كورونا ومصير البشرية: حرب أخرى أم أخيرة؟
عبد الامير رويح
2020-07-05 07:41
في الوقت الذي يعيش العالم اكبر ازمة صحية بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد، الذي اصاب اكثر من 11 مليون انسان في مختلف دول العالم، تتواصل الجهود والدعوات من اجل انهاء الصراعات والحروب في بعض الدول التي تعيش حالة عدم استقرار امني، ومنها ليبيا واليمن و سوريا ودول اخرى، حيث بات الناس في هذه الدول بين نارين؛ نار الحرب ونار كورونا، يضاف الى ذلك الخلافات والصراعات الدولية بين الدول العظمى والتي تفاقمت بشكل كبير في الفترة الاخيرة، وهو ما اثر سلباً على العديد من المبادرات والاتفاقات الدولية وخصوصاً تلك التي تتعلق بجهود ومكافحة فيروس كورونا.
وفي وقت سابق وجّه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، نداءه لوقف النزاعات المسلّحة في العالم، والتركيز معاً على المعركة الحقيقية في حياتنا وهي معركة القضاء على الفيروس وانقاذ البشرية من هذا الوباء القاتل، وقال: "عالمنا يواجه عدواً مشتركاً يتمثّل في فيروس كورونا المُسبب مرض (كوفيد 19)، الذي يهاجم الجميع بلا هوادة، ولا يأبه لأي أصل عرقي أو جنسية أو دين".
وبعد أشهر من المناقشات وكما نقلت بعض المصادر، أيد مجلس الأمن الدولي أخيرا دعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش في 23 مارس آذار إلى هدنة عالمية وسط تفشي وباء فيروس كورونا واعتمد قرارا بعد شهور من المحادثات بهدف التوصل الى حل وسط بين الولايات المتحدة والصين. ويدعو القرار الذي صاغته فرنسا وتونس ”جميع أطراف النزاعات المسلحة إلى الدخول على الفور في توقف إنساني لمدة 90 يوما متتالية على الأقل“ للسماح بتسليم المساعدات الإنسانية.
وتعثرت المفاوضات بخصوص القرار بسبب المواجهة بين الصين والولايات المتحدة بشأن ما إذا كان ينبغي الحث على دعم منظمة الصحة العالمية. ولم ترد الولايات المتحدة إشارة إلى المنظمة وهو ما كانت تريده الصين. وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مايو أيار إن واشنطن ستنسحب من المنظمة التابعة للأمم المتحدة التي تتخذ من جنيف مقرا لها بسبب تعاملها مع الوباء، متهما إياها بأنها ”تتمحور حول الصين“ وتروج ”للتضليل الصيني“، وهو ما تنفيه المنظمة. ولا يشير قرار مجلس الأمن إلى منظمة الصحة العالمية ولكنه يشير إلى قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة يذكر المنظمة. وقال ريتشارد جوان، خبير شؤون الأمم المتحدة في مجموعة الأزمات الدولية عن المجلس ”لقد شاهدنا المجلس في أسوأ حالاته...هذا مجلس أمن معتل“.
عالم يسوده التعاون
بينما لا يزال العالم يكافح تفشي كوفيد-19، أعرب قادة نحو خمسين دولة عن تطلعهم إلى عالم يسوده "التعاون" ويتميز اقتصاده بمزيد من "الصلابة" في مرحلة ما بعد الوباء، وذلك خلال مؤتمر واسع للأمم المتحدة انعقد عبر الفيديو ولكن بغياب الولايات المتحدة والصين وروسيا. واعتبر رئيس الوزارء الإيطالي جوسيبي كونتي، في كلمة مسجّلة ألقيت لمناسبة هذا الحدث الذي دعت إليه كندا وجامايكا، أنّ الهدف بوجوب "عدم ترك أحد في الخلف".
وبدوره، قال رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامابوزا "يتوجب علينا أن نكون مبتكرين" و"التفكير خارج الصندوق"، مستعيداً بذلك دعوات رئيسي وزراء كندا وجامايكا، جاستن ترودو واندرو هولنس. وأشار هولنس خلال مؤتمر صحافي إلى أنّه "الوقت المناسب لكل الدول للسعي إلى التعاون الاقتصادي بهدف تقليص تداعيات" أزمة الوباء، داعياً إلى "إعادة التفكير بالنظام المالي العالمي" و"إيلاء اهتمام أوسع بسلاسل الإمداد العالمية واستخدام التكنولوجيا". وفي المؤتمر الصحافي نفسه، أبدى أمين عام الأمم المتحدة انطونيو غوتيريش عن السعادة بمشاركته في "اجتماع تضامني".
وبعد دعوته إلى تعليق ديون الدول الأكثر هشاشة، طالب "بالذهاب أبعد" و"ربما (إقرار) تدابير لخفض" هذه الديون في إطار "تضامني يرتكز على الاحتياجات والشفافية". وكان من بين المتكلمين، الرئيس الموريتاني محمد ولد غزواني الذي دعا إلى "إلغاء الديون بشكل ممنهج وفوري". وقلل أمين عام الأمم المتحدة من أثر عدم إلقاء قادة الولايات المتحدة والصين وروسيا كلمات.
ولم يكن بإمكان هذه الدول المشاركة على مستوى رفيع بسبب إشكالات على مستوى جداول الأعمال، ولكنّها ستشارك في مجموعات العمل الست التي تشكلت في أعقاب المؤتمر، وحددت مواعيد لانعقادها في نهاية تموز/يوليو ومنتصف أيلول/سبتمبر ومنتصف كانون الأول/ديسمبر. وستكون من مهام هذه المجموعات العمل بشكل خاص على مسائل هشاشة الدول النامية، الاستقرار المالي أو مثلاً المواءمة بين سياسات إعادة الإعمار وأهداف التنمية المستدامة المحددة لعام 2030.
وعدد تلك الأهداف 17، وهي تغطي مجالات شتى على غرار المناخ، التنوع البيئي، المياه، الفقر، المساواة بين الجنسين، الازدهار الاقتصادي، السلام، الزراعة والتربية، فيما اعتبرت رئيسة المفوضية الاوروبية اورسولا فون دير لايين أنّها "صارت بالغة الأهمية اكثر من اي وقت مضى". وشددت خلال الؤتمر على أنّه "يتوجب العمل والكفاح سوياً". واعتبر عدد من القادة، على غرار المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أنّ الأزمة الحالية يمكن أن تشكّل "فرصة" لتطوير اقتصاد "اكثر صلابة"، يعزز مكافحة تغيّر المناخ على وجه الخصوص.
وبينما تأسّف ماكرون لما وصفه ب"التشكيك العميق بنهج التعددية"، لفت في مقطع فيديو مسجّل إلى أنّ "التعاون يفرض نفسه" من أجل توفير "الصحة للجميع" وتأمين "دعم للدول الأكثر ضعفا"، في إفريقيا بشكل خاص، والتحرّك لصالح البيئة والتنوّع البيئي. ومن جانبه، رأى رئيس كوستاريكا كارلوس الفارادو كيسادا أنّ "التعاون وليس المصلحة" يجب أن يسود العالم في مرحلة ما بعد أزمة الوباء، بينما أعرب رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون عن امله في تأمين زخم من أجل "إعادة البناء بشكل أفضل". بحسب فرانس برس.
وقال "يتوجب علينا العمل سوياً" لتجنب وباء جديد وإعادة العالم إلى المسار الطبيعي. كما دعا رئيس كينيا أوهورو كينياتا إلى "تضامن عالمي"، فيما طالب نظيره السنغالي ماكي سال ب"عالم أكثر عدلاً وأكثر تماسكاً". ولخّص رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو المناسبة بقوله في المؤتمر الصحافي "يتوجب علينا العمل مع بعضنا (...) لأننا جميعاً مترابطين".
الى جانب ذلك انتقدت عدة منظمات إغاثة في وقت سابق مجلس الأمن الدولي لعجزه عن الاتفاق على قرار يدعم دعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش لوقف إطلاق النار في أنحاء المعمورة حتى يتسنى للعالم التركيز على مكافحة جائحة فيروس كورونا. وقال الرئيس التنفيذي للجنة الإنقاذ الدولية في بيان مشترك مع مجموعة الأزمات الدولية ومؤسسة كير الأمريكية ومنظمة إنقذوا الأطفال ”عجز مجلس الأمن الدولي في مواجهة كوفيد-19 أمر يبعث على الخزي. بالنسبة لملايين الأشخاص فإن الأمر غير مفهوم“.
وانتقد روب مالي الرئيس التنفيذي لمجموعة الأزمات الدولية الولايات المتحدة والصين لتعاملهما مع مناقشات المجلس على أنها فرصة لممارسة ”لعبة اللوم“ بدلا من أن تكون فرصة ”لتوجيه نداء مباشر للحد من العنف خلال الجائحة“. وأضاف ”ليس لدى واشنطن أو بكين القدرة أو الاستعداد على ما يبدو لإظهار الزعامة في الأمم المتحدة خلال أزمة عالمية“. وعلقت الولايات المتحدة تمويلها لمنظمة الصحة العالمية متهمة إياها بالترويج “للتضليل“ الصيني. ونفت منظمة الصحة العالمية الاتهام وقالت الصين إنها تتحلى بالشفافية. وقالت إنجر أشينج الرئيسة التنفيذية لمنظمة إنقذوا الأطفال ”أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة فرصة تاريخية لوقف القتال في أنحاء العالم وضمان عمل موظفي الإغاثة دون عراقيل.. على الدول التركيز على مكافحة الفيروس داخل حدودها وليس إحصاء قتلاها من الأطفال“.
زعامة العالم
من جانب اخر عبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش عن أسفه لافتقار القوى العالمية للزعامة وانقسام المجتمع الدولي في الحرب على فيروس كورونا، كما عبر عن قلقه إزاء عدم كفاية الدعم المقدم للدول الفقيرة. جاءت تصريحات جوتيريش بعدما أشعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مجددا الحرب الكلامية مع الصين. وقال جوتيريش في مؤتمر صحفي، ردا على أسئلة عن الزعامة العالمية، إن المجتمع الدولي منقسم في وقت يعد فيه اتحاده ”أهم من أي وقت مضى“.
وأضاف ”هناك... انفصال بين الزعامة والقوة. نرى أمثلة رائعة على الزعامة لكنها ليست مقترنة بالقوة عادة. وعندما نرى القوة أحيانا لا نرى الزعامة اللازمة“. وتابع قائلا ”آمل أن يتم التغلب على هذا الأمر عاجلا وليس آجلا“. وقال دبلوماسيون إن كيفية الإشارة إلى منظمة الصحة العالمية يمثل نقطة شائكة رئيسية. وأوقف ترامب التمويل الأمريكي للمنظمة حتى تراجع بلاده طريقة تعاملها مع الوباء، واتهمها بالتركيز أكثر من اللازم على الصين، وهو ما تنفيه المنظمة . بحسب رويترز.
ولم تشارك الولايات المتحدة أيضا في مبادرة لمنظمة الصحة العالمية تعهد خلالها قادة العالم بتسريع العمل على الفحوص والعقاقير واللقاحات لمكافحة المرض. وردا على سؤال عما إذا كان قلقا من أن يُلحق التوتر بين واشنطن وبكين الضرر بالتعاون الدولي، قال جوتيريش ”إنهما بالتأكيد بلدان أساسيان“. وقال إنه قلق بشكل خاص حيال عدم تقديم المجتمع الدولي مساعدة كافية للدول النامية، لمكافحة الوباء ومعالجة تبعاته الاقتصادية والاجتماعية. وأضاف أن طلبا بجمع ملياري دولار لمساعدة السكان الأكثر عرضة للخطر تمت الاستجابة بتمويل نصفه فقط.
من جانب اخر قال وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر في وقت سابق إن روسيا والصين تستغلان الحالة الطارئة بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد للدفع بمصالحهما. وقال إسبر لصحيفة لاستامبا إن الولايات المتحدة ”على دراية بأن بعض (الدول) ستحاول استغلال الجائحة كوسيلة للاستثمار في القطاعات الحيوية والبنية التحتية بما سيكون له أثر طويل الأمد على الأمن“.
وأضاف ”بلا شك، سيحاول منافسون محتملون استغلال نفوذهم للدفع بمصالحهم وخلق انقسامات في حلف شمال الأطلسي وفي أوروبا. وجذب تقديم روسيا لمساعدات لإيطاليا تضمنت إرسال طواقم طبية عسكرية الانتباه للدعم المحدود الذي تلقته إيطاليا من الاتحاد الأوروبي واعتبر دبلوماسيون من التكتل ومن حلف شمال الأطلسي أن خطوة موسكو لها أهداف جيوسياسية.