ما مصير سوريا التي مزّقتها الحرب في ظلّ كارثة كورونا؟

عبد الامير رويح

2020-07-13 08:50

تواجه سوريا التي تعيش في حالة حرب مستمرة منذ آذار/ مارس 2011، جملة من المشكلات والازمات المختلفة والتي تفاقمت بشكل كبير في الفترة الاخيرة بعد تفشي فيروس كورونا في هذا البلد المنهك بسبب الحرب والتدخلات الخارجية، وهو ما اثارت قلق ومخاف الكثير من الجهات والمنظمات العالمية التي حذرت من حدوث كارثة جديدة خصوصاً مع قلة المساعدات المقدمة. واتخذت الحكومة السورية في وقت سابق بعض الاجراءات الخاصة في سبيل الحد من انتشار الوباء، حيث منعت التنقل بين المحافظات وأغلقت المدارس والمطاعم وفرضت غرامات على المخالفين كما تم إغلاق الحدود.

وذكرت منظمة الصحة العالمية في نهاية عام 2019، أن أقل من ثلثي المستشفيات في البلاد لا تزال تقدم خدماتها كما غادر 70 بالمئة من العاملين في مجال الرعاية الصحية البلاد. في نهاية آذار/ مارس، أكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن سوريا واليمن وأفغانستان وجنوب السودان "ليست مستعدة لاحتواء موجة وباء كوفيد-19 من دون المساعدات" الدولية.

وأشارت اللجنة إلى أنه في المخيمات المكتظة بالنازحين والتي تعاني من الجوع والبؤس وسوء النظافة فإن اتّباع "المسافة الصحية غير ممكنة" مؤكدة أنه في حال دخلت العدوى إلى مخيم، فإن الفيروس سينتشر فيه "بسرعة وقسوة". ولكن في حين تواجه أغنى الدول ركودا شديدا، تبدو المساعدات الإنسانية موضع شك، بحسب بعض المراقبين الذين اكدوا أن "المانحين سينكبون على إنعاش اقتصاداتهم والاستثمار في قطاعهم الطبي. سيكون من الصعب جدا الدفاع عن الحاجة السياسية للمساعدة طويلة الأجل في الخارج".

وتخطى عدد القتلى منذ اندلاع الحرب في سوريا وبحسب بعض المصادر 380 ألف قتيل، وفق حصيلة أعلنها المرصد السوري لحقوق الإنسان في مطلع كانون الثاني/ يناير 2020. وبين القتلى بحسب المرصد أكثر من (115 ألف مدني) ضمنهم (22 ألف طفل) و(13612 امرأة).

وتعتبر منظمة الصحة العالمية أن الأزمة السورية هي من الحالات الطارئة الأكثر خطورة وتعقيداً في العالم، لا سيما وأن النزاع سدد ضربة أضعفت المرافق الصحية إلى حد كبير. وتسبب النزاع في سوريا بأكبر موجة نزوح منذ الحرب العالمية الثانية، واضطر أكثر من نصف سكان سوريا إلى النزوح داخل سوريا أو اللجوء إلى خارج البلاد. ويرتفع عدد اللاجئين بحسب أرقام الأمم المتحدة إلى (5,5 مليون نسمة)، فيما تخطى عدد النازحين داخل البلاد ستة ملايين نسمة، وفق أرقام شباط/فبراير 2020.

الجوع والوباء

وفي هذا الشان حذرت وكالات إغاثة تابعة للأمم المتحدة من أن سوريا تواجه أزمة غذاء غير مسبوقة، حيث يفتقر أكثر من 9.3 مليون شخص إلى الغذاء الكافي في وقت قد يتسارع فيه تفشي فيروس كورونا بالبلاد رغم أنه يبدو تحت السيطرة الآن. وقال برنامج الأغذية العالمي في إفادة صحفية في جنيف إن عدد من يفتقرون إلى المواد الغذائية الأساسية ارتفع بواقع 1.4 مليون في غضون الأشهر الستة المنصرمة.

وذكرت إليزابيث بايرز المتحدثة باسم البرنامج أن أسعار السلع الغذائية ارتفعت بأكثر من 200 بالمئة في أقل من عام واحد بسبب الانهيار الاقتصادي في لبنان المجاور، وإجراءات العزل العام التي فرضتها سوريا لاحتواء مرض كوفيد-19. وقالت أكجمال ماجتيموفا ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا في إفادة صحفية منفصلة إنه بعد تسع سنوات من الصراع المسلح، يعيش أكثر من 90 بالمئة من سكان سوريا تحت خط الفقر الذي يبلغ دولارين في اليوم بينما تتزايد الاحتياجات الإنسانية. وأضافت أنه لا يعمل إلا أقل من نصف المستشفيات العامة في سوريا، في حين لاذ نصف العاملين في المجال الطبي بالفرار منذ بدء الصراع ويواجه الباقون ”تهديدا دائما بالخطف والقتل“.

وقال ريتشارد برينان مدير عمليات الطوارئ في منظمة الصحة العالمية الأرقام الرسمية لتسجيل الاصابات بكورونا أقل كثيرا على الأرجح من الأعداد الحقيقية، وهذا ليس مقتصرا على سوريا على الإطلاق. وأضاف أن كوفيد-19 بدأ بانتشار بطيء في العراق ومصر وتركيا ثم تسارع وأن الأمر ذاته متوقع في سوريا. وقال ”ما نعرفه يقينا في سوريا هو عدم وجود تفش متفجر.. لا يمكنك التستر.. ولا يمكنك إغفال تفش خارج عن السيطرة. المنشآت الصحية ليست محملة بما يفوق طاقتها ولذلك ما زالت لدينا الفرصة لتكثيف استعدادنا“.

الى جانب ذلك جمعت الأمم المتحدة مساعدات لسوريا بقيمة 7.7 مليار دولار لتخفيف أثر أزمة إنسانية يعانيها ملايين الناس الذين شردتهم الحرب الدائرة منذ تسع سنوات وتفاقمت بارتفاع أسعار المواد الغذائية وظهور وباء فيروس كورونا. ورغم أنها أقل من نحو عشرة مليارات دولار سعت لجمعها وكالات الأمم المتحدة إلا أن التعهدات كانت أعلى من المتوقع في ضوء الصدمة الاقتصادية التي تشهدها حكومات عديدة جراء فيروس كورونا ونقص المساعدات لجهات أخرى وخاصة اليمن هذا الشهر.

وقال مارك لوكوك منسق الشؤون الإنسانية والإغاثة في حالات الطوارئ بالأمم المتحدة عقب مؤتمر المانحين الافتراضي الذي شاركت فيه نحو 60 حكومة ومنظمة غير حكومية ”نقر بأن الظروف غير معتادة بالمرة. إنها لحظة صعبة بكل بلد لتوفير الموارد الضرورية لتخفيف معاناة الشعب السوري“. وجاءت التعهدات من عدة دول منها قطر التي وعدت بتقديم مئة مليون دولار وألمانيا التي عرضت 1.58 مليار يورو (1.78 مليار دولار) في مساعدة وصفتها بأنها أكبر منحة لدولة منفردة.

وقالت الأمم المتحدة، التي جمعت سبعة مليارات دولار العام الماضي، إنها تحتاج هذا العام لجمع 3.8 مليار دولار للمساعدات داخل سوريا، حيث يحتاج قرابة 11 مليون شخص المساعدة والحماية، بينهم أكثر من 9.3 مليون لا يجدون الغذاء الكافي. وتطلب المنظمة الدولية جمع 6.04 مليار دولار أخرى لمساعدة 6.6 مليون سوري فروا من بلادهم في أكبر أزمة لاجئين في العالم. وأشار برنامج الأغذية العالمي إلى أن التراجع الاقتصادي وإجراءات العزل العام للحد من انتشار مرض كوفيد-19 دفعت أسعار الغذاء للارتفاع. بحسب رويترز.

ويقول الاتحاد الأوروبي إن إعادة إعمار المدن المدمرة سيتكلف مليارات إضافية من الدولارات ولا يمكن أن يبدأ قبل أن تدعم القوى المنخرطة في الحرب انتقالا سلميا من حكم الرئيس بشار الأسد. وقال وزير التنمية الألماني جيرد مولر ”في النهاية نحتاج إلى حل سياسي للصراع“.

من جانب اخر قال مسؤول في الأمم المتحدة وناشطون ومزارعون إن سوريا قد تواجه نقصا حادا في الخبز للمرة الأولى منذ بداية الحرب فيما يمثل تحديا جديدا للرئيس بشار الأسد وهو يواجه تراجعا اقتصاديا وعقوبات أمريكية جديدة. وقال مايك روبسون ممثل منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة في سوريا ”ثمة أدلة بالفعل على أن الناس بدأت تستغني عن وجبات“. وأضاف ”إذا ظلت العملة تحت ضغط فسيكون من الصعب الحصول على الواردات وربما تشهد الشهور التي تسبق محصول القمح لعام 2021 نقصا حقيقيا“.

ويعاني الاقتصاد السوري من انهيار تحت وطأة الصراع المعقد متعدد الأطراف في عامه العاشر ومن أزمة مالية في لبنان تعمل على خنق مورد حيوي للدولارات. وتسبب ارتفاع الأسعار في زيادة مصاعب الحياة للسوريين الذين يعانون من ويلات حرب سقط فيها مئات الألوف ونزح خلالها الملايين عن ديارهم. وخلال الأشهر الستة الأخيرة وحدها تشير بيانات برنامج الأغذية العالمي إلى أن عدد الذين يقدر أنهم ”لا يشعرون بالأمن الغذائي“ في سوريا ارتفع من 7.9 مليون فرد إلى 9.3 مليون فرد.

وعندما بدأت طوابير الخبز تطول في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة في مارس آذار تقريبا تلقت السلطات الروسية نداء بإرسال الكمية الكاملة التي وعدت بها من القمح كمساعدات إنسانية منذ 2019 وقدرها 100 ألف طن. وقالت إليزابيث تسوركوف الباحثة بمعهد أبحاث السياسة الخارجية في الولايات المتحدة وهي متخصصة في الشأن السوري ”ربما للمرة الأولى منذ بداية الانتفاضة السورية تشهد في الأساس نقصا في الخبز المدعوم بالمخابز وهذا أدى إلى ظهور سوق سوداء رائجة“.

وتعد روسيا، أكبر مصدر للقمح في العالم، موردا دائما للقمح إلى سوريا لكن حجم مساعدات القمح لدمشق لا يلبي الطلب. ولا توضح بيانات الجمارك الروسية حجم الإمدادات لسوريا كما أن حجم هذه الإمدادات يتباين بشدة. وقال مصدر في قطاع القمح الروسي ”الإمدادات مستمرة. ومع ذلك توجد مشاكل في السداد وفي توفر السفن المستعدة لتسليم شحنات لتلك الوجهة“. وقدر المصدر أن حوالي 150 ألف طن فقط من مبيعات القمح التجارية وصلت إلى سوريا في الفترة من يوليو تموز 2019 إلى مايو أيار 2020.

مساعدات عبر تركيا

من جانب اخر صوت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لصالح استئناف المساعدات الإنسانية عبر الحدود من تركيا إلى سوريا. ولكن من المنتظر أن تمر المساعدات عبر معبر واحد، بعد إصرار روسي على ذلك. واستخدمت الصين وروسيا حق النقض (الفيتو) لمنع استمرار دخول المساعدات عبر نقطتي عبور، كما كان يحدث في السابق. واقترحت ألمانيا وبلجيكا مشروع القرار الذي جاء بمثابة تسوية بعد أسبوع من المفاوضات، وفشل تمرير اتفاق بمجلس الأمن عدة مرات.

وترى الأمم المتحدة أن توصيل المساعدات عبر تركيا "شريان حياة" للسوريين الموجودين في شمال غربي البلاد. وكانت المواد الغذائية ومساعدات أخرى تصل إلى الملايين من السوريين عبر نقطتين إلى محافظة حلب والمناطق التي تسيطر عليها المعارضة في إدلب. ولكن روسيا ترى أن المساعدات الإنسانية لابد أن تمر عبر حكومة حليفها الرئيس السوري بشار الأسد. ونبه رئيس برنامج الغذاء العالمي ديفيد بيزلي الشهر الماضي إلى أن سوريا تواجه مخاطر مجاعة واسعة أو موجة أخرى من النزوح، إذا لم يتوفر المزيد من المساعدات الإنسانية.

وقال بيزلي إن نحو مليون سوري يواجهون نقصا حادا في الغذاء، وبعضهم يموتون من الجوع حاليا. فقد أدت الحرب إلى انهيار قيمة العملة السورية، وارتفاع فاحش لأسعار المواد الغذائية. ونبه مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، إلى أن أزمة كوفيد 19 كان لها تأثير مدمر على حياة ملايين اللاجئين السوريين عبر العالم، وعلى الدول التي تستقبلهم. وفي يونيو فرضت الولايات المتحدة مجموعة من العقوبات على سوريا هي الأكثر شمولا حتى الآن. وتقول واشنطن إن قانون العقوبات المعروف باسم قانون سيزر يستبعد المساعدات الإنسانية ويهدف إلى محاسبة الأسد وحكومته على جرائم حرب. وتحمل السلطات السورية العقوبات الغربية مسؤولية المصاعب الكثيرة التي يواجهها المواطن العادي.

وكانت العملة السورية ظلت مستقرة حول 500 ليرة مقابل الدولار لعدة سنوات ثم شهدت هبوطا سريعا في العام الماضي وبلغت مستوى متدنيا عند 3000 ليرة للدولار في يونيو حزيران تحسبا للعقوبات الجديدة. ويعرقل هذا التراجع في قيمة العملة خطط الأسد لشراء كل محصول القمح هذا العام لتعويض أي نقص في الواردات من شأنه تقليص المخزون الاستراتيجي. وكانت سوريا تفخر قبل الحرب بأن لديها مخزونات من القمح تكفي أكثر من عام. وفي حين أن العقوبات الغربية لا تقيد مشتريات الغذاء فإن القيود المصرفية وقرارات تجميد الأصول جعلت من الصعب على معظم الشركات التجارية إبرام تعاملات مع سوريا.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا