بكين وواشنطن: بؤر توتر متجددة وعلاقات على حافة الانهيار
عبد الامير رويح
2020-08-20 04:15
ازدادت وتيرة الصراعات والمشكلات بين الصين والولايات المتحدة الامريكية، في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية بشكل كبير في السنوات الاخيرة، بسبب المواقف والتصريحات المتشنجة التي يتبعها الرئيس الامريكي دونالد ترامب ضد الكثير من الدول منها الصين اهم واكبر منافس اقتصادي للولايات المتحدة، وتخشى العديد من دول العالم أن تنعكس هذه الخلافات عليها وتخيم على الصراعات الجيوسياسية فيما بينها. ويرى بعض المراقبين، ان الرئيس الامريكي الذي يرفع شعار امريكا أولا ويسعى للفوز بولاية رئاسية ثانية، سيعمد الى تصعيد الحرب الاعلامية ضد الصين في سبيل تحقيق مكاسب خاصة، وفي خطاب ألقاه في كاليفورنيا واتّسم بنبرة تذكّر بتلك التي طبعت لغة التخاطب بين الولايات المتّحدة والاتحاد السوفياتي السابق إبان الحرب الباردة بينهما، قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إنّ الصين هي اليوم دولة "استبدادية أكثر فأكثر في الداخل، وأكثر عدوانية في عدائها للحريّة في كلّ مكان آخر". كما اتّهم بومبيو الرئيس الصيني شي جينبينغ بأنّه "تابع مخلص لإيديولوجية شمولية مفلسة". وحذّر بومبيو من أنّه "اذا لم يغيّر العالم الحرّ الصين الشيوعية، فإنّ الصين الشيوعية سوف تغيّرنا".
من جانبها اتهمت الصين الولايات المتحدة بإشعال فتيل حرب باردة جديدة لأن بعض الساسة يبحثون عن كبش فداء لحشد الدعم قبل الانتخابات الرئاسية التي تجرى في نوفمبر تشرين الثاني. ويصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الصين بأنها الغريم الأساسي للغرب، واتهم الرئيس شي جين بينغ باستغلال التجارة وعدم كشف الحقيقة بشأن تفشي فيروس كورونا المستجد الذي يصفه ترامب بأنه ”الوباء الصيني“.
وعندما سئل إن كان يرى حربا باردة جديدة، قال السفير الصيني في لندن ليو شياو مينغ إن الولايات المتحدة بدأت حربا تجارية مع الصين وإن هذا النهج لن يخرج منه رابح. وأضاف للصحفيين ”ليست الصين (هي التي) أصبحت معتدة بنفسها بعدوانية بل الجانب الآخر من المحيط الهادي هو الذي يريد بدء حرب باردة جديدة على الصين وعلينا أن نرد على ذلك... لا صالح لنا في أي حرب باردة ولا في أي حرب“. وتابع قائلا ”رأينا جميعا ما يحدث في الولايات المتحدة.. حاولوا جعل الصين كبش فداء ويريدون لومها على مشكلاتهم... نعلم جميعا أن هذه هي السنة التي تجرى فيها الانتخابات“.
عقوبات جديدة
وفي هذا الشأن نددت الصين بالولايات المتحدة لفرضها عقوبات "وحشية" كرد على حملة بكين الأمنية في هونغ كونغ، وفي خطوة تعد الأكثر تشددا حيال هونغ كونغ منذ فرضت الصين قانونا أمنيا جديدا واسع النطاق على المنطقة، فرضت واشنطن عقوبات على مجموعة من المسؤولين من كل من الصين وهونغ كونغ، بمن فيهم زعيمة المدينة كاري لام. وجاءت الخطوة بعدما أجبرت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مجموعتي الإنترنت العملاقتين "تيك توك" و"وي تشات" على إنهاء جميع عملياتهما في الولايات المتحدة، في هجوم دبلوماسي وتجاري مزدوج يتوقع أن تزداد حدته قبيل الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني/نوفمبر.
وانتقدت الصين العقوبات السبت واصفة إياها بأنها "وحشية ووقحة". وأفاد مكتب الاتصال التابع للحكومة الصينية في هونغ كونغ في بيان أن العقوبات "تكشف النوايا الخبيثة للسياسيين الأميركيين بدعم أشخاص مناهضين للصين وبإثارة الفوضى في هونغ كونغ". وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية أنها ستجمّد أصول رئيسة السلطة التنفيذية في هونغ كونغ كاري لام إلى جانب عشرة من كبار المسؤولين بمن فيهم رئيس مكتب الاتصال ليو هوينينغ.
وحمّلت الشخصيات التي فرضت عليها العقوبات "المسؤولية المباشرة عن تطبيق سياسات بكين المتمثلة بقمع الحريات والعمليات الديموقراطية". ويجرّم القرار إجراء أي تعاملات مالية في الولايات المتحدة مع المسؤولين الخاضعين للعقوبات. وقال ليو في بيان مقتضب إنه يرحب بإدراجه على قائمة واشنطن السوداء، مؤكدا "فعلت ما يجب أن أفعله من أجل البلاد وهونغ كونغ". وأضاف "لا أمتلك أصولا أجنبية بقيمة سنت واحد". بدورها، وصفت حكومة هونغ كونغ العقوبات بـ"السافرة والدنيئة".
وأفادت في بيان "سندعم بشكل كامل الحكومة المركزية في تبنى إجراءات مضادة". من جهته، حذّر وزير التجارة في المدينة إدوارد ياو من أن العقوبات "الهمجية وغير المنطقية" ستحمل تداعيات على الأعمال التجارية الأميركية في هونغ كونغ. وذكر مكتب شؤون هونغ كونغ وماكاو في الصين أن قائمة العقوبات "تدوس بوقاحة على القانون الدولي" و"ستعلّق على عمود العار إلى الأبد".
كما حظر فيسبوك لام وباقي المسؤولين العشرة الخاضعين للعقوبات من نشر إعلانات على المنصة حيث قال متحدث باسم الشركة السبت إنها "ملزمة قانونا بالتحرّك". وفرض قانون الأمن الصيني أواخر حزيران/يونيو بعد الاحتجاجات الضخمة المدافعة عن الديموقراطية التي هزّت هونغ كونغ. ومذاك، أجّلت سلطات هونغ كونغ الانتخابات مرجعة ذلك إلى تفشي وباء كوفيد-19 بينما أصدرت مذكرات توقيف بحق ستة ناشطين مدافعين عن الديموقراطية يعيشون في المنفى وأطلقت حملة أمنية استهدفت ناشطين داخل المدينة.
وأكد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أن القانون الأمني انتهك الوعود التي قطعتها الصين على نفسها قبيل تسلّمها هونغ كونع من بريطانيا عام 1997. وتعهّدت بكين آنذاك بأن تحافظ المدينة على الحريات التي تميّزها عن باقي المناطق الصينية وعلى السيادة الذاتية لمدة 50 عاما. وأفاد بومبيو في بيان أن "تحرّكات اليوم تبعث برسالة واضحة مفادها أن سلوكيات سلطات هونغ كونغ غير مقبولة". وتأتي الخطوات الأميركية قبل انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر الرئاسية إذ بات الملف الصيني جزءا من حملة ترامب الانتخابية.
ونفّذ ترامب تهديداته السابقة بحق "وي تشات" و"تيك توك"، التطبيقان الصينيان الرائجان اللذان قال مسؤولون أميركيون إنهما يشكلان تهديدا للأمن القومي. وأصدر أمرا تنفيذيا أمهل فيه الأميركيين 45 يوما للتوقف عن التعامل مع المنصتين، ما يعد فعليا مهلة نهائية لبيع "تيك توك" تحت الضغط إلى شركة "مايكروسوفت". كما أثارت الخطوة الشكوك بشأن مصير عمليات الشركة الأم لـ"وي تشات" وهي "تينسينت"، الرائدة في قطاع صناعة ألعاب الفيديو والتي تعد بين أغنى شركات العالم.
ودانت الصين القرار الأميركي الذي وصفته بأنه "تعسفي ومناورة سياسية". وتسببت القيود الجديدة بتهاوي أسهم "تينسينت" بنحو عشرة في المئة في سوق هونغ كونغ، ما خفض قيمتها السوقية بنحو 50 مليار دولار. وجاء في الأمر الصادر عن ترامب أن الصين قد تستخدم "تيك توك" لتعقّب مواقع الموظفين الفدراليين، وإعداد ملفات عن الأشخاص لابتزازهم والقيام بعمليات تجسس. ونفت "تيك توك" مرارا أنها تتشارك بيانات مع بكين. بحسب فرانس برس.
ويذكر أن "وي تشات" منصة لتبادل الرسائل النصية والتواصل الاجتماعي والقيام بعمليات دفع إلكترونية تشير تقارير إلى أن لديها أكثر من مليار مستخدم، إذ يفضلها كثيرون على البريد الإلكتروني. وتأتي الخطوات الأميركية الأخيرة في أعقاب معركة طال أمدها بشأن هواوي، المجموعة الصينية العملاقة المتخصصة في شبكات الاتصالات والهواتف النقالة، والتي تتهمها إدارة ترامب بأنها أداة للتجسس. وأعلنت هواوي أنها ستتوقف عن إنتاج الشرائح الإلكترونية المستخدمة في الهواتف الذكية التي تشتهر بها جرّاء العقوبات الأميركية.
معاهد كونفوشيوس
الى جانب ذلك عزز وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ضغوطه على الصين عبر تصنيف الهيئة المشرفة على "معاهد كونفوشيوس" كبعثة دبلوماسية واعتبار هذه المراكز لتعليم اللغة الصينية "أدوات للدعاية" لصالح بكين. وقالت وزارة الخارجية في بيان إنها "صنفت المركز الأميركية لمعاهد كونفوشيوس على أنه بعثة دبلوماسية أجنبية من الصين". ووصفت الخارجية الأميركية المركز بأنه "كيان يروج لدعاية بكين في العالم وتاثير حملته يضر بالجامعات والفصول الدراسية" في الولايات المتحدة.
وتابعت أن "معاهد كونفوشيوس تمولها الصين وهي جزء من نفوذ الحزب الشيوعي الصيني وجهازه الدعائي". وافتتحت الصين 75 من "معاهد كونفوشيوس" في الولايات المتحدة حيث يمكن للأميركيين تعلم اللغة الصينية وتجربة ثقافة البلاد، بما فيها 65 في جامعات أميركية. أما المراكز الأخرى فهي وحدات مستقلة تقدم دورات في اللغة للشباب، من رياض الأطفال إلى المرحلة الثانوية. بحسب فرانس برس.
وقال رئيس قسم آسيا والمحيط الهادئ في وزارة الخارجية ديفيد ستيلويل إن هذا التصنيف يتعلق فقط بالمجموعة الأم للمعاهد ولا يعني إغلاقها. وأوضح خلال مؤتمر صحافي "نحن لا نغلق" المركز بل نصنفه بكل بساطة على أنه بعثة دبلوماسية أجنبية وسنطلب منه توضيح ما يفعله هنا في الولايات المتحدة". وكان مجلس الشيوخ الأميركي الذي يهيمن عليه الجمهوريون وافق في حزيران/يونيو على مشروع قانون لتعزيز مراقبة "معاهد كونفوشيوس" في الجامعات الأميركية. ويسمح هذا القانون الذي يفترض أن يوافق عليه مجلس النواب حيث الغالبية ديموقراطية، للجامعات بمراقبة نشاطات هذه المعاهد وأبحاثها وموظفيها.
واشنطن وتايوان
في السياق ذاته تعزّز إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الساعية لإيجاد قوة موازية للصين، دعمها لتايوان، إلا أن الزيارة المرتقبة لوزير الصحة والخدمات إلى الجزيرة تبيّن أن الحذر لا يزال مخيما على هذا التوجّه. ويتوجّه وزير الصحة والخدمات الإنسانية الأميركي أليكس عازار إلى تايوان للاطّلاع عن كثب على استجابة الجزيرة الناجحة والملفتة لوباء كوفيد-19، في حين يتّهم ترامب الذي يخوض حملة على قدر كبير من الصعوبة للفوز بولاية رئاسية ثانية، الصين بالتسبب بتفشي الوباء في العالم.
وأكد المعهد الأميركي في تايوان، المقر الفعلي للسفارة الأميركية في تايبيه، أن عازار سيكون أرفع مسؤول أميركي يزور الجزيرة منذ أن قطعت الولايات المتحدة العلاقات معها واعترفت ببكين في العام 1979. لكن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الذي نادرا ما يفوّت فرصة للتنديد بالصين أو التأكيد أن ترامب هو الرئيس الأكثر حزما على الإطلاق مع بكين، كان بغاية الحذر في تصريحه حول جولة عازار، التي نددت بها بكين. وقال بومبيو للصحافيين "توجّه أعضاء في الحكومة إلى تايوان في السابق. هذا الأمر يتوافق مع السياسات التي كانت معتمدة سابقا". وتابع بومبيو إن عازار "سيتوجّه إلى هناك وسيجري محادثات حول قضايا الصحة العامة".
ويقول خبراء إن إدارة ترامب تدرك مخاطر تصاعد التوترات حول تايوان التي تعد إحدى أكثر المسائل حساسية بالنسبة إلى قيادة الحزب الشيوعي الحاكم في الصين. وتعتبر جمهورية الصين الشعبية تايوان أحد أقاليمها. ويقود الجزيرة نظام منافس لجأ إليها بعد تولي الشيوعيين الحكم في الصين القارية في العام 1949 بعد الحرب الأهلية الصينية. وقال دوغلاس بال الذي ترأس المعهد الأميركي في تايوان خلال ولاية جورج دبليو بوش الرئاسية، إن إدارة ترامب لا تزال تراعي الخطوط الحمر التي وضعتها الصين بعدم زيارة أي مسؤول عن الأمن القومي لتايوان. وأشار بال إلى أن الولايات المتحدة أوفدت بانتظام إلى تايوان في تسعينيات القرن الماضي مسؤولين تجاريين.
لكن الفرق هذه المرة يكمن في السياق، إذ يجري عازار زيارته هذه المرة في توقيت تدهورت فيه العلاقات الأميركية الصينية إلى أدنى مستوى. وقال بال إن "إيفاده (عازار) إلى تايوان يبيّن المراعاة المستمرة لإطار العمل القديم وفي الوقت نفسه استفزاز الصين". وتابع "واقعة أنهم اختاروا عدم إيفاد مستشار للأمن القومي أو شخصا آخر تبيّن أنهم يحاولون الاقتراب إلى أقصى حد من الخط الأحمر من دون وجود نية لديهم لتجاوزه". وتتّخذ إدارة ترامب موقفا أكثر فأكثر تشددا من الصين، وقد قال بومبيو في خطاب ألقاه مؤخرا إن السياسة المتّبعة منذ أربعة عقود تجاه بكين قد فشلت.
وتحدّث بال عن إمكان دفع صقور الإدارة الأميركية باتّجاه اتّخاذ مزيد من الخطوات المستفزة للصين قبل انتخابات الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر نظرا إلى أن ترامب متأخر في الاستطلاعات. وقال "أنا أرى بمنتهى الوضوح أن الصينيين يدركون هذا الاحتمال وهم يحاولون تجنّب استدراجهم إلى هذا المنحى". وتمكّنت تايوان من جمع تأييد الحزبين الجمهوري والديموقراطي في الولايات المتحدة. ويشيد كثر باستجابة رئيسة الجزيرة تساي إنغ وين الحاسمة في ملف كوفيد-19، كما يشيد ديموقراطيون بسياساتها التقدّمية بما في ذلك الدفاع عن حقوق المثليين، وهو أمر غير اعتيادي بالنسبة للزعماء في آسيا.
وينص قانون أقرّه الكونغرس على بيع الولايات المتحدة أسلحة لتايوان لتمكينها من الدفاع عن نفسها في مواجهة القوات المسلّحة الصينية المتفوّقة عددا وعديدا. وفي صفقة تعد من الأكبر في السنوات الأخيرة وافقت إدارة ترامب على بيع مقاتلات بقيمة ثمانية مليارات دولار لتحديث أسطول الجزيرة المتقادم. كما تطالب الولايات المتحدة بضم تايوان إلى المؤسسات الدولية، بخاصة منظمة الصحة العالمية. وقال غيريت فان دير فيس وهو دبلوماسي هولندي سابق وأستاذ التاريخ في جامعة جورج ميسون في تايوان، إن ترامب بدا في بادئ الأمر مترددا وأرجأ صفقة بيع المقاتلات بانتظار إبرام معاهدة تجارية مع الصين. بحسب فرانس برس.
لكن الخطوات التي اتّخذتها الصين مؤخرا لا سيّما في ما يتعلّق بالقمع في هونغ كونغ، واحتجازها أعدادا كبيرة من أبناء أقلية الأويغور المسلمة وخطواتها العسكرية البحرية غيّرت موقفه. ويقول فان دير فيس إن إدارة ترامب باتت حاليا تعتبر الأمر بمثابة "فرصة لتخطي القيود في ما يتعلّق بتعزيز الدعم لتايوان التي بنت ديموقراطية دينامية والتي تعد +من قوى الخير في العالم+"، وهي عبارة يستخدمها المسؤولون الأميركيون.