أمريكا تنسحب من المانيا: من الخاسر ومن الرابح؟

عبد الامير رويح

2020-08-09 04:00

منذ تسلم الرئيس الامريكي دونالد ترامب الذي رفع شعار(امريكا اولاً) السلطة في يناير/كانون ثاني 2017، بدأت بوادر الخلافات والازمات تتصاعد بين الولايات المتحدة الامريكية والعديد من دول العالم، وخصوصا بعض حلفاء واشنطن ومنهم ألمانيا بسبب جملة من القضايا والملفات المهمة والاساسية، منها قضية مساهمة الدول الأعضاء في ميزانية حلف شمال الأطلسي وما اعقبها من تطورات وازمات اخرى، حيث ترى الولايات المتحدة أنها تساهم بالجانب الأكبر في هذه الميزانية، وتضغط على الدول الأوروبية وخاصة فرنسا وألمانيا، ولا يتوقف الأمر كما نقلت بعض المصادر، عند ميزانية "الناتو"، فهناك ملفات خلافية اخرى اثارها الرئيس الامريكي تتعلق بالقضايا التجارية، كما تعارض الولايات المتحدة بشدة خط أنابيب "نورد ستريم 2" الذي يمر عبر بولندا وأوكرانيا، لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا، وفرضت بالفعل عقوبات على الشركات العاملة في المشروع. وترى أنه يقوي النفوذ الروسي في أوروبا، ويمنعها من بيع المنتجات البترولية الأمريكية في القارة الأوروبية.

وبالإضافة إلى ذلك تسبب الملف الإيراني في أزمة كبيرة في العلاقات الأمريكية الألمانية منذ مايو 2018، حين قرر ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي المبرم في 2015، وضغط على الدول الأوروبية لاتخاذ نفس الخطوات. لكن ألمانيا، وفرنسا قادت موقفا أوروبيا يرفض الانسحاب من الاتفاق، ويتمسك به، ويرفض أيضا العقوبات الأمريكية على طهران والشركات والكيانات المتعاملة تجاريا معها.

هذه الخلافات دفعت ترامب الى اعتماد خطط وقرارات ضغط جديدة ضد برلين، ومنها قرار سحب عدد من القوات الأمريكية من ألمانيا، وقال الجيش الأمريكي إنه سينقل مقره الأوروبي من شتوتجارت في ألمانيا إلى بلجيكا، وذلك أثناء استعراضه لخطط أوسع نطاقا لنقل 12 ألفا من قواته إلى خارج ألمانيا بناء على أوامر الرئيس دونالد ترامب. وأعلن ترامب في وقت سابق خططا لخفض عدد القوات الأمريكية في ألمانيا إلى 25 ألف جندي، منتقدا ألمانيا على عدم التزامها بالمستويات المستهدفة للإنفاق الدفاعي التي حددها حلف شمال الأطلسي واتهمها باستغلال أمريكا في التجارة.

كما قال السفير الأمريكي السابق في برلين، ريتشارد غرينل، إن قرار خفض القوات الأمريكية "جرى الإعداد له منذ العام الماضي". ولفت في هذا الإطار إلى شعور الولايات المتحدة بالاستياء من عدم وفاء ألمانيا بهدف حلف شمال الأطلسي (الناتو). وفي وقت سابق، شن غرينل المقرب من ترامب، هجوما كبيرا على برلين، وقال إن "تقاعسها عن رفع ميزانيتها العسكرية إهانة حقيقية لواشنطن". وتابع: "كيف يدفع دافعو الضرائب الأمريكيون تكاليف انتشار القوات الأمريكية في ألمانيا بينما يستخدم الألمان فائضهم التجاري لأغراض محلية".

12 ألف جندي

وفي هذا الشأن كشف الجيش الأمريكي النقاب عن خطط لسحب حوالي 12 ألف جندي من ألمانيا وسط تداعيات الخلاف المستمر منذ فترة طويلة بين برلين والرئيس دونالد ترامب، لكنه قال إنه سيبقي على ما يقرب من نصف هؤلاء الجنود في أوروبا لمواجهة التوتر مع روسيا. وأعلن ترامب خططا لخفض القوات الأمريكية البالغ قوامها 36 ألف جندي في ألمانيا إلى 25 ألفا، منتقدا ألمانيا على عدم التزامها بالمستويات المستهدفة للإنفاق الدفاعي التي حددها حلف شمال الأطلسي واتهمها باستغلال أمريكا في التجارة.

وقال ترامب للصحفيين في البيت الأبيض”نخفض القوات لأنهم لا يدفعون الفواتير.. الأمر بسيط للغاية“. لكن وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر سعى لتقديم عملية الانسحاب بطريقة لا تقوض حلف شمال الأطلسي وجهوده في ردع التدخل الروسي في أعقاب ضم موسكو شبه جزيرة القرم عام 2014. وفي تصريحات ستثير على الأرجح حنق موسكو، قال إسبر إنه سيتم إعادة تمركز بعض القوات الأمريكية في منطقة البحر الأسود وقد ينتشر بعض الجنود مؤقتًا في منطقة البلطيق.

أما القوات الأخرى التي ستغادر ألمانيا بشكل دائم فسوف تُنقل إلى إيطاليا، وسيتم نقل المقر الأوروبي للجيش الأمريكي من شتوتجارت بألمانيا إلى بلجيكا. ومن المتوقع أن يبقى في المجمل أقل من ستة آلاف جندي، من أصل 12 ألف جندي يغادرون ألمانيا، في أوروبا. وسوف يعود كثير من القوات المتبقية إلى الولايات المتحدة لكن سيتم إرسال الجنود بدون أسرهم في عمليات انتشار مؤقت وبشكل دوري في أوروبا.

وقال نوربرت روتجن، وهو عضو بارز في تكتل المحافظين الذي تتزعمه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، لصحيفة أوجسبرجر ألجماينه ”بدلا من تعزيز قدرات حلف الأطلسي، فإن سحب القوات سيضعف الحلف“. وقال السناتور الجمهوري الأمريكي ميت رومني الذي ينتقد ترامب إن خطة سحب القوات من ألمانيا ”خطأ فادح“. وأضاف في بيان ”إنها صفعة على وجه صديق وحليف“. وقال مساعد كبير لجو بايدن المرشح الديمقراطي لخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية إن بايدن سيعيد النظر في قرار سحب القوات من ألمانيا في حالة فوزه بالانتخابات.

وتنظر واشنطن أيضا في إعادة نشر قوات لها في بولندا ودول البلطيق، في حال التوصل إلى اتفاق مع هذه الدول حول وضع تلك القوات، كما أكد إسبر خلال مؤتمر صحافي في واشنطن. وشدد على أن هذا الإجراء هو جزء من خطته الأوسع لإعادة تمركز القوات العسكرية الأميركية في أنحاء العالم من أجل التصدي بشكل أفضل للتهديدات وتعزيز مرونتها، بما فيها مع حلف الناتو الذي يركز على ردع التهديد الروسي المحتمل لأوروبا.

لكن في البيت الأبيض، قال ترامب للصحافيين إن ألمانيا لم تدفع ما يتوجب عليها للدفاع عن أوروبا. وأوضح ترامب مشيرا إلى القوات الأميركية "إنهم موجودون لحماية أوروبا، وهم موجودون لحماية ألمانيا، ومن المفترض أن تدفع ألمانيا في مقابل ذلك". وتابع "سئمنا من أن نكون حمائم"، مضيفا "سنقلص عدد قواتنا لأنهم لا يدفعون. الأمر بهذه البساطة".

وقال إسبر "إن إعادة تمركز قواتنا في أوروبا يشكل تحولا استراتيجيا وإيجابيا رئيسيا" مضيفا "هذه التغييرات ستحقق بلا شك المبادئ الأساسية لتعزيز الردع الأميركي وحلف الناتو للتهديدات الروسية وستساهم في تقوية الناتو وطمأنة الحلفاء وتحسين مرونة الاستراتيجية الأميركية". ويمكن أن يكون لهذه الخطوة تأثير اقتصادي واستراتيجي كبير في ألمانيا حيث تتمركز عشرات الآلاف من القوات الأميركية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

وفي وقت سابق طلب قادة أربع ولايات ألمانية من الكونغرس الأميركي التراجع عن قرار خفض عدد القوات محذرين من أن هذه الخطوة قد تضعف جبهة حلف الأطلسي ضد موسكو. وأكد إسبر أن الخطوة نوقشت لفترة طويلة ولم تكن نتيجة عدم رضا الرئيس دونالد ترامب عن العلاقة بين واشنطن وبرلين. وكان ترامب قد أعلن فجأة عن خطط لخفض عدد القوات الأميركية في ألمانيا في حزيران/يونيو وسط تصاعد التوترات السياسية والتجارية بين البلدين. بحسب فرانس برس.

وجاء ذلك بعدما رفضت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل خطة ترامب لعقد قمة مجموعة السبع في واشنطن بسبب التهديد الذي يمثله فيروس كورونا. وفي ذلك الوقت، كان ترامب يؤكد أن انتشار الفيروس يتراجع. وغضب ترامب من تأجيل القمة وقال لاحقا إنه سيوسع المجموعة لتشمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وجرى إخراج روسيا من هذه المجموعة بعد ضمها شبه جزيرة القرم الأوكرانية على البحر الأسود في العام 2014.

انتقادات ومطالب

في السياق ذاته انتقد عضو بارز في تكتل المحافظين الذي تتزعمه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قرار الولايات المتحدة بسحب نحو 12 ألف جندي من البلاد ونقل المقر الأوروبي للجيش الأمريكي إلى بلجيكا. وقال نوربرت روتجن رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني لصحيفة أوجسبيرجر ألجماينه ”بدلا من تعزيز قدرات حلف الأطلسي، فإن سحب القوات سيضعف الحلف“. وأضاف ”فاعلية الجيش الأمريكي لا تزداد بل تتقلص، خاصة في ظل الوضع مع روسيا والنزاعات العسكرية الجارية في الشرق الأوسط“.

من جانب اخر قال مستشار بارز لجو بايدن، المرشح المرجح للحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة الأمريكية، إن بايدن سيراجع القرار الذي اتخذه الرئيس الجمهوري دونالد ترامب بسحب آلاف الجنود من ألمانيا إذا فاز في الانتخابات. وقال أنتوني بلينكن، مستشار بايدن للشؤون الخارجية، ”سنراجع كل القرارات التي اتخذها ترامب بما يشمل هذا القرار“. وأضاف ”يبدأ الأمر بالتأكيد بالطريقة التي صدر بها“ وذلك في إشارة لقرار ترامب عدم التشاور مع ألمانيا قبل اتخاذ الإجراء. وتابع قائلا ”لكن لدينا أيضا مشكلة كبيرة مع جوهر القرار ذاته“.

وقال بلينكن إن بايدن سيسعى للاستعانة بحلف شمال الأطلسي لمواجهة التهديدات التي تشكلها الصين على الأمن العالمي ومنها جهود شركة هواوي الصينية لبناء شبكات لاتصالات الجيل الخامس في دول أوروبية منها ألمانيا وبريطانيا. وأضاف ”إنها مشكلة.. مشكلة حقيقة وهي إحدى المشكلات التي نحتاج لمواجهتها بشكل عاجل.. لكن نحتاج لأن نعالجها معا وليس بشكل منفرد“ مشددا على أهمية العمل مع الحلفاء الأوروبيين بدلا من مهاجمتهم.

وحثت مجموعة من أعضاء مجلس النواب الأمريكي من الحزب الجمهوري الرئيس دونالد ترامب على إعادة النظر في قراره بخفض عدد القوات الأمريكية في ألمانيا قائلين إن وجود تلك القوات يمثل العمود الفقري للردع الذي يمثله حلف شمال الأطلسي ضد ما وصفوه بالعدوان الروسي. وقال النواب الستة برئاسة مايكل مكول العضو الجمهوري الكبير بلجنة الشؤون الخارجية بالمجلس والنائب آدم كينزينجر في رسالة إن الوجود العسكري الأمريكي في ألمانيا يخدم المصالح الاستراتيجية لواشنطن في مناطق أبعد من أوروبا وفي الشرق الأوسط وأفريقيا حيث تزايد نفوذ روسيا والصين. بحسب رويترز.

كما قدم أعضاء ديمقراطيون بالكونجرس الأمريكي مشروع قانون لوقف خطة الرئيس دونالد ترامب وذلك بمنع‭‭ ‬‬تمويل سحب القوات الأمريكية من أوروبا دون موافقة الكونجرس. وطرح مشروع القانون النائب إليوت إنجيل رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب والسناتور الديمقراطي البارز بمجلس الشيوخ بوب مينينديز. وقال إنجيل في بيان ”القرار الكارثي للرئيس ترامب بسحب آلاف الجنود وخفض سقف القوة الإجمالية في ألمانيا يعرض أمننا القومي للخطر“. وأضاف أن مشروع القانون المطروح ”سيمنع الإدارة من تنفيذ هذه السياسة الكارثية“.

وأكد وزير الخارجية الألماني هايكو ماس ايضا "أهمية" وجود القوات الأميركية في ألمانيا لأمن الولايات المتحدة وأوروبا على السواء، وقال ماس "نعتقد أن الوجود الأميركي في ألمانيا ليس مهما لأمن ألمانيا فحسب بل كذلك لأمن الولايات المتحدة وخصوصا لأمن أوروبا". من جانبها قالت وزيرة الدفاع الألمانية أنيجريت كرامب كارينباور إن الأمن ليس سلعة ليتم الاتجار فيه. وأضافت كرامب كارينباور ”حلف شمال الأطلسي ليس منظمة تجارية والأمن ليس سلعة“. واتهم ترامب ألمانيا بأنها مقصرة بشأن التزاماتها المالية لحلف شمال الأطلسي وتعهد بالالتزام بخطة سحب القوات ما لم تغير برلين نهجها.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا