دافوس 2020: منتدى لحل مشكلات العالم أم لتعقيدها؟
دلال العكيلي
2020-01-22 04:35
يشارك قادة العالم في منتدى دافوس الاقتصادي السنوي بدورته الخمسين، على وقع تحديات هائلة، أهمها التغير المناخي والصراع بمنطقة الشرق الأوسط، يتباين ضيوف المنتدى، فمن بين الحاضرين في دورة هذا العام: الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والسويدية الناشطة في مجال التغير المناخي، غريتا ثونبرغ، ورئيس شركة أوبر، دارا خسروشاهي.
انطلق المنتدى الاقتصادي العالمي عام 1971، وكان يهدف إلى "تحسين وضع العالم" بحسب وثائقه، ويجمع المنتدى، الذي يعقد سنويا في منتجع دافوس للتزلج بجبال الألب، قادة قطاع الأعمال والتجارة مع شخصيات قيادية بارزة في المجالات السياسية والأكاديمية والأعمال الخيرية، وينتهز الكثير منهم هذه الفرصة لعقد اجتماعات خاصة تتناول قضايا مثل الاستثمار في بلدانهم، ولإبرام صفقات تجارية، وغالباً ما تستثمر شخصيات بارزة المنتدى للتأثير في عملية تحديد أولويات السياسة العالمية والدفع بقضايا معينة إلى مقدمة الاهتمام العالمي، على سبيل المثال لا الحصر، خطاب الأمير وليام العام الماضي عن الصحة العقلية، أو تحذيرات ديفيد أتينبورو الصارخة بشأن الحفاظ على البيئة وأثر التغيير المناخي.
من يحضر دافوس؟
يستقطب المنتدى الاقتصادي العالمي نحو 3000 شخص، ثلثهم تقريباً من قطاع الأعمال، ومن يحضر إلى المنتدى، يجب أن يكون قد تلقى دعوة رسمية، وفي هذه الحالة يكون دخوله مجانياً، أو أن يكون عضواً في المنتدى الاقتصادي العالمي، وهذا قد يكلف 480،000 جنيه إسترليني، ويحضر في المنتدى زعماء العالم وشخصيات رئيسية من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ورؤساء الشركات الكبرى من أمثال: كوكاكولا وغولدمان ساكس و آي بي أم، ومن بين الضيوف الذين اعتادوا على حضور المنتدى بانتظام: الملياردير الأمريكي جورج سوروس، ورئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير، والرئيس التنفيذي لفيسبوك مارك زوكربيرغ، وبونو مغني فريق يو 2 الشهير.
رأسمالية أصحاب المصلحة
بحسب موقع المنتدى الاقتصادي العالمي، فإن مؤتمر هذا العام يهدف إلى إعطاء معنى ملموس لـ "رأسمالية أصحاب المصلحة"، ومساعدة الحكومات والمؤسسات الدولية في تتبع التقدم المحرز بشأن اتفاق باريس وأهداف التنمية المستدامة، وتيسير المناقشات حول التكنولوجيا وإدارة التجارة، وقال كلاوس شواب المؤسس والرئيس التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي: "الناس ثائرون ضد النخبة الاقتصادية التي يعتقدون أنها خذلتهم، وجهودنا الرامية إلى إبقاء ظاهرة الاحتباس الحراري تقتصر على 1.5 درجة مئوية تواجه تقصيرا خطيرا" وتابع: "مع وجود العالم على مفترق طرق حاسم، يتعين علينا هذا العام تطوير بيان دافوس لعام 2020 لإعادة تصور الغرض وسجلات النتائج للشركات والحكومات. هذا ما أسس المنتدى الاقتصادي العالمي منذ 50 عاما، وهو ما نريد المساهمة فيه خلال الـ 50 عاما القادمة"، وتتضمن أولويات برنامج اجتماعات هذا العام للمنتدى عدة موضوعات رئيسية منها كيفية المحافظة على الكوكب، والمجتمع ومستقبل العمل، والتكنولوجيا من أجل الخير، والاقتصادات الأكثر حكمة، والأعمال الأفضل، ومستقبل الصحة، وما وراء الجغرافيا السياسية.
وبحسب موقع المنتدى، سيشهد الاجتماع السنوي لهذا العام نشر "بطاقة نتائج ESG" العالمية من قبل مجلس الأعمال الدولي للمنتدى، والذي يرأسه حاليا برايان موينيهان المدير التنفيذي لـ "بانك أوف أميركا" ووفقا لشبكة بي بي سي، يجمع المنتدى، الذي يعقد سنويا في منتجع دافوس للتزلج بجبال الألب، قادة قطاع الأعمال والتجارة مع شخصيات قيادية بارزة في المجالات السياسية والأكاديمية والأعمال الخيرية، وغالباً ما تستثمر شخصيات بارزة المنتدى للتأثير في عملية تحديد أولويات السياسة العالمية والدفع بقضايا معينة إلى مقدمة الاهتمام العالمي، على سبيل المثال لا الحصر، خطاب الأمير وليام العام الماضي عن الصحة العقلية، أو تحذيرات ديفيد أتينبورو الصارخة بشأن الحفاظ على البيئة وأثر التغيير المناخي.
أموالاً تفوق ما يملكه أكثر من 60% من شعوب العالم
يمتلك أصحاب المليارات في العالم، البالغ عددهم 2153، حالياً، أموالاً تفوق ما يملكه أكثر من 60% من شعوب العالم، وفق "أوكسفام" التي يؤكد مسؤولها في الهند، أميتابه باهار (يمثّل المنظمة في "منتدى دافوس")، أنه "لا يمكن حلّ (مشكلة) الهوّة بين الأغنياء والفقراء من دون سياسات متعمّدة لمكافحة التفاوت ينبغي على الحكومات أن تتأكد من أن الشركات والأغنياء يدفعون حصتهم العادلة من الضرائب" وتشدّد الناطقة باسم المنظمة في فرنسا، بولين لوكلير، في البيان نفسه، على أن "حالات التفاوت الفاضحة هي في قلب الانقسامات والنزاعات الاجتماعية في جميع أنحاء العالم هي ليست أمراً حتمياً، إنما نتيجة سياسات تخفّض مشاركة الأكثر ثراءً في جهود التضامن عبر الضريبة، وتُضعف تمويل الخدمات العامة" وبحسب أرقام المنظمة غير الحكومية التي تستند منهجيتها إلى معطيات تنشرها مجلة "فوربز" ومصرف "كريدي سويس"، فإن ثروة الـ1% الأكثر ثراءً في العالم "تمثّل أكثر من ضعف مجموع الثروة" التي يملكها 6,9 مليارات نسمة هم الأقلّ ثراءً، أي 92% من سكان العالم.
أبرز التوقعات هذا العام
إلى جانب الساسة وخبراء الاقتصاد ورواد الأعمال، يشارك في دافوس 2020 الذي انطلق، ممثلو نحو ألف من أكبر الشركات في العالم، ومن المقرر أن يكون هناك 600 متحدث على الأقل، خلال فعالياته، بحسب وكالة "يورونيوز"، نظر المنتدى العام الماضي فيما إذا كانت طريقة قياس القيمة الاقتصادية بحاجة إلى تحديث أم لا، ولم يتم التوصل إلى نتيجة حاسمة، لكنه أثار جهودًا للبحث في كيفية تحقيق رفاهية المستهلك، ويمكن أن يُستخدم المنتدى كمنصة من قبل قادة العالم للإدلاء ببيانات حول المبادرات المخططة في بلدانهم، ومن المقرر هذا العام حضور الناشطة البيئية الشابة، جريتا ثونبرج، والتي ستدعو إلى وقف فوري للاستثمارات في الوقود الأحفوري، ووفقًا للموقع الرسمي للمنتدى، فهناك سبعة محاور رئيسية للنقاش هذا العام، من بينها كيفية إنقاذ الكوكب، المجتمع ومستقبل العمل، توظيف التكنولوجيا في خدمة الناس، جعل الأنشطة التجارية أفضل، ضمان مستقبل صحي أحسن، إلى جانب القضايا الجيوسياسية، المنتدى الذي يستضيف هذه المرة نحو 119 مليارديرًا من أنحاء العالم، بثروة إجمالية تبلغ نحو نصف تريليون دولار، لم يغفل جدوله الحديث عن كيفية جعل الاقتصادات أكثر عدلًا والتطرق للمشكلة الأكثر جدلًا بين الاقتصاديين وهي "عدم المساواة في الثروة"، حسبما أفادت وكالة "بلومبيرج".
انتقادات دافوس؟
لا يقتصر هذا الحدث على اجتذاب أبرز ممثلي القوى الفاعلة في العالم، ولكنه قد يكون ساحة لطرح انتقادات حادةن ففي العام الماضي، استخدم المؤرخ الهولندي المعروف، روتجر بريغمان، منصة المنتدى لانتقاد الحاضرين فيه بشدة لعدم دفع نصيبهم العادل من الضرائب، كما أنك سترى في كثير من الأحيان احتجاجات تتزامن مع المنتدى في دافوس والمدن السويسرية الكبرى، وتحتج ناشطات نسويات أوكرانيات ضد الهيمنة الذكورية على الاقتصاد العالمي، وفي عام 2012، قامت حركة "احتلال وول ستريت" التي تنشط ضد عدم المساواة، بالاحتجاج في دافوس ببناء كوخ ضخم على هيئة أكواخ الأسكيمو ضم نحو 50 محتجاً.
نخبوية دافوس
كان حضور دافوس يعد أمراً ضرورياً من أجل التطور والعمل الخير حتى لحظة الأزمة المالية العالمية في 2007 – 2008، بيد أن منتقدو المنتدى يرون أنه رمزا "للنخبة العالمية"، التي يتحمل بعضها مسؤولية هذه الأزمة، وفي العام الماضي، وصف رئيس تحرير مجلة "تايم" الأمريكية، أناند غريدهارادس، دافوس بأنه أقرب إلى "لقاء لمّ شمل عائلي للأشخاص الذين تسببوا في إفلاس العالم الحديث" وتتباين درجات الحضور، إذ لا يتساوى الجميع في حضور الفعاليات، بل يتحدد ذلك عبر هويات دخول بألوان مختلفة تحدد نوع الفعالية ومن سيجلس أو يقضي وقته مع من، من الحاضرين، ويحصل معظم الضيوف رفيعي المستوى على شارة بيضاء عليها صورة ثلاثية الأبعاد تتيح لهم الدخول إلى أي مكان. وفي أقصى الطرف الآخر من مقياس درجات الحضور ما يعرف بـ "شارة الفندق" التي تقصر حضورك على الفندق ولا يسمح لك بالدخول مطلقا إلى مركز المؤتمرات.
ويهيمن الرجال على المنتدى، حتى بات مصطلح "رجل دافوس" لقباً يطلق على نمط من الرجال الأثرياء الذين اعتادوا حضور المنتدى، وفي العام الماضي، كانت نسبة 22 في المئة من عديد المشاركين في دافوس من النساء، وقد ارتفعت مقارنة بـ 17 في المئة في عام 2015، ويعزز موقع المؤتمر الفخم والمروحيات الخاصة الداخلة والخارجة منه والحفلات الباذخة مزاعم أنه حدث يقتصر على النخبة، بيد أن المنتدى الاقتصادي العالمي يقول إنه ببساطة يهتم بتجميع القادة للعمل من أجل الصالح العام.
ويقول مارتن وولف، كبير المعلقين الاقتصاديين في صحيفة "فايننشال تايمز": "دائماً ما تكون النخب بعيدة عن الأنظار، هذه هي طبيعتها، لكنه من المستحيل أن يكون هناك عالم من دونها" ويضيف: "من الضروري أيضاً أن يجتمع هؤلاء الأشخاص بانتظام لاكتشاف ما يفكر به كل واحد منهم ويتعرفون على أفكار بعضهم البعض".
نقطة انطلاق لتحقيق التغيير
كشفت شركة مايكروسوفت قبل أيام أنها تسعى لجعل بصمتها الكربونية سلبية بحلول العام 2030 حيث تستهدف إزالة أي كربونات تنبعث من منتجاتها من الغلاف الجوي، مؤكدة تصميمها على مكافحة التغير المناخي، ومن شأن هذا الالتزام أن يؤدي إلى إلغاء كل الكربون الصادر عن "مايكروسوفت" منذ تأسيسها في العام 1975، من الخصوصية الرقمية إلى الضرائب، هناك خطر كبير على المديرين التنفيذيين لشركات التكنولوجيا الذين يشاركون في دافوس، كما صرح شواب لصحيفة فايننشال تايمز الأسبوع الماضي.
ولمسؤولين كبار في مايكروسوفت وغوغل وهواووي كلمات في منتدى دافوس الاقتصادي، ستستضيف شيريل ساندبرغ، رئيسة عمليات فيسبوك الصحافيين والناشرين في "Facebook Space" الذي أقيم لإقناعهم بأن الشركة التي تتعرض لضغوط من بروكسل إلى واشنطن، يمكنها زيادة الفرص الاقتصادية و"التقريب بين العالم" تجلى هذا التحدي في تقرير صدر مؤخراً عن مجموعة مراقبة وسائل الإعلام Media Tenor، والتي وجدت أن قطاع التكنولوجيا ينظر إليه الآن من قبل الصحافة "بنفس التشاؤم الذي تشعر به صناعة التبغ".