اجواء باهتة في ذكرى انتفاضة سيدي بوزيد في تونس

وكالات

2020-12-24 08:58

تحيي محافظة سيدي بوزيد في وسط تونس في أجواء باهتة، الذكرى العاشرة لاندلاع الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت نظام الرئيس زين العابدين بن علي ووضعت البلاد على مسار انتقال ديموقراطي، في أجواء يغيب عنها الطابع الاحتفالي.

ففي 17 كانون الاول/ديسمبر 2010، أضرم الشاب محمد البوعزيزي النار في جسده بعد خلاف شديد مع الشرطة حول بضاعته وعربة الخضار التي كان يكسب رزقه بها في هذه المحافظة المهمشة داخل تونس، وأدت الاحتجاجات الاجتماعية والصدامات مع الشرطة الى مقتل حوالي 300 شخص وهروب بن علي الى خارج البلاد بينما امتدت الاحتجاجات لتشمل دول مجاورة سقطت أنظمتها تباعا. بحسب فرانس برس.

لكن مظاهر الاحتفال التي كانت سائدة خلال السنوات الأولى بعد الثورة، تبددت بسبب تأزم الوضع المعيشي والاجتماعي خصوصا في المناطق الداخلية، كما فقدت اللافتة الكبيرة لصورة البوعزيزي في وسط مدينة سيدي بوزيد بريقها بمرور السنوات، وكذلك تمثال عربته.

طال الانتظار

في الشارع الرئيسي في وسط سيدي بوزيد، تزين جدران مبان لافتات كتب عليها "عبّدنا لكم طريق الحرية، فسلكتم المنعرجات" و"العنف سلاح الجبناء" و"لا بد من تحويل الشعارات الى فعل حقيقي"، وكتب على تمثال العربة "مانيش مسامح" (لن أسامح)، ويقول جميل البوزيدي الرجل الأربعيني لوكالة فرانس براس "نحتفل بعشر سنوات الى الوراء (...) طال انتظار الطبقة السياسية لذلك قررنا عدم انتظار احد"، أصبحت ذكرى الثورة في المحافظة مناسبة لا لتخليد تاريخ وضع حد للنظام الديكتاتوري وانما للاحتجاج ضد النظام السياسي القائم و"العاجز" عن ايجاد حلول للوضع الاقتصادي في المنطقة التي تستقبل عادة الوزراء والمسؤولين بالحجارة وعبارة "ارحل"، لم يعلن عن زيارات رسمية لمسؤولين كبار في الدولة إلى المحافظة الخميس. لكن يتوقع أن يزورها الرئيس قيس سعيّد الذي جعل من شعار الثورة "الشعب يريد" عنوانا كبيرا لحمتله الانتخابية، وكان سعيّد أستاذ القانون الدستوري، انتخب رئيسا للبلاد اواخر 2019 بتأييد واسع خصوصا من فئة الشباب بعد ان دافع عن مبادئ الثورة، وأكد سعيّد في تصريحات سابقة أنه مستعد لتقديم اعتذار الدولة "بدون تأخير" لضحايا انتهاكات حقوق الانسان خلال فترة حكم الديكتاتورية، في خطوة مهمة في مسار المصالحة والعدالة الانتقالية، وأعلنت بعض المنظمات غير الحكومية في سيدي بوزيد تنظيم احتفالات لاحياء الذكرى.

ويقول الباحث في العلوم السياسية حمزة المؤدب لفرانس برس إن "الجو غير ملائم للاحتفال. لا الحكام ولا المحكومين يتوجهون نحو مناخ من الاحتفال لان هناك حصيلة (تفيد) ان البلاد في وضع سيئ".

فشل

يرى المؤدب أنه بالتأكيد "بنت البلاد ديموقراطية بصعوبة، وبالتأكيد ايضا هناك تقدم في الحريات السياسية ولكن وبعد عشر سنوات من الثورة هناك حصيلة فشل"، وتشهد الطبقة السياسية في البلاد انقسامات منذ انتخابات 2019، بينما يزداد الوضع الاجتماعي والاقتصادي صعوبة مع تداعيات جائحة كوفيد-19، وتتجاوز نسبة البطالة 15 في المئة وتشمل خصوصا الشباب في المناطق الداخلية المهمشة، بينما تدهورت القدرة الشرائية بسبب التضخم. في الوقت نفسه، تحول التجاذبات السياسية دون تنفيذ الاصلاحات الاقتصادية الكبرى ومقاومة الفساد.

ويرى المؤدب ان "المؤشرات حمراء والتونسيين في حالة من الغضب وهذا ليس التوقيت المناسب لقيام المسؤولين بزيارات ميدانية"، واستقبل بعض الاهالي من ولاية جندوبة (شمال غرب) رئيس الحكومة هشام المشيشي بهتاف "ارحل" خلال زيارة قام بها منذ اسبوعين بعد حادث وفاة طبيب بسبب عطب في مصعد في مستشفى المنطقة، وتمثل تزايد الغضب الاجتماعي خلال الأسابيع الفائتة بإغلاق طرقات واعتصامات وتوقيف عمليات انتاج في مناطق للمطالبة بتأمين وظائف والتنمية وتحسين الخدمات الحكومية.

والطبقة السياسية في البلاد متهمة بإضاعة الوقت في مواضيع غالبا ما تكون وراءها مصالح حزبية ضيقة، حتى ان البرلمان أصبح في المدة الأخيرة مسرحا لخلافات حادة تصل أحيانا الى حد الاشتباك بالأيدي، ويواجه "حزب النهضة" الذي يحتل المرتبة الاولى في عدد المقاعد في البرلمان (54 من أصل 217)، صعوبات لتثبيت غالبية مريحة أمام كتل نيابية مشتتة لتبقى تبعا لذلك حكومة المشيشي ضعيفة ودون دعم سياسي قوي داعم لها، ويؤكد المؤدب ان "الطبقة السياسية فشلت، وتواجه انتقادات كبيرة".

ويضيف متسائلا أنه حتى الرئيس قيس سعيّد الذي انتخب "بأمل كبير بصدد خذلان جزء كبير من الناخبين، لماذا يذهب الى سيدي بوزيد؟"، وهو يرى أنه "بعد عشر سنوات على الثورة، لم يعد هناك صبر للناس لسماع الخطابات (...) يريدون الانجاز الحقيقي والان".

الى ذلك يؤكد مراقبون ان البلاد شهدت انتشارا للفكر المتشدد وتشكلت تنظيمات جهادية مسلحة بعد الثورة اربكت الامن العام في البلاد بهجمات استهدفت سياحا ورجال أمن وعسكريين. كما هزت الاغتيالات السياسية البلاد وفرضت السلطات حالة طوارئ لا تزال سارية الى اليوم، ودفعت ندرة الوظائف العديد من الشباب إلى الهجرة عبر البحر بطريقة غير قانونية باتجاه السواحل الاوروبية. وأحيانا تنتهي مغامراتهم بمأساة ويلقون حتفهم في البحر الابيض المتوسط.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا