أمريكا تتفكك: هل أصبحت العنصرية وباءاً اجتماعياً في الولايات المتحدة؟

عبد الامير رويح

2020-06-23 08:39

في خضم الاضطرابات والاحتجاجات الشعبية التي تشهدها الولايات المتحدة الامريكية، بسبب مقتل الأمريكي الأسود جورج فلويد في مدينة منيابوليس على يد شرطي أبيض، وقعت حادثة قتل أخرى مماثلة تم تصويرها على الهواء مباشرة، حيث أقدم شرطي بشكل متعمد على قتل رجل أسود أعزل، ولم يكن يشكل أي خطر على الشرطة؛ بل تم استهدافه من الخلف وهو هارب من محاولة اعتقاله لفشله في اختبار تعاطي الكحول، وجاء مقتل ريشارد بروكس بعد سلسلة طويلة من حوادث موت أمريكيين من أصول أفريقية في مواجهات مع أجهزة إنفاذ القانون تم توثيقها بالفيديو، وقد أججت الواقعة من التوتر الاجتماعي بالولايات المتحدة في وقت يشهد احتجاجات على فظاظة الشرطة والعنصرية في نظام العدالة الجنائية.

وقال بول هوارد مدعي منطقة فولتون كاونتي في مؤتمر صحفي إن بروكس، وهو أب لثلاثة أبناء وعمره 27 عاما، ”لم يبدر منه إطلاقا ما يشير إلى أنه مصدر تهديد“ ولم يُبدِ سلوكا عدائيا تجاه الشرطيين الأبيضين خلال المواجهة التي دارت. وأضاف أنه تم توجيه 11 تهمة جنائية للشرطي جاريت رولف الذي أطلق الرصاص على بروكس وأقيل من عمله في اليوم التالي بعدما كشفت كاميرات المراقبة ما دار في الواقعة، وأن من بين الاتهامات القتل الجنائي والهجوم بسلاح قاتل والحنث بيمين العمل.

ويرى بعض المراقبين ان جرائم العنصرية ازدادت بشكل كبير في السنوات السابقة، وخصوصاً بعد فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الذي اعتمد و منذ بداية حملته الانتخابية في 2016، على الخطابات العنصرية، ولم يتوقف ايضا عن إثارة الجدل بتغريدات عنصرية ومواقف سياسية تتهكمان على أصحاب البشرة السوداء من الأميركيين. وهو ما اثار استياء واسع في المجتمع الامريكي، وفي كتابها "المعتوه"، وصفت أوماروسا مانيجولت، المساعدة السابقة للرئيس الأميركي، ترامب بالعنصري وأنه يستخدم كلمة "زنجي" كثيرا.

وتعد أوماروسا، المتسابقة السابقة في برنامج ترامب التلفزيوني (ذي أبرينتس)، أحد أهم الأميركيين الأفارقة دعما لترامب قبل تركها البيت الأبيض في ديسمبر/كانون الأول 2018، والانقلاب عليه. وكلمة "زنجي" (Negro) لم تعد مقبولة في حديث الأميركيين بصفة عامة أو بين السياسيين بصفة خاصة، ويقتصر استخدامها على العنصريين البيض ممن يتباكون على انتهاء عصر العبودية ومنح السود حقوقا مساوية لحقوق البيض. ويرى عدد من الخبراء أن ترامب يغازل من حين لآخر هذه الكتلة التصويتية بتغريدات عنصرية.

ويعتقد الكاتب والأكاديمي آبان هنري أن حديث ترامب "عن السود ومشاهيرهم لا ينفصل عن تاريخ أميركا العنصري الذي يستهدف الأميركيين من أصول أفريقية". وأضاف هنري أن ما يقوله الرئيس يدعم الفكرة العنصرية القبيحة التي تدعي أن "بعض الجماعات ليست بذات قيمة ولا أهمية لها مثل غيرها من الجماعات الأخرى". وبالفعل ليس لدى الرئيس ترامب ما يخسره تجاه الناخبين السود، إذ أظهر استطلاع للرأي أجرته شبكة "أي بي سي" بالتعاون مع صحيفة واشنطن بوست في وقت سابق عن موافقة 3% فقط من الأميركيين من أصول أفريقية على سياسات ترامب ومواقفه، في حين يرفضهما بصورة أو أخرى 97% من السود.

يوم تحرير العبيد

تجمع آلاف في مدن أمريكية للاحتفال بيوم تحرير العبيد، وهو عطلة لإحياء ذكرى انتهاء العبودية تحمل صدى خاصا هذا العام بعد موجة من الاحتجاجات والبحث عن الذات حول إرث البلاد من الظلم العنصري. ومع إلغاء معظم الفعاليات الرسمية لهذا اليوم بسبب إجراءات مواجهة فيروس كورونا المستجد، نظم نشطاء بدلا من ذلك مسيرات في الشوارع و“قوافل بالسيارات“ في مسعى منهم لمنح الناس متنفسا للتعبير عن غضبهم وتضامنهم.

لكن برغم القيود المفروضة لمكافحة الفيروس، فإن هذا اليوم الذي يمثل احتفالا سنويا بإعتاق العبيد منذ قرن ونصف القرن يحمل معنى خاصا هذا العام، إذ يتبع سيلا عارما من احتجاجات أثارها مقتل جورج فلويد، الرجل الأمريكي الأسود الذي لفظ أنفاسه الأخيرة بعد أن جثم ضابط شرطة أبيض في منيابوليس بركبته على رقبته لتسع دقائق تقريبا على الأرض. وعلى مدى أسابيع حركت المطالب المتصاعدة بإنهاء وحشية الشرطة والظلم العنصري مسيرات كانت متوقعة في مدن أمريكية من أقصى شرق البلاد إلى أقصى غربها، بما فيها العاصمة واشنطن وفيلادلفيا وشيكاجو ولوس انجليس.

وفي مدينة نيويورك، تجمع بضع مئات كان معظمهم يضع كمامات الوجه بسبب الفيروس خارج متحف بروكلين حاملين لافتات عليها عبارات من قبيل ”حياة السود مهمة“ و“اذكروا أسماءهم“. وقالت نيا وايت (17 عاما) وهي طالبة أنهت المرحلة الثانوية ومنظمة المسيرة ”يعني لي هذا اليوم أن أتذكر أسلافي، فمن المؤكد أننا نكافح منذ فترة طويلة ولا زلنا نخوض المعركة نفسها التي خاضها أسلافنا“. وكانت إحدى أكبر تلك المسيرات في أتلانتا، التي شهدت عواطف متأججة بعد مقتل رايشارد بروكس، وهو أمريكي من أصل أفريقي أصيب بالرصاص في ظهره على أيدي شرطي أبيض في مرأب للسيارات في مطعم للوجبات السريعة. وتمت إقالة الشرطي ووجهت إليه تهمة القتل.

وفي تكساس أشرفت لوسي بيرموند على ما يُعتقد أنه أقدم احتفال سنوي عام بهذه المناسبة في حديقة التحرر في هيوستون، التي تقع في منطقة (ثيرد وارد) حيث قضى فلويد معظم حياته. وعادة ما جذب هذا التجمع نحو 6000 شخص إلى الحديقة التي اشتراها العبيد المحررون عام 1872 للاحتفال بهذا اليوم. ويحيي يوم تحرير العبيد الذي يعرف باسم (جون-تيينث)، وهو اسم مركب من كلمتي (جون) أي شهر يونيو حزيران و(تيينث) في إشارة إلى اليوم 19، ذكرى إلغاء الولايات المتحدة للرق بموجب إعلان إعتاق العبيد الذي أصدره الرئيس الأمريكي إبراهام لينكولن عام 1863، وأعلن جيش الاتحاد عنه لاحقا في جالفيستون بولاية تكساس في 19 يونيو 1865 بعد انتهاء الحرب الأهلية. بحسب رويترز.

وأعلنت ولاية تكساس عام 1980 هذا اليوم عطلة رسمية، وحذت حذوها فيما بعد 45 ولاية أخرى بالإضافة لمقاطعة كولومبيا. وفي العام الحالي، أعلنت مجموعة من الشركات الكبرى يوم 19 يونيو حزيران، المعروف أيضا باسم يوم التحرر أو يوم الحرية، عطلة مدفوعة الأجر للموظفين.

امريكا والأمم المتحدة

الى جانب ذلك تبنى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بالإجماع قرارا يدين العنصرية الممنهجة والعنف الأمني عقب نقاش تاريخي وبعد إزالة إشارة خاصة إلى الولايات المتحدة منه. وتبنى المجلس الذي يقع مقره في جنيف وانسحبت منه واشنطن عام 2018 مشروع القرار الذي تقدمت به الدول الإفريقية في إطار اجتماع طارئ دعت إليه عقب وفاة جورج فلويد والتظاهرات الحاشدة ضد العنصرية في أنحاء العالم.

وفي نسخته الأولى، طالب مشروع القرار بتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة لتسليط الضوء على "العنصرية الممنهجة" في الولايات المتحدة. ويشكل هذا النوع من اللجان العالية المستوى عادة للأزمات الكبرى على غرار النزاع السوري. لكن جرى تلطيف صيغة النصّ تدريجيا ولم يعد يذكُر الولايات المتحدة، ما أثار غضب منظمات غير حكومية. واقتصرت النسخة النهائية على مطالبة المفوضة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه بـ"تجهيز تقرير حول العنصرية الممنهجة، انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان وإساءة معاملة الأفارقة والمنحدرين من أصول إفريقية من طرف قوات الأمن".

ويجب أن يبحث التقرير خاصة "الأحداث التي قادت إلى وفاة جورج فلويد وأفارقة آخرين وأشخاص من أصول إفريقية، بهدف المساهمة في تحديد المسؤوليات وإنصاف الضحايا". واتهمت منظمات حقوقية غير حكومية الولايات المتحدة بالضغط لإفراغ النصّ من جزء كبير من مضامينه. وقال الاتحاد الأميركي للحريات المدنية "عبر مضايقة دول أخرى لإضعاف ما كان يمكن أن يكون قرارا تاريخيا، والتملص بالتالي من أي تحقيق دولي، تدير الولايات المتحدة ظهرها مرة أخرى لضحايا العنف الأمني والسود".

من جهتها، دانت ميشيل باشليه أمام المجلس "العنصرية الممنهجة"، دون أن تذكر الولايات المتحدة، ودعت إلى "الاعتذار العلني" على قرون من قمع السود، عبر "اعتذارات رسمية" و"تعويضات". وعقب دقيقة صمت تكريما لجميع ضحايا العنصرية، قالت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة في رسالة فيديو أنه من "مسؤولية" الأمم المتحدة الاستجابة لضحايا العنصرية.

وقبل افتتاح الاجتماع، وقّع عشرون مسؤولا أمميا كبيرا إفريقيا أو من أصول إفريقية، بينهم المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غبريسوس، بصفة شخصية على بيان اعتبروا فيه أن "الاقتصار على إدانة التعبيرات والأفعال العنصرية ليس كافيا". وقبل التصويت، أقر ممثل بوركينا فاسو الذي يمثل المجموعة الإفريقية في مجلس حقوق الإنسان أنه جرى تقديم "عدة تنازلات" من أجل "ضمان التوافق" حول النصّ.

من جانب اخر اتهم وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بالنفاق بعدما ندد المجلس بعنصرية ووحشية الشرطة في الولايات المتحدة عقب وفاة الأمريكي الأسود جورج فلويد بمدينة منيابوليس. وقال بومبيو إن إجماع المجلس الذي يضم 47 دولة على قرار بشأن الشرطة والعرقية تدن جديد للمجلس، وجدد تأكيده على قرار الولايات المتحدة الانسحاب من المنظمة في عام 2018.

وقال بومبيو في بيان ”كان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الذي يضم فنزويلا الآن وضم كوبا والصين مؤخرا، موئلا للمستبدين ولا يزال كذلك ”. وأضاف ”هذه خيبة أمل كبيرة لأولئك الذين يسعون بصدق لتعزيز الكرامة الإنسانية“. وأضاف ”إذا كان المجلس جادا في حماية حقوق الإنسان، فإنه توجد كثير من المتطلبات المشروعة التي تحتاج للاهتمام كالفوارق العرقية الممنهجة في أماكن مثل كوبا والصين وإيران“.

ممارسات الشرطة

على صعيد متصل وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يواجه انتقادا لسياساته وتصريحاته التي فاقمت انقساما عرقيا في الولايات المتحدة، أمرا تنفيذيا يهدف إلى تحسين ممارسات الشرطة وقال ”الأمريكيون يريدون القانون والنظام“. وبعد أسابيع من الاحتجاجات على عنصرية ووحشية الشرطة، قدم ترامب ردا سياسيا على المخاوف المتصلة بمظالم عرقية قبل انتخابات الثالث من نوفمبر تشرين الثاني التي يسعى فيها للفوز بفترة رئاسة ثانية.

وقال ترامب في حفل أُقيم بحديقة الزهور في البيت الأبيض قبل توقيع الأمر التنفيذي ”الأمريكيون يريدون القانون والنظام، هم يطالبون بالقانون والنظام“. وقدم ترامب تعازيه لعائلات من سقطوا ضحايا عنف الشرطة متعهدا بأن تأخذ العدالة مجراها. وفي تصريحاته العلنية وتغريداته على تويتر دعا ترامب إلى حملة على المحتجين وهدد برد عسكري على الاضطرابات التي تسبب فيها مقتل فلويد وآخرين. وتظهر استطلاعات للرأي مخاوف واسعة النطاق بين الأمريكيين من وحشية الشرطة.

وقال مسؤولون إن الأمر التنفيذي، الذي وُقِع سيشجع إدارات الشرطة على استخدام أحدث المعايير لاستخدام القوة وتحسين تبادل المعلومات بحيث لا يتم الاستعانة بأصحاب السجلات السيئة في العمل الشرطي والاستعانة بأخصائيين اجتماعيين عند تعامل جهات إنفاذ القانون مع القضايا التي لا تتضمن جرائم عنف والتي تشمل إدمان المخدرات والتشرد. ويقدم الأمر التنفيذي أموالا اتحادية لإدارات الشرطة التي تحوز شهادات من هيئات من خارجها ويحظر استعمال أسلوب الخنق في إلقاء القبض على الجناة إلا إذا كانت حياة رجل شرطة عرضة للخطر. بحسب رويترز.

وكرر ترامب رفضه وقف تمويل الشرطة من خلال إعادة تشكيل إداراتها أو حتى حلها. ولم يدع الديمقراطيون، بمن فيهم المرشح الرئاسي المفترض جو بايدن، إلى شيء من ذلك لكن الجمهوريين استنتجوا ذلك. وقالت منظمة مؤتمر القيادة المعني بالحقوق المدنية وحقوق الإنسان إن الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب غير كاف. وقالت فانيتا جوبتا رئيسة المنظمة ”بينما يتخذ الأمر بعض الخطوات إلى الأمام فإنه يعد استجابة غير كافية لأمة تطالب بإجراء شامل وجريء“.

وفي وقت سابق رأى الرئيس دونالد ترامب أنه "يتم التعامل بظلم" مع الشرطة الأميركية في مقابلة تلفزيونية بدا فيها وكأنه يدافع عن شرطي أبيض متهم بقتل رجل أسود في أتلانتا. ووجهت إلى الشرطي غاريت رولف تهمة القتل بعد خمسة أيام على وفاة الشاب الأسود رايشارد بروكس متأثرا بجروحه بعدما أصيب برصاص الشرطة، في حادثة أججت الاحتجاجات المعادية للعنصرية في الولايات المتحدة.

وأعلن ترامب خلال المقابلة على قناة "فوكس نيوز" أنه "وضع فظيع لكن لا يجوز مقاومة شرطي". وأضاف "آمل في أن ينال محاكمة عادلة لأن الشرطة تعامل بظلم في بلادنا". وأوضح "لكن مرة أخرى لا يمكن مقاومة شرطي بهذه الطريقة. ودار شجار عنيف بينهما وترون كيف انتهى الأمر. سيء جدا". وكشف فيديو أن الشرطي بعد أن أطلق النار على الرجل الأسود ركله في حين كان ممدا على الأرض وينزف.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا