استمرارية، لأن اهتمام الولايات المتحدة بهذا البلد الحيوي لن يتغير".
وأشار تولير إلى أن "هزيمة داعش تظل مهمة أمنية ذات أولوية أميركية في العراق، ورغم خسارة التنظيم بشكل مادي، فإن وجود القوات الأمريكية في العراق يأتي بناء على دعوة من الحكومة العراقية، للقيام بمهمة محدودة تركز على تقديم المشورة والمساعدة لقوات مكافحة الإرهاب العراقية بما في ذلك البيشمركة، لمنع تنظيم داعش". وأكد السفير الأمريكي: "مواصلة الحفاظ على هذا الوجود، ما دام ذلك ضروريا لمساعدة الحكومة العراقية في منع عودة داعش والإرهابيين لتهديد الشعب العراقي وتهديد الأمن الإقليمي".
القوات القتالية
من جانب اخر أعلنت الولايات المتحدة وكما نقلت بعض المصادر، أنها ستسحب ما تبقى من قواتها القتالية المنتشرة في العراق لمحاربة تنظيم داعش، لكنها ستواصل تدريب القوات الحكومية العراقية. وجاء في البيان المشترك الصادر في ختام جلسة الحوار "أكد البلدان أن القوات الأمريكية موجودة في العراق بدعوة من الحكومة العراقية لدعم قوات الأمن العراقية في قتالها ضد تنظيم داعش الإرهابي، بناءً على القدرة المتزايدة لقوى الأمن الداخلي، أكد الطرفان أن مهمة القوات الأمريكية وقوات التحالف قد انتقلت الآن إلى مهمة تركز على المهام التدريبية والاستشارية، مما يسمح بإعادة انتشار أي قوات قتالية متبقية من العراق، مع توقيت في المحادثات التقنية المقبلة".
وتابع البيان "يعكس انتقال القوات الأمريكية والقوات الدولية الأخرى من العمليات القتالية إلى تدريب وتجهيز ومساعدة قوى الأمن الداخلي نجاح شراكتهم الاستراتيجية، ويضمن دعم جهود قوى الأمن الداخلي المستمرة، لضمان عدم تهديد داعش مرة أخرى استقرار العراق". وكان مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي، قد قال إن بغداد وواشنطن اتفقتا على رحيل القواعد العسكرية الأمريكية، حتى تلك التي تقاتل تنظيم "داعش" الإرهابي. وقال الأعرجي إن العراق والولايات المتحدة اتفقتا على ألا تكون هناك قواعد عسكرية في العراق وتولي القوات العراقية الحرب ضد "داعش". وتابع بقوله "واشنطن تعهدت بسحب جزء كبير من قواتها من العراق، والجانبين اتفقا على عدم وجود قواعد أجنبية على أراضيها".
وقال مستشار الأمن القومي العراقي، في مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية فؤاد حسين، عقب جلسة الحوار الاستراتيجي الثالثة بين البلدين، إن "بغداد وواشنطن اتفقتا على إدارة العراق للحرب ضد داعش، وعلى ألا تكون هناك قواعد عسكرية أميركية أو أجنبية في العراق". وتابع أن "الجانب الأميركي تعهد بسحب عدد مهم من قواته من العراق"، فيما أكد الجانب العراقي على " حماية الكوادر الأجنبية".
وتعارض بعض الفصائل العراقية المسلحة بشدة استمرار الوجود العسكري الأمريكي في العراق. وكثيرا ما يتم استهداف القواعد التي يستخدمها الأمريكيون. وقال البلدان إن الجيش العراقي حقق تحسينات جوهرية. وتأتي هذه التحركات وسط إطلاق صواريخ شبه يومي على القوات الأمريكية منسوبة إلى فصائل مسلحة ، مما دفع بايدن إلى إصدار أوامر بشن غارات جوية على معسكرات تابعة لها في سوريا.
لكن بايدن، في نقطة اتفاق نادرة مع سلفه دونالد ترامب، يبحث عن طرق لإنهاء ما أصبح يطلق عليه "الحروب التي لا نهاية لها". وكان ترامب قد أمر بسحب القوات في الأشهر الأخيرة له من العراق وأفغانستان مع خفض عدد القوات الأمريكية في كل دولة إلى 2500 بحلول 15 يناير/كانون الثاني. وقام الرئيس السابق باراك أوباما، الذي كان بايدن يشغل منصب الرئيس في إدارته، بسحب جميع القوات الأمريكية من العراق لكنه أعاد القوات لمواجهة الهجوم الوحشي لتنظيم داعش.
وقال وزير الخارجية العراقي، "لا يخفى إننا واجهنا معاً العديد من التحديات الأمنيةِ خلال المرحلة الماضية، وأود أن أشير إلى إشادة حكومة العراق بالجهود التي تبذلها حكومة الولايات المتحدة الأمريكية لتأهيل وتدريب القوات الأمنية العراقية وتجهيزها وتقديم المشورةِ في المجال الاستخباري وصولاً إلى الجاهزية المطلوبة في اعتمادها على قدراتها الذاتية بما يعزز سيادة العراق وثمن حسين، التعاون والتنسيق المشترك بين القوات الأمنية العراقيّة على اختلاف صنوفها مع قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، التي شاركت وما تزال في دحر " تنظيم "داعش" الإرهابي لاستكمال القضاءِ النهائي عليه، بوصف التنظيم الإرهابي خطراً ليس على العراق وسوريا فحسب، بل على المنطقة برمتها وانعكاس ذلك على الأمن والسلم الدوليين.
وألمح إلى أن القوات الأمنية لا تزال بحاجة إلى البرامج التي تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية المتعلقة بالتدريب والتسليحِ والتجهيز وتطوير الخبرات، ونسعى إلى مواصلة التنسيق والتعاون الأمني الثنائي.