ايران بعد الاتفاق النووي.. تصاعد الخلافات لتقنين التنازلات
كمال عبيد
2015-04-22 02:15
يشكل الاتفاق النووي بين ايران والدول الكبرى بمثابة تذكرة للخروج من نزاع استمر اكثر من عقد تقريبا، واثار مخاوف اندلاع حرب في الشرق الاوسط، فضلا عن تسببه بعزل ايران اقتصاديا، وفي هذا الشهر تم التوصل الى اتفاق مبدئي بين ايران والغرب وصف بالخطوة الايجابية، إلا ان الثقة لم تترسخ بعد بين الطرفين، حيث حذر المعنيون من ان الالية برمتها يمكن وقفها في حال عدم تقيد طهران بالتزاماتها، فلا يزال التوصل الى الاتفاق النهائي الذي يتضمن كافة التفاصيل التقنية بحلول نهاية حزيران/يونيو المقبل، يحتاج الى عمل ومثابرة تؤطرها ثقة متزايدة بين الطرفين، على الرغم من أن هذا الاتفاق يمثل انجازا اساسيا وسط ازمة مستعصية ومستمرة منذ 12 عاما بين ايران والاسرة الدولية، لكن توجد بالفعل علامات على ان ايران والقوى الكبرى لديهما اراء مختلفة بشأن ما تم الاتفاق عليه وخاصة بشأن السرعة التي يتم بها رفع العقوبات، وهذا يبقي مصير الاتفاق معلقا بين الخروج من عنق الزجاجة بطريقة شبه مستحيلة أو مواصلة عملية الاتفاق لمسيرتها نحو النهايات المفتوحة.
فقد شكك المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية اية الله علي خامنئي في اتفاق الاطار عندما قال ان "ما تم التوصل اليه حتى الان لا يضمن لا الاتفاق بحد ذاته، ولا مضمونه، ولا مواصلة المفاوضات حتى النهاية"، وبدوره طالب الرئيس الايراني حسن روحاني برفع العقوبات فور بدء سريان الاتفاق وقال "لن نوقع اي اتفاق اذا لم تلغ كل العقوبات"، فما زال بعض المراقبين يعتقدون أن روحاني سيتمتع بتأييد خامنئي مادامت المكانة المتنامية للرئيس لا تهدد خامنئي.
فلم يبد أن تصريحات خامنئي تشير إلى أنه سحب تأييده المشوب بالحذر للعملية الدبلوماسية، وعلى الرغم من إحراز تقدم كبير لا تزال هناك خلافات بين الجانبين بشأن عدد من القضايا منها سرعة رفع العقوبات الدولية بعد التوصل لاتفاق نهائي.
وشدد خامنئي في وقت سابق من هذا الشهر على ضرورة رفع جميع العقوبات المفروضة على ايران على الفور على خلفية اتفاقية لا تزال في طور الإعداد وهو شرط رفضته وزارة الخارجية الامريكية حتى بعد تجديد خامنئي لتأييده لفريق المفاوضات الإيراني.
ويرى المحللون أن حرب الكلمات السياسية من لدن الجهات المتشددة في ايران وأمريكا تظهر محاولة نوايا متناقضة في ظل استخدام لغة التهديد بين الجانبين، من أجل سبق الأحداث وكسب حرب الغنائم المعنوية، مما يعني ان هذه التصريحات العملاقة تستعرض ادوارا مختلفة من الاهداف السياسية باستخدام إلاستراتيجية التدريجية المرنة.
ويرى هؤلاء المحللون ان النزاع النووي بين الجانبين جسد -في مختلف مراحله وتطوراته السابقة- صورة مرسخة من عدم الثقة والعداء المتبادل الممزوجة بالمناورات السياسية والأجندة المجهولة، حيث شكلت جل هذه العوامل عقبات كبرى أمام تسوية تاريخية للقضية النووية في السنوات القليلة الماضية.
فيما يرى محللون ومسؤولون سياسيون إن الفشل في إبرام اتفاق نهائي يكرس اتفاق الإطار الذي توصلت إليه إيران والدول الست الكبرى لكبح نشاط طهران النووي الحساس قد يهز استقرار الجمهورية الإسلامية بشدة.
وقال المحللون إن آمال الإيرانيين بإنهاء عزلتهم الدولية حلقت عاليا منذ التوصل إلى الاتفاق إلى حد أن الفشل في صياغة اتفاق نهائي سيتسبب بموجات استياء قد تهز السلطات حتى لو تم تصوير الغرب على أنه الطرف المذنب.
وعليه تشير المعطيات التي سبق ذكرها بأن الاتفاق الحاسم بشأن البرنامج النووي الايراني يبقى ضمن مسلسل النهايات المفتوحة في ظل العناد السياسي والمماطلة بين طرفي النزاع، ففي كل مرة تصل بها المحادثات الى انفراجة واتفاق مأمول تصدها عقبات وعوائق مفاجئة من لدن طرفي المفاوضات قد تهدد بانهيار الاتفاق وهذا الامر يهدد بعواقب جسيمة قد تتضمن حربا واسعة النطاق ومكلفة الخسائر.
تصريحات نارية لايران بعد الاتفاق
في سياق متصل قال الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي في خطاب له أمام قادة الجيش إن الولايات المتحدة اختلقت "أسطورة" الأسلحة النووية لتصوير طهران كمصدر للتهديد مشددا بذلك لهجته قبيل استئناف المفاوضات النووية بين إيران والقوى العالمية.
وساند خامنئي - الذي يمثل أعلى سلطة في إيران- المفاوضات لكنه استمر في التعبير عن عدم ثقة كبير في الولايات المتحدة.
وأضاف خامنئي في كلمة بثها التلفزيون أمام مئات من القادة العسكريين "اختلقوا أسطورة الأسلحة النووية حتي يمكنهم القول إن الجمهورية الاسلامية هي مصدر تهديد. كلا. إن مصدر التهديد هي أمريكا نفسها بتدخلاتها غير المحكومة بقيود والمسببة لانعدام الاستقرار"، وتابع قوله "الجانب الآخر يهددنا عسكريا بشكل منهجي وبلا خجل... حتى لو لم يوجهوا هذه التهديدات العلنية يتعين علينا أن نكون مستعدين". بحسب رويترز.
ورفض نائب قائد قوة الحرس الثوري الإيراني أي عمليات تفتيش لمواقع عسكرية بوصفها "إذلالا قوميا" ليسلط الضوء على نقطة خلاف أخرى بين الجانبين، ونسبت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الرسمية إلى حسين سلامي القول "هذا الموضوع ضرب من الخيانة وبيع البلاد وإذا تحدث أي شخص عنه فسنرد بالرصاص"، وقال وزير الدفاع الأمريكي أش كارتر إن الاتفاق النووي النهائي ينبغي أن يتضمن تفتيش مواقع عسكرية إيرانية. وسبق أن قال خامنئي إن المواقع العسكرية لن تخضع للتفتيش.
ووجه خامنئي أيضا انتقادات للدعم الأمريكي للعملية العسكرية التي تقودها السعودية على جماعة الحوثيين في اليمن، وقال "اليوم تجري هذه الأحداث المأساوية في اليمن في حين يدعم الامريكيون الجهة الطاغية"، وبدأت الحملة العسكرية التي يشارك فيها ائتلاف من عدة دول عربية بقيادة السعودية قبل أربعة أسابيع وخلال الجولة الأخيرة من المفاوضات للتوصل على اتفاق إطار سياسي بين إيران والدول الست الكبرى.
فيما اعلن وزير الخارجية الايراني جواد ظريف ان بلاده تريد رفعا كاملا وفوريا للعقوبات الدولية خلال "المرحلة الصعبة من المفاوضات" في الملف النووي الايراني، وردا على سؤال للمحطة الاخبارية الاوروبية "يورونيوز"، قال ظريف "نحن لا نتحدث عن تخلي تدريجي عن العقوبات (...) من الواضح اننا سنضع حدا لكل العقوبات الاقتصادية والمالية. عندما نتوصل الى اتفاق سنذهب الى مجلس الامن ومجلس الامن سيتبنى قرارا يضع فيه حدا لكل القرارات السابقة ولن تكون هناك عقوبات. انه امر واضح جدا لن تكون المسألة على مراحل ولن تعلق (العقوبات) فقط"، واضاف "في الوقت الراهن، نبدأ المرحلة الصعبة من المفاوضات وصياغة الاتفاق النهائي". واوضح "هذا الامر سيتطلب منا الكثير من الوقت والكثير من الجهود ولكن اعتقد ان القرارات السياسية قد اتخذت. الان، يتوقف علينا وعلى زملائنا تسوية الامور التقنية". بحسب رويترز.
وهدد بعد ذلك بانه في حال فشل اخر جلسة التي ستبدأ في 22 نيسان/ابريل في فيينا، باستئناف البرنامج الايراني لتخصيب اليورانيوم "بدون اي حد"، وقال ايضا "قلنا منذ البداية انه يتوجب علينا ان نختار طريقا، اما طريق المواجهة واما طريق التعاون ولا يمكن ان نختار القليل من كل طريق. اذا سلكنا طريق المواجهة، فان الولايات المتحدة والامم المتحدة ستواصلان العقوبات وايران ستواصل برنامجها لتخصيب اليورانيوم بدون اي حدود".
وقالت إيران إنها لن تقبل باتفاق لتقييد برنامجها النووي إلا إذا رفعت القوى العالمية كل العقوبات المفروضة على طهران وفي نفس الوقت. بحسب رويترز.
جاءت التصريحات على لسان الرئيس الإيراني حسن روحاني بعد يوم من اضطرار الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى منح الكونجرس سلطة مراجعة أي اتفاق يتم التوصل إليه في المستقبل بما في ذلك الحق في نقض رفع عقوبات فرضها المشرعون الأمريكيون.
ويلقي هذا التطور بعنصر جديد من الشك في المراحل الأخيرة الحساسة من المفاوضات بين القوى العالمية الكبرى وإيران بهدف تحجيم برنامج إيران النووي مقابل تخفيف العقوبات عليها، وأضاف روحاني في كلمة ألقاها في مدينة رشت بشمال إيران ونقلها التلفزيون الرسمي "إذا لم توضع نهاية للعقوبات فلن يكون هناك اتفاق" مكررا تصريحات أدلى بها الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي الأسبوع الماضي، وقال روحاني "يجب أن يشمل هدف هذه المفاوضات وتوقيع اتفاق إعلان إلغاء العقوبات الجائرة على الأمة الإيرانية العظيمة".
من جهته قلل الرئيس الايراني حسن ورحاني من تهديد الكونغرس الاميركي بعرقلة اي اتفاق مع ايران، مؤكدا ان طهران لا تتفاوض مع البرلمان الاميركي بل "مع مجموعة اسمها 5+1"، ووافقت لجنة في مجلس الشيوخ الاميركي على قرار من شأنه ان يمنح الكونغرس حق المشاركة في تحديد مصير اي اتفاق نهائي دولي لوقف البرنامج النووي لايران.
وفي تأكيد للتعاون بين الحزبين الديموقراطي والجمهوري حول مسألة تثير انقساما، صوتت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ بالاجماع ب19 صوتا بدون معارضة اي عضو، على قرار يسمح للمشرعين بمراقبة الاتفاق النهائي وامكانية رفضه.
وجاء التصويت على القرار بعد ان توصل رئيس اللجنة بوب كوركر وكبير الديموقراطيين بين كاردن الى حل وسط حول لغة النص لتهدئة مخاوف البيت الابيض وبعض الديموقراطيين في الكونغرس.
ويريد العديد من المشرعين الاميركيين بينهم الذين يخشون من عدم قوة الاتفاق الاطار بما يكفي، ان يكون لهم دورا وان لا يتم رفع العقوبات عن طهران حتى انقضاء فترة المراقبة، وتصر ايران من جهتها على رفع العقوبات فور دخول الاتفاق حيز التنفيذ.
وقال روحاني في خطاب في راشت (شمال) بثه التلفزيون الحكومي مباشرة "نحن لا نفاوض مجلس الشيوخ الاميركي ولا مجلس النواب الاميركي. نحن نتفاوض مع مجموعة اسمها 5+1"، واضاف ان "ما يقوله مجلس الشيوخ الاميركي وما يريده مجلس النواب الاميركي وما يسعى اليه المتطرفون في الولايات المتحدة وما يقوله المرتزقة في المنطقة لا يعني شعبنا ولا حكومتنا"، وطلب من القوى الكبرى قبول اتفاق نووي "يحترم الامة الايرانية" مؤكدا ان ايران "مرنة" في المفاوضات.
ما هي مخاطر فشل الاتفاق النووي؟
على صعيد ذي صلة قالت الطالبة الجامعية مينا دراخشانده وهي تقف وسط حشد يهتف تأييدا للاتفاق "أخيرا انتهى هذا الوضع. انتهت العزلة. انتهت الصعاب الاقتصادية. (الرئيس حسن) روحاني يفي بوعوده"، وأضافت "فشل المحادثات سيكون نهاية العالم بالنسبة لنا نحن الإيرانيين. لن أقوى على تقبله"، وقال كريم سجدبور الخبير في الشؤون الإيرانية في معهد كارنيجي للسلام الدولي في واشنطن إن التعاطي مع توقعات الشعب سيكون أكثر صعوبة في الوقت الحالي"، وقال سجدبور "إذا لم تثمر الصفقة فإن معظم الأمريكيين لن يلاحظوا لكن معظم الإيرانيين سيصابون بالانهيار"، وقال مسؤول إيراني كبير طلب عدم الكشف عن اسمه "ما كان للفريق المفاوض الإيراني أن يوافق على اتفاق الإطار في لوزان لولا موافقة القائد. لا يوجد خلاف بين كبار صانعي القرار بشأن اتفاق الإطار".
واتحدت فصائل المؤسسة التي كانت وراء فوز روحاني في الانتخابات -- وهي الحرس الثوري ورجال الدين الأقوياء والسياسيون الذين لهم نفوذ -- علانية لدعم الاتفاق النووي الذي لقي إشادة من جانب الرئيس باعتباره "فرصة تاريخية" ستفيد الجميع.
وذكرت وكالة أنباء فارس شبه الرسمية ان رئيس البرلمان علي لاريجاني صرح بأن البرلمان "يدعم الاتفاق" وهنأ رئيس أركان الجيش الإيراني والحليف المقرب من خامنئي الجنرال حسن فيروز آبادي الزعيم الأعلى خامنئي على "نجاح" المفاوضين الإيرانيين وشكر روحاني على الاتفاق.
وذكرت وكالة انباء فارس ان القائد الأعلى بالحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري قال إن "الأمة الايرانية والحرس الثوري يقدران الجهود السياسية الأمينة للمفاوضين." لكن الانتقادات لروحاني زادت حيث وصف المحافظون المتشددون الحكومة بأنها لم تكن قوية بما يكفي بشأن البرنامج النووي، ويشغل النقاد الذين يشعرون بالقلق من أي وفاق مع الغرب ويخشون ان يعرض للخطر الثورة الإسلامية مواقع مؤثرة في البرلمان وأجهزة الأمن والمخابرات.
ونقلت وكالة فارس عن حسين شريعة مداري رئيس تحرير صحيفة كيهان المتشددة اليومية ومستشار خامنئي قوله "ايران بدلت حصانها المسرج بآخر لجامه مكسور"، "تأييد الاتفاق وشجب الولايات المتحدة".
وقال المحلل سعيد ليلاز ومقره طهران في اشارة الى كلمات خامنئي العلنية التي استهدفت طمأنة المتشددين "خامنئي سيواصل دعم الفريق الإيراني مع شجب أمريكا في أول ظهور علني له"، ومنذ انهيار العلاقات مع واشنطن بعد الثورة الإسلامية في ايران عام 1979 كان العداء نحو الولايات المتحدة نقطة تجمع للمتشددين الإيرانيين، لكن التضخم والبطالة ونقص الاستثمارات نتيجة للعقوبات أقنع خامنئي بدعم جهود روحاني لإيجاد أرضية مشتركة مع القوى الكبرى بشأن المسألة النووية.
وقال ليلاز "العداء نحو أمريكا كان أحد أعمدة السياسة الخارجية الإيرانية منذ الثورة ... لكن الزعيم الأعلى ما زال يؤيد المفاوضات النووية." وأضاف "سيكون من الصعب للمحافظين المتشددين انتقاد الاتفاق إذا واصل خامنئي دعمه لهذه المحادثات، وقال المحلل حامد فرح واشي "الأولوية الاولى لدى خامنئي هي المحافظة على سلطته وعلى المؤسسة." وأضاف "روحاني سيكون كبش الفداء لخامنئي اذا انهار الاتفاق".
قال مسؤولون ومحللون إنه حتى اذا نجحت الحكومة في اقناع المتشددين بقبول الاتفاق المبدئي فان تحديا أكبر ربما ينتظرها في تحفيز الأمة اذا فشل المفاوضون في التوصل الى اتفاق نهائي في يونيو حزيران.
وقال مسؤول آخر "وجود المؤسسة عرضة للخطر. لا أريد حتى ان أفكر في مثل هذا الفشل. ليس روحاني فقط وانما النظام كله قد يصبح عرضة للخطر في هذه الحالة." وأضاف "الآن لدى الناس توقعات وآمال عالية جدا"، لكن علي فائز من مجموعة الأزمات الدولية قال إن التأييد الشعبي للاتفاق قد يتضح إنه سيف ذو حدين بالنسبة لروحاني، وقال فائز "إنه ضروري لكي تقنع الناس بهذا الاتفاق لكن اذا تحطمت التوقعات الواسعة النطاق بحدوث تغير سريع فإن خيبة الأمل بين ناخبيه سيكون من الصعب احتواؤها".