لماذا أصبحت السجون بؤرة كورونا الجديدة؟
عبد الامير رويح
2020-07-21 04:25
يواصل وباء كورونا المستجد انتشاره في الكثير من دول العالم، التي تعاني اليوم من ازمات ومشكلات صحية كبيرة بسبب تفشي الوباء وعدم وجود علاجات ولقاحات خاصة للقضاء على هذا الفيروس، الذي وصل اليوم وبحسب بعض المصادر الى الكثير من السجون والمعتقلات المكتظة بالنزلاء في العديد من دول العالم، وهو ما اثار قلق ومخاوف بعض الجهات والمنظمات الحقوقية مما ينذر بكارثة إنسانية جديدة، خصوصاً مع عدم وجود الرعاية الصحية الكافية.
وقد أعربت مفوضية حقوق الإنسان في وقت سابق، عن قلق شديد إزاء اكتظاظ السجون حيث يقبع الكثيرون في ظروف غير نظيفة وغير صحية، الأمر الذي قد يكون سببا في انتشار أوسع لفيروس كورونا، ودعت إلى إطلاق سراح أكبر عدد ممكن من السجناء كإجراء حاسم للحدّ من تفشي داء كوفيد-19. وأشادت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، السيّدة ميشيل باشيليت، بالإجراءات التي اتخذتها بعض الدول للتخفيف من عدد السجناء في المرافق ومراكز التوقيف ودعت دولا أخرى إلى اتخاذ إجراءات مماثلة. وقالت باشيليت: "لقد بدأ كـوفيد-19 باجتياح السجون ومراكز توقيف المهاجرين ودور الرعاية السكنية ومستشفيات الصحة النفسية، ويهدد بالانتشار بين سكان هذه المؤسسات الأكثر ضعفا."
وأشارت المفوضية إلى أنه عادة ما يقبع الأشخاص في ظروف تنعدم فيها النظافة كما أن خدمات الصحة غير جيدة أو معدومة في بعض الحالات، فضلا عن أن تنفيذ إجراء التباعد الاجتماعي والعزل الشخصي في هذه الظروف غير ممكن أو مستحيل. وقالت المفوضة السامية: "أطلب من السلطات ألا تنسى القابعين خلف القضبان أو الموجودين في مرافق الصحة النفسية ودور رعاية المسنين ودور الأيتام، لأن نتائج تجاهلهم ستكون كارثية."
وتفيد التقارير بارتفاع أعداد الوفيات التي تم تسجيلها في السجون وغيرها من المؤسسات في عدد متزايد من الدول. وللحد من انتشار الوباء في تلك المرافق المغلقة، حثّت السيّدة باشيليت الحكومات على إطلاق سراح الضعفاء على وجه التحديد المعرّضين لخطر الإصابة بكوفيد-19 أكثر من غيرهم، من بينهم السجناء كبار السن والمرضى ومن ليس محكوما بتهم خطيرة، والنساء الحوامل والسجناء من ذوي الاحتياجات الخاصة وصغار السن. وقالت: "من المهم للحكومات أن تتطرق إلى أوضاع المعتقلين عند وضع الخطط لمواجهة الأزمة من أجل حماية المعتقلين والطواقم والزوار وبلا شك المجتمع بأطيافه الواسعة."
مصر
وفي هذا الشأن طالبت منظمة "هيومن رايتس ووتش" السلطات المصرية بتوفير الرعاية الطبية وسبل الوقاية من فيروس كورونا للسجناء، والإسراع في الإفراج عن أعداد أكبر منهم. وأوضحت المنظمة، التي تتخذ من نيويورك مقرا لها، في تقرير، أن "تفشيا محتملا" لفيروس كورونا ربما يكون قد حدث في مقار الاحتجاز المصرية في الأسابيع الأخيرة. وأشارت في تقريرها أنها استقت معلومات وردت به عن إصابات ووفيات بكورونا في السجون وأقسام الشرطة المصرية من رسائل مسرّبة من سجنَين اثنين، ومن تقارير وصفتها بالـ"موثوقة" لمجموعات حقوقية تفيد بأن "14 سجينا ومحتجزا على الأقل توفوا، على الأرجح بسبب مضاعفات ناجمة عن الإصابة بالفيروس في عشرة مراكز احتجاز حتى منتصف الشهر الجاري".
وقال نائب مدير المنظمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جو ستورك: "يتعين على السلطات المصرية اتخاذ خطوات فورية لتوفير الرعاية الطبية الكافية لكل المعتقلين، وكذا اتخاذ التدابير اللازمة لاحتواء تفشي فيروس كورونا". وأضاف ستورك: "ضروري لمصر أن تعالج تفشي الفيروس عبر الإسراع في الإفراج عن المعتقلين". وكانت منظمات عديدة طالبت الحكومة المصرية بالإفراج عن المدانين بجرائم غير عنيفة والمحبوسين احتياطيا كإجراء وقائي ضد كورونا. وتقدِّر جمعيات حقوقية أعداد سجناء الرأي في البلاد بعشرات الآلاف.
بينما تنفي الدولة نفيا قطعيا احتجاز أي شخص لأسباب سياسية. ولم تعلق السلطات المصرية على ما جاء في التقرير، غير أنها أكدت مرارا على توفير التطهير الدوري والرعاية الطبية اللازمة داخل السجون ومقار الاحتجاز، ودأبت على نشر تقارير مصورة لعمليات التطهير وفحص السجناء.
وتقول وزارة الداخلية المصرية إنها تعمل على خلق بيئة صحية آمنة للسجناء، فضلا عن تزويد السجون بأجهزة قياس درجة الحرارة لضمان سرعة الكشف على كافة العاملين والنزلاء. وتقول هيومن رايتس ووتش في تقريرها إن الرعاية الطبية في السجون "غير كافية"، منتقدة ما اعتبرته "محاولة الحكومة المصرية التعتيم على أزمة صحية خطيرة في السجون". ويقول ستورك: "بدلا من توفير الرعاية الطبية الكافية، واتخاذ التدابير الصحية المتطلبة لمنع تفشي الفيروس، تحاول الحكومة المصرية التكتيم على أزمة صحية خطيرة داخل السجون". ويضيف: "السجناء وعائلاتهم وعموم المصريين يستحقون الوقوف على المخاطر الصحية التي يواجهونا، وما تفعله الحكومة للتصدي لتلك المخاطر".
وتحجب السلطات المصرية موقع "هيومن رايتس ووتش" على الإنترنت منذ سبتمبر/أيلول 2017 إثر نشره تقريرا عن التعذيب في المعتقلات المصرية، وهو التقرير الذي وصفته الخارجية المصرية بأنه من قبيل الاستهداف والتشويه المتعمد من جانب المنظمة. كما أغلقت المنظمة مكتبها في مصر منذ أكثر من ست سنوات على خلفية ما وصفته آنذاك بالقيود المفروضة على المنظمات الحقوقية والمجتمع المدني. بحسب بي بي سي.
وأفرجت السلطات المصرية عن 13 ألف سجين منذ أواخر فبراير/شباط، لكن هيومن رايتس ووتش تعتبر أن "العدد غير كافٍ للحد من الاكتظاظ في السجون ومراكز الاحتجاز". ولا توجد أعداد دقيقة للسجناء في مصر، فكل الأرقام تظل مجرد تقديرات. ووفقا لتقرير للمجلس القومي المصري لحقوق الإنسان فإن نسبة التكدس في السجون تصل إلى حوالي 150 في المئة، وتتجاوز 300 في المئة في مراكز الشرطة. وكانت السلطات المصرية قد منعت الزيارات لجميع السجناء، منذ مارس/آذار الماضي خشية تفشّي الفيروس، كما لم تسمح لهم بإجراء/تلقّي مكالمات هاتفية أو مراسلات مكتوبة.
امريكا اللاتينية
الى جانب ذلك أثار انتشار فيروس كورونا فى أمريكا اللاتينية وكما نقلت بعض المصادر، الرعب خاصة في ظل الفوضى وحالة عدم السيرة على السجون ، فتكدس الزنزانات الصغيرة للنزلاء يجعل أمر السيطرة صعبا على السجناء وتحقيق التباعد الاجتماعي داخل السجون أصبح مستحيلا. وفى بوليفيا، أكدت السلطات الوطنية أن حوالى 40 سجينا لقوا حتفهم و159 مصابا بكورونا، في سجن يضم أكثر من 18 ألف شخص، وقال نائب وكالة أمن المواطن ويلسون سانتاماريا "لدينا 159 سجينا ثبتت إصابتهم الإيجابية و118 مشتبه في إصابتهم و74 شخصا خرجوا من السجن، و17 شخصا دخلوا المستشفى في حالة حرجة، و40 متوفى في جميع السجون البوليفية، وفقا لصحيفة "انفوباى" الارجنتينية.
وقال سانتاماريا إنه بالنظر إلى وجود المرض في السجون البوليفية ، فقد أمرت الدوائر الصحية في المديرية بإرسال اللوازم الطبية للتعرف على المزيد من السجناء الذين يعانون من الأعراض أو الذين يعانون من كورونا. وأكدت السلطات أنه يتم تعقيم مراكز السجون يومياً وتم إنشاء أماكن محددة في كل منها لعزل الحالات المشتبه فيها والإيجابية للمرض، وتعمل مراكز السجون بما يفوق طاقتها بسبب المشاكل المتوطنة مثل التأخير في العدالة ، حيث ينتظر حوالي 80٪ من السجناء صدور الأحكام.
وأشارت الصحيفة إلى أنه انتشرت العديد من الاحتجاجات في الاسابيع الأخيرة للمطالبة بالاهتمام وإجراءات الأمن البيولوجي، وقد أدركت السلطات الوطنية أن المرض كان موجودًا بالفعل في جميع مراكز السجون تقريبًا في البلاد ، بينما حذرت من أن بوليفيا لديها أحد أسوأ أنظمة السجون في العالم بسبب الاكتظاظ. ويعكس أحدث تقرير صادر عن وزارة الصحة 1.807 حالة وفاة و 41.187 إصابة بكورونا ، منذ ظهور الحالات الأولى في البلاد في مارس ، والتي بلغ عدد سكانها حوالي 11 مليون نسمة.
ويواصل فيروس كورونا الانتشار في السجون البرازيلية، حيث تسبب الوباء بـ 66 حالة وفاة و7220 إصابة بعدوى كورونا بين السجناء في ثاني أكثر الدول تأثرا بالوباء في العالم، في حين لا يزال اقاربهم لا يعرفون بوفاتهم وإصابتهم بسبب حظر الزيارات. ووفقًا لإحصاءات المجلس الوطني للعدالة (CNJ)، وارتفع عدد الوفيات بين السجناء في جميع أنحاء البرازيل بنسبة 288% في الشهرين الماضيين، من 17 حالة وفاة في أوائل مايو إلى 49 في أوائل يونيو و66 في وقت مبكر يوليو، بينما قفزت العدوى 2.237% في نفس الفترة (من 309 إلى 1736 وإلى 7220).
وذلك على الرغم من أن الحالة الأولى في السجن سجلت في 8 أبريل، بعد شهر ونصف تقريبًا من وصول المرض إلى البلاد، وبهذه السرعة التي يتطور فيها الوباء في السجون البرازيلية المكتظة لا يتم إنقاذ حتى الحراس، وهم يمثلون 60 حالة وفاة و4772 حالة إصابة مؤكدة، وهو ما يثير القلق البالغ حول إمكانية نقل العدوى من وإلى السجن. يوأشارت صحيفة "كوبي" الإسبانية إلى أنه وفقا لدراسة برازيلية فإن 7 أسر من أصل 10 ليس لديهم أي معلومات أو اتصال بأقاربهم في السجون البرازيلية منذ أن تم حظر الزيارات بسبب أزمة كورونا.
ويُعد نظام السجون أحد أكبر مخاوف السلطات الصحية بسبب سهولة انتقال الفيروس في الأماكن المغلقة والحشود، وخاصة بسبب ظروف الإدانة العالمية للاكتظاظ الشديد في السجون ومراكز الشرطة في البرازيل.يوأوضحت الصحيفة أن البرازيل قامت بإلافراج عن نحو 35 ألف سجين من السجون البرازيلية في الفترة بين مارس ومايو ومنحهم القضاة الإقامة الجبرية، لكن أولئك الذين تمكنوا من العودة إلى ديارهم، خاصة أولئك من الفئات المعرضة للخطر مثل كبار السن والأشخاص المصابين بأمراض، لا يمثلون سوى 4.7% من 748.009 سجين في البرازيل، البلد الذى يوجد فيه رابع أكبر عدد من السجناء فى العالم.
وتعتبر الاكتظاظ أكثر المشاكل التي تواجه السجون فى المنطقة، وقالت مجموعة دراسات من منظمة CEDD التشيلية إن أزمة السجون تزداد سوءا في العالم وخاصة في أمريكا اللاتينية، وتظهر الدراسة أن الوباء قد فاقم ازمة السجون فى المنطقة، وإن أصعب وضع في بيرو، حيث يبلغ عدد السجناء 97.500 سجين أي زيادة بنسبة 240%، تليها بوليفيا بنسبة اكتظاظ تبلغ 189٪، وفنزويلابنسبة 153 % ، تليها كولومبيا ، بنسبة 145 % ومع ذلك ، تغير هذا الرقم في كولومبيا في الأشهر الأربعة الماضية ، منذ أن تم الإفراج عن 14487 محتجزًا ، ويبلغ عدد السجناء اليوم 108333 ، بسبب اكتظاظ 33٪، وفقا لصحيفة "التيمبو" التشيلية
وبعد كولومبيا ، الإكوادور (133٪) ، وكوستاريكا (129٪) والأرجنتين (122٪). في البلدان الثلاثة التي لا يوجد فيها اكتظاظ ، يكون الاحتلال على النحو التالي: تشيلي (100٪) ، أوروجواي (99٪) والمكسيك (90٪). وطالبت المفوضة السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ، ميشيل باشيليه ، طلبت اتخاذ تدابير للحد من الاكتظاظ في السجون ، بالنظر إلى شدة الفيروس في هذه المراكز ، مضيفة أنها ترى ضرورية عمل الكثير من الجهود.
إسرائيل
على صعيد متصل طالبت فصائل فلسطينية، بتوفير حماية دولية للمعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، في ظل تفشي فيروس كورونا في إسرائيل. جاء ذلك في مذكرة سلمتها لجنة الأسرى للقوى الوطنية والإسلامية (تضم غالبية الفصائل الفلسطينية)، إلى مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان للأمم المتحدة بقطاع غزة، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومنظمة الصحة العالمية، والأمم المتحدة، وفق بيان صادر عن اللجنة.
وقالت اللجنة في المذكرة، إن "مصلحة السجون الإسرائيلية تتعمد الإهمال الطبي بحق المعتقلين بموافقة من رأس الهرم السياسي الإسرائيلي". وأشارت أن "القوات الإسرائيلية تواصل الاعتداء على المعتقلين الفلسطينيين داخل السجون". وأضافت: "إسرائيل تقوم بزج الضباط والجنود والأطباء والمعتقلين الجنائيين الإسرائيليين المصابين بكورونا للاحتكاك بالأسرى". وذكرت أن مصلحة السجون تمنع إدخال مواد التعقيم لغرف المعتقلين إلى جانب حرمانهم من الفحص الطبي على أيدي أطباء مختصين.
وحذرت اللجنة، في مذكرتها، من استشهاد المعتقل الفلسطيني كمال نجيب أبو وعر، الذي أعلن مؤخرا، إصابته بكورونا، بسبب الإهمال الطبي المتعمد الذي تمارسه إسرائيل بحقه وبحق المعتقلين كافة. وطالبت المجتمع الدولي بـ"إرسال بعثات للاطلاع على أوضاع المعتقلين الفلسطينيين وإلزام إسرائيل باحترام حقوق الإنسان والإفراج عن الأسرى المرضى وكبار السن دون قيد أو شرط". وتعتقل إسرائيل نحو 4 آلاف و700 فلسطيني في سجونها، منهم 41 سيدة، و160 طفلا، 365 معتقلا إداريا (دون تهمة). وسجلت إسرائيل 49 ألفا و204 إصابات بكورونا، بينها 400 وفاة، و21 ألفا و302 حالة تعاف، وفق بيانات وزارة الصحة.