فرنسا وإدارة لعبة الشرق الأوسط بين امريكا وإيران

كمال عبيد

2015-05-05 04:22

فرنسا في الشرق الاوسط من أجل حلفائها أم من أجل مصالحها؟، يخفي هذا التساؤل مجموعة من الاجندات العسكرية والسياسية والاقتصادية، قد تمهد الى صفقات سياسية بين الدول الكبرى المتصارعة والمهتمة بالهيمنة على بلدان الشرق الأوسط كما هو الحال مع فرنسا وامريكا، وذلك بهدف إعادة ترتيب الأوضاع بالمجال السياسي في بلدان تلك المنطقة، مما ينذر ببواعث خطر نشوب حرب وشيكة بين الاطراف المتخاصمة، في الوقت الذي تعيش فيه منطقة الشرق الأوسط حالة من عدم الاستقرار السياسي الذي يلقي بظلاله على المجالات كافة، وذلك نتيجة لتزايد الحركة والعداوات السياسية في المنطقة بشكل كبير جدا خلال الآونة الأخيرة، وسط خلافات كثيرة بين القوى السياسية الإقليمية والدولية.

إذ يرى بعض المحللين أن تصاعد حدة التوتر في الشرق الأوسط نتيجة الصراعات في اليمن وسوريا وليبيا والعراق، الى جانب المخاوف من النفوذ الايراني المتزايد في المنطقة، دفع بدول الخليج الى تحديث عتادها العسكري عبر حلفائها الغربيين وهذه المرة ليس عبر الحليف الاوحد المتمثل بأمريكا التي خذلت حلفائها الخليجيين في عدة مواقف اهمها التريث في التدخل العسكري في سوريا والعلاقة المقربة مع ايران، لذا لجأ حكام الخليج الى حليف بديل تمثل بفرنسا كونها تتبنى النهج الصارم في المحادثات مع إيران وتحليلها المماثل لموقف دول عربية خليجية بشأن الأزمات الإقليمية خلق روابط جديدة استراتيجية في الشرق الأوسط، وتم تعزيزها عندما حضر الرئيس فرانسوا أولوند الى الخليج في الاونة الاخيرة، والذي سيحل ضيف الشرف في قمة لمجلس التعاون الخليجي، في اول بادرة من نوعها بالنسبة لرئيس غربي، كما تم توقيع صفقة بيع 24 مقاتلة فرنسية من نوع رافال لقطر بحضور الرئيس فرانسوا هولاند، وبهذا تتأكد نجاح الإستراتيجية الدبلوماسية-التجارية الفرنسية التي استفادت أيضا من امتعاض دول الخليج العربية من السياسة الأمريكية بإدارة باراك أوباما.

ويرى هؤلاء المحللين أن فرنسا تشتهر بأنها أكثر صرامة من الأمريكيين في المفاوضات مع إيران وهذا يمكن أن يرضي السعودي، كما أظهرت أنها تملك رؤية إقليمية وقادرة على التحرك حيثما وعندما تشعر أن ذلك ضروري، وقد تكون النية ليست تهميش الولايات المتحدة وإنما تذكير واشنطن بأنها ليست وحدها في العالم.

فقد بدأ تحول باريس نحو دول الخليج - أولا في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي والآن في عهد أولوند - يؤتي ثماره، وخلال العام الماضي أبرمت باريس عقودا عسكرية تزيد قيمتها على 15 مليار دولار في المنطقة، وقال مسؤولون إن قمة الرياض ستشهد المزيد من المحادثات الثنائية بين فرنسا ودول منفردة بشأن العلاقات التجارية.

في الوقت نفسه تساءل بعض المراقبين ما هو سر نجاح هولاند وحكومته في تسويق طائرات رافال الحربية؟، فقد نجحت الحكومة الفرنسية في عهد الرئيس الحالي فرانسوا هولاند أن تفك عقدة طائرات رافال الحربية التي استحال على حكومة سلفه نيكولا ساركوزي تسويقها، وعقدت صفقات مع كل من مصر، الهند، وقطر، وهناك مفاوضات كذلك مع الإمارات. ويعزى هذا النجاح، حسب المراقبين، لمجموعة من العوامل ساهمت في إتمام الصفقات الأخيرة.

العامل الأول هو مشاركة هذه الطائرة بعمليات قتالية في مناطق حرب مثل أفغانستان والساحل الأفريقي وليبيا والعراق، حيث حققت "نجاحات مؤكدة"، العامل الثاني هو التنسيق الممتاز بين الحكومة والشركة المصنعة "والعمل بعيدا عن الأضواء وتجنب الإعلانات المتسرعة"، العامل الثالث، يتمثل في كون "النجاح يجر النجاح، ومع موافقة مصر كرت السبحة"، أما العامل الرابع والأخير فهو "مرتبط بشكل خاص بدول الخليج العربية التي تعتبر أن هولاند كان ثابتا في مواقفه، وهي تقدر كثيرا موقفه الحازم صيف 2013 عندما كان مصمما على تأديب" الرئيس السوري بشار الأسد على استخدامه الأسلحة الكيميائية، لولا تراجع الإدارة الأمريكية ممثلة بالرئيس باراك أوباما، مع أن الأخير كان كرر مرارا أن استخدام الأسلحة الكيميائية "خط أحمر"، ويضيف المحللون أيضا "أن دول الخليج وخصوصا العربية السعودية لم تهضم التخلي السريع للإدارة الأمريكية عن الرئيس المصري حسني مبارك في شباط/فبراير 2011 وشكل هذا الأمر صدمة لها.

وعليه تضفي المعطيات آنفة الذكر أنه على الرغم من ان سياسة الحكومة الفرنسية الجديدة لم يظهر منها حتى الان سوى تصريحات نارية يطلقها بين حين واخر تجاه ايران وتدخل غير مباشر في دعم الجماعات المسلحة في سوريا، الا ان عقد صفقات عسكرية مع السعودية ودول الخليج، يؤكد دخول فرنسا ميدان الشرق والاوسط وهذا يعني دخولها عالم الصراعات الدولية المباشرة، لذا يتوقع المحللون أن أجندة فرنسا من اجل الهيمنة والنفوذ السياسي خارجيا، باستخدام سياسات وتحركات أكثر جراءة لتحقيق أجندات خارجية، قد تسببت بأخطاء استراتجية مكلفة في منطقة ساخنة سياسيا وامنيا، وهذا قد يشكل ضغطا كبيرا داخل المعترك السياسي الأمني الفرنسي في المستقبل القريب.

فرنسا قد تربح الخليج على حساب امريكا

في سياق متصل سافر أولوند الى الدوحة في الرابع من مايو ايار لتوقيع العقد قبل أن يتوجه إلى الرياض بناء على دعوة من الملك سلمان لحضور قمة دول مجلس التعاون الخليجي في سابقة هي الأولى لزعيم غربي حيث يتصدر جدول أعمال القمة قضايا مثل التدخل الذي تقوده السعودية في اليمن والحرب في سوريا.

وقال دبلوماسي فرنسي كبير "إنها مهمة بالنسبة لنا لأنها تبين تقدير دول الخليج لاختياراتنا الاستراتيجية فيما يتعلق بإيران وسوريا والقتال ضد الدولة الإسلامية"، وأضاف "لقد أظهرنا أنه يمكن الاعتماد علينا كشريك لا يتهرب من مسؤولياته في المنطقة".

وتمسكت فرنسا - التي تملك حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن - بشروط صارمة بشأن إيران في أي اتفاق لتخفيف العقوبات على طهران مقابل مراقبة وتقليص برنامجها النووي، كما انتقدت بشدة واشنطن قبل نحو عامين لتراجعها في اللحظة الاخيرة عن قصف سوريا بشان استخدام اسلحة كيماوية وهو قرار أغضب دول الخليج العربية. بحسب رويترز.

تأتي زيارة أولوند قبل عشرة أيام من سفر زعماء الخليج الى الولايات المتحدة لحضور قمة مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وقال اريك ترابييه الرئيس التنفيذي لشركة داسو التي تصنع الطائرات رافال "أصدقاؤنا الأمريكيون منافسون أشداء وتتسم دبلوماسيتهم بكفاءة شديدة لكن فرنسا تعرض دبلوماسية بديلة"، وقال ترابييه "لديها مصالح استراتيجية وثيقة مع بعض الدول ومع تقديم طائرة مقاتلة جيدة فإن الحظ سيكون مواتيا" مضيفا أن هناك محادثات مع دول خليجية أخرى لبيع طائرات مقاتلة.

فقد وقع الرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني صفقة قيمتها 6.3 مليار يورو (7.02 مليار دولار) لبيع 24 طائرة مقاتلة من طراز رافال التي تنتجها شركة داسو للطيران.

ويتضمن العقد -وهو الثالث لشركة داسو بعد صفقتين لبيع طائرات رافال لمصر والهند - صواريخ إم.بي.دي.إيه. وتدريب 36 طيارا قطريا ومئة فني على أيدي خبراء من الجيش الفرنسي، وقال مسؤولون إن الصفقة تتضمن أيضا تدريب عدد من ضباط المخابرات القطرية.

استشهد أولوند بمحادثات القوى الكبرى مع إيران بشأن برنامجها النووي والتي اتخذت خلالها باريس موقفا صارما من إيران الخصم الرئيسي للدول العربية في الخليج كمثال على أن فرنسا شريك يعتد به في المنطقة.

وتابع قوله "سنتحلى باليقظة حتى يضمن هذا الاتفاق بشكل حقيقي ألا تحصل إيران على سلاح نووي. لكل هذه الأسباب دعيت إلى قمة مجلس التعاون الخليجي. انها علامة على الثقة.. فرنسا موجودة من أجل حلفائها عندما يحتاجونها"، وأصرت فرنسا -التي تملك حق النقض في مجلس الأمن الدولي - على فرض شروط مشددة على إيران في أي اتفاق لتخفيف العقوبات على الجمهورية الإسلامية مقابل مراقبة وفرض قيود على برنامجها النووي.

كما وصل وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لودريان الى دولة الامارات العربية المتحدة التي قد تكون مهتمة بشراء مقاتلات رافال حسب ما ذكرت مصادر فرنسية، وقالت المصادر نفسها ان الوزير الذي التقى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد ابو ظبي ونائب القائد الاعلى للقوات المسلحة، سيزور لاحقا قطر. بحسب فرانس برس.

وبين الملفات التي ستكون موضع مشاورات بين باريس وابوظبي محاربة الجهاديين في تنظيم الدولة الاسلامية والاتفاق النووي مع ايران والحرب في اليمن، والامارات من الدول التي ابدت اهتماما لشراء مقاتلة رافال الفرنسية، وفي 16 نيسان/ابريل اعلن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ان "هناك مباحثات جارية مع الامارات وتمضي في الاتجاه الصحيح"، وقبل اربعة ايام كان فابيوس التقى ولي عهد ابوظبي في السعودية، ومنذ توليه مهامه قام لودريان بحوالى 10 زيارات لقطر والامارات، وتبحث فرنسا والامارات منذ 2008 في استبدال طائرات ميراج 2000-9 في سلاح الجو الاماراتي بمقاتلات رافال.

سوريا وفرنسا

من جهة أخرى أعلن الرئيس السوري بشار الأسد في مقابلة صحافية أن اتصالات تجري بين أجهزة الاستخبارات الفرنسية والسورية رغم انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وقال في مقتطفات من مقابلة أجرتها شبكة التلفزيون الفرنسية "فرانس-2" معه "هناك اتصالات، لكن لا تعاون"، وذلك ردا على سؤال حول ما إذا كانت هناك علاقات بين أجهزة استخبارات البلدين.

وأضاف الأسد موجها كلامه إلى الصحفي الفرنسي "لقد التقينا ببعض المسؤولين في أجهزة استخباراتكم، لكن لا يوجد تعاون" ولا تبادل معلومات، وتابع أن هؤلاء المسؤولين الفرنسيين "قدموا إلى سوريا، في حين أننا لم نذهب إلى فرنسا. قد يكون حضورهم لتبادل المعلومات، لكن حين تريد أن يكون لديك هذا النوع من التعاون، لا بد من وجود حسن النية لدى الطرفين"، ولم يوضح الرئيس السوري متى قام هؤلاء المسؤولون الفرنسيون بزيارة سوريا، مؤكدا أن باريس هي التي طلبت إجراء اللقاء، وأضاف "لقد التقيناهم. لقد حصل اجتماع معهم"، مؤكدا أن السوريين لم يطلبوا "أي شيء من أجهزة الاستخبارات الفرنسية".

وردا على سؤال حول وجود هذه الاتصالات الثنائية بين البلدين، رفضت وزارة الخارجية والإدارة العامة للأمن الخارجي (الاستخبارات الفرنسية) التعليق، وردا على سؤال عما إذا كانت السلطات السورية اعتقلت جهاديين فرنسيين، أكد الأسد أنه ليس هناك "أي منهم في سجوننا"، مضيفا "ليس لدينا إلا معلومات، غالبية هؤلاء الجهاديين يأتون إلى هنا للقتال والموت والذهاب إلى الجنة"، وأكد الرئيس السوري "نحن مهتمون دوما بالحوار مع أي كان"، وذلك ردا على سؤال حول إمكانية استئناف العلاقات بين دمشق وباريس، ولكنه استدرك قائلا "ولكن كيف يمكننا التحاور مع نظام يدعم الإرهاب في بلدنا؟".

وأضاف أن "فرنسا وبريطانيا هما رأس الحربة ضد سوريا"، مؤكدا أن "أحدا لم يعد يأخذ على محمل الجد تصريحات المسؤولين الفرنسيين لسبب بسيط هو أن فرنسا أصبحت نوعا ما تابعا للسياسة الأمريكية في المنطقة. هي ليست مستقلة ولا وزن لها ولم يعد لديها أي مصداقية"، وكان عدد من الدبلوماسيين صرحوا في نهاية 2013 أن سفراء وعناصر من أجهزة الاستخبارات الأوروبية عاودوا زياراتهم إلى دمشق للاتصال بالمسؤولين السوريين.

وقال أحد هؤلاء الدبلوماسيين في تلك الفترة، إن فرنسا أرسلت مسؤولين في أجهزة الاستخبارات حيث التقيا في دمشق اللواء علي مملوك المسؤول في الاستخبارات السورية، للاستفسار منه حول ما إذا كان مستعدا لاستئناف العلاقات بين أجهزة البلدين كما كان قائما في السابق، ورد المملوك، حسب المصدر نفسه، بالقول إن دمشق مستعدة لاستئناف التعاون شرط إعادة فتح السفارة الفرنسية في دمشق.

وكانت باريس أغلقت سفارتها في دمشق في آذار/مارس 2012 احتجاجا على قمع النظام للتظاهرات المناهضة له. ومنذ سنتين يطالب بعض السياسيين الفرنسيين بإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلا أن الرئيس فرنسوا هولاند يرفض ذلك بشكل قاطع.

فرنسا وايران

الى ذلك ندد وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لودريان بسعي ايران الى "زعزعة استقرار" اليمن، مؤكدا دعم باريس للتحالف العسكري الذي تقوده السعودية في مواجهة المتمردين الحوثيين، وقال لودريان في كلمة القاها في مقر اقامة السفير الفرنسي في بيروت "ببادرة من السعودية ارادت دول بالمنطقة توحيد قواها لانهاء عملية زعزعة الاستقرار المدعومة من الخارج التي وقعت ضحيتها الحكومة الشرعية للرئيس (عبد ربه منصور) هادي".

واضاف على هامش زيارة الى بيروت لمناسبة بدء تزويد لبنان باسلحة فرنسية بفضل هبة سعودية بقيمة ثلاثة مليارات دولار "ان فرنسا لن تساوم ابدا مع اولئك الذين يريدون مرة اخرى تدمير المؤسسات الشرعية لزيادة نفوذهم وتحقيق حلم (ان يصبحوا) قوة اقليمية مهيمنة"، واكد الوزير الفرنسي امام صحافيين انه كان يلمح الى ايران. واضاف "حذرت من نوايا الهيمنة على اليمن، وهنا ايضا قليلا" في اشارة الى تاثير طهران على حزب الله اللبناني.

واضاف "حتى ان كنا لا نتدخل مباشرة فاننا نقف الى جانب اولئك الذين يتحركون من اجل استعادة الاستقرار في هذا البلد (اليمن)"، ورفض الوزير الخوض في نوع الدعم خصوصا في مجال الاستخبارات، لكنه اشار الى ان فرنسا "جلبت بعض عناصر المراقبة" الى السعودية، ولدى تطرقه الى الاتفاق الاطار حول البرنامج النووي الايراني في الثاني من نيسان/ابريل بسويسرا، كشف لودريان ان "المبادئ" وضعت "لكن لم يبرم الاتفاق (النهائي) بعد. سيكون على ايران ان تقبل الاجراءات التقنية الناجمة عن هذا الاتفاق وان تقبل اجندة العقوبات والمراقبة"، في اشارة الى الاتفاق النهائي المقرر الانتهاء منه بحلول 30 حزيران/يونيو.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي