أمريكا أولاً: عندما كذب ترامب وصدق كورونا

عبد الامير رويح

2020-03-28 04:40

بلغت الإصابات المؤكدة بفيروس كورونا المستجد في الولايات المتحدة 82404 حالة، على الأقل، لتتصدر دول العالم في عدد الإصابات المسجلة، وتخطت الولايات المتحدة، وفقا لأحدث الأرقام التي جمعتها جامعة جونز هوبكنز، حالات الإصابة المسجلة في الصين (81782 حالة) أو في إيطاليا (80782)، كما سجلت الولايات المتحدة ما يزيد على 1100 حالة وفاة بفيروس كورونا، (كوفيد-19)، وجاءت هذه الأنباء في وقت يتوقع فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استئناف العمل في البلاد "بسرعة كبيرة".

هذا الانتشار المتسارع اجبر الادارة الامريكية على اتخاذ قرارات جديدة، حيث أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يواجه اليوم انتقادات كبيرة، تفعيل قانون الدفاع الوطني في الولايات المتحدة الأمريكية، في إطار مواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد، والذي أطلق عليه الرئيس الأمريكي اسم "الفيروس الصيني"، خلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض. وأوضح أنه سيتم استخدام كافة الموارد الحكومية لمواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد، بما في ذلك موارد الجيش الأمريكي.

وتفعيل قانون الدفاع الوطني يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية دخلت في حالة حرب، إذ ستتحرك السفن الطبية أو ما يُعرف باسم "المستشفيات العائمة" باتجاه المناطق المتضررة بالبلاد، في حين يمكن للحكومة الأمريكية استخدام قانون من الخمسينيات لتوجيه المصانع إلى انتاج المعدات الطبية (في هذه الحالة لا يعني البدء بالأمر حالا). والإعلان يعني أيضا فتح الباب لاستخدام كافة الموارد المخصصة للحكومة لمواجهة انتشار الفيروس، بما في ذلك موارد الجيش الأمريكي، أما تشريع توجيه انتاج المصانع، فقد استخدم في الأصل لصناعات التعدين والتنقيب خلال الحرب الكورية ويمكن توجيهه لإنتاج معدات ضرورية مثل الأقنعة الطبية ومنقيات الجو وغيرها من الأدوات الوقائية.

كما أعلنت إدارة الرئيس ترامب، حزمة من القرارات الاقتصادية، الناتجة عن إجراءات العزل الخاصة بالحد من انتشار الفيروس، كما طالبت الحكومة الأمريكية، مواطنيها، بالبقاء في المنازل لمنع انتشار فيروس كورونا المستجد. وأكد ترامب، أن بلاده، أحرزت تقدمًا في التجارب السريرية الخاصة بإنتاج لقاح طبي لمواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد.

الحرب على كورونا

مع إرسال سفينة مستشفى عسكرية إلى نيويورك وتعبئة مهندسي الجيش والاستعانة بقانون يعود إلى الحرب الكورية، اتخذت الولايات المتحدة خطوة جديدة في مواجهة جائحة كورونا، وقدم دونالد ترامب نفسه على أنه رئيس "زمن الحرب". وأعلن الرئيس الأميركي أيضًا إغلاق الحدود مع كندا، ثاني شركائه الاقتصاديين، واستثنى من ذلك التنقلات الأساسية والسلع الضرورية. وهو يأمل في إعادة فتحها في غضون 30 يومًا.

واعتمد دونالد ترامب الذي قلل من أهمية الوباء في البداية، بشكل متزايد لهجة أكثر جدية ومنذرة خلال الإحاطات الصحافية التي عقدها في البيت الأبيض. وقال "لقد دعي الأميركيون من كل الأجيال إلى تقديم تضحيات من أجل خير الأمة"، مشيرا إلى التعبئة في صفوف الأميركيين خلال الحرب العالمية الثانية. وأضاف "الآن حان دورنا. علينا أن نبذل التضحيات معًا، لأننا نواجه الأمر معاً وسنخرج منه معاً". حتى أنه شبه نفسه ب"رئيس في زمن الحرب" في مواجهة "عدو غير مرئي".

وأكدت التدابير المعلنة هذه اللهجة. إذ أعلن أندرو كومو حاكم ولاية نيويورك، الأكثر معاناة من الوباء، إرسال السفينة المستشفى "يو أس ان اس كومفورت" التي تضم نحو 1000 غرفة، إلى ميناء نيويورك، ووصف كومو الإجراء بأنه "استثنائي" ومن شأنه أن يساعد في تعزيز قدرات المستشفيات التي تمثل أكبر مصدر للقلق على المدى القصير. وقال إن نيويورك، وهي إحدى الولايات الأكثر تضرراً قد تحتاج إلى 110 ألاف سرير في غضون 45 يومًا، مقارنة بنحو 53 ألف سرير في الوقت الحالي.

ورحب الحاكم الديموقراطي الذي انتقد البيت الأبيض بشدة في بداية الأزمة، بفتح "قناة حوار جيدة جداً" مع دونالد ترامب حول هذه القضية. وقال كومو "نحن في حالة حرب، ونحن في الخندق نفسه. ... يمكنني أن أقول لكم إنه ملتزم تمامًا بمحاولة مساعدة نيويورك. إنه مبدع ومفعم بالحيوية". وسينخرط كذلك فيلق مهندسي الجيش التابع أيضًا لوزارة الدفاع في العمل مثلما كان كومو يطالب منذ بضعة أيام. وقال الحاكم إنه يستعد للقاء المسؤولين عن الفيلق لمعرفة كيفية استخدام السفن الموجودة لوضع أسرة فيها.

وأشار الرئيس الأميركي أيضاً إلى أنه سوف يستعين كذلك بقانون الإنتاج الدفاعي، وهو قانون يعود تاريخه إلى الحرب الكورية ويجعل من الممكن تعبئة القطاع الصناعي الخاص لتلبية احتياجات البلاد الأمنية. وقال ترامب: "يمكنه القيام بالكثير من الأمور المفيدة، إذا احتجنا إلى ذلك (...) سأوقع على ذلك بمجرد انتهاء المؤتمر الصحافي". في حين أغلق العديد من الشركات الصغيرة بالفعل وصار عدد كبير من العاملين عاطلين قسراً عن العمل، يتزايد الشعور بالقلق من العواقب الاقتصادية لهذه الأزمة العالمية غير المسبوقة.

وقال ترامب إن فرضية بلوغ معدل البطالة 20% في الولايات المتحدة التي تطرق إليها وزير الخزانة أمام الكونغرس، لا يمثل سوى "أسوأ السيناريوهات المظلمة". ومعدل بطالة من 20% هو ضعف ما شهدته الولايات المتحدة في عام 2009 ، نتيجة للأزمة المالية، ويوازي نحو ستة أضعاف المعدل الحالي البالغ 3,5%. وقال ترامب "نحن بعيدون جدا عن ذلك". وللحد من الصدمة، أمر "بتعليق" عمليات الإخلاء ومصادرة الأملاك العقارية، وهو إجراء اتخذ بالفعل في بعض الولايات مثل نيويورك أو كاليفورنيا. بحسب فرانس برس.

تأثرت الولايات المتحدة بالوباء العالمي بعد آسيا وأوروبا، مع تأخير كبير من جراء التأخر في بدء فحوصات الكشف عن الفيروس. وعلى الرغم من التقدم المحرز في الأيام الأخيرة، لا يزال من غير الممكن التثبت من إصابة الكثيرين من الذين ظهرت عليهم الأعراض، لعدم توفر اختبارات كافية. وقالت إدارة الغذاء والدواء، الهيئة الفيدرالية التي تشرف على الأدوية، إنها تدرس إمكانية إجراء اختبارات ذاتية يمكن إرسالها بالبريد. لكنها لم تحدد أي جدول زمني.

المعدات الطبية

في السياق ذاته قد تواجه المستشفيات في الولايات المتحدة التي ضربها فيروس كورونا المستجد، نقصا في بعض المعدات الطبية اللازمة والأسرة ما يصيب الأطباء بالقلق من أنهم قد يضطرون يوما إلى معالجة مرضى من دون غيرهم. وقال توماس تساي الجراح والباحث في كلية الطب في جامعة هارفرد "لقد رأيتم صور الرفوف الفارغة في المتاجر"، والضغط الناتج عن "النقص في ورق المرحاض" مضيفا "تخيلوا الذعر إذا كانت المستشفيات تفتقر إلى معدات الوقاية للأطباء أو أجهزة التنفس للمرضى. هذه هي الصورة التي أفكر فيها".

وأكبر قوة اقتصادية في العالم لديها مليون سرير فقط في المستشفيات، بمعدل 2,8 سرير لكل ألف شخص، وهو أدنى بكثير من الدول الأخرى التي تضررت بشدة من الوباء (12,3 في كوريا الجنوبية و4,3 في الصين و3,2 في إيطاليا)، وفقا لأرقام منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي. أما بالنسبة إلى الأسرة الموجودة في العناية المركزة، فهناك أقل من 100 ألف وغالبيتها غير شاغرة وفقا لجمعية المستشفيات الأميركية. وتقدر وزارة الصحة أن ثمة حاجة إلى 200 ألف سرير على الأقل للتعامل مع أزمة معتدلة وإلى ما يصل إلى 2,9 مليونا في حال حدوث أزمة حادة، إذ يكون 5 % من المرضى في حاجة إلى إدخالهم العناية المركزة.

وغالبا ما يحتاج هؤلاء المرضى أيضا إلى مساعدة الجهاز التنفسي، لكن الولايات المتحدة لديها 160 ألف جهاز فقط وهو عدد غير كافٍ. وفقا لوسائل إعلام أميركية، نصح الرئيس دونالد ترامب حكام الولايات بالعمل للحصول عليها دون الاعتماد على الحكومة الفدرالية بالضرورة. وفي ظل هذه الظروف، يخشى بعض العاملين في المجال الطبي من أن يصبحوا مجبرين على اتخاذ قرارات مفجعة.

وفي مقال بعنوان "كابوس التقنين الصحي" نشر في صحيفة "واشنطن بوست"، قال الطبيب توماس كيرش إنه لا يزال يستيقظ ليلا مرتعدا بعد عشر سنوات على مهمة له في هايتي، اضطر خلالها إلى أن يختار المرضى الذين يجب أن يحصلوا على الأولوية في العلاج نظرا إلى النقص في المعدات الطبية اللازمة. وقالت نانسي كاس نائبة مدير معهد بيرمان لأخلاقيات البيولوجيا في جونز هوبكنز "إذا وضع قرار توزيع الأسرة أو أجهزة التنفس على عاتق مقدمي الرعاية، فسيكونون تحت ضغط أخلاقي هائل". بحسب فرانس برس.

ولفت توماس تساي إلى أنه "ما زالت أمامنا فرصة لتجنب هذا السيناريو الكارثي. إذا كنا جادين في إجراءات التباعد الاجتماعي، فلدينا فرصة لإبطاء" انتشار الفيروس، في إشارة إلى تدابير الاحتواء التي تم اتخاذها. وتسعى المستشفيات إلى تقليل الزيارات والتشخيص عن بعد، لكن قبل كل شيء تأجيل كل الإجراءات الطبية غير العاجلة أو الضرورية. وأوضح هذا الجراح المتخصص بالأورام "لقد أمضيت فترة قبل الظهر أتحدث مع مرضاي لمعرفة من منهم يمكنه الانتظار لبضعة أشهر" مشيرا إلى أن جهوده قد تؤدي إلى زيادة الأسرة المتاحة بنسبة 25 %. وبدأ العديد من المستشفيات من كاليفورنيا مرورا بفلوريدا وصولا إلى نورث كارولاينا، إقامة الخيم أمام مدخلها لإجراء الفحوص الأولية قبل دخول المرضى إلى حرمها.

توحيد الجهود

الى جانب ذلك دعا الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى توحيد الجهود في الولايات المتحدة من أجل التصدي لفيروس كورونا المستجد، متعهّدا وضع الخصومات السياسية جانبا، وذلك بعد إصدار البيت الأبيض توجيهات ملتبسة حول مكافحة الوباء واتّخاذ عدد من الولايات تدابير متفاوتة. وكان سيّد البيت الأبيض قد أوصى الولايات والسلطات المحلية بتفادي أي تجمع يضم أكثر من عشرة أشخاص وبحصر عمل المطاعم والمقاهي بتلبية طلبات "تيكاواي" (الاستلام والمغادرة) مؤكدا في الوقت نفسه أن الأمر يقتصر على توصيات وأن الولايات ليست ملزمة التقيّد بها.

وقالت منسّقة ملف مكافحة فيروس كورونا ديبورا بيركس "يجب على كل رئيس بلدية وحاكم التقيّد بالتوصيات الصادرة عن البيت الأبيض ورئيس الولايات المتحدة". وقال ترامب "لست راضيا عن الولايات" التي لا تتقيّد بالتوصيات. وبعدما قلل طويلا من خطورة الوباء اعتمد ترامب موقفا أكثر تشددا، وقال "نريد إنقاذ أكبر عدد من الأرواح. يمكننا استعادة كل شيء إلا الأرواح".

وكان العدد الأكبر من حكام الولايات الأميركية ورؤساء بلديات المدن الكبرى الذين راقبوا من بعيد الصين ودولا أوروبية عدة تفرض قيودا مشدّدة، قد اكتفوا بإعلان تدابير متفاوتة وأحيانا متناقضة. وعلى سبيل المثال، في حين أعلنت مدينة نيويورك وولاية ماساشوستس اقتصار عمل المقاهي والمطاعم على تلبية طلبات الاستلام والمغادرة، نشر حاكم ولاية أوكلاهوما كيفن ستيت على تويتر صورة له مع عائلته في مطعم مكتظ، في ما يشبه الدعوة للاقتداء به.

وكانت الولايات قد حددت سقوفا متفاوتة للتجمّعات، فنيويورك وولاية واشنطن كانتا تمنعان التجمّعات التي تتخطى خمسين شخصا، في حين أن ولاية نيبراسكا كانت قد حدّدت هذا السقف بعشرة أشخاص. وقال آندرو كوومو، حاكم ولاية نيويورك التي تعتبر من أكثر الولايات تأثرا بالفيروس "هناك كم كبير من التدابير المتّخذة في أنحاء البلاد، إنها الفوضى". واورد إيروين ريدلينر بروفسور الصحة العامة ومدير المركز الوطني للاستعداد للكوارث في جامعة كولومبيا الأميركية "نحن نتلقى رسائل ملتبسة، غير توجيهية، من الحكومة الفدرالية في وقت نحن أحوج ما يكون لتوجيهات دقيقة وصريحة".

وفي مواجهة هذه الأزمة الكبرى، بدا البيت الأبيض وحكام الولايات عازمين على تخطي الاستقطاب الحاد الذي يسيطر على البلاد منذ العام 2016، والذي تفاقم جراء حملة الانتخابات الرئاسية. وأكد الرئيس الأميركي وجود "روحية ممتازة لدى الجمهوريين والديموقراطيين على السواء"، معتبرا أن هناك أمورا إيجابية "لم يشهدها منذ نحو ثلاث سنوات ونصف سنة". وقال ترامب "سأتعاون مع الحاكم كوومو وحاكم (كاليفورنيا غافين) نيوسوم"، وهما ديموقراطيان من أبرز معارضي الإدارة الأميركية الحالية. بحسب فرانس برس.

وبادل كوومو الانفتاح بمثله وأشار إلى وجود توجّه لتعبئة المتقاعدين وطالب القطاع الصحي بالتصدي للوباء في ولاية نيويورك. وقال كوومو إنه أبلغ الرئيس بأنه مستعد للتعاون التام معه. وأضاف "في مواجهة فيروس كورونا لسنا ديموقراطيين أو جمهوريين نحن أميركيون"، مضيفا أن الوقت لا يسمح بالمناكفات السياسية. وأبدى ريدلينر أمله أن تكون بداية التقارب هذه إحدى الفوائد الطويلة الأمد لهذه الأزمة. وقال "ربما يساعدنا هذا الأمر على أن نكون أكثر اتحادا في مواجهة عدونا المشترك" على الصعيدين الوطني والدولي، وأضاف أن "الأمر مشابه جدا للتغيّر المناخي وقد يسهل هذا الأمر المناقشات حول هذا الملف".

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا