اليمن على حافة الهاوية: من الحرب إلى الوباء

عبد الامير رويح

2020-08-26 03:21

يوما بعد يوم تزداد معاناة الشعب اليمني بسبب استمرار الحرب التي اسهمت بتدمير هذا البلد الفقير، هذه المشكلات والازمات تفاقمت اليوم وبحسب بعض المراقبين بشكل خطير بعد انتشار الامراض والاوبئة وخصوصا الكوليرا وفيروس كورونا القاتل وقلة المساعدات الطبية والانسانية، حيث جددت العديد من المنظمات ومنها منظمة الصحة العالمية في وقت سابق، تحذيراتها من احتمال أن يخرج الوباء عن السيطرة في اليمن، واعتبر "مايكل راين" رئيس برنامج الطوارئ في المنظّمة، أن الوضع في اليمن مقلق جدا مشيرا إلى أن نقل المستلزمات لمواجهة كورونا وتدريب العاملين والقيام بعمليات الرصد وتتبع الحالات في ظل هذه الظروف يبدو صعبا وخطيرا للغاية. وتخشى الأمم المتحدة كما نقلت بعض المصادر، ان يتسبب فيروس كورونا بوفاة الالاف في ظل نقص الامدادات والاجهزة الطبية.

في ظل توقعات لمنظمة الصحة العالمية بأن أكثر من نصف شعب اليمن سيصاب بفيروس كورونا، في حين ترى منظمة "أطباء بلا حدود" أن انتشار كورونا يمكن أن يودي بحياة أكثر من 20 في المائة من المصابين، مما يجعلها نسبة كارثية. وكانت منظمة (أطباء بلا حدود)، قد قالت من جانبها، إنه من المستحيل، معرفة مدى انتشار فيروس كورونا في اليمن، نظرا لأن القدرة على إجراء الفحوص الطبية هناك محدودة للغاية ، كما أن بعض المصابين وفقا للمنظمة، يأتون إلى مستشفاها في عدن، في وقت متأخر، مما يجعل علاجهم أكثر صعوبة. ويزيد من المخاوف المثارة، بشأن احتمالات وجود تفشي واسع النطاق، لوباء كورونا المستجد في اليمن، إنهيار القطاع الصحي في البلاد، بفعل الحرب المدمرة.

كم حذّرت منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في اليمن ليز غراندي من أنّ نقص التمويل بدأ يتسبّب بإغلاق أو تقليص برامج المنظمة الأممية في البلد الغارق بالحرب، ما يهدد ملايين السكان بالموت. وقالت غراندي في بيان "تأثّرت نصف برامج الأمم المتحدة الرئيسية في اليمن جرّاء نقص التمويل. وقد تم بالفعل إغلاق أو التقليص لـ12 من برامج الأمم المتحدة الرئيسية الـ38"، بينما يواجه 20 برنامجا آخر المصير ذاته.

وإذا لم يتوفر التمويل "بصورة عاجلة" سيتم قطع 50 بالمئة من خدمات المياه والصرف الصحي، وستتوقف الأدوية والمستلزمات الضرورية عن 189 مستشفى، ومن المحتمل أن "يموت آلاف الأطفال ممن يعانون من سوء التغذية والمرض". وأدت الحرب في اليمن إلى إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية بالعالم، حيث بات 80 بالمئة من السكان بحاجة إلى مساعدات ودفع الصراع الملايين إلى حافة المجاعة. ويحتاج أكثر من 12 مليون طفل يمني إلى الحصول على مساعدات إنسانية عاجلة، بحسب تقرير منظمة الأمم المتحدة للطفولة 'يونسيف'.

زيادة الوفيات

في هذا الشأن وتحت وطأة انتشار فيروس كورونا في اليمن، اضطر ضبوان المخلافي المشرف على مقبرة في مدينة تعز اليمنية للاستعانة بحفار آلي لمجاراة الطلب على القبور الجديدة في مقبرة أقيمت في الأصل لدفن قتلى المقاتلين من القوات الحكومية. قال المخلافي العضو السابق في البرلمان إن العمال عجزوا عن مسايرة الطلب على أعمال الحفر والدفن وتشطيب القبور. وتُبرز عمليات دفن الموتى في تعز ثمن الجائحة الكبير الذي يدفعه اليمن لافتقاره للقدرات الكافية لإجراء الفحوص وعدم توفر البنية التحتية في مجال الصحة.

وقالت الأمم المتحدة إن الفيروس ينتشر دون رصده ورجحت أن تكون الإصابات بالعدوى أكبر بكثير. وفي قطعة الأرض المطلة على تلال خضراء في جنوب غرب اليمن ساعد شامان رمضان في حمل جثة والده في كيس بلاستيكي أبيض. وتوفي الأب في المستشفى الوحيد الذي يستقبل حالات كورونا في المدينة بعد الاشتباه في إصابته بمرض كوفيد-19 الذي ينتج عن الإصابة بالفيروس. لكن لم تتم أي فحوص للتأكد من الإصابة. واضطرت الأسرة للاستدانة لجمع نحو 600 دولار لإجراء الفحوص وشراء الأدوية في المستشفى و50 دولارا أخرى للقبر.

وتبدو حكاية هذه الأسرة قصة مألوفة في اليمن بما في ذلك ميناء عدن الجنوبي الذي رفضت فيه مستشفيات عديدة استقبال المرضى في بداية تفشي المرض لعدم استعدادها للتعامل مع إصابات فيروس كورونا. أما أسرة عبد الله الشرعبي (60 عاما) فقد انتابها الخوف عندما ارتفعت حرارته لكنها لم تتمكن من تدبير تكاليف المستشفى الخاص التي تبلغ 50 دولارا في اليوم الواحد. وعندما ساءت حالته رفض مستشفى حكومي قريب من بيت الأسرة السماح بدخوله وطلب منها الذهاب إلى مركز مخصص لعلاج حالات كوفيد-19 على بعد 20 كيلومترا خارج عدن تديره منظمة أطباء بلا حدود الخيرية.

وقالت أم محمد زوجته إنها اضطرت لحمله وحدها إلى البيت لأن الجميع رفض مساعدتها خوفا من العدوى. وترددت الأسرة في نقله إلى مستشفى كورونا الذي شهد عددا كبيرا من الوفيات وتوفي الشرعبي في بيته المكون من غرفتين كان يعيش فيهما مع زوجته وأولاده التسعة. وترك ابنه محمد (16 عاما) الدراسة ليعمل بدلا من والده في توصيل الطلبات على شاحنة صغيرة. وقال محمد إن وضع الأسرة أصبح صعبا وإن بعض الجمعيات الخيرية تساعد الناس في الحي لكن مجهودها ليس كافيا ولذلك كان من الضروري أن يعمل. بحسب رويترز.

ومنذ وفاة الشرعبي في مايو أيار تم افتتاح مركزين لعلاج حالات الكورونا في عدن وقال مستشفى منظمة أطباء بلا حدود إن أعداد المرضى بدأت تنخفض. غير أن مسؤولي المنظمة يشعرون بالقلق على الوضع في المناطق التي يصعب الوصول إليها. وقالت جوليان فيرجيز ممثلة المنظمة الخيرية إن سوء حالة الطرق وجبهات القتال والاشتباكات تجعل من الصعب على الكثيرين الحصول على المساعدة بما يعطي صورة واضحة عن مدى انتشار العدوى.

أطفال اليمن

على صعيد متصل تقول الأمم المتحدة إن شبح المجاعة يعود للظهور في اليمن. وقال تقرير للمنظمة الدولية إن اليمن في طريقه للعودة إلى مستويات ”مثيرة للقلق“ من انعدام الأمن الغذائي.

وازداد تفاقم حالة الجوع الشديد في اليمن بعد مرور خمس سنوات على بدء الحرب بفعل القيود التي فرضت للحد من انتشار فيروس كورونا ونقص التحويلات النقدية وغزوات الجراد والسيول إلى جانب التراجع الكبير في تمويل المساعدات هذا العام.

ولم تُعلن المجاعة رسميا في اليمن قط. وأدت تحذيرات أطلقتها الأمم المتحدة في أواخر عام 2018 للإنذار من مجاعة وشيكة إلى شحذ جهود تقديم المساعدات وتمكن برنامج الأغذية العالمي بعد ذلك من إطعام ما يصل إلى 13 مليون شخص شهريا. وقالت إليزابيث بيرز المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي ”كل هذه التحسينات في خطر الآن“. وعلى الرغم من الضغوط الاقتصادية والصحية المتصاعدة على اليمن فإن مساعي تقديم المساعدات له، وهي الأكبر على مستوى العالم، تتراجع بسبب نقص التمويل.

وقد تتوقف خدمات إمداد 2.5 مليون طفل بالغذاء بحلول نهاية أغسطس آب. وقلص برنامج الأغذية العالمي المساعدات المقدمة لشمال اليمن إلى النصف في أبريل نيسان لتصبح كل شهرين. وقالت بيرز في مناشدة للمانحين ”إنهم على شفا المجاعة لكنها ليست مجاعة بعد... لم يفت الأوان“. فتسعة كيلوجرامات فقط هي وزن الطفل حسن مرازم محمد البالغ من العمر عشر سنوات.. ومثل مئات الآلاف غيره من أطفال اليمن جعله سوء التغذية الحاد هزيلا لدرجة أنه أصبح لا يقوى على المشي. وقالت زينة محمد وهي أم لحسن وستة آخرين ”ابني مريض ولا أدري إلى أين أذهب به. أصابته الحمى وليس لدي ما أعالجه به. لا يمكنني حتى الحصول على الماء“. وأضافت ”أحيانا نقضي أياما دون اغتسال“.

وبعد أن شردتها الحرب خمس مرات، تعيش أسرة حسن الآن في منطقة حجة الريفية، إحدى أفقر مناطق اليمن، دون أي مصدر للدخل. وقالت زينة ”تحوم الطائرات الحربية فوقنا وأسلحة الحوثيين في الجوار.. لا يمكننا التحرك“. وتابعت الممرضة مكية الأسلمي والد حسن وهو يحمل طفله العاجز عن المشي أو التجاوب ليدخلا مركز علاج سوء التغذية الذي تديره. وقالت ”ليست لدى حسن أي مشاكل صحية. مشكلته الجوع... مثل باقي الأطفال حسن محتاج للترفيه والمدرسة. الآن حسن لا مدرسة لا ترفيه كأنه وُضع في قفص. الجوع زائد الاكتئاب النفسي أثر عليه“.

وبعد تلقيه العلاج لعدة أيام بدأ حسن في المشي قليلا وصار يرسل إشارات لطلب ما يريد وهو الذي لم ينطق بكلمة منذ ولادته. وقالت الممرضة ”إنه يعود إلى الحياة“. وأضافت مكية التي بدت هي الأخرى نحيلة ومنهكة أن سوء التغذية في ازدياد. وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) إن عدد من يعانون سوء التغذية بين الأطفال دون سن الخامسة قد يزيد بنسبة 20 بالمئة إلى 2.4 مليون بحلول نهاية العام بسبب نقص التمويل. بحسب رويترز.

وأظهر تحليل التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي التابع للأمم المتحدة أن 40 بالمئة من جنوب اليمن سيواجه مستويات مرتفعة من انعدام الغذاء الحاد في الفترة من يوليو تموز إلى ديسمبر كانون الأول، وذلك ارتفاعا من 25 بالمئة في الفترة من فبراير شباط إلى أبريل نيسان. ومن المقرر أن تظهر في سبتمبر أيلول بيانات التحليل الخاصة بشمال اليمن الذي يعيش فيه معظم اليمنيين ويقع تحت سيطرة سلطات الحوثيين. وقالت بيرز ”إذا انتظرنا لحين إعلان المجاعة فسيكون الأوان قد فات لأنه عندئذ سيكون الموتى يتساقطون بالفعل“.

من جانب اخر قالت الأمم المتحدة إن عددا كبيرا، لكنه غير مؤكد، من المدنيين من بينهم أطفال قُتلوا في ضربات جوية في شمال اليمن. وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة إن التقارير الميدانية تفيد بأن تسعة أطفال قُتلوا وأصيب سبعة آخرون كما أصيبت امرأتان في الضربات الجوية التي نُفذت في محافظة الجوف. وهذا رابع هجوم في اليمن منذ يونيو حزيران الذي شهد سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين. ودعا مبعوث الأمم المتحدة لليمن إلى تحقيق شفاف في الحادث.

آخر شحنة حبوب

في السياق ذاته قال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة إن مستودع الحبوب التابع للمنظمة، والذي يعتبر رمزا لجهود منظمات الإغاثة للمناورة على الخطوط الأمامية لجبهات القتال في الحرب اليمنية، قد أفرغ تماما ووزعت محتوياته على الشعب الجائع بعد نحو عامين من قطع الحرب طريق الوصول إليه. وأصبحت منشأة مطاحن البحر الأحمر التي استأجرها البرنامج في إطار عملية مساعدات لإطعام 13 مليون شخص شهريا أحد محاور صراع مجمد في ميناء الحديدة الاستراتيجي.

ويقع المستودع وسط شبكة معقدة من جبهات القتال بين قوات الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا وقوات جماعة الحوثي المتحالفة وأصبح من المتعذر الوصول إليه في سبتمبر أيلول 2018 ولحقت به أضرار بسبب القصف. وكانت الحبوب المخزنة فيه، والتي تكفي لإطعام أربعة ملايين شخص، مهددة بالتلف في جو اليمن الرطب. وتطلب الأمر عاما من المفاوضات والعمليات الخطرة عبر جبهات القتال لفتح الطريق واستئناف الطحن والتوزيع في سبتمبر أيلول من العام الماضي.

وشكت منظمات الإغاثة مرارا من أن الطرفين المتحاربين في الصراع الدائر منذ خمس سنوات في مختلف أرجاء اليمن يفرضان قيودا على وصول الإمدادات والمساعدات للمحتاجين. وقالت الأمم لمتحدة إن توزيع القمح (الطحين) يأتي في وقت تصاعدت فيه من جديد المخاوف من حدوث مجاعة في اليمن. بحسب رويترز.

ويُنظر لليمن باعتباره الكارثة الإنسانية الأكبر على مستوى العالم إذ يعتمد 80 بالمئة من السكان على المساعدات الإنسانية. وأشار تقرير حديث للأمم المتحدة إلى عودة اليمن لمستويات ”مقلقة“ من الافتقار للأمن الغذائي. فقد خفضت القيود المفروضة بسبب تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد من تحويلات العاملين بالخارج وتسبب الجراد والسيول ونقص تمويل المساعدات هذا العام إلى تفاقم أوضاع الجوع الصعبة بالفعل في البلاد. وخفض برنامج الأغذية العالمي في أبريل نيسان المساعدات الغذائية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في شمال اليمن إلى النصف وقال إنه يحتاج إلى 737 مليون دولار للإبقاء على خدماته حتى ديسمبر كانون الأول.

وتؤثر قيود الكورونا على عمليات المساعدات. واضطر البرنامج لاستئجار المزيد من السفن للإبقاء على تدفق الغذاء إذ يتعين على السفن الدخول في حجر صحي لمدة 14 يوما قبل أن ترسو في اليمن.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا