جو بايدن والعودة للدبلوماسية التقليدية
عبد الامير رويح
2021-02-08 07:50
يسعى الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، الذي يواجه الكثير من التحديات والمشكلات الداخلية والخارجية، الى رسم خارطة جديدة بهدف معالجة قرارات واخطاء الرئيس السابق دونالد ترامب، ويريد الرئيس الجديد بحسب بعض المصادر، "استعادة القيادة المعنوية والعالمية" للولايات المتحدة، بدعم من حلفائها. ولخص الأمر قائلاً إن "أميركا ستعود". واكد بايدن إنه وقّع مجموعة من القرارات التنفيذية التي تهدف إلى إصلاح ما سماها السياسات الخاطئة للإدارة السابقة. وأضاف بايدن أن هذه القرارات التنفيذية تتعلق بالهجرة ورفع حظر دخول مواطني دول مسلمة إلى الولايات المتحدة، مؤكدا أنه لا يقوم بإصدار قوانين جديدة، بل يُصلح "السياسات السيئة" للإدارة السابقة، على حد تعبيره.
وكان بايدن وكما نقلت بعض المصادر، وقع سلسلة من الأوامر التنفيذية التي من شأنها أن تبطل قرارات اتخذها سلفه دونالد ترامب مباشرة بعد أدائه اليمين الدستورية، وكانت بدايتها أوامر تنفيذية لإحداث قطيعة مع السياسات التي تبنتها الإدارة السابقة، خاصة فيما يتعلق بالهجرة، وترميم العلاقات مع الحلفاء والمنظمات الدولية. وفور تنصيبه ليصبح الرئيس رقم 46 للولايات المتحدة، وقع بايدن سلسلة من الأوامر التنفيذية من شأنها أن تبطل أوامر سابقة لترامب حول الهجرة والمناخ وقضايا أخرى.
ووقع بايدن سلسلة من الأوامر التنفيذية، أولها ما يتعلق بتشديد الإجراءات الخاصة بجائحة كورونا. والأمر الثاني يخص المساواة العرقية والعدالة الاجتماعية للمواطنين، وضمان تحقيق المساواة والحصول على المساعدات. كما وقع بايدن على أمر تنفيذي يعيد بلاده إلى اتفاقية باريس المناخية، وإلى منظمة الصحة العالمية، اللتين انسحب منهما ترامب. ومن بين الأوامر التنفيذية إلغاء تصريح خط أنابيب "كيستون إكس إل" (Keystone XL) وتعليق قرار بناء جدار على الحدود مع المكسيك الذي خصص البنتاغون له أكثر من 3 مليارات دولار لإنشائه، وذلك بناء على طلب الرئيس السابق.
كما أنهى الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن تشكيل فريقه الدبلوماسي، الذي يضمّ أفراداً من إدارة باراك أوباما السابقة، ويجسّد الرغبة في إحداث قطيعة مع إدارة دونالد ترامب الأحادي، كما يهدف إلى "تصحيح مسار" السياسة الخارجية الأميركية. وكان بايدن أعلن أواخر تشرين الثاني/نوفمبر اختيار أنتوني بلينكن الذي عمل في إدارة أوباما، وزيراً للخارجية. واختيرت ويندي شيرمان (71 عاماً) نائبة له، وهي مستشارة دبلوماسية سابقة في عهد بيل كلينتون قبل أن تتولى منصب وكيلة وزارة الخارجية للشؤون السياسية خلال ولاية أوباما الثانية.
وكانت شيرمان أحد أبرز المفاوضين الأميركيين على الاتفاق النووي الايراني كما عملت على الملف الكوري الشمالي خلال إدارة كلينتون. وأعلن أيضاً اسم مساعد الوزير الجديد لشؤون الإدارة والموارد، وهو بمثابة مسؤول تنفيذي في الخارجية الأميركية. واختير لهذا المنصب براين ماكيون القريب من بايدن، وكان مستشاراً له منذ أن كان سناتوراً، قبل أن يتولى مناصب مختلفة في الحكومة خلال ولايتي أوباما.
ومع أنتوني بلينكن على رأسه، سيكون أمام هذا الفريق مهمة "تصحيح مسار" السياسة الخارجية الأميركية، كما أكد في بيان الفريق الانتقالي لجو بايدن ونائبته كامالا هاريس، "لكن أيضاً مهمة إعادة ابتكارها". ويهدف بايدن من خياراته في فريقه الدبلوماسي التشديد على القطيعة مع السياسة الخارجية القومية والأحادية التي اتبعها سلفه دونالد ترامب، بهدف العودة من جديد إلى خط تعددي حازم. وأوضح بايدن وفق بيان أن الوجوه الجديدة للخارجية الأميركية "تجسّد اقتناعا عميقا بأن أميركا تكون الأقوى حين تتعاون مع حلفائها".
قيادة العالم من جديد
وفي هذا الشأن أعلن جو بايدن أن "أميركا عادت وهي مستعدة لقيادة العالم"، لكن عزمه على إعادة بلاده إلى صفوف المجتمع الدولي بعدما أبعدها دونالد ترامب عنه سيصطدم بتحديات شائكة في مواجهة الصين وإيران وروسيا. وقال الرئيس المنتخب لدى تعيين مسؤولين جدد في وزارة الخارجية "أميركا أقوى عندما تتعاون مع حلفائها"، داعيا إياهم إلى "ترميم القيادة الأخلاقية والعالمية" للولايات المتحدة. ويردد الديموقراطي رسالة القطيعة هذه مع ترامب الذي أساء معاملة حلفائه وتقرب من حكام مستبدين وكسر الاتفاقات الدولية مبتعدا عن النهج التعددي. لذلك، اختار جو بايدن دبلوماسيين متمرسين عملوا في إدارة باراك أوباما، ما يضمن العودة إلى خط تقليدي أكثر في السياسة الخارجية الأميركية.
وستهدف قرارات الرئيس بايدن الأولى مثل العودة إلى اتفاق باريس للمناخ، إلى طي الصفحة. فحقبة ترامب أضرت بصورة الولايات المتحدة. كذلك، أدت الأسابيع الأخيرة من ولايته إلى تفاقم الوضع، مع الضربات التي وجهها الملياردير الجمهوري إلى المؤسسات الديموقراطية بإنكار هزيمته، ثم الهجوم الذي قاده أنصاره على مبنى الكابيتول. لدرجة أن نقاشا أكاديميا يقسم الخبراء الأميركيين.
وقال الدبلوماسي السابق ريتشارد هاس خلال أعمال العنف في الكونغرس في 6 كانون الثاني/يناير "سيستغرق الأمر وقتا طويلا قبل أن نتمكن من الدفاع عن سيادة القانون بمصداقية" في الخارج. ويمثل ذلك اليوم بالنسبة إليه بداية "عالم ما بعد أميركا، لم تعد تتمتع فيه الولايات المتحدة بالأسبقية". ونصح أكاديميون آخرون جو بايدن بالتخلي عن "قمة الديموقراطيات" التي وعد بتنظيمها في السنة الأولى من ولايته، والاهتمام عوضا عن ذلك بدعم المؤسسات الأميركية. بحسب فرانس برس.
لكن بالنسبة إلى توماس رايت من مؤسسة "بروكينغز" للبحوث "سيكون من الخطأ استنتاج أن إذلالنا الحالي يعني أن الولايات المتحدة لن يكون لها الحق في الدفاع عن الديموقراطية وحقوق الإنسان في كل أنحاء العالم". وكتب في مجلة "ذي أتلانتيك" أن "إصلاح الديموقراطية في الداخل لا يتعارض مع الدفاع عن الديموقراطية في أماكن أخرى، وهما أمران يسيران جنبا إلى جنب"، مشددا على أن "الترامبية" ليست ظاهرة أميركية حصرا. وفي مواجهة الأزمات الداخلية من وباء وانكماش اقتصادي وعنصرية، لن يكون أمام الرئيس المستقبلي على أي حال خيار آخر سوى التعامل مع الشؤون العالمية بسرعة.
فهناك استحقاقات ملحة في انتظاره. أمام واشنطن وموسكو فتره قليله لتمديد معاهدة "نيو ستارت" لنزع السلاح النووي. وانتقد الديموقراطيون على نطاق واسع مماطلة الحكومة المنتهية ولايتها بشأن هذه القضية. وبالتالي، سيتعين على إدارة بايدن، المصممة على إظهار مزيد من الحزم في ما يتعلق بروسيا مقارنة بسياسة دونالد ترامب الذي كان يرغب في التقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إيجاد طريقة للتفاوض بسرعة.
وسيواجه بايدن اختبارا حيال بكين. ويصر جو بايدن الذي يصورّه العديد من الجمهوريين على أنه "ضعيف"، على أن "الولايات المتحدة يجب أن تكون حازمة في تعاملها مع الصين". لكن هل يتحول هذا الحزم إلى حرب باردة جديدة كان يبشّر بها وزير الخارجية في الإدارة المنتهية ولايتها مايك بومبيو، أو إلى منافسة استراتيجية واضحة لكن أكثر هدوءا تماشيا مع رغبة الاوروبيين؟ وستحدد الإجابة على هذا السؤال "نجاح السياسة الخارجية الأميركية أو فشلها" كما قال قبل انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر الدبلوماسي السابق بيل بيرنز الذي عينه جو بايدن رئيسا لوكالة الاستخبارات المركزية.
الشرق الأوسط
على صعيد متصل أعلنت الولايات المتحدة بقيادة جو بايدن ا عن تغيير شامل للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط تتضمن "مراجعة" للدعم العسكري لدول الخليج واستئناف الحوار مع إيران "سيستغرق بعض الوقت". ويبدو مستقبل الاتفاق النووي الإيراني الذي سحب دونالد ترامب منه واشنطن سيكون واحدة من أكثر الأولويات إلحاحا على الساحة الدولية. لكن وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن وبعد يوم على توله منصبه، خفف من الاندفاع. وقال في أول مؤتمر صحافي له إن "الرئيس بايدن أوضح أنه إذا أوفت إيران مجددا بكل التزاماتها" باتفاق 2015 "فإن الولايات المتحدة ستفعل الأمر نفسه".
وأضاف أن إيران "توقفت عن الوفاء بالتزاماتها على جبهات عدة. سيستغرق الأمر بعض الوقت إذا اتخذت هذا القرار، للعودة إلى المسار الصحيح، وسيستغرق الأمر وقتا حتى نتمكن من تقييم ما إذا كانت تفي بالتزاماتها. ما زلنا بعيدين جدا عن ذلك. هذا اقل ما يمكن قوله". لكن المفاوضات ستكون شاقة على الأرجح لأن إيران تطلب العكس، مطالبة واشنطن بالقيام بالخطوة الأولى عبر رفع العقوبات الأميركية قبل أي شيء آخر. ولم يوضح أنتوني بلينكن الطريقة التي ينوي فيها حل هذه المشكلة. وقد التقى نظراءه الفرنسي والبريطاني والألماني المتمسكين جدا بالاتفاق الإيراني.
ويفترض أن يمنع الاتفاق الذي أبرم في 2015، إيران من امتلاك قنبلة ذرية. لكن في 2018، أغلق الرئيس الجمهوري السابق الباب معتبرا أن الاتفاق لا يكفي لوقف "الأنشطة المزعزعة للاستقرار" للجمهورية الإسلامية في الشرق الأوسط. وفي هذا الإطار أعاد فرض كل العقوبات الأميركية ثم شددها، على إيران التي تراجعت بدورها تدريجيا عن القيود المفروضة على برنامجها النووي. لكن بايدن يرى أنه يجب إنقاذ هذا الاتفاق قبل كل شيء لتجنب ظهور إيران نووية. بحسب فرانس برس.
وأكد بلينكن مجددا أنه "بعد ذلك سنستخدم ذلك كنقطة انطلاق لنبني مع حلفائنا وحلفائنا، ما أسميناه اتفاقا أكثر ديمومة ومتانة، للتعامل مع العديد من القضايا الأخرى التي تطرح إشكالية كبيرة في العلاقة مع إيران"، من دون أن يضيف أي تفاصيل. لكن بلينكن قال "لكننا بعيدون عن ذلك". في الوقت نفسه ، أطلقت وزيرة الخارجية مراجعة للقرارات الأخيرة المثيرة للجدل للحكومة السابقة.
كما أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن أن الولايات المتحدة ستوقف دعمها للعمليات العسكرية في اليمن، بما في ذلك بيع الأسلحة والمعدات. وأكد بايدن أن الولايات المتحدة ستستمر في دعم ومساعدة المملكة العربية السعودية في الدفاع عن سيادتها وأراضيها. وقد أسفرت الحرب في اليمن عن مقتل 110 آلاف شخص، ودفعت بملايين اليمنيين إلى حافة المجاعة. وكان مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، أعلن تغير سياسة واشنطن في هذا المجال.
وقد ساعدت الولايات المتحدة بقيادة رئيسين سابقين لبايدن السعودية في حربها في اليمن. وبدأ القتال في عام 2014 بين حكومة يمنية ضعيف وبين الحوثيين. وتصاعد القتال في العام التالي عندما شرعت السعودية وثماني دول عربية أخرى في غارات جوية على الحوثيين بدعم من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. قال مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، في مؤتر صحفي، إن القرار يمس الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية في الحرب بين الحكومة اليمنية والحوثيين، ويشمل بيع الذخيرة الموجهة بدقة للسعودية والإمارات.
وأوضح أن القرار لا يطال العمليات الهجومية على تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية. وتقول الأمم المتحدة إن اليمن يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم، إذ أن 80 في المئة من السكان بحاجة إلى المساعدات والحماية. وتعكس هذه القرارات تغييرا كبيرا في توازنات التحالفات الأميركية إذ إن السعودية كانت مع إسرائيل، الركيزة الأساسية لسياسة دونالد ترامب المناهضة لإيران. ويشكل تعليق بيع الإمارات طائرات "اف-35" تطورا رمزيا لأنه تقرر في الخريف بعد سنوات من الرفض، مقابل الاعتراف بإسرائيل. ورحب بلينكن بهذا التطبيع التاريخي للعلاقات مع الدولة العبرية الذي انتزعه دونالد ترامب من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، لكنه أشار إلى أنه بدأ بالفعل "النظر" في "الالتزامات" التي قطعتها واشنطن لانتزاع هذه الاتفاقات، من أجل التوصل إلى "فهم شامل" لها.
التركيز على آسيا
على صعيد متصل قال موقع بوليتيكو (Politico) الأميركي وكما نقلت بعض المصادر، إن جيك سوليفان مستشار الأمن القومي في إدارة جو بايدن قد أعاد مؤخرا هيكلة جهاز الأمن القومي في مديريات الشرق الأوسط وآسيا، مما أدى إلى تقليص الفريق المخصص للشرق الأوسط وزيادة موظفي الوحدة المكلفة بتنسيق السياسة الأميركية في آسيا. ووفقا لتقرير نشره الموقع تحت عنوان "البيت الأبيض ينتقل من مآزق الشرق الأوسط إلى مواجهة مع الصين"، فإن هذه الخطوة -التي لم يتم الإعلان عنها من قبل- تشير إلى أن الإدارة الجديدة ستعطي الأولوية لآسيا في مبادرات سياستها الخارجية، كما تعكس المخاوف المتنامية في الأوساط السياسية الأميركية من قوة بكين في ظل الصعود السريع الذي شهدته الصين على مدى العقدين الماضيين.
وذكر الموقع أن جو بايدن يتجه نحو التركيز على آسيا، لكنه لن يصرح بذلك، وأن التغييرات الجديدة قلبت الهيكل الذي كان عليه مجلس الأمن القومي في عهد أوباما، حيث كانت مديرية الشرق الأوسط أكبر بكثير مما هي عليه الآن، وكانت حقيبة آسيا تدار من قبل مجموعة قليلة من الموظفين المبتدئين. وبحسب مسؤولين حاليين وسابقين في جهاز الأمن القومي الأميركي، فإن الأولويات قد تغيرت الآن، حيث يرى بايدن وفريقه أن أكبر التحديات الأمنية ستبرز من التنافس بين ما تعرف بالقوى العظمى والولايات المتحدة، وتحديدا الصين وروسيا، ولذلك تقوم الإدارة بتحويل مواردها وفقا لذلك.
ويقول مسؤول سابق في إدارة أوباما أورد الموقع رأيه -دون ذكر اسمه- إنه "بالنظر إلى هيكلة موظفي جهاز الأمن القومي أعتقد أنهم عازمون على التمسك بأولوياتهم المؤكدة بدلا من التورط في الشرق الأوسط". بدوره، يرى كريم سجادبور الخبير في شؤون الشرق الأوسط بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي أن "نقل الموارد السياسية من الشرق الأوسط إلى آسيا يعكس الواقع الاقتصادي لأميركا". ويشير سجادبور إلى أن السياسات المتعلقة بآسيا ذات صلة مباشرة بالمزارعين والشركات الأميركية وشركات التكنولوجيا على عكس السياسات المتعلقة بالشرق الأوسط، خاصة بالنظر إلى توفر موارد الطاقة المحلية في أميركا. ولفت إلى أن الدعم الشعبي لسياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط قد تراجع بعد عقدين مؤلمين في العراق وأفغانستان.