فيروس كورونا: سجون العالم المزدحمة تنذر بقنبلة موقوتة بسبب الوباء
عبد الامير رويح
2020-08-19 08:07
مع استمرار تفشي فيروس كورونا المستجد، الذي اصاب اكثر من 22 مليون شخص في مختلف دول العالم، ماتزال السجون ومراكز الاحتجاز من اخطر الاماكن لانتشار هذا الفيروس القاتل بسبب عدم الاهتمام والاكتظاظ، هو ما اثار قلق ومخاوف العديد من الجهات والمؤسسات الحقوقية التي طالبت بإطلاق سراح بعض السجناء واتخاذ اجراءات صحية مكثفة للحد من تفشي هذا الوباء داخل السجون، وكانت مفوضية حقوق الإنسان، التابعة للأمم المتحدة، قد أعربت وكما نقلت بعض المصادر، عن قلقها الشديد، إزاء اكتظاظ السجون حيث يقبع الكثيرون في ظروف غير نظيفة وغير صحية، الأمر الذي قد يكون سببا، في انتشار أوسع لفيروس كورونا. وفي بيان لها، قالت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشيليت "لقد بدأ كـوفيد-19 باجتياح السجون ومراكز توقيف المهاجرين، ودور الرعاية السكنية، ومستشفيات الصحة النفسية، ويهدد بالانتشار بين سكان هذه المؤسسات الأكثر ضعفا."
ودعت باشليت في بيان المفوضية، إلى إيلاء أهمية لأوضاع المعتقلين السياسيين، وسجناء الرأي، مطالبة الحكومات بإطلاق سراح كل من هو غير موقوف على أسس قانونية، بمن فيهم السجناء السياسيون ومعتقلو الرأي. من جانب اخر أفاد باحثون أن السجون يمكن أن تكون مصدراً كبيراً لتفشي فيروس كورونا المستجد داخل المنشأة وفي المجتمعات المحيطة بها. وكتب الباحثون أن "الظروف الحالية في الإصلاحيات والسجون تجعل السيطرة على العدوى صعبة للغاية، مما يعرض السجناء لخطر غير معقول، وربما غير دستوري".
امريكا
اجتاحت موجة إصابات بفيروس كورونا المستجدّ السجون الأميركية التي تؤوي أكبر عدد من السجناء في العالم، وسط زنزانات مكتظة وموظفين يواجهون مهاما تفوق قدراتهم ومعتقلين غالبا ما يعانون من أمراض تزيد من خطر انتقال وباء كوفيد-19 إليهم. ويسجل سجن في ماريون بولاية أوهايو أعلى حصيلة إصابات بين المؤسسات الأميركية الأكثر تضررا جراء الوباء، بما في ذلك دور المسنين، حيث كشفت فحوص إصابة 80% من المعتقلين فيه البالغ عددهم حوالى 2500 وموظفيه البالغ عددهم 175 بفيروس كورونا المستجد.
وحذر أحد عناصر الأمن في السجن براين ميلر مستجمعا قواه ليتكلم خلال تعافيه من المرض، بأنه لا يمكن في ظل عدد الإصابات المرتفع بين الموظفين، إدارة المنشآت ولا مراقبة المعتقلين كما ينبغي. وقال "تخطى الوضع نقطة الانهيار في هذا السجن" مضيفا "حاليا، إنه الجحيم". وإذ قدمت السجون علاوة مخاطر بقيمة 1,85 دولار في الساعة للعاملين فيها، انتقد براين ميلر هذا المبلغ مشيرا إلى أنه "أدنى مما تمنحه (مقاهي) ستارباكس". ومع تزايد عدد الوفيات في السجون الأميركية، ارتفعت أصوات تدعو إلى إطلاق سراح المعتقلين المحكوم عليها لجرائم غير عنيفة، سعيا لتخفيف اكتظاظ السجون التي تؤوي 2,3 مليون معتقل.
وألقي ضوء على مصيرهم الأليم عند وفاة أندريا سيركل بير، وهي أميركية من السكان الأصليين عمرها ثلاثين عاما. وأدخلت المرأة وهي حامل سجنا فدراليا في تكساس بتهمة الإتجار بالمخدرات. وسرعان ما أصيبت بفيروس كورونا المستجد ومع تفاقم حالتها، تم وصلها بجهاز تنفس قبل أن تخضع لعملية قيصرية لتلد طفلها. وشهدت سجون في ولايتي واشنطن وتكساس حركات تمرد قام بها معتقلون احتجاجا على عدم اتخاذ تدابير حماية وعلى تأخر السلطات في التحرك حيال الأزمة الصحية. بحسب فرانس برس.
ولم يبق العاملون في السجون بمنأى عن الوباء. وكتب ديفيد كارتر الذي يعمل حارسا في سجن منذ 15 عاما معلنا رحيله من معتقل في كنساس "لم يعد يسعني أن أبقى مرتبطا بهذه المؤسسة الأشبه بقنبلة موقوتة". وسجن ماريون في ولاية أوهايو ليس سوى الرأس الظاهر من جبل الجليد. وأدرجت ثمانية سجون على قائمة وضعتها صحيفة نيويورك تايمز مؤخرا للمواقع العشرة الأكثر إصابة بوباء كوفيد-19 في الولايات المتحدة، وفي طليعتها سجن ماريون.
من جانب اخر قالت سلطات ولاية كاليفورنيا الأمريكية في وقت سابق إن الولاية ستفرج عن نحو ثمانية آلاف نزيل من السجون لإبطاء انتشار فيروس كورونا داخل المنشآت. وظهرت بؤر إصابة واسعة النطاق في عدة سجون بالولاية، وقالت إدارة السجون إن من المحتمل الإفراج عن النزلاء بنهاية أغسطس آب. وقال رالف دياز مسؤول إدارة السجون والتأهيل في كاليفورنيا في بيان ”نتخذ هذه الإجراءات للحفاظ على صحة وسلامة السجناء والموظفين“. ويشمل الإجراء السجناء الذين يتبقى لهم عام أو أقل على انتهاء مدد عقوباتهم.
مصر
في السياق ذاته حذرت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، من تفش محتمل لفيروس كورونا في عدد من السجون وأقسام الشرطة في مصر، وقالت المنظمة الحقوقية الدولية، إن عددًا من السجون وأقسام الشرطة "شهدت تفشيا محتملا لفيروس كورونا في الأسابيع الأخيرة، وسط تعتيم رسمي وصارم"، حسبما ورد في تقرير. وأضافت "هيومن رايتس ووتش"، أن روايات شهود ورسائل مسربة من سجينين وتقارير لمجموعات حقوقية، تشير إلى أن 14 سجينًا ومحتجزًا على الأقل لقوا حتفهم، "على الأرجح بسبب مضاعفات ناجمة عن الإصابة بالفيروس في عشرة مراكز احتجاز حتى 15 يوليو/ تموز 2020. على الرغم من أنّ عشرات السجناء والمحتجزين – على الأقل - ظهرت عليهم، أعراض خفيفة إلى شديدة للمرض الناتج عن الفيروس".
واعتبرت المنظمة أن "الرعاية الطبية في السجون غير كافية، مع غياب شبه كامل للفحص المخبري للفيروس والمسح الطبي للكشف عن الأعراض. أفرجت السلطات عن 13 ألف سجين منذ أواخر فبراير/شباط، لكنّ العدد غير كافٍ للحدّ من الاكتظاظ في السجون ومراكز الاحتجاز المكتظة"، حسبما ورد في بيان "هيومن رايتس ووتش". من جانبه قال جو ستورك، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "هيومن رايتس ووتش"، إنه "ينبغي على السلطات المصرية أن تتّخذ خطوات فورية لتأمين الرعاية الطبية الملائمة للمحتجزين، والتدابير لاحتواء تفشي فيروس كورونا. من الضروريّ أن تعالج مصر انتشار الفيروس عبر الإسراع في الإفراج عن السجناء".
وأوضح بيان "هيومن رايتس ووتش"، أن المنظمة تحدثت مع "خمسة سجناء في ثلاثة سجون، و10 من أقرباء وأصدقاء ومعارف 11 سجينا آخرين في 6 سجون أخرى وفي قسم للشرطة"، مشيرًا إلى أن روايات الشهود والتقارير، توضح أنّ "الاكتظاظ جعل التباعد الاجتماعي مستحيلا. يبدو أنّ سلطات السجن لم تتّخذ أي تدابير لتتبّع المخالطين، ولم تفعل شيئا يذكر لعزل السجناء الذين تظهر عليهم أعراض. في بعض الحالات، خصصت السلطات زنزانة أو أكثر في السجن نفسه للسجين أو السجناء الذين تظهر عليهم أعراض الإصابة بالفيروس. بحسب CNN.
كما يبدو أنّ سلطات السجون لم تتّخذ أي تدابير خاصّة لحماية المجموعات المعرّضة لخطر أكبر مثل السجناء الكبار في السن والأشخاص الذين لديهم حالات مرضية سابقة. لم يسمح الضباط في ثلاثة سجون على الأقلّ للسجناء بالحصول على الكمامات أو وضعها، بحسب الشهود"، وفقًا لهيومن رايتس ووتش. ونقلت منظمة هيومن رايتس ووتش عن "كوميتي فور جستس"، وهي منظمة حقوقية مقرّها جنيف، توثيقها لأكثر من 190 إصابة مشتبه بها بفيروس كورونا في 12 سجنا و29 مركز شرطة، بما في ذلك أكثر من 160 سجينا و30 موظفا وعنصر أمن في وزارة الداخلية، ويشمل هؤلاء 14 حالة وفاة مشتبه بها بين السجناء في خمسة مراكز شرطة وخمسة سجون في أربع محافظات مصرية.
وأكدت منظمة هيومن رايتس ووتش، أن "لسلطات المصرية فرضت تعتيما شاملا على المعلومات في مراكز الاحتجاز، ومنعت وزارة الداخلية جميع الزيارات إلى السجن، بما فيها زيارات المحامين، منذ 10 مارس/آذار"، لافتًا إلى أن "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وهو هيئة حكومية تفرض الرقابة والإشراف على الإعلام، حذّر مرارا من اتخاذ (إجراء قانوني) بحقّ أي مؤسسة إعلامية أو صحفيين يكتبون تقارير عن فيروس كورونا في مصر بما يتناقض مع التصريحات الرسمية". وطالبت المنظمة، السلطات المصرية بإجراء فحوصات واسعة النطاق للسجناء، والإسراع في الإفراج عنهم، والسماح للسجناء بتواصل منتظم مع محاميهم وعائلاتهم، فضلًا عن إنشاء الحكومة لقاعدة بيانات عامّة على الإنترنت حول السجون في مصر، تشمل معلومات محدّثة عن قدرة استيعابها ومعدّل إشغالها.
تركيا
الى جانب ذلك قال الصحافي التركي خيري دمير وكما نقلت بعض المصادر، إن هناك ما لا يقل عن 50 سجينا مصابين بفيروس كورونا داخل السجن المغلق في بتليس. وهناك المئات من المعتقلين يواجهون خطر الإصابة بالفيروس، وإدارة السجن تكتفي بالقول: “نعم هناك حالات إصابة”، دون الكشف عن معلومات أكثر. وقالت وسائل إعلام تركية إن كلا من أحمد افجي وشقيقه مجيد أفجي، أصيبا بفيروس كورونا أيضا. كما ظهرت حالة إصابة بالفيروس لشخص في زنزانة تضم 14 شخصا. فضلا عن نقل أكثر من 30 سجينا إلى مستشفى “تاطوان”.
وشاركت ابنة أحمد أفجي، الذي يمكث في السجن منذ 10 أشهر، منشورا على وسائل التواصل الاجتماعي، قالت فيه:” نتصل بسجن بتليس منذ 3 أيام، لا يردون على الهاتف. اليوم عرفت أن والدي وعمي أصيبا بفيروس كورونا، والدي يعيش بكلية واحدة”. كما نشر نجل أحمد أفجي فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، قال فيه: اسمي مرادهان أفجي، والدي وعمي في السجن، والدي مريض كلى، ويعاني من ضغط الدم، يحتاج لعملية جراحية عاجلة، الظروف في السجن لا تناسبه، الوقت ينفد بالنسبة لوالدي وعمي، نريد إطلاق سراحهم بشكل عاجل.
كما أصيب في سجن بتليس، الرئيس السابق لحزب المناطق الديمقراطية في بتليس، محمد جان دمير(59 عاما)، والذي تم اعتقاله في العام 2018. وطالب نجله عارف دمير بإطلاق سراحه فورا.وقال عارف دمير:”تم اعتقالي أيضا لفترة من الزمن، حتى في الظروف العادية، يجب ألا يبقى المريض هناك ولو ليوم واحد. لكن خلال فترة تفشي هذا الوباء، والدي معتقل. نعرف كل يوم بوجود حالات إصابة بالفيروس في السجن”. وتساءل نائب حزب الشعوب الديمقراطية عن ولاية كوجا إيلي، عمر فاروق جرجرلي أوغلو، عن السبب وراء إصرار إدارة سجن بتليس على إخفاء عدد الإصابات بفيروس كورونا.