ملفات الحكومة اللبنانية الجديدة: كرة من نار
عبد الامير رويح
2019-03-06 06:30
بعد تسعة أشهر من المشاورات والازمات السياسية دخلت لبنان مع التشكيل الحكومي الجديد الذي أقره البرلمان مؤخراً، مرحلة جديدة وتحديات صعبة، بسبب التدخلات الخارجية لبعض الدول التي تخشى من تنامي دور حزب الله السياسي في لبنان، حيث استطاع الحزب الحصول على ثلاث حقائب وزارية مهمة في مجلس وزراء الحريري الجديد الذي يضم 30 وزارة، وهو أكبر عدد على الإطلاق تسيطر عليه الجماعة التي تصنفها الولايات كمنظمة إرهابية. ومن بين تلك الحقائب وزارة الصحة التي تعد ميزانيتها رابع أكبر ميزانية في الدولة.
هذه التطورات اثارت قلق الولايات المتحدة الامريكية التي قالت في بيان السفيرة إليزابيث ريتشارد قالت عقب لقاء الحريري إنها كانت "صريحة جداً.. فيما يتعلق بقلق الولايات المتحدة من الدور المتزايد لحزب الله في مجلس الوزراء، وبصورة أشمل وكما نقلت بعض المصادر، خرج حزب الله وحلفاؤه السياسيون من مختلف الأطياف السياسية بأكثر من نصف الحقائب الوزارية الثلاثين، فيما يعكس نتيجة الانتخابات البرلمانية التي جرت في مايو أيار والتي فازت بها الجماعة مع حلفائها.
وقال سالم زهران وهو محلل سياسي إن الحكومة الجديدة ”دخلت تاريخ حزب الله إذ أنها شكلت النقلة النوعية له والخطوة الأولى في طريق طويل... أعتقد أن حزب الله سوف يراكم المزيد من الانخراط في الدولة اللبنانية“. وأضاف زهران ”هذا التحول لأن حزب الله أصبح لديه فائض من القوة بعد أن انتهى تقريبا من المعارك العسكريه في سوريا“.
ويرى بعض المراقبين ان الضغوط الامريكية ستزداد بشكل كبير في الفترة القادمة، من اجل اضعاف نفوذ حزب الله خصوصا وان بعض الدول الحليفة لامريكا، قد سعت ايضا الى اتخاذ قرارات جديدة ضد الحزب، وفرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على حزب الله في إطار استراتيجيتها لمواجهة إيران.
سيادة لبنان
وفي هذا الشأن ردت جماعة حزب الله اللبنانية على التنديد الأمريكي بدورها في لبنان، ووصفته بأنه ”انتهاك للسيادة“ وذلك بعدما عبرت الولايات المتحدة عن قلقها بشأن نفوذ الجماعة المتنامي. وكانت السفيرة الأمريكية في لبنان قالت، عقب اجتماعها برئيس الوزراء اللبناني، إن الولايات المتحدة قلقة بشأن ”الدور المتنامي ” لحزب الله داخل الحكومة. وتحظى الجماعة الشيعية المسلحة بدعم إيران، وتدرجها واشنطن في قائمة المنظمات الإرهابية.
وقال نواب الجماعة في بيان ”إن الموقف الأمريكي السلبي من حزب الله والذي يحرص السفراء الأمريكيون على تكراره عقب لقاء أي مسؤول في لبنان هو موقف مرفوض ومدان“. وأضاف النواب أن الموقف الأمريكي ”يمس السيادة الوطنية ويتنكر لحق مشروع ومثبت في القانون الدولي وهو حق الدفاع عن النفس ومقاومة كل تهديد أو عدوان وينحاز بغير وجه حق إلى كيان إرهابي“ في إشارة إلى إسرائيل.
وتسيطر الجماعة على ثلاث وزارات في الحكومة الجديدة بقيادة رئيس الوزراء سعد الحريري المؤلفة من 30 وزارة وهو أكبر عدد حقائب وزارية تحصل عليها على الإطلاق. ومن هذه الحقائب وزارة الصحة التي تحصل على رابع أكبر حصة في ميزانية الدولة. وتأسست الجماعة عام 1982 على أيدي الحرس الثوري الإيراني. وكانت آخر حرب رئيسية خاضتها ضد إسرائيل، عدوها الدائم، عام 2006. بحسب رويترز.
وازداد نفوذ الجماعة بالمنطقة بعدما نشرت مقاتلين تابعين لها في صراعات أخرى بالشرق الأوسط منها الحرب في سوريا المجاورة حيث تقاتل إلى جانب الرئيس السوري بشار الأسد. وبدعم جماعات وأفراد يرون ترسانتها دعما للبنان، فاز حزب الله بأكثر من 70 مقعدا في البرلمان المؤلف من 128 مقعدا في انتخابات العام الماضي بينما خسر الحريري، المدعوم من الغرب، ما يزيد على ثلث مقاعده.
وذكرت السفارة الأمريكية في بيروت أن السفيرة الأمريكية قالت خلال اجتماع مع رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري إن الدور المتزايد لجماعة حزب الله في الحكومة اللبنانية يثير قلق الولايات المتحدة. وقال البيان إنها كانت ”صريحة جدا.. فيما يتعلق بقلق الولايات المتحدة من الدور المتزايد في مجلس الوزراء لتنظيم يواصل الاحتفاظ بميليشيا لا تخضع لسيطرة الحكومة“.
وقالت ريتشارد، دون أن تذكر حزب الله بالاسم، إن هذه الجماعة ”تواصل اتخاذ القرارات الأمنية الوطنية الخاصة بها والتي تعرض باقي البلاد للخطر“. وأضافت أنها ”تواصل خرق سياسة النأي بالنفس التي تنتهجها الحكومة من خلال المشاركة في صراع مسلح فيما لا يقل عن ثلاث دول“. وتهدف سياسة النأي بالنفس التي ينتهجها لبنان رسميا إبعاد نفسه عن الصراعات التي تدور في المنطقة.
وزودت الولايات المتحدة الجيش اللبناني بمساعدات تزيد عن 2.3 مليار دولار منذ عام 2005، بهدف دعمه باعتباره ”المدافع الوحيد والشرعي“ عن البلاد. وقالت السفيرة الأمريكية إن الولايات المتحدة أكبر المانحين للبنان بالمساعدات التنموية والإنسانية والأمنية. وأضافت ”في العام الماضي وحده، قدمت الولايات المتحدة مساعدات بأكثر من 825 مليون دولار، وكانت أكثر مقارنة مع العام السابق“.
أموال وزارة الصحة
الى جانب ذلك قال الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله إن الحزب لن يستخدم أموال وزارة الصحة لمصلحته الخاصة، وإن وزير الصحة الجديد مقرب من حزب الله المدعوم من إيران لكن ليس عضوا في الحزب. وحصل حزب الله الذي يملك ترسانة كبيرة من الأسلحة على ثلاثة مقاعد في حكومة الوحدة الوطنية الجديدة التي تشكلت بعد اشهر من المشاحنات السياسية. واختار حزب الله جميل جبق وزيرا للصحة، لتكون بذلك المرة الأولى التي يتولى فيها وزارة ذات ميزانية كبيرة.
وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد طالبت الحكومة اللبنانية الجديدة بضمان عدم ذهاب موارد الحكومة لدعم حزب الله الذي تعتبره واشنطن منظمة ارهابية. وقال نصر الله إن الحزب اختار وزيرا للصحة مقربا من الحزب وليس عضو فيه حتى تتسنى له حرية الحركة والسفر والاتصال. وأَضاف ”بالفعل اخونا الدكتور جميل وزيرا ليس حزبيا ولم يعمل في تشكيلات حزب الله. طبعا هو أخ وصديق ومقرب وموثوق ومتدين وموضع ثقة وكفوء إن شاء الله ونعلق على تحمله المسؤولية آمالا كبيرا لكن هو شخصية ومقربة وليس حزبيا“. بحسب رويترز.
وذكر أن اموال الوزارة هي اموال الدولة واموال الشعب ”ولا يجوز شرعا التصرف في اموال الدولة خارج اطار ما يسمح به القانون.“ وقال نصر الله إن الأولوية الأولى للحكومة الجديدة يجب أن تكون مكافحة الفساد والهدر المالي مشيرا الى انه يوجد اجماع على ”وجود خطر اقتصادي ومالي“. وتعهد رئيس الوزراء سعد الحريري المدعوم من الغرب بإصلاحات جريئة تحتاجها البلاد بدون تأخير لمعالجة المشكلات الاقتصادية التي تواجه الدولة المثقلة بالديون.
بريطانيا وحزب الله
في السياق ذاته قالت بريطانيا إنها تعتزم حظر كل أجنحة جماعة حزب الله اللبنانية بسبب تأثيرها المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط، ووصفتها بأنها منظمة إرهابية. وحظرت لندن بالفعل وحدة الأمن الخارجي للجماعة عام 2001 وجناحها العسكري عام 2008، غير أنها تريد الآن حظر جناحها السياسي أيضا.
ولحزب الله دور في الحكومة اللبنانية، لذا فقد تثير هذه الخطوة تساؤلات بشأن علاقة بريطانيا مع لبنان، رغم أن وزير الخارجية اللبناني المتحالف مع حزب الله قال إن بريطانيا أبلغت بلاده بالتزامها بالعلاقات الثنائية. وقال وزير الداخلية البريطاني ساجد جاويد ”حزب الله مستمر في محاولات زعزعة استقرار الوضع الهش في الشرق الأوسط، ولم نعد قادرين على التفريق بين جناحه العسكري المحظور بالفعل وبين الحزب السياسي“. وأضاف في بيان ”لذلك، اتخذت قرار حظر الجماعة بأكملها“.
ويعني الحظر البريطاني إذا وافق عليه البرلمان، أن الانتماء للجماعة أو التشجيع على دعمها سيكون تهمة جنائية قد تصل عقوبتها إلى السجن عشر سنوات. وقالت الحكومة البريطانية في توضيح لقرارها إن الجماعة تواصل حشد الأسلحة في انتهاك لقرارات مجلس الأمن الدولي في حين تسبب دعمها للرئيس السوري بشار الأسد في إطالة أمد ”الصراع والقمع الوحشي والعنيف للشعب السوري من جانب النظام“.
ولم يصدر بعد رد فعل من حزب الله على الخطوة البريطانية. وقال وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، وهو حليف سياسي للجماعة، إن الخطوة البريطانية لن يكون لها تأثير سلبي على لبنان وإن لندن أبلغت بيروت بالتزامها بالعلاقات الثنائية. لكنه دافع في تصريحاته التي نقلتها الوكالة الوطنية للإعلام عن الجماعة التي كانت ترسانتها محورا للانقسام السياسي لسنوات في لبنان. وقال باسيل وهو صهر الرئيس ويقود الحزب السياسي الذي أسسه ”لو وقف العالم بأجمعه وقال إن المقاومة إرهاب، فهذا لا يجعل منها إرهابا بالنسبة إلى اللبنانيين“. بحسب رويترز.
وشكرت إسرائيل جاويد وحثت الاتحاد الأوروبي على أن يحذو حذو بريطانيا. وقال وزير الأمن الإسرائيلي جلعاد إردان على تويتر ”على كل من يرغبون حقا في مكافحة الإرهاب أن يرفضوا التمييز الزائف بين الأجنحة ’العسكرية والسياسية‘“. وأضاف ”حان الوقت الآن لأن يتبع الاتحاد الأوروبي النهج نفسه!“.
من جانبه قال حزب العمال البريطاني المعارض إنه يتعين على وزير الداخلية ساجد جاويد تقديم الأدلة التي تبرر قراره توسيع حظر على جماعة حزب الله اللبنانية. وقال المتحدث باسم حزب العمال ”على وزير الداخلية أن يظهر أن هذا القرار اتخذ بشكل موضوعي وحيادي، وبناء على أدلة واضحة وجديدة، وليس بسبب طموحه في الوصول للقيادة“.
وعندما سئل المتحدث باسم رئيسة الوزراء تيريزا ماي عن هذه التصريحات قال إن على حزب العمال أن يشرح قراره. وأضاف أن ”حزب الله نفسه نفى علانية وجود فرق بين أجنحته العسكرية والسياسية. يتم تقييم الجماعة برمتها على أنها معنية بالإرهاب. ”العلاقات بين كبار قادة الجناحين السياسي والعسكري لحزب الله بالإضافة إلى دور الجماعة المزعزع للاستقرار في المنطقة يعني أن التمييز بين الجناحين غير مقبول الآن“.
انفاق على الحدود
الى جانب ذلك قال الأمين العام لجماعة حزب الله إنه كان من المفاجئ أن الإسرائيليين تأخروا في اكتشاف الأنفاق على الحدود بين البلدين وان الجماعة تملك القدرة على الدخول إلى شمال اسرائيل منذ سنوات. وهذه المرة الاولى التي يتحدث فيها نصر الله عن اكتشاف الأنفاق على الحدود. وكانت إٍسرائيل قد كشفت الستار عما أسمته ”أنفاقا هجومية“ قالت إن حزب الله حفرها، وشكا لبنان من تشييد إسرائيل جدارا بمناطق متنازع عليها على الحدود مما أدى إلى تفاقم التوتر.
وترى إسرائيل أن إيران وكذلك أكبر خصومها حزب الله يشكلان التهديد الرئيسي على حدودها. وشنت اسرائيل عددا من الضربات العسكرية المتزايدة ضدهما في سوريا حيث يقاتلان دعما للرئيس بشار الاسد. وقال نصر الله في مقابلة مع محطة الميادين التلفزيونية أن حزب الله لا يريد أن يدخل لبنان في حرب مع إسرائيل ولكن الخشية من أن يخطأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في التقدير وأن يقدم على التصعيد قبل الانتخابات الإسرائيلية في أبريل نيسان. وقال ”علينا توقع تصرف غير حكيم من قبل نتنياهو عشية الانتخابات“.
وأشار إلى أن ”محور المقاومة“ الذي يضم إيران وسوريا وحزب الله يتداول في رد الفعل الذي يجب القيام به ردا على تصعيد الهجمات الإسرائيلية. وردا على سؤال حول إمكانية أن يكون الرد هو قصف تل أبيب قال نصر الله ”في لحظة من اللحظات كل شيء ممكن“. وقال نصر الله ”نعم جزء من خطتنا في الحرب المقبلة هو الدخول إلى الجليل ونحن قادرون على فعل ذلك إن شاء الله ونقرر وفق مجريات الحرب. المهم أن نملك القدرة ونحن نمتلك هذه القدرة منذ سنوات وبعد تجربة سوريا أصبح هذا الأمر أسهل بكثير“.
وأشار الى أن إسرائيل بأكملها ستكون ساحة حرب مؤكدا ان الجماعة لديها ما يكفي من الصواريخ الدقيقة التي يمكن ان تضرب عمق إسرائيل. وقال ”ارتأينا في حزب الله أن ندع الإسرائيليين يتكلمون عن عملية درع الشمال حتى انتهائها“ مضيفاً أن ”العملية لم تنته رغم إعلان الإسرائيليين أنها انتهت لأن الحفارات ما زالت تعمل“.
لكنه أضاف ”لسنا ملزمين بأن نعلن عمن حفرها أو متى لأننا نعتمد الغموض البناء“ واعتبر أن المفاجئ بالنسبة للحزب أن ”الإسرائيلي تأخر في اكتشاف هذه الأنفاق“ وأن هناك أنفاقا قديمة وأحدها ”يعود عمره إلى 13 عاما وهو موجود داخل الأراضي المحتلة وهذا ما يؤكد فشل الاستخبارات الاسرائيلية“. بحسب رويترز.
وقال ان نتنياهو ”حقق انجازا وحيدا وهو أنه هناك عدد من الانفاق تم كشفها وهذه الانفاق ليس معلوما أنها كل الانفاق وهذه ليست نهاية الدنيا“ ووفقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 الذي أنهى الحرب بين إسرائيل وحزب الله ينبغي ايجاد منطقة تكون خالية من أي مسلحين. وأكد نصر الله أن ”مخاوف إسرائيل في سوريا كبيرة جداً لأن هناك فشلاً استخبارياً إسرائيلياً ذريعاً هناك“ وأشار إلى أن كل الغارات الاسرائيلية في سوريا لم تمنع حزب الله من امتلاك صواريخ بعيدة المدى. وقال ”تم إنجاز حصولنا على الصواريخ الدقيقة ومحاولة نتنياهو منعها عبر قصف سوريا غير مجدية“ وتابع ”لم نعد بحاجة لنقل أي صواريخ دقيقة لأننا نمتلك العدد الكافي من أجل أي مواجهة مقبلة“.
وانتقدت وزارة الخارجية الأمريكية جماعة حزب الله اللبنانية لحفرها أنفاقا إلى إسرائيل وتخزين صواريخ، في وقت تكثف فيه واشنطن الجهود لعزل طهران. وقال ديفيد هيل وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية، بعد لقائه مع رئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري، ”يحق للبنان الدفاع عن نفسه، لكن هذا حق للدولة اللبنانية فحسب“. وأضاف ”من غير المقبول أن تكون هناك ميليشيا خارجة عن سيطرة الدولة ولا تخضع للمساءلة أمام الشعب بأكمله تحفر أنفاقا هجومية عبر الخط الأزرق إلى إسرائيل أو تجمع ترسانة تضم أكثر من 100 ألف صاروخ لتهديد الاستقرار الإقليمي“.