السعودية وايران.. صراع جيوسياسي على مستقبل الشرق الاوسط
كمال عبيد
2015-04-21 01:30
صراع حياة أو موت على مستقبل الشرق الأوسط، هكذا وصف المحللون السباق المحتدم بين ايران والسعودية على عرش المنطقة الاكثر سخونة على الصعيدين الامني والسياسي حول العالم، حيث تصاعد التوتر بين طهران والرياض بشأن اليمن، في صراع شرس لحماية المصالح وتعزيز النفوذ المكرس بالخلافات والعداوات بينهما، ويتناول هذا الصراع توسيع رقعة الهيمنة وحماية الحدود والموارد وتأمين خطوط الإمداد في منطقة غير مستقرة.
ويعود التنافس بين البلدين النفطيين اللذين يسعيان، كل من جهته، إلى تكريس نفوذه الإقليمي، إلى عقود مضت، وشهدت علاقاتهما توترات وفترات تقارب، وتدهورت العلاقات إلى أدنى مستوى بعد الاجتياح الأمريكي للعراق الذي دعمته السعودية في 2003، ويرى الكثير من المحللين المتخصصين بشؤون الشرق الاوسط أن الرياض شعرت بأنها محاصرة بالنفوذ الإيراني المتنامي في دول عربية منذ الغزو الأمريكي للعراق، وهي تعتبر إمكانية حصول إيران على سلاح نووي أكبر كوابيسها، وكذلك يبدو أن السعودية قلقة أيضا من أن يتيح الاتفاق ورفع الضغط الدولي عن إيران - بما في ذلك العقوبات- مجالا أرحب لها لتسليح وتمويل وكلائها الذين تعارضهم الرياض في المنطقة.
إذ يرى الكثير من المحللين ان مشكلة السعودية مع ايران لا تقتصر على الاتفاق النووي، بل في مدى تمدد ايران في الشرق الاوسط وهو نفس غاية السعودية، كما اذكى التقارب السطحي الأمريكي الإيراني غير المسبوق، مخاوف عميقة لدى حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط، فقد نشأت مخاوف السعودية نتيجة إجراء مفاوضات سرية على مدى شهور بين إيران وإدارة أوباما في 2013 على نحو جعل الرياض تجهل جوانب المسألة.
فقد اظهرت التطورات الامنية الاخيرة في قلب الشرق الاوسط وعلى الساحة اليمنية تحديدا، المخاوف السعودية من أن تهدد القوة العسكرية للحوثيين ومرونة الغرب تجاه ايران بضرب أجنداتها وتقويض نفوذها في المنطقة، مما دفع بهم للشعور بخطر فقدان فرصة الهيمنة، وبالتالي دفعهم هذا الشعور الى اتخاذ عدة إجراءات تعتمد على سياسة الدعم الاستراتيجي في العمليات العسكرية وابرزها علميات مايسمى بـ عاصفة الحزم التي اثارت من حدة الصراع بين المملكة السعودية والجمهورية الايرانية، حيث يرى المحللون ان الهدف من عاصفة الحزم السعودية جاء ردا على التحول المفاجئ خلال السنوات الاخيرة في ميزان القوى على الارض والمصالح الاقليمية من جانب تغلغل ايران في العراق وسوريا ولبنان، الذي وضع السعودية في موقف حرج بعد ان اصبحت عاجزة عن التأثير على مجريات الاحداث في المنطقة العربية.
ويرى المحللون ان حالة عدم الاستقرار السياسي والانتكاس الامني الذي تشهده بلدان الشرق الاوسط هو نتيجة الصراع السعودي الايراني المتفاقم وذلك بدعم أطراف متنافسة في حروب وصراعات سياسية في المنطقة كثير منها يرجع لأسباب طائفية، فضلا عن التدخل في الشؤون الداخلية بصورة مباشرة وغير مباشرة في الكثير من الدول ابرزها سوريا والعراق ولبنان واليمن.
فيما يرى محللون آخرون أن تصاعد حدة الصراع بين الغريمين الاقليميين في اليمن قد ادى إلى حرب بالوكالة بين السعودية وإيران اللتين تتنافسان على النفوذ في منطقة الشرق الأوسط، حيث يرى هؤلاء المحللون ان المشكلة مع ايران لا تتحدد في قضية معينة، فهي تشمل اثارة النعرات الطائفية، ودعم الازمات في المنطقة فضلا عن المناطق المتنازع عليها في اشارة الى الجزر الثلاث، فضلا عن الحرب في سوريا والعراق التي باتت مصدرا لصراع حاد بينهما وصل حد الحرب بالوكالة، وهذا يكشف دوافع الهيمنة والتغلغل للحصول على عرش الشرق الاوسط.
وعليه تظهر الصراعات في الشرق الاوسط وحروب الوكالة والخلافات الداخلية والمطامع دولية بين السعودية وايران مؤشرات لحرب حقيقية، إذ أن تصاعد التوترات بينهما يضع منطقة الشرق الاوسط في مهبّ حرب وشيكة لا تحمد عقباها.
هل هو صراع نفوذ فقط؟!
على صعيد ذي صلة يغذي الصراع على النفوذ بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية في دول عدة في الشرق الأوسط، التوتر بين السنة والشيعة، ولو أن الخلافات بين القوتين ذات جذور سياسية. الورقة التالية تسلط الضوء على مقاربة مختلفة لما بات يعتبره البعض بمثابة حرب باردة وقودها الطائفية. بحسب فرانس برس.
من سوريا إلى العراق إلى اليمن، تدعم كل من طهران والرياض إجمالا مجموعات أو دول تشاطرها مذهبها، وتستخدم العصبية المذهبية كأداة تفيدها في تحقيق أهدافها السياسية، لكنها أداة خطيرة في الوقت نفسه بسبب التداعيات التي تتركها على المجتمعات.
وتقول جين كينينمونت المتخصصة بشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز "شاتهام هاوس" في لندن في شريط فيديو من إنتاج المركز "لا يوجد نزاع دائم هنا. أحيانا، تختلط الهويات الدينية المختلفة بخلافات سياسية أو اقتصادية".
ومن السهل النظر إلى النزاعات التي يتدخل فيها البلدان بطريقة أو بأخرى من المنظار الطائفي.
ففي سوريا، بدأ النزاع بانتفاضة معارضة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد المنتمي إلى الطائفة العلوية والملتزم بتحالف استراتيجي قديم مع إيران.
ودعمت السعودية المعارضة المنتمية بغالبيتها إلى المذهب السني. مع تطور الحرب، برزت مجموعات جهادية (تنظيم الدولة الإسلامية) تعتمد خطابا دينيا بحتا، تكفر الشيعة والعلويين وكل ما هو مختلف عنها.
في اليمن، وضع المسؤولون السعوديون تدخلهم العسكري الأخير على رأس تحالف من الدول السنية، في بلد حدودي مع السعودية، في إطار الدفاع عن الشرعية التي يهاجمها الحوثيون الشيعة المدعومون من إيران.
في البحرين، تتهم الحكومة المدعومة من السعودية إيران وحزب الله بإثارة الشغب وتشجيع المعارضة الشيعية على التمرد.
في لبنان، تدعم الرياض رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، أبرز زعيم سني في البلاد، والمعارض لحزب الله الشيعي المدعوم والممول بشكل أساسي من إيران.
لكن، يقول فنار حداد، الباحث في معهد حول الشرق الأوسط في جامعة سنغافورة الوطنية، "عندما يتعلق الأمر بالسياسة الإقليمية، ما يحمل في الظاهر عنوانا طائفيا، ينطوي في الحقيقة على تنافس سياسي"، وتقول كينينمونت "غالبا، يتم تصوير الواقع، وكأنه أمر بديهي أن يتقاتل السنة والشيعة بسبب تفسير مختلف للإسلام. إلا أن نظرة على التاريخ وعلى الدول الإسلامية تدل على أن الأمر مختلف"، إذ أن الانتماء إلى مذهب واحد لا يعني وحدة المصالح.
تصاعد التوترات والتهديدات
في سياق متصل اكد الرئيس الايراني حسن روحاني ان القوات المسلحة الايرانية لا تشكل تهديدا لاحد في المنطقة بينما يتصاعد التوتر بين طهران والرياض بشأن اليمن، وقال روحاني في خطاب بثه التلفزيون الحكومي مباشرة لمناسبة العرض العسكري السنوي للجيش الايراني ان "القوات المسلحة تجلب الهدوء الى الامة والشعوب الاخرى في المنطقة"، واضاف ان "قواتنا البحرية ترفع رايتنا من الخليج الفارسي الى خليج عدن، ومن بحر عمان الى البحر المتوسط (...) لكن هذا الوجود يهدف الى ضمان امن الدول المطلة عليها والنقل البحري"، وتابع الرئيس الايراني "يجب الا يشعر احد بالقلق من وجود القوات البحرية الايرانية"، مؤكدا ان "مناورات الجيش والحرس الثوري تجلب الهدوء لشعوب المنطقة واستراتيجيتنا كانت باستمرار استراتيجية ردع لجلب السلام والامن الى المنطقة". بحسب فرانس برس.
وتقوم السفن الايرانية منذ سنوات بمهمات في خليج عدن وقبالة سواحل الصومال لمرافقة السفن التجارية وناقلات النفط الايرانية. وتوجهت سفن حربية ايرانية الى المتوسط ايضا او آسيا وخصوصا الصين، وخلال العرض العسكري، عرضت منظومة مضادة للصواريخ باور-373 صنعت محليا ومطابقة لصواريخ اس-300 الروسية، وتقول طهران ان نظام باور-373 يمتلك "قدرات مشابهة" لصواريخ اس-300 الروسية التي تعادل صواريخ باتريوت الاميركية القادرة على اسقاط طائرات وصواريخ، واعلن الكرملين في بيان ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقع الاثنين مرسوما يلغي حظر تسليم ايران صواريخ اس-300 الذي كان الرئيس السابق ديمتري مدفيديف اصدره في 2010، وكان مدفيديف منع تسليم هذه الصواريخ الى ايران بموجب عقد انتقده الغربيون واسرائيل، طبقا لقرار للامم المتحدة يفرض على ايران عقوبات بسبب برنامجها النووي المثير للجدل.
استنكارات واتهامات
من جهته استنكر الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي التدخل العسكري السعودي في اليمن واصفا إياه بالابادة الجماعية في تصعيد حاد للهجة ضد الضربات الجوية المستمرة منذ أسبوعين، وقال خامنئي إن السعودية لن تخرج منتصرة من الحرب في اليمن حيث يحاول المقاتلون الحوثيون المتحالفون مع إيران والذين يسيطرون على العاصمة صنعاء الاستيلاء على مدينة عدن التي يدافع عنها مقاتلون محليون، ودعت إيران أكثر من مرة لوقف الضربات الجوية وبدء حوار في اليمن لكن تصريحات خامنئي هي الأشد انتقادا من جانب طهران للحملة التي تقودها السعودية وتشارك فيها دول عربية حليفة. بحسب رويترز.
وقال خامنئي في كلمة بثها التلفزيون "هذه جريمة وإبادة جماعية يمكن أن تنظرها المحاكم الدولية ... الرياض لن تخرج منتصرة في عدوانها"، وانتقد الرئيس الإيراني حسن روحاني التحالف الذي تقوده السعودية قائلا إنه يكرر أخطاء ارتكبت في مناطق أخرى من العالم العربي حيث أيدت السعودية وإيران أطرافا متنافسة.
وتحدث خامنئي وروحاني بعد يوم من قول إيران إنها سترسل سفينتين حربيتين قبالة سواحل اليمن في حين كرر متحدث باسم التحالف الذي تقوده السعودية اتهامات الرياض لإيران بتدريب وتسليح المقاتلين الحوثيين الشيعة. ونفت إيران ذلك.
وذكرت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية يوم الخميس أن إيران استدعت القائم بالأعمال السعودي في طهران بسبب "اتهامات لا أساس لها من الصحة" ذكرها العميد أحمد عسيري خلال إفادة صحفية، ولم توقف الضربات الجوية المتواصلة تقدم الحوثيين المدعومين بقوات موالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح إلى وسط عدن.
وتقول السعودية إن الحملة العسكرية تهدف لوقف تقدم الحوثيين وإعادة الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي فر من عدن قبل نحو أسبوعين حتى يتسنى استئناف المفاوضات السياسي التي تتوسط فيها الأمم المتحدة، وتقول الأمم المتحدة إن القتال أودى بحياة أكثر من 600 شخص وشرد أكثر من 100 ألف. ويحذر عمال إغاثة من كارثة إنسانية تلوح في الأفق، وقال سكان إن مقاتلين حوثيين وقوات موالية لصالح دخلوا العاصمة الاقليمية لمحافظة شبوة ذات الغالبية السنية في شرق اليمن، وقال السكان إن زعماء قبليين محليين ومسؤولين عن الأمن سهلوا دخول القوات الحوثية إلى مدينة عتق حيث سيطرت على مقار الحكم المحلي ومجمعات القوات الأمنية.
دور امريكا في الصراع
من جهته صرح وزير الخارجية الاميركي جون كيري الاربعاء ان الولايات المتحدة تعرف ان ايران تقوم بتسليح المتمردين الحوثيين الشيعة ولن تقف مكتوفة الايدي بينما تجري زعزعة استقرار كل المنطقة، وقال كيري لشبكة سي بي اس ان "على ايران ان تعرف ان الولايات المتحدة لن تقف مكتوفة الايدي بينما تتم زعزعة استقرار المنطقة برمتها ويشن اشخاص حربا مفتوحة عبر الحدود الدولية لدول اخرى". بحسب فرانس برس.
واضاف "كانت هناك -- وهناك حاليا بالتأكيد -- رحلات طيران قادمة من ايران. كل اسبوع هناك رحلات من ايران قمنا برصدها ونحن نعرف ذلك"، واعلنت وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) ان سلاح الجو الاميركي بدأ عملية تزويد بالوقود في الجو لمقاتلات عملية "عاصفة الحزم" التي يشنها تحالف تقوده السعودية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن.
وفي الوقت نفسه، اكد كيري ان الولايات المتحدة لا تسعى الى المواجهة. وقال "لن نتخلى ابدا عن تحالفاتنا وصداقاتنا"، موضحا ان الولايات المتحدة مقتنعة "بضرورة الوقوف في صف الذين يشعرون انهم مهددون بسبب الخيار الذي يمكن ان تقوم به ايران".
الى ذلك أعلن نائب الرئيس الاميركي جو بايدن ان القادة العراقيين أثبتوا تمسكهم بسيادتهم الوطنية في قتالهم ضد تنظيم الدولة الاسلامية المتطرف، مؤكدا انهم لا يريدون بأي شكل من الأشكال ان يكونوا "دمى" في يد ايران. بحسب فرانس برس.
وقال بايدن، المنخرط كثيرا في الملف العراقي، في خطاب القاه في جامعة الدفاع الوطنية في واشنطن انه خلال معركة استعادة السيطرة على تكريت (شمال بغداد) شدد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي على وجوب ان تتلقى القوات العراقية اوامرها من بغداد وليس من طهران، واضاف انه في بادئ الامر اظهرت وسائل الاعلام الوضع في تكريت على ان "الآمر الناهي" في معركة استعادة السيطرة على المدينة هو الميليشيات الشيعية الموالية لايران، ولكن ما ان بدأت المعركة حتى اخذ العبادي "بكل شجاعة زمام المبادرة واوضح بشكل لا لبس فيه ان الحكومة العراقية وانه هو شخصيا بصفته قائدا اعلى للقوات المسلحة، من يدير العملية".
واضاف ان الولايات المتحدة شنت بطلب من العبادي غارات جوية لمواقع التنظيم الجهادي في تكريت مما سمح للقوات العراقية باستعادة السيطرة على المدينة بعد ايام، واذ اقر نائب الرئيس الاميركي بأن التوترات الطائفية في العراقية بين الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة والاقلية السنية تقوض العراق وموقعه على الساحة الدولية، اكد ان "العراقيين لا يريدون الانجرار في النزاعات الاقليمية. انهم يريدون ان يظلوا سادة في بلدهم"، وأضاف ان القادة العراقيين "لا يريدون ان يكونوا دمى يحركهم خيط يمسك بطرفه احد ما في المنطقة".