فوز بايدن يضع الشرق الاوسط على اعتاب تحول جديد
وكالات
2020-11-09 04:40
بعد سياسات دونالد ترامب الاندفاعية في الشرق الأوسط، من المتوقع أن يعتمد جو بايدن استراتيجية أميركية أكثر تقليدية وأن يسعى إلى جر إيران إلى طاولة المفاوضات، ليعيد بذلك رسم المشهد الاقليمي مرة جديدة، كما يرى محللون.
وولّدت استراتيجية ترامب في المنطقة سلسلة من الأحداث المتسارعة، من انجازات دبلوماسية إلى تحركات محفوفة بالمخاطر ومبادرات فاشلة، غيرت موازين القوى في المنطقة الغنية بموارد الطاقة. بحسب فرانس برس.
فقد انسحب ترامب من الاتفاق النووي المبرم عام 2015 مع إيران، وأمر باغتيال الجنرال الإيراني النافذ قاسم سليماني، ونقل السفارة الأميركية في اسرائيل إلى القدس، وقلّص دور بلاده العسكري ووجودها في منطقة اعتقد أنّها فقدت استراتيجيتها التاريخية.
وتولى صهره جاريد كوشنر زمام القيادة في عملية السلام، وأقام صداقات مع شخصيات خليجية، بما في ذلك ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان.
لكن مع انتخاب بايدن، أصبحت المنطقة الثرية التي تعصف بها الازمات، على وشك تحول كبير آخر يمكن أن يشهد مواقف أميركية أكثر صرامة بشأن حقوق الإنسان وصفقات الأسلحة.
وقال معهد المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في تقرير "هذه منطقة يتوقع أن تعيد إدارة بايدن تركيز السياسة الأميركية فيها على قضايا مثل إيران وأن تدفع باتجاه احترام الحقوق في أنحاء المنطقة".
وأضاف أن "بايدن أوضح أنه ينوي العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق مع طهران) إذا عادت إيران أيضا إلى الامتثال الكامل، وأنه ينوي كذلك الانخراط دبلوماسيا مع طهران بشأن قضايا أخرى".
وأدت علاقات ترامب الشخصية مع الأنظمة الغنية في المنطقة إلى إطلاق يد قادتها.
وتتناقض علاقات رجل الأعمال الوثيقة هذه، خصوصا مع دول الخليج، مع العلاقة الفاترة التي ربطت هذه البلدان الغنية بالنفط بسلفه باراك أوباما الذي أثار بإبرامه الاتفاق مع إيران حول ملفها النووي مخاوف السعودية وجيرانها.
وقد وافقت الولايات المتحدة قبل أيام فقط على بيع الإمارات العربية المتحدة ما قيمته أكثر من عشرة مليارات دولار من الطائرات المقاتلة من طراز أف-35 المتطورة.
ووجدت سياسات ترامب صدى جيدا بشكل عام في الخليج، رغم عدم اتخاذه إجراءات حاسمة بشأن أحداث كبرى بينها الهجمات ضد "أرامكو" في 2019 التي ألقي باللوم فيها على إيران.
وقالت إلهام فخرو كبيرة محللي معهد مجموعة الأزمات الدولية لدول الخليج إن "المسؤولين السعوديين فضلوا ولاية ثانية لترامب".
وأضافت "إنهم ينظرون إلى ترامب على أنه عمل لحماية أهم مصالحهم الإقليمية من خلال فرض حملة ضغوط قصوى من العقوبات على إيران، والضغط لاتمام صفقات مبيعات الأسلحة إلى المملكة".
والآن تشعر المملكة بالقلق "من أن إدارة بايدن ستتخلى عن هذه الأمور التي تصب في مصلحتها الكبرى، من خلال التراجع عن العقوبات ضد إيران والعودة إلى الاتفاق النووي والحد من مبيعات الأسلحة".
كما عارض البيت الأبيض القرارات المناهضة للسعودية في الكونغرس على خلفية حربها المثيرة للجدل في اليمن وجريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في 2018.
ورأى مركز صوفان للنشرات التحليلية أنّ ولي العهد السعودي "قد يجد نفسه مهمشا" خلال فترة رئاسة بايدن "بينما تقوم واشنطن بتقييم إيجابيات وسلبيات علاقتها بالرياض".
وبعد ساعات قليلة من إعلان انتصاره، سارع القادة العرب إلى تهنئة بايدن، آأملا بتعزيز العلاقات مع إدارته العتيدة.
والسعودية هي الدولة الخليجية الوحيدة التي لم تعلن عن تهنئته بعد.
إلى جانب إيران والعلاقة مع قادة دول المنطقة، سيتعين على بايدن التعامل مع سلسلة من القضايا المعقدة، من لعب دور حاسم في جهود إنهاء الحرب في ليبيا، إلى احتواء نفوذ تركيا المتصاعد ومواجهة التهديدات ضد القوات الأميركية في العراق.
ويرى محللون إن إحدى الخطوات الأولى ستكون إعادة التواصل مع الفلسطينيين الذين أغضبتهم خطوة نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس والاعتراف بالمدينة المتنازع عليها عاصمة لإسرائيل.
كما أثارت الحملة الأميركية في العالم العربي لتطبيع العلاقات مع إسرائيل حفيظة الفلسطينيين، لكن من المرجح أن يتبنى بايدن هذه الجهود.
وبحسب معهد المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية "عندما يتعلق الأمر بإسرائيل والفلسطينيين، فإن معظم الحكومات الأوروبية ستستقبل إدارة بايدن بارتياح شديد".
وأوضح "هناك أمل في أن يصلح (بايدن) على الأقل أكثر ما أفسدته حقبة ترامب، مثل تجديد المساعدة الأميركية للفلسطينيين وإعادة فتح البعثة الفلسطينية في واشنطن، والعودة إلى مسألة حل الدولتين التقليدي".
لكن مع ذلك "من غير المحتمل أن تكون هناك عودة كاملة إلى الوضع السابق".
مواطنون عرب يشكون في أن يغير بايدن سياسة أمريكا
ومع ان زعماء عرب هنأوا جو بايدن على فوزه بانتخابات الرئاسة، لكن بعض المواطنين في الشرق الأوسط عبروا عن شكوكهم بشأن السياسة الأمريكية حتى إذا انتهج دبلوماسية مغايرة للنهج الصارم الذي تبناه الرئيس دونالد ترامب تجاه مشكلات المنطقة الكثيرة. بحسب رويترز.
وقال عادل سلمان (40 عاما) وهو مدرس لغة إنجليزية في بغداد "كنت واثقا من عدم تمكن ترامب من الفوز بولاية ثانية. لقد كان عدائيا جدا مع الجميع تقريبا. هو يصلح أن يكون زعيم مافيا أكثر من أن يكون رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية".
وأضاف "دعنا ننتظر ونرى ماذا سنجني من تولي بايدن للرئاسة. وأنا أقول لكل العراقيين لا تقوموا بحساب عدد الدجاجات قبل أن يفقس البيض... هل بايدن هو الأفضل للعراق؟ دعنا ننتظر ونرى أفعاله".
وربما يواجه بايدن في المنطقة بعض أكثر تحديات السياسة الخارجية تعقيدا، من الحربين في ليبيا واليمن، إلى طمأنة حلفاء الولايات المتحدة الخليجيين بأن واشنطن قادرة على حمايتهم من عدوهم إيران، رغم قوله إنه سيعود إلى الاتفاق النووي الدولي مع طهران.
وقال محمد العنيزي وهو سائق في شركة أوبر بالسعودية "ترامب كان صديقنا، كان يحب السعودية ويحميها من الأعداء. وكبل جماح إيران. بايدن سيطلق عنان إيران مرة أخرى وهذا سيضرنا والمنطقة كلها".
وبينما أقام ترامب علاقات ودودة مع من يصفهم منتقدون بأنهم زعماء مستبدون بشكل متزايد في دول مثل السعودية ومصر وتركيا، فقد تعهد بايدن بأن يتبنى نهجا صارما بشأن حقوق الإنسان.
وعبر بعض منتقدي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن أملهم في أن تتغير سياسة الولايات المتحدة، وأعادوا نشر تغريدة لبايدن في يوليو تموز انتقد فيها حملة القاهرة على النشطاء السياسيين وتعهد قائلا "لا مزيد من الشيكات على بياض لدكتاتور ترامب المفضل".
وتنفي حكومة السيسي اتهامات جماعات حقوق الإنسان بوجود انتهاكات واسعة.
وسعى مقدمو برامج حوارية في القنوات التلفزيونية التي تخضع لسيطرة محكمة في مصر إلى التهوين من شأن تأثير فوز بايدن، قائلين إن مصر ستتأقلم مع الوضع.
وسارع السيسي إلى تهنئة بايدن. كما هنأ زعماء العراق والإمارات العربية المتحدة والأردن بايدن أيضا.
كما هنأ الرئيس اللبناني ميشال عون بايدن وعبر عن أمله في عودة "التوازن في العلاقات اللبنانية-الأمريكية" في عهد الرئيس الجديد.
وقال نبيل بو منصف نائب رئيس تحرير صحيفة النهار لرويترز إن توقيت إعلان العقوبات الأمريكية يوم الجمعة على جبران باسيل، السياسي المسيحي البارز وصهر عون، بعث رسالة بأن واشنطن ستواصل ملاحقة السياسيين اللبنانيين بشأن اتهامات بالفساد ودعم جماعة حزب الله.
وأضاف أن بايدن أكثر مرونة وعقلانية، لكنه لا يتوقع تغييرات جذرية برغم احتمال تخفيف الضغوط فيما يتعلق بالعقوبات إلى أن يتشكل فريق بايدن الخاص بشؤون الشرق الأوسط.
وعبر إبراهيم مطرز، وهو صحفي يمني، عن عدم تفاؤله أيضا إزاء احتمالات تغير السياسة الأمريكية بعد سنوات من الصراع الذي دمر بلاده.
وقال "يجب ألا ننسى أن بايدن كان نائبا للرئيس في إدارة (باراك) أوباما عندما بدأت الحرب".
ودفعت مزاعم ترامب بحدوث تلاعب في الانتخابات، دون أن يقدم دليلا، بعض العرب إلى قول إنه لا يحق لواشنطن إلقاء محاضرات عليهم بشأن الديمقراطية في بلادهم، حيث كثيرا ما يفوز الزعماء بالانتخابات بنسبة 99 بالمئة.
وقال عادل الناطور، الذي يعمل بالصناعة في سوريا التي مزقتها الحرب، والتي يواجه زعماؤها عقوبات أمريكية خانقة "هذه الانتخابات تظهر الوجه الحقيقي لأمريكا، بلد الانتخابات فيه مهزلة لا يقر فيها الخاسر بالهزيمة ويزعم أنه فاز".
انتظار وترقب في السعودية
وتمهلت السعودية، التي يحتمل أن تخسر أكثر من أي دولة عربية أخرى من فوز جو بايدن في الانتخابات الأمريكية، في التعليق بعد هزيمة دونالد ترامب الذي حظي بدعم الرياض لسياساته في الشرق الأوسط ومعارضته الشديدة لإيران.
ففي الوقت الذي سارعت فيه دول عربية أخرى لتهنئة المنافس الديمقراطي لزم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الصمت فيما يتعلق بالانتخابات الأمريكية لساعات رغم أنه هنأ الرئيس التنزاني بمناسبة إعادة انتخابه. بحسب رويترز.
أتاحت العلاقات الشخصية الوثيقة التي ربطت الأمير محمد بترامب حائلا مهما في مواجهة موجة من الانتقادات الدولية لسجل الرياض فيما يتعلق بحقوق الإنسان أطلق شرارتها مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي ودور الرياض في حرب اليمن واعتقال ناشطات سعوديات.
وربما تصبح هذه النقاط الآن موضع احتكاك بين بايدن والسعودية التي تعد من أبرز مصدري النفط ومن كبار مشتري السلاح الأمريكي.
كان بايدن، نائب الرئيس الأمريكي السابق، تعهد في حملته الانتخابية بإعادة تقييم العلاقات مع المملكة وبالمطالبة بقدر أكبر من محاسبة المسؤولين عن مقتل خاشقجي في القنصلية السعودية باسطنبول ودعا إلى وضع حد للدعم الأمريكي لحرب اليمن.
ونشرت سعودية باسم الدكتورة منى تغريدة على تويتر قالت فيها "الشيء الوحيد الأسوأ من كوفيد-19 سيكون بايدن-20". وتجاهل عدد كبير من السعوديين المستخدمين لمنصة التواصل الاجتماعي نتيجة الانتخابات لساعات بعد أن أعلنت شبكات التلفزيون الأمريكية فوز بايدن.
وهوّن مصدر سياسي سعودي من خطر حدوث شقاق بين المملكة والولايات المتحدة مشيرا إلى العلاقات التاريخية التي تربط الرياض بواشنطن.
وقالت صحيفة عكاظ في مقال بصفحتها الأولى إن المنطقة تنتظر وتتأهب لما سيحدث بعد انتصار بايدن في الانتخابات.
وربما لا تضطر المملكة للانتظار طويلا". فقد قال نيل كويليام الزميل الباحث في تشاتام هاوس ببريطانيا إن إدارة بايدن ستسعى على الأرجح لإبداء عدم رضاها مبكرا عن السياسات الداخلية والخارجية السعودية.
وقال "القيادة السعودية يقلقها أن تجري إدارة بايدن والكونجرس المعادي لها مراجعة كاملة للعلاقات بما في ذلك إعادة تقييم العلاقات الدفاعية ومن ثم فستسعى على الأرجح لإطلاق إشارات وخطوات إيجابية باتجاه إنهاء حرب اليمن".
وكانت السعودية من أشد أنصار سياسة "الضغوط القصوى" التي اتبعها ترامب تجاه إيران خصم المملكة الإقليمي وفرض عقوبات قاسية عليها.
غير أن بايدن قال إنه سيعود إلى الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بين القوى العالمية وطهران الذي تم التفاوض عليه في الفترة التي كان بايدن يشغل فيها منصب نائب الرئيس في إدارة باراك أوباما.
وقال عامل الخزينة في سوبر ماركت بالرياض اسمه أبو زيد إنه يأمل أن ينهج بايدن نهجا مختلفا.
وأضاف أنه غير راض عن فوز بايدن لكنه يأمل أن يتعلم من أخطاء أوباما ويدرك أن إيران عدو مشترك.
وقال مصدر سياسي سعودي إن "لدى المملكة القدرة على التعامل مع أي رئيس، وفق العمل المؤسسي الذي تقوم عليه العلاقات الدولية وهو ما تؤكده المملكة على الدوام".
وقال "الولايات المتحدة دولة مؤسسات لذا تعمل المملكة وفق هذه الرؤية ما يعني أن التغيير في الرئاسة لا يمكن أن يؤثر على العلاقة الاستراتيجية بين البلدين".
وتابع "تتصف العلاقات السعودية الاميركية بالعمق والاستدامة، فهي علاقات استراتيجية لا يمكنها التحول لمجرد تغير الرئيس، وهذا ما تؤكده الفترات الرئاسية خلال العقود الماضية".
وكان الأمير محمد قد نفى أنه أصدر الأمر بقتل خاشقجي لكنه سلم في 2019 بأنه يتحمل بعض المسؤولية الشخصية لأن الجريمة وقعت وهو في موقع المسؤولية.