بيروت المنكوبة: تعددت الروايات والانفجار واحد

عبد الامير رويح

2020-08-08 04:20

الانفجار الهائل الذي وقع في العاصمة اللبنانية بيروت، واودى بحياة أكثر من 135 شخصا وإصابة أكثر من 5 آلاف آخرين، وأضرار مادية جسيمة في منشآت عامة وخاصة بينها مقار دبلوماسية، شكل وبحسب بعض المصادر صدمة للعالم أجمع، والذي نجم بحسب السلطات اللبنانية عن انفجار أكثر من 2750 طنا من مادة نيترات الأمونيوم، شديدة الانفجار، كانت مخزنة منذ سنوات في أحد مخازن الميناء، وهو ما تسبب بتدمير نصف المدينة تقريبا وربط كثيرون بين الانفجار والقنبلة النووية، بسبب شكل سحابة الفطر التي خلّفها، والدمار الهائل الذي أحدثه.

وبحسب موقع "بيزنيس إنسايدر" الأميركي، فإن انفجار نيترات الأمونيوم في بيروت 10 أضعاف أم القنابل، أو ما يوازي 240 طنا من مادة "تي إن تي" شديدة الانفجار. لكنه في الوقت نفسه، أقل من القنبلة النووية "الولد الصغير" التي ألقاها الجيش الأميركي على مدينة هيروشيما اليابانية عام 1945 بـ 1000 مرة. واحتلت كارثة مرفأ بيروت مرتبة متوسطة في الخسائر التي سببتها مواد نيترات الأمونيوم خلال مئة عام، واليوم، ينضم لبنان إلى قائمة الدول التي عانت من ويلات الانفجارات التي سببتها نيترات الأمونيوم، وهي مادة نستخدمها في حياتنا اليومية، إلا أنها قد تتحول في أية لحظة إلى قنبلة موقوتة، تخلف حوادث غامضة تجوبها أسئلة كثيرة.

ويرى بعض المراقبين ان توقيت وظروف الانفجار تثير الكثير من الشكوك، حول تورط اسرائيل او جهات خارجية اخرى بهذا الحادث، كما لم يستبعد البعض ايضاً ضلوع بعض الجهات الداخلية في انفجار بيروت للتغطية على ملفات الفساد في هذا البلد، الذي يعاني من ازمات ومشكلات سياسية واقتصادية وصحية كبيرة. فمع ارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا أصبحت المستشفيات تعاني من عدد المرضي. والآن تواجه علاج آلاف الجرحى.

وقال مسؤولون إن تحقيقا بدأ لمعرفة السبب الذي أدى إلى حدوث الانفجار. وقال مجلس الدفاع اللبناني الأعلى إن المسؤولين عنه سيواجهون "أقسى عقوبة" محتملة. وأضاف المسؤولون أن نيترات الأمونيوم، التي سببت الانفجار كانت مخزنة في مستودع، بعد تفريغها من سفينة احتجزت في المرفأ في عام 2013.

صدمة وذهول

نقب عمال الإنقاذ اللبنانيون وسط أنقاض المباني المدمرة يحدوهم الأمل في العثور على ناجين، فيما أنحى المحققون باللائمة على الإهمال كسبب وراء الانفجار الضخم الذي وقع في مخزن وأحدث موجة تدميرية سرت في أنحاء بيروت، مما أودى بحياة ما لا يقل عن 135 شخصا. وخلف الانفجار بميناء بيروت أكثر من 5000 جريح وترك ما يصل إلى 250 ألفا بلا منازل تصلح للسكن بعد أن حطمت الموجة التفجيرية واجهات المباني وأطاحت بالأثاث في الشوارع وحطمت النوافذ على بعد أميال من موقع الانفجار.

ومن المتوقع زيادة أعداد القتلى في الانفجار الذي قال المسؤولون إن السبب فيه مخزون ضخم من المواد شديدة الانفجار تم تخزينها لسنوات في ظروف وأوضاع غير آمنة بالميناء. وكان الانفجار هو الأقوى على الإطلاق الذي يضرب بيروت، المدينة التي لا تزال ملامحها تحمل ندوب الحرب الأهلية التي انتهت قبل ثلاثة عقود، وتئن تحت وطأة انهيار اقتصادي وتعاني من زيادة الإصابات بفيروس كورونا. وقد اهتزت على وقع الانفجار المباني في جزيرة قبرص بالبحر المتوسط، على بعد حوالي 160 كيلومترا.

وقال الرئيس اللبناني ميشال عون إن 2750 طنا من نترات الأمونيوم، التي تدخل في صناعة الأسمدة والقنابل، كانت مخزنة في الميناء منذ ست سنوات دون إجراءات سلامة منذ وقت مصادرتها. وأضاف في كلمة إن ”هول الصدمة لن يمنعنا من التأكيد لأهل الشهداء والجرحى أولاً، ولجميع اللبنانيين، أننا مصممون على السير في التحقيقات وكشف ملابسات ما حصل في أسرع وقت ممكن، ومحاسبة المسؤولين والمقصرين“.

ووجه اللبنانيون، الذين فقدوا وظائفهم وتبخرت مدخراتهم في الأزمة المالية، اللوم للسياسيين الذين استشرى الفساد الحكومي وسوء الإدارة تحت أسماعهم وأبصارهم لعقود. وقال حسن زعيتر (32 عاما) وهو مدير في فندق لو جراي الذي لحقت به أضرار كبيرة في وسط بيروت إن الانفجار علامة على انهيار لبنان. وأضاف أنه يلوم في الواقع الطبقة الحاكمة في البلاد.

وقال وزير الصحة إن عدد القتلى قفز إلى 135، في الوقت الذي تتواصل فيه عمليات البحث عن الضحايا بعد أن قذفت الموجة التفجيرية بعض الضحايا في البحر. وتجمع الأقارب عند الطوق المحيط بميناء بيروت متطلعين للحصول على معلومات عن ذويهم المفقودين. وكثير من القتلى موظفون في الميناء والجمارك أو أشخاص يعملون في المنطقة أو كانوا يمرون بسياراتهم هناك خلال ساعة الذروة.

ويقوم الصليب الأحمر بالتنسيق مع وزارة الصحة بإقامة مشارح بعد أن غصت المستشفيات بالضحايا. ووصفت سارة، وهي ممرضة في مركز كليمنصو الطبي في بيروت، المشهد في المستشفى بعد الانفجار بأنه ”مثل المجزر، حيث الممرات والمصاعد مخضبة بالدماء“. وقال محافظ بيروت مروان عبود في مقابلة أجرتها معه قناة الحدث التلفزيونية إن إجمالي الخسائر الناجمة عن الانفجار قد تتراوح بين 10 و 15 مليار دولار، موضحا أن الرقم يشمل الخسائر المباشرة وغير المباشرة ذات الصلة بالتجارة.

وقال مواطن يدعى بلال، وهو في الستينيات من العمر، في منطقة وسط المدينة ”إنها الضربة القاضية لبيروت، نحن في منطقة كوارث. كان المبنى يهتز واعتقدت أنه زلزال“. وانهالت عروض المساعدة من المجتمع الدولي. وأرسلت دول خليجية طائرات تحمل مساعدات طبية وغيرها من المواد. وكانت دول الخليج العربية في السابق من الداعمين الماليين الرئيسيين للبنان لكنها تراجعت في الآونة الأخيرة بسبب ما تعتبره تدخلا إيرانيا. وذكرت وكالة الطلبة الإيرانية للأنباء أن طهران عرضت إرسال مساعدات غذائية ومستشفى ميداني.

كما عرضت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول الغربية، التي كانت تطالب بتغيير سياسي في لبنان، تقديم يد العون. وأعاد الانفجار لأذهان الكثيرين الذكريات المروعة للحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990 والتي مزقت البلاد ودمرت مناطق واسعة من بيروت أعيد بناء معظمها. وقال جمال عيتاني رئيس بلدية بيروت أثناء تفقد الدمار إنها ”كارثة لبيروت ولبنان“. ولم يفصح المسؤولون عن سبب الحريق الذي أدى لحدوث الانفجار. وقال مصدر أمني ووسائل إعلام محلية إنه اندلع بسبب أعمال لحام في المستودع.

وقال أبو خالد وهو سائق سيارة أجرة إن الوزراء ”هم أول من يجب أن يحاسب على هذه الكارثة. لقد ارتكبوا جريمة بحق شعب هذا البلد بإهمالهم“. وتحولت منطقة الميناء إلى غابة من الحطام المتشابك الذي أصاب بالشلل الطريق الرئيسي للواردات اللازمة لإطعام شعب يزيد تعداده عن ستة ملايين نسمة. ويواجه لبنان بالفعل صعوبات في إيواء وإطعام مئات الآلاف من اللاجئين الفارين من الصراع في سوريا المجاورة. بحسب رويترز.

وقال رولاند ألفورد، المدير العام لشركة ألفورد تكنولوجيز البريطانية للتخلص من الذخائر المتفجرة ”بقياس ما، هذا الانفجار يقل عن قنبلة نووية أكثر من (أن يوصف بأنه) أكبر من قنبلة تقليدية.. إنه هائل“. وفي الوقت نفسه قالت المحكمة الخاصة بلبنان إنها ستؤجل النطق بالحكم في المحاكمة المتعلقة بالتفجير الذي وقع في 2005 وأودى بحياة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري إلى 18 أغسطس آب، وذلك في أعقاب الانفجار الكبير الذي وقع في مرفأ بيروت. واغتيل الحريري في انفجار كبير بشاحنة ملغومة على بعد نحو كيلومترين من الميناء.

التحقيقات الأولية

قال مصدر مطلع إن التحقيقات الأولية تشير إلى أن سنوات من التراخي والإهمال هي السبب في تخزين مادة شديدة الانفجار في ميناء بيروت. وقال رئيس الوزراء والرئاسة إن 2750 طنا من نترات الأمونيوم، التي تدخل في صناعة الأسمدة والقنابل، كانت مخزنة في الميناء منذ ست سنوات دون إجراءات سلامة. وقال المصدر المسؤول ”إنه إهمال“ مضيفا أن مسألة سلامة التخزين عُرضت على عدة لجان وقضاة و“ما انعمل شيء“ لإصدار أمر بنقل هذه المادة شديدة القابلية للاشتعال أو التخلص منها.

وتابع المصدر قائلا إن حريقا شب في المستودع رقم تسعة بالميناء وامتد إلى المستودع رقم 12 حيث كانت نترات الأمونيوم مخزنة. وقال المدير العام للجمارك اللبنانية بدري ضاهر لتلفزيون (إل.بي.سي.آي) إن الجمارك أرسلت ست وثائق إلى السلطة القضائية للتحذير من أن المادة تشكل خطرا. وأضاف ”طلبنا إعادة تصديرها لكن هذا لم يحدث. نترك للخبراء والمعنيين بالأمر تحديد السبب“. وقال مصدر آخر قريب من موظف بالميناء إن فريقا عاين نترات الأمونيوم قبل ستة أشهر حذر من أنه إذا لم تُنقل فإنها ”حتفجر بيروت كلها“.

وتفيد وثيقتان بأن الجمارك اللبنانية طلبت من السلطة القضائية في عامي 2016 و2017 أن تطلب من ”المؤسسات البحرية المعنية“ إعادة تصدير أو الموافقة على بيع نترات الأمونيوم، التي نُقلت من سفينة الشحن (روسوس) وأُودعت بالمستودع 12، لضمان سلامة الميناء. وذكرت إحدى الوثيقتين طلبات مشابهة في عامي 2014 و2015. وقال غسان حاصباني نائب رئيس مجلس الوزراء السابق وعضو حزب القوات اللبنانية ”يجب إجراء تحقيق محلي ودولي في الواقعة، نظرا لحجمها والظروف التي أُحضرت بها هذه البضائع إلى الموانئ“.

وكان موقع شيب أريستيد. كوم، وهو شبكة تتعامل مع الدعاوى القانونية في قطاع الشحن، قد قال في تقرير في عام 2015 إن سفينة روسوس، التي تبحر رافعة علم مولدوفا، رست في بيروت في سبتمبر أيلول 2013 عندما تعرضت لمشكلات فنية أثناء الإبحار من جورجيا إلى موزامبيق وهي تحمل 2750 طنا من نترات الأمونيوم. بحسب رويترز.

وقال إنه بعد التفتيش، مُنعت السفينة من الإبحار ثم تخلى عنها مالكوها بعد وقت قصير، مما دفع دائنين مختلفين للتقدم بدعاوى قانونية. وأضاف ”بسبب المخاطر المتصلة بإبقاء نترات الأمونيوم على متن السفينة، قامت سلطات الميناء بنقل الشحنة إلى مستودعات الميناء“. وقالت مصادر وزارية إن مجلس الوزراء اللبناني وافق على وضع كل مسؤولي ميناء بيروت المكلفين بالإشراف على التخزين والأمن منذ عام 2014 رهن الإقامة الجبرية بالمنزل. كما أعلن المجلس حالة الطوارئ لمدة أسبوعين في بيروت.

من جانب اخر أشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى انفجار كبير في بيروت بوصفه هجوما محتملا وعرض تقديم العون. وقال ترامب في إيجاز صحفي في البيت الأبيض عن الانفجار ”الولايات المتحدة تقف على أهبة الاستعداد لمساعدة لبنان. وردا على سؤال عن تصوره للانفجار، قال ترامب إنه اجتمع مع بعض العسكريين الأمريكيين الذين يعتقدون أن الانفجار ليس ”من نوع الانفجارات التي تنجم عن عملية تصنيع“ وقال للصحفيين إنه بحسب هؤلاء العسكريين الذين لم يذكرهم بالاسم فإن الانفجار ربما كان هجوما و“قنبلة من نوع ما“.

وأحالت وزارة الدفاع الأمريكية(البنتاجون) الأسئلة إلى البيت الأبيض. وقال مسؤولان أمريكيان تحدثا بشرط عدم الكشف عن شخصيتهما إنه لم يتضح من أين يحصل ترامب على معلوماته لكن المعلومات الأولية لا توضح على ما يبدو أن الانفجار هجوم. وقال المسؤولان إن المعلومات إلى الآن متسقة بشكل متقارب مع ما قاله المسؤولون اللبنانيون. وأضافا أن المعلومات لا تزال أولية وقد تتغير بمرور الوقت.

مخزون الحبوب

على صعيد متصل قال وزير الاقتصاد اللبناني راؤول نعمة إن صومعة الحبوب في ميناء بيروت، وهي الصومعة الرئيسية في البلاد، دُمرت في انفجار ليصبح لدى لبنان احتياطيات من الحبوب تكفي لأقل من شهر، لكن لا يزال لديه ما يكفي من الطحين لتفادي حدوث أزمة. وأضاف نعمة أن بلاده بحاجة إلى مخزونات تكفي لثلاثة أشهر على الأقل لضمان أمنها الغذائي وأنها تبحث عن مساحات أخرى للتخزين.

وكان هذا أقوى انفجار يهز بيروت، التي دمرتها حرب أهلية قبل ثلاثة عقود. والاقتصاد في حالة انهيار بالفعل قبل الانفجار، مما أبطأ وتيرة استيراد الحبوب في الوقت الذي يواجه فيه لبنان مصاعب في توفير العملة الصعبة للمشتريات. وقال نعمة ”لا توجد أزمة خبز أو طحين.. لدينا مخزون كاف والسفن في طريقها لتغطية احتياجات لبنان على المدى الطويل“. وأضاف أن احتياطيات الحبوب في صوامع لبنان المتبقية تكفي ”أقل قليلا من شهر“، لكنه قال إن الصوامع المدمرة لم يكن بها سوى 15 ألف طن من الحبوب في ذلك الوقت، وهو أقل كثيرا من السعة التي قال مسؤول إنها تبلغ 120 ألفا.

وقال أحمد تامر مدير ميناء طرابلس، ثاني أكبر موانئ البلاد، إن الميناء ليس مجهزا بمنشآت لتخزين الحبوب لكن من الممكن نقل الشحنات إلى مستودعات تبعد كيلومترين تقريبا. وأفاد وزير الاقتصاد بأنه إلى جانب طرابلس، تم تجهيز موانئ صيدا وسلعاتا وجية للتعامل مع الحبوب. وقال هاني بحصلي رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية ”نخشى أن تكون هناك مشكلة كبيرة في سلسلة التوريد ما لم يكن هناك إجماع دولي لإنقاذنا“. بحسب رويترز.

وقال نقيب مستوردي القمح أحمد حطيط لصحيفة الأخبار اللبنانية إن الاحتياطيات الحالية من الطحين كافية لتغطية احتياجات السوق لشهر ونصف، وقال إن هناك أربع سفن تحمل شحنات تبلغ في المجمل 28 ألف طن من القمح لم ترس في الميناء بعد. وأبلغ مسؤول في وزارة الاقتصاد تلفزيون المؤسسة اللبنانية للإرسال انترناشونال الإخباري أن لبنان يسعى على الفور إلى نقل أربع سفن تحمل 25 ألف طن من الطحين إلى ميناء طرابلس.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا