الهاشمي لـ“شبكة النبأ: التمثيلية الصامتة أظهرت فاعليتها في تنمية الفهم القرائي ومعالجة ضعف المطالعة

أوس ستار الغانمي

2025-08-03 03:57

في زمن تتراجع فيه مهارات القراءة أمام هيمنة الحفظ والتلقين، وتغيب فيه المطالعة عن أولويات المناهج التعليمية، برزت جهود أكاديمية جدية تهدف إلى إعادة الاعتبار للفهم القرائي كمدخل حقيقي لتعلم اللغة. ومن بين هذه الجهود، تميزت رسالة الماجستير للباحثة إسراء عبد الكريم عبود الهاشمي، من قسم اللغة العربية في كلية التربية للبنات – جامعة بغداد، التي حملت عنوان:

"أثر استراتيجية زملاء التمثيلية الصامتة في تنمية مهارات الفهم القرائي لدى طالبات الصف الأول المتوسط في مادة المطالعة".

في هذا الحوار، نسلط الضوء على دوافع اختيار هذه الاستراتيجية غير التقليدية، والصعوبات التي واجهتها أثناء التطبيق، وما كشفته نتائج بحثها من إمكانات حقيقية لتطوير التعليم اللغوي. كما نتناول وجهة نظرها النقدية حول مناهج اللغة العربية الحالية، وموقع المطالعة فيها، إضافة إلى رؤيتها التربوية للإصلاح، بدءًا من إعداد المعلمين وصولاً إلى تغيير ثقافة التعليم.

ما الذي دفعكِ لاختيار استراتيجية "زملاء التمثيلية الصامتة" لتنمية الفهم القرائي تحديدًا؟ وهل وجدتِ دراسات سابقة تربط بين هذه الاستراتيجية ومعالجة ضعف القراءة الناتج عن إهمال المطالعة؟  

اخترتُ هذه الاستراتيجية لكونها غير مدروسة، ولأني لاحظتُ ضعفًا واضحًا لدى طالبات الصف الأول المتوسط في مهارات الفهم القرائي، مما يؤثر سلبًا في تحصيلهن الدراسي. وقد وجدتُ أن استخدام استراتيجيات تدريس حديثة، مثل استراتيجية زملاء التمثيلية الصامتة، قد يكون له أثر فعّال في تنمية هذه المهارات.

كيف تعاملتِ مع تحدي ضعف المهارات الأساسية للطالبات (مثل البطء في القراءة أو ضعف المفردات) قبل تطبيق الاستراتيجية؟ وهل أثر ذلك على النتائج؟  

قبل تطبيق الاستراتيجية، عملت على تهيئة الطالبات من خلال تدريبات بسيطة على القراءة والتمهيد للمعاني الصعبة، واعتمدت على العمل الجماعي لتقوية الطالبات الضعيفات، مما ساعد على تقليل تأثير ضعف المهارات الأساسية، وأسهم في تحسّن واضح في نتائج الفهم القرائي.

لماذا ركزتِ على مستويات (المعرفة، الفهم، التطبيق) في تصنيف بلوم؟ ألا ترين أن هيمنة القواعد النحوية في المناهج تتطلب تضمين مستويات أعلى (مثل التحليل النقدي للنصوص)؟  

ركّزتُ على مستويات الأولى من تصنيف بلوم (المعرفة، الفهم، والتطبيق) لأنها تمثّل الأساس في بناء مهارات الفهم القرائي لدى طالبات الصف الأول المتوسط ومناسبة لمستواهم المعرفي والعقلي، أما المستويات العليا (تحليل، تركيب، تقويم) يتطلب نضجًا لغويًا وفكريًا أعلى، هذا ما نعمل عليه بعد تنمية مهارات الفهم القرائي الاساسية المتمثلة بـ (الحرفي، الاستنتاجي، فهم السياق، فهم المعنى). 

نتائجكِ أظهرت تفوق المجموعة التجريبية، لكن هل تعتقدين أن هذه الاستراتيجية يمكن أن تعوض غياب حصص المطالعة أو ضعف البيئة القرائية خارج المدرسة؟

نعم، هذه التجربة اثبتت فاعليتها في تنمية مهارات الفهم القرائي، لكن لا تكفي وحدها، وتحتاج إلى بيئة قرائية داعمة مثل مكتبة، تشجيع على المطالعة، التنويع بالنصوص لتثبيت الأثر، فالتغيير الحقيقي يتطلب تكاملا بين البيت والمدرسة والمجتمع.  

كيف تفسرين عدم وجود فرق دال إحصائيًا بين الاختبار البعدي والمؤجل؟ هل يعكس ذلك ضعفًا في استدامة الأثر بسبب عدم تعزيز القراءة خارج الصف؟  

عدم وجود فرق دال إحصائيًا بين الاختبار البعدي والمؤجل يعني أن مستوى الفهم القرائي لدى الطالبات بقي ثابتًا بعد فترة من التطبيق، ما يشير إلى ثبات الأثر.

ما أبرز اعتراضات المعلمات أثناء التطبيق؟ وهل واجهتكِ آراء مثل: "هذه الاستراتيجية تأخذ وقتًا من حصة القواعد"؟  

أبرز الاعتراضات التي واجهتني من المعلمات أن هذه الطريقة غير مفيدة ومضيعة للوقت، وإنّ المطالعة ليست أساسية مقارنة بالقواعد، كما أن بعض مدرسات المدارس رفضن اعطاء حصة للتجربة باعتبار أن القواعد أهم، لأن إكمال المنهج والنجاح يعتمد عليه، مما شكل تحديًا في تطبيق التجربة في بيئة تعليمية لا تعطي للقراءة حقها.

في رأيكِ، لماذا يستمر النظام التعليمي في تكريس ضعف القراءة عبر التركيز على القواعد النحوية وإهمال الفهم النقدي؟ هل السبب في طبيعة الاختبارات أم قلة تدريب المعلمين؟  

السبب يعود إلى عدة عوامل متداخلة منها طبيعة الاختبارات التي تركز على مادة القواعد، وقلة تدريب المدرسين على الاستراتيجيات والطرائق الحديثة منها مهارات الفهم القرائي، كما هناك ضغط لإنهاء المنهج يجعل من الصعب التوسع في مهارات التفكير العليا.

هل تعتقدين أن إلغاء دروس المطالعة من بعض المدارس ساهم في تراجع مهارات الطالبات؟ وكيف يمكن تعويض هذا الغياب؟  

بكل تأكيد، ينعكس سلبا على الطالبات فتقل حصيلتهم اللغوية وبالتالي لا يتمكنون من كسب المهارات المختلفة أو تعميق ما اكتسبوه من القراءة، فالمطالعة تقوي اللغة، ويمكن تعويض هذا الغياب من طريق ان يُعاد تقديم درس المطالعة برؤية تربوية وباستعمال طرائق التدريس الحديثة تسهم في الفهم والإفهام، وتنظيم أنشطة ومسابقات تشجع على القراءة الذاتية وتعزز حب القراءة.

 كيف تردين على من يقول إن "تعلم القواعد أولوية لأنها أساس اللغة"، بينما بحثكِ يؤكد أن القراءة الفعالة هي الأساس الحقيقي؟  

إن القواعد هي أساس اللغة صحيح، ولكنها لا تُكتسب بشكل فعال إذا عُزلت عن القراءة، فالقراءة الفعالة تعد المدخل الرئيسي للغة والتي لا تكتفي بتقديم القواعد في سياقاتها فحسب بل تنمي مهارات الفهم القرائي بأنواعه وهذه المهارات تعد جوهر القواعد النحوية.

إذا أردتِ توسيع البحث، هل ستدرسين تأثير دمج الاستراتيجية مع أنشطة تشجيع القراءة الحرة (مثل مكتبة الصف أو مسابقات القراءة)؟  

نعم، فالدمج بين استراتيجية زملاء التمثيلية الصامتة وأنشطة مثل مكتبة الصف ومسابقات القراءة قد يُحدث أثرًا مضاعفًا، لأنه يُحفز حب القراءة، ويعزز الفهم والتفاعل، وينقل الطلبة من الاستظهار إلى المعايشة فتنساب الحقائق والافكار والقيم إلى أذهانهم بكل سهولة ويسر وبصورة شائقة.

كيف يمكن توظيف التكنولوجيا (مثل تطبيقات القراءة التفاعلية) لتعويض غياب المكتبات المدرسية في بعض المناطق؟  

يمكن توظيف القراءة بطرق بديلة بسيطة مثل إنشاء ركن قرائي داخل الصف باستعمال مجلات أو قصص قديمة يتم جمعها من المعلمين أو أولياء الأمور، أو من خلال تبادل الكتب بين الطالبات. كما يمكن للمعلم استعمال القراءة الجهرية وطرح الأسئلة التفاعلية والمناقشة والحوار، وهذه وسيلة فعالة لتنمية الفهم القرائي دون الحاجة لأي وسيلة تقنية.

 ما تقييمكِ لمحاولات بعض الدول العربية استبدال جزء من حصص القواعد بأنشطة فهم النصوص؟ وهل هذا قابل للتطبيق في العراق؟  

تعد خطوة إيجابية وتعكس وعيًا متزايدًا بأهمية القراءة وتنمية مهارات الفهم القرائي، اما في العراق ممكن جدا ولكنه يتطلب إعادة النظر في توزيع المنهج، وانتقاء معلمين ذوي خبرة وكفاءة عالية، وتدريبهم بشكل مستمر على طرائق التدريس الحديثة، وإذا طُبق فسيحدث تغيرًا واضحًا في التعليم فينقل الطالب من الحفظ والتلقين إلى الفهم والتفاعل.

ما أكثر لحظة أفقدتكِ الثقة أثناء البحث؟ 

نعم، الكثير من الطالبات تجيد القراءة شكلياً ولكنها تعجز أن تفهم ما تقرأ، هذه كانت فجوة حقيقة في تدريس اللغة العربية، وجعلتني أكثر إصرارًا على التركيز في بحثي على الفهم وتنمية مهاراته، لا الحفظ والتلقين.

 إذا طُلب منكِ إعداد دليل للمعلمات يجمع بين تعليم القواعد وتنمية حب القراءة، ما أبرز النقاط التي ستذكرينها؟  

إذا طُلب مني إعداد دليل للمعلمات فسأركز على بعض النقاط:

دمج القواعد مع النصوص القرائية بحيث تستخرج القاعدة من السياق بشكل واقعي، اختيار نصوص واقعية ومشوقة للطالبات، ربط القواعد بالمعنى، تنويع في أساليب التدريس مثل السبورة التفاعلية، التمثيل الصامت، العصف الذهني، تشجيع الطالبات على الكتابة الحرة وتطبيق القواعد فيها، استعمال تقنيات بسيطة مثل البطاقات، القصص المصورة، أو تمثيل الادوار وغيرها.

 ما الرسالة العاجلة لوزارة التربية؟ هل هي: تخصيص حصة أسبوعية إلزامية للمطالعة؟ إعادة تدريب المعلمين على استراتيجيات الفهم بدلًا من التلقين؟ تغيير نمط اختبارات اللغة العربية؟  

إذا طُلب رسالة عاجلة لوزارة التربية، فأرى أن إعادة تدريب المعلمين هي الخطوة الأهم، لأنها الأساس الذي يحدث فرقًا حقيقيًا في طريقة تقديم المادة، وتحويل الصف من بيئة تعليمية تعتمد على التلقين إلى بيئة محفزة تعتمد على التفكير والفهم.

تُظهر تجربة الباحثة إسراء عبد الكريم عبود الهاشمي أن الإصلاح الحقيقي في تعليم اللغة العربية يبدأ من الصف، ومن وعي المعلم بضرورة الانتقال من التلقين إلى التفاعل، ومن الحفظ إلى الفهم. لقد أثبتت دراستها أن استخدام استراتيجيات تعليمية مبتكرة، مثل "زملاء التمثيلية الصامتة"، يمكن أن يحدث فرقًا ملموسًا في تنمية مهارات الفهم القرائي حتى لدى الفئات الأضعف تعليمياً.

لكنها في الوقت نفسه تؤكد أن هذه الجهود الفردية، مهما كانت مثمرة، تبقى بحاجة إلى دعم مؤسسي وتربوي واسع، يعيد النظر في فلسفة تعليم اللغة، ويمنح القراءة والمطالعة مكانتهما المستحقة. ومن خلال رؤيتها التربوية العميقة، تدعو الباحثة إلى بناء بيئة تعليمية داعمة، تدمج بين القواعد والنصوص، وتربط بين الفهم والتطبيق، وتمنح المعلم الأدوات اللازمة ليكون محفزًا لا ملقنًا.

في ختام هذا الحوار، تبدو رسالة الباحثة واضحة: تعليم اللغة العربية لن ينهض ما لم تُستثمر أدواته المعرفية، وفي مقدمتها الفهم القرائي، كجسر حقيقي نحو الوعي، والتفكير، والإبداع.

ذات صلة

ملحمة الإيثار الحسيني تنهض بالمسلمين مجدداالكوفة.. عاصمة الدولة الموعودةمجاعة غزة والاعتراف بدولة فلسطينيةفك الاختناق يضيق الخناقواشنطن بين لعبة الخداع واستراتيجية النهايات المفتوحة لأزمات المنطقة