التظاهرات في مصر: حراك عفوي أم منظم؟

عبد الامير رويح

2019-10-10 09:07

ازمة جديدة تعيشها مصر بسبب المظاهرات الاخيرة المطالبة برحيل الرئيس عبد الفتاح السيسي في عدد من المدن، في تحدٍّ كبير لمنع التظاهر ضدّ السلطة. تظاهرات هي الأولى منذ سنوات التي ينزل فيها الناس إلى الشوارع، وهو ما قد يسهم بحسب بعض المراقبين بخلق حالة من عدم الاستقرار في هذا البلد الذي مايزال يعاني الكثير من المشكلات والازمات الامنية والاقتصادية، تأتي هذه المظاهرات كما نقلت بعض المصادر استجابة لدعوة أطلقها المقاول والممثل المصري محمد علي الذي بدأ مؤخرا في بث مقاطع اتهم فيها السلطات بإنفاق المال العام على بناء القصور الفخمة بينما يعاني المواطنون من الفقر.

تسلط الاحتجاجات المتفرقة التي شهدتها مصر في الأيام القليلة الماضية الضوء على احتمال أن يواجه الرئيس عبد الفتاح السيسي معارضة على نطاق أوسع مدفوعة بشكاوى من التقشف الاقتصادي واتهامات بالفساد على المستوى الحكومي. وكان الانفجار النادر للغضب كافيا للإضرار بصورة الاستقرار في مصر تحت قيادة السيسي. الذي تولى السلطة بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين عام 2013 في أعقاب احتجاجات حاشدة على حكمه.

وفي الوقت الذي ينظر فيه نشطاء للمظاهرات على أنها شرارة ثورة جديدة متوقعين استمرارها، يصفها آخرون بأنها "زوبعة في فنجان وبلعبة الكبار". في حين، اتهم مغردون آخرون جهات أجنبية بتحريك هذه المظاهرات لإثارة "الفوضى والقلاقل". واعتقلت السلطات المئات من المشتبه بهم. وكثفت قوات الأمن تواجدها في الميادين الرئيسية في المدن الكبرى وتقوم بعمليات تفتيش مفاجئة على الهواتف بحثا عن محتوى سياسي.

ووجه السيسي، اتهاما غير مباشر لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة بإثارة الاحتجاجات قائلا إن اللوم يقع على ما سماه ”الإسلام السياسي“. ويقول محللون إنه لن يكون من السهل‭ ‬كبح المعارضة من دون معالجة أسبابها الاقتصادية والسياسية. ولا يثق كثير من المصريين في وعود الحكومة بعد ثلاثة أعوام من التقشف المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي مقابل قرض بقيمة 12 مليار دولار.

وما زال السيسي يحظى بشعبية بين كثير من المواطنين العاديين نتيجة استقرار الأوضاع في مصر بعد أن أدى سقوط حكم حسني مبارك. لكن الإجراءات التقشفية التي رافقتها حملة على المعارضين زادت الضغوط على الكثير من الأشخاص. وارتفع عدد المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى 32.5 في المئة في السنة المالية 2018/2017 بعد أن كانت النسبة 27.8 في المئة قبل عامين.

اعتقالات مستمرة

وفي هذا الشأن قالت منظمات مدافعة عن حقوق الإنسان إن السلطات المصرية اعتقلت أكثر من 1100 شخص منذ العطلة الأسبوعية عندما خرجت مظاهرات في عدة مدن تطالب برحيل الرئيس عبد الفتاح السيسي. ومن بين الذين تردد أنهم اعتقلوا خالد داود أحد الشخصيات المعارضة البارزة في مصر وهو متحدث سابق باسم مرشح رئاسي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة والكاتب المعروف حسن نافعة.

وخرج مئات، في تحد لحظر التظاهر دون تصريح مسبق، إلى شوارع القاهرة ومدن أخرى استجابة لدعوات للاحتجاج على اتهامات بوجود فساد حكومي. واستمرت الاحتجاجات في مدينة السويس المطلة على البحر الأحمر. وقال جمال عيد من الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان إن منظمته ومنظمتين أخريين - المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمفوضية المصرية للحقوق والحريات- قامت معا بتوثيق أكثر من 1100 حالة اعتقال.

ويقول محامو الدفاع إن بضع مئات من المقبوض عليهم يجري التحقيق معهم في اتهامات منها استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لنشر أخبار كاذبة وتقويض الأمن القومي والانضمام لجماعة محظورة والتظاهر بدون تصريح. وقال عيد إن خالد داود عضو الحركة المدنية الديمقراطية، وهي تحالف يضم أحزاب وشخصيات معارضة، اعتقل في القاهرة. واعتقل حازم حسني المتحدث السابق باسم حملة قائد الجيش السابق سامي عنان الرئاسية في انتخابات 2018 وفقا لما ذكره مصطفى كامل السيد الذي يعمل معه أستاذا للعلوم السياسية بجامعة القاهرة نقلا عن أسرة حسني. بحسب رويترز.

وقال السيد كذلك أن حسن نافعة الكاتب البارز والأستاذ أيضا بجامعة القاهرة مختف نقلا عن أسرته. وكثفت قوات الأمن تواجدها في الميادين الرئيسية في المدن الكبرى. وتولي السيسي السلطة بعد أن قاد الإطاحة بمحمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين وأول رئيس منتخب ديمقراطيا في مصر في أعقاب احتجاجات حاشدة على حكمه في 2013. وندرت الاحتجاجات في مصر في عهد السيسي الذي أشرف على حملة واسعة النطاق على المعارضين يقول نشطاء حقوق الإنسان إنها الأشد في تاريخ مصر الحديث. ويقول أنصار السيسي إن الإجراءات الصارمة ضرورية لتحقيق الاستقرار في مصر بعد الاضطرابات التي أعقبت انتفاضة 2011 التي أطاحت بحكم حسني مبارك. وهزت الاحتجاجات أسواق المال فهبط المؤشر الرئيسي للبورصة المصرية.

السيسي يرد

الى جانب ذلك اختار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن يرد على الاتهامات بالفساد، التي وجهها له أحد المقاولين المصريين عبر فيديو انتشر بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي. ونفى السيسي في مؤتمر هذه الاتهامات، التي وجهها إليه المقاول المصري وإلى الجيش، مؤكدا أنه "شريف وأمين ومخلص". وقال السيسي في مؤتمر للشباب، تم تخصيصه لمناقشة موضوع تأثير نشر الأكاذيب والشائعات الإلكترونية على الدولة وبثته قنوات التلفزيون المحلية مباشرة، إن الاتهامات التي وجهها إليه المقاول المصري محمد علي "كذب وافتراء"، بدون أن يشير صراحة للمقاول.

وانتشرت على منصات التواصل الاجتماعي سلسلة من الفيديوهات، يتهم فيها محمد علي الرئيس والجيش المصريين بتبديد المال العام في مشروعات لا طائل منها وفي تشييد قصور رئاسية. وزعم علي (45 عاما)، وهو مقاول وممثل غير معروف يعيش حاليا في إسبانيا، أن الجيش المصري مدين له بملايين الجنيهات مقابل مشروعات نفذتها شركة "أملاك للمقاولات" التي كان يملكها. ورغم أن علي لم يقدم أي دليل على مزاعمه حول تبديد النظام المصري لملايين الجنيهات من المال العام، إلا أن فيديوهاته شُوهدت ملايين المرات ولاقت تفاعلات كثيرة من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في مصر.

وخاطب علي السيسي في أحد الفيديوهات قائلا: "تقول إن المصريين فقراء للغاية وإنه ينبغي ربط الحزام، ولكنك ترمي على الأرض مليارات ورجالك يهدرون الملايين". وكان السيسي قال في يناير/ كانون الثاني 2017: "نحن (المصريون) فقراء جدا"، في سياق حديث عن محدودية إمكانات الدولة المصرية. وأكد السيسي السبت أنه قرر الرد على الاتهامات رغم أن "جميع أجهزة الدولة طلبوا مني عدم الرد .. وكادوا يقبّلون يدي حتى لا أتكلم". بحسب فرانس برس.

وقال الرئيس المصري إن هذه الاتهامات "الهدف منها تحطيم إرادتكم (إرادة المصريين) وفقدانكم الأمل والثقة". وعن بناء القصور الرئاسية، قال السيسي بالعامية المصرية "نعم أنا عامل (شيدت) قصور رئاسية وهعمل (سأشيد) .. أنا أبني دولة جديدة ليست باسمي وإنما باسم مصر". وعلّق مازحا "هو مفيش في مصر إلا قصور محمد علي؟!" متعمدا على ما يبدو الخلط بين اسم المقاول الذي يوجه إليه اتهامات الفساد ومحمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة ما بين عامي 1805 و1848، والذي ظلت أسرته تعتلي عرش مصر إلى أن أطاح الجيش الملكية في العام 1952. ودافع الرئيس المصري أيضا عن الجيش الذي شملته انتقادات فيديو المقاول المصري، إذ قال "إنه جيش وطني شريف وصلابته نابعة من شرفه".

وانتقد السيسي أداء وسائل الإعلام المصرية، ورد فعلها إزاء ما أثاره المقاول المصري، والذي غلب عليه الصمت. واستضافت قنوات تلفزيونية مصرية والد وشقيق محمد على، اللذين اتهماه بتعرضه لعملية "غسيل مخ"، وشككا في نزاهته واتهماه هو بالفساد في قضايا عائلية. وأضاف السيسي في كلمته أن الجيش المصري أشرف، خلال السنوات القليلة الماضية، على مشروعات تكلفت أكثر من 4 ترليون جنيه مصري (نحو 250 مليار دولار)، وبلغت حصة مشروعات الطرق في هذا التكلفة نحو 175 مليار جنيه مصري (أكثر من 10 مليارات دولار).

ويشارك الجيش بدور بارز في الاقتصاد المصري، إذ يقوم بمشروعات متنوعة تشمل الطرق والبنى التحتية، وكذلك المباني السكنية والفنادق وقاعات الاحتفالات، بل وحتى محطات الوقود والصناعات الغذائية. لكن يظل حجم مشاركته في القطاع الاقتصادي المصري غير معروف على وجه الدقة. وكان العقيد تامر الرفاعي، المتحدث باسم الجيش المصري، قال في تصريحات صحفية سابقة إن الجيش يشرف على تنفيذ حوالي 2300 مشروع، يعمل فيها ما يقارب خمسة ملايين مدني. وأضاف أن القوات المسلحة تشرف على تنفيذ تلك المشروعات "مراعاة لدقة المعايير، وتسلمها بعد ذلك للجهات المدنية التي تديرها". لكنه لم يوضح كم تمثل تلك المشروعات من إجمالي حجم النشاط الاقتصادي المصري.

وحذر السيسي المصريين من تكرار ما حدث في يناير/ كانون الثاني عام 2011 - في إشارة لخروج المصريين في مظاهرات حاشدة ضد الرئيس السابق حسني مبارك حتى رحيله - قائلا: "لا تكرروا ذلك ثانية"، معتبرا ما حدث في عام 2011 سببا مباشرا في تراجع عائدات السياحة، خلال السنوات التالية للثورة، وسبب بناء أثيوبيا لسد النهضة، الذي يؤثر سلبا على حصة مصر من مياه النيل.

وقال محمد علي إنه لم يكن يستطيع أن يتحدث عن كل هذه الأمور أثناء وجوده داخل مصر، لأنه كان سيتعرض إما للسجن أو القتل حسب قوله، كما أشار إلى أنه يتلقى تهديدات بالقتل، ويتنقل من مكان إلى آخر في إسبانيا. وتعهد محمد علي، بعد إعلان الحكومة المصرية عن عقد مؤتمر جديد للشباب، بالرد على كل كلمة سيقولها السيسي.

مشاريع جديدة

في السياق ذاته تريد الحكومة المصرية البدء في إدارة شؤون البلاد من عاصمة جديدة تقع في الصحراء بدءا من منتصف عام 2020، لكن المشروع الذي تقدر تكلفته بحوالي 58 مليار دولار يكابد لجمع التمويل وللتغلب على تحديات أخرى بعد انسحاب مستثمرين من المشاركة فيه. والعمل جار على قدم وساق لبناء المناطق الأساسية في المدينة الجديدة التي ستحل محل القاهرة، العاصمة الحالية المطلة على نهر النيل والتي تعاني من الاختناق المروري والزحف العمراني والتلوث ويعيش فيها أكثر من 20 مليون نسمة.

ويهدف المشروع، الذي أطلقه الرئيس عبد الفتاح السيسي عام 2015 بعد عام من انتخابه أول مرة، إلى توفير قاعدة صديقة للبيئة وفعالة للحكومة ولقطاع المال، فضلا عن توفير مساكن لما لا يقل عن 6.5 مليون شخص. لكن المشروع، الذي يهدف أيضا إلى النهوض بالاقتصاد الذي تراجع بسبب الاضطرابات السياسية بعد 2011، فقد مستثمرا رئيسيا من الإمارات وتديره حاليا شركة مشتركة من وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية والهيئة الهندسية للقوات المسلحة.

ومن المتوقع أن تزيد مساحة المدينة الحديثة، التي تعرف حتى الآن باسم العاصمة الإدارية الجديدة، عند اكتمالها على 700 كيلومتر مربع أي 170 ألف فدان. وستبلغ مساحة المرحلة الأولى من المشروع نحو 168 كيلومترا مربعا (40 ألف فدان) وتشمل بناء مقار للرئاسة والوزارات والبرلمان وأحياء سكنية وحيا دبلوماسيا وحيا ماليا. ويغص موقع البناء، على بعد حوالي 45 كيلومترا شرقي القاهرة، بأعداد كبيرة من الحفارين والرافعات وتمتد طرق واسعة بين قطع الأراضي الفارغة والمباني شبه المكتملة.

منجانب اخر افتتح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي جسرا معلقا ضخما يمر فوق نهر النيل بالقاهرة، ضمن سلسلة مشاريع ضخمة يشرف الجيش على تنفيذها وتهدف إلى تحسين البنية التحتية وتوفير الوظائف. والجسر، الذي يقع في شمال القاهرة وبالقرب من وسط المدينة، حلقة وصل رئيسية في طريق سريع يمتد من البحر الأحمر وحتى ساحل البحر المتوسط في شمال غرب البلاد، ويهدف إلى تقليل الاختناق المروري في العاصمة.

ويبلغ عرض الجسر 67.3 متر ويسير في اتجاهين بكل منهما ست حارات مرورية. وقال طلال عمر المدير الإقليمي لموسوعة جينيس للأرقام القياسية خلال حفل الافتتاح إن الجسر دخل الموسوعة بوصفه أعرض جسر معلق في العالم. وأضاف أن الرقم القياسي السابق كان مسجلا في كندا بعرض 65.2 متر. ووفقا لعرض توضيحي أذيع خلال الافتتاح فقد استهلك الجسر في بنائه حوالي مليون متر مكعب من الخرسانة بالإضافة إلى 1400 كيلومتر من الأسلاك الفولاذية لصنع 160 كابل تعليق. بحسب رويترز.

ويمر الجسر فوق جزيرة الوراق الواقعة في وسط النيل والتي يقدر عدد سكانها بحوالي 100 ألف نسمة. وقد احتج بعض سكان الجزيرة على مخطط لهدم منازلها وتحويلها إلى ”مجتمع عمراني حضاري“. ومن بين المشاريع الضخمة الأخرى التي تم إطلاقها في عهد السيسي مشروع توسيع قناة السويس والذي تم الانتهاء منه في عام 2015، وكذلك مشروع قيد الإنشاء حاليا لبناء عاصمة جديدة في الصحراء شرقي القاهرة.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا