فرنسا.. صراع سياسي محتدم على وقع ملفات الفساد

عبد الامير رويح

2015-04-07 01:00

تعيش فرنسا وكما يرى بعض الخبراء الكثير من الصراعات والمشكلات الداخلية والخارجية من أهمها صراع تصفية الحسابات الداخلية بين الأحزاب وبعض الشخصيات السياسية البارزة، التي تسعى الى فرض سيطرتها على مركز القرار في فرنسا، هذه الصراعات والحروب المتواصلة بين الساسة تزداد حدتها بين حين وآخر وخصوصا مع اقتراب الانتخابات والتي يعدها بعض الخبراء ساحة حرب مهمة تستخدم فيها كل الأسلحة من اجل تسقيط وإقصاء الخصوم، وهو ما يعززه الفشل المستمر للسياسة الحكومية التي عجزت عن تلبية مطالب الناخبين. واعتبر بعض المحللين ان ما تشهده فرنسا من صراع وتسقيط قد لا يخلو من تدخلات خارجية ربما سيعيد رسم الخارطة السياسية لهذا البلد، فقد حققت المعارضة اليمينية في فرنسا بقيادة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي فوزا كبيرا في الانتخابات الإقليمية التي جرت دورتها الثانية وحقق فيها اليمين المتطرف مزيدا من التقدم. ومني الحزب الإشتراكي الحاكم منذ 2012 بهزيمة قاسية في حين فاز حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية" بزعامة ساركوزي وحلفائه الوسطيون في "اتحاد الديمقراطيين والمستقلين" بـ66 دائرة من أصل 101 دائرة بحسب نتائج جمعتها وكالة الأنباء الفرنسية.

ومن أبرز الأقاليم التي خسرها الحزب الاشتراكي لمصلحة اليمين إقليم كوريز (جنوب غرب)، دائرة الرئيس فرانسوا هولاند، وإقليم إيسون (قرب باريس) ومعقل رئيس الوزراء مانويل فالس. وأقر رئيس الوزراء بأن "اليمين الجمهوري" حقق انتصارا "لا جدال فيه"، أمام يسار "مشرذم جدا" و"يشهد تراجعا واضحا"، منددا بـ "النتائج العالية جدا لليمين المتطرف" الذي يشكل "خطرا مميتا" على البلاد و"يمكن أن يكسب الانتخابات الرئاسية العام 2017"، وهذه هي رابع هزيمة انتخابية على التوالي يمنى بها الاشتراكيون في غضون عام واحد. وبهذه النتيجة يكون اليمين الجمهوري، قد استرجع عافيته ليفرض نفسه من جديد على الساحة السياسية الفرنسية بعد انهياره في مايو أيار 2012 عقب الخسارة التي مني بها ساركوزي خلال الانتخابات الرئاسية.

تحقيقات قضائية

وفيما يخص هذا الصراع المستمر فقد مثل الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي أمام قضاة محكمة باريس لاستجوابه في قضية الغرامات التي فرضت عليه بعد تأكيد عدم صلاحية حسابات حملته الانتخابية في 2012. وكان حزبه الاتحاد من أجل حركة شعبية هو الذي سدد هذه الغرامات التي بلغت ما يقارب 400 ألف يورو. وقال مصدر قريب من الملف إن ساركوزي سيخضع للاستجواب في قضية الغرامات التي فرضت عليه بعد تأكيد عدم صلاحية حسابات حملته خلال الانتخابات الرئاسية في 2012. وسدد حزبه اليميني الاتحاد من أجل حركة شعبية هذه الغرامات.

وفي إطار هذا الملف، اتهم الرئيس السابق للحزب جان فرانسوا كوبيه "باستغلال الثقة" بعد الاستماع إليه لخمس ساعات من قبل قضاة ماليين. ووجه الاتهام نفسه إلى مسؤولة الخزانة في الحزب كاترين فوتران في كانون الأول/ديسمبر الماضي. وبحرمانه الاتحاد من أجل حركة شعبية من استعادة أكثر من عشرة ملايين يورو، اتخذ المجلس قرارا كانت له عواقب كبيرة على الحزب الذي يواجه أصلا صعوبات مالية بدين يتجاوز السبعين مليون يورو. وجرت عملية واسعة لحملة تبرعات أطلق عليها اسم "ساركاتون" لدى الناشطين وحققت نجاحا. لكن غرامات فرضت على المرشح ساركوزي شخصيا وسددها الحزب بدلا منه. بحسب فرانس برس.

الى جانب ذلك اعلن مصدر قضائي ان ثلاثة مسؤولين كبار في حملة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي للانتخابات الرئاسية التي جرت في 2012، اتهموا رسميا في اطار التحقيق في نظام واسع لفواتير مزورة خلال هذا الاقتراع الذي هزم فيه ساركوزي. وقال المصدر ان المدير السابق للحملة غيوم لامبير والمسؤول عن ماليتها فيليب بريان ومحام للاتحاد من اجل حركة شعبية (يمين معارض) فيليب بلانشيتييه "اتهموا" باستخدام وثائق مزورة والاحتيال واستغلال الثقة والتواطؤ في تمويل غير قانوني للحملة الانتخابية.

واتهم عشرة اشخاص حتى الآن في اطار هذه القضية التي تحمل اسم "بيغماليون". فالى جانب هؤلاء الثلاثة اتهم اربعة مسؤولين سابقين في هذه الشركة وثلاثة آخرين في الاتحاد من اجل حركة شعبية. ويرى المحققون ان هؤلاء شاركوا في نظام لتزوير الفواتير ليتمكن الاتحاد من اجل حركة شعبية من الحصول على 18,5 مليون يورو من النفقات المرتبطة بحملة ساركوزي. وكان الهدف هو منع ان تتجاوز النفقات السقف المسموح به للحملات البالغ 22,5 مليون يورو، وهو ما حدث على الرغم من كل شىء.

واصدر فرع لبيغماليون فواتير مزورة لعشارت المناسبات للاتحاد لم ينظم الكثير منها بينما خفضت نفقات التجمعات الانتخابية في حسابات الحملة الرسمية، لذلك جرى الحديث عن احتيال. واكد الكسندر فارو محامي فيلي بلانشيتييه ان موكله "لم يقرر ولم يوقع شيئا"، موضحا انه "اذا قام اشخاص بالغش، فهم فعلوا ذلك بدون علمه". اما غيوم لامبير فقد اكد انه لم يعمل يوما على تلاعب في الحسابات. واعلن وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف انه سيقترح على رئيس الجمهورية انهاء مهمته كرئيس ادارة لوزير (جنوب شرق) بسبب هذا الاتهام. اما ساركوزي فقد انكر وجود "اي نظام لمضاعفة الفواتير" واكد انه "لم يسمع باسم بيغماليون الا بعد انتهاء الحملة الرئاسية بفترة طويلة".

توقيف نجل وزير الداخلية السابق

ذكرت مصادر قضائية أن نجل وزير الداخلية الفرنسي السابق كلود غيان تم توقيفه في إطار التحقيقات الجارية بشأن الاشتباه في تمويل معمر القذافي للحملة الانتخابية للرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي. وتم استجواب فرنسوا غيان خصوصا بشأن "تحويلات مالية"، بحسب مصدر آخر قريب من التحقيق.

وكانت الاتهامات بشأن تمويل ليبي لحملة ساركوزي في 2007 ظهرت بين دورتي الانتخابات الرئاسية لعام 2012. وينفي ساركوزي بشدة هذه الاتهامات. وكان كلود غيان نفسه تعرض في هذا الملف إلى تهم تبييض أموال وتهرب ضريبي ضمن عصابة منظمة وتزوير. بحسب فرانس برس.

والتهم الموجهة إلى وزير الداخلية الأسبق على صلة بلوحتين تعودان إلى القرن السابع عشر. ويحقق قضاة منذ نيسان/أبريل 2013 في هذه اتهامات تمويل ليبي للحملة الانتخابية لساركوزي، بدون أدلة، والتي وجهها الوسيط زياد تقي الدين ومسؤولون في نظام القذافي الذي أطيح به في 2011.

اليمين المتطرف

في السياق ذاته اعتبر رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس ان حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف يمكن ان يفوز بالانتخابات الرئاسية الفرنسية في 2017 رغم برنامجه الذي وصفه بانه يشكل "كارثة على البلاد". وقال فالس ردا على اسئلة اذاعة اوروبا1 وقناة اي تيلي وصحيفة لوموند "الا تعتقدون ان جبهة وطنية نالت 25 بالمئة في الانتخابات الاوروبية وربما 30 بالمئة في انتخابات المناطق ، يمكنها الفوز بالانتخابات الرئاسية؟ ليس في 2022 ولا 2029 بل في 2017".

واضاف "انا لست خائفا على نفسي (..) بل على بلدي" معتبرا ان حزب الجبهة الوطنية "لا يقدم اي حل" وان برنامجه "سيضع الفرنسيين في مواجهة بعضهم البعض". وشدد فالس "ان برنامجه، القائم على الخروج من منطقة اليورو ومن السياسة الزراعية المشتركة، يمثل كارثة على البلاد وخرابا على الفرنسيين".

من جانب اخر في حوار نادر مع قراء صحيفة "لوباريزيان" الفرنسية، رد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند على الكثير من الأسئلة المتعلقة بالبطالة والتربية والتعليم ومشاكل العنصرية وأخرى تخص الاقتصاد والمجتمع، إضافة إلى الخطر الذي يمثله حزب "الجبهة الوطنية" المتطرف حيال الشباب. وقال هولاند، الذي استقبل ثمانية قراء (5 نساء و3 رجال) في قصر الإليزيه، "علينا أن نقنع ونمنع الفرنسيين من التصويت لحزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف في الانتخابات".

وفي سؤال طرحته قارئة اسمها يمينة فلاحي حول العنصرية التي يعاني منها بعض مسلمي فرنسا وعن تصريح مانويل فالس الذي تحدث عن "الفاشية الإسلامية"، أجاب هولاند أن "الإسلام ليس هو المستهدف، بل الإرهاب الإسلامي الذي يستخدم الدين لقتل أبرياء وتنفيذ هجمات إرهابية"، موضحا أن "على المدارس والمؤسسات التربوية أن تمنع دخول الأديان إلى داخلها أو أن تؤثر على طبيعة التعليم الذي تقدمه للتلاميذ".

وأضاف هولاند، ردا عن سؤال قارئة أخرى، أن هناك ضرورة ملحة لتدريس تاريخ الديانات في المدارس، إضافة إلى تخصيص أسبوعا كاملا في السنة لشرح معنى ومبدأ "العلمانية" المتعامل به في الجمهورية الفرنسية. وبخصوص التصرف العنصري الذي تعرض إليه مواطن فرنسي أسود البشرة عندما منع من الدخول إلى المترو من قبل مشجعين لنادي تشيلسي الإنكليزي لكرة القدم، قال فرانسوا هولاند إن العنصرية غير موجودة فقط في الملاعب، بل في المواصلات وفي أماكن العمل، مؤكدا أنه "عازم على محاربة مثل هذه الأعمال "الدنيئة". فيما أعلن أنه من الممكن، من الآن فصاعدا أن يتحد أناس تعرضوا إلى العنصرية، في جمعية تقوم برفع شكوى قضائية جماعية.

وفي سؤال حول الفوز الكاسح لليمين المتطرف في الانتخابات المحلية، اعترف الرئيس الفرنسي أن هذا يعبر عن فشل سياسي جماعي وليس فقط عن فشله الخاص أو فشل حكومته، داعيا إلى إقناع كل من يريد التصويت لصالح "الجبهة الوطنية" بأنه خيار خاطئ، موضحا في نفس الوقت أنه بالرغم من أن الجمهورية الفرنسية تعترف بحزب "الجبهة الوطنية"، إلا أن هذا لا يمنع أن الأفكار التي يدافع عنها ليست أفكارا جمهورية". بحسب فرانس برس.

وبشأن مستقبله السياسي، أكد الرئيس الفرنسي أنه لا يفكر كثيرا في الانتخابات الرئاسية في 2017 طالما الوضع الاقتصادي والاجتماعي لم يتحسن ونسبة البطالة لم تنخفض. "سأقوم بكل ما في وسعي من أجل إخراج فرنسا من الأزمة التي هي فيها منذ سنوات ثم بعد ذلك سأفكر في مواصلة مشواري السياسي أم لا. لن أحاول أن أبرر الفشل أو أقول بأنه لم يكن لدي الحظ الكافي لتحسين وضع فرنسا. لا، لن أتهرب من مسؤولياتي ومن التزاماتي إزاء الفرنسيين. سأفكر في هذه الأمور في بداية2017». هذا، وتطرق هولاند إلى محاور أخرى مثل الاقتصاد وسياسة التقاعد وإلى مشاكل الشركات الصغيرة والكبيرة، لكنه لم يكشف في إجاباته عن أشياء جديدة. بالمقابل رفض هولاند الإجابة على قارئ سأله لماذا لا يريد أن يعلن رسميا عن علاقته الغرامية مع الممثلة جولي غاييه، معتبرا السؤال يخص حياته الخاصة.

حرب مضادة

على صعيد متصل كشف الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي في مقابلة مع صحيفة "لوفيغارو" عن الخيارات الاقتصادية والسياسة الكفيلة حسب رأيه بإخراج فرنسا من دوامة الأزمة. فيما انتقد سياسة الرئيس فرانسوا هولاند "القاسية" والتي "تقتصر على فرض ضرائب إضافية على الفرنسيين". وقال ساركوزي في مقابلة مع صحيفة "لوفيغارو" اليمينية: "التنمية الاقتصادية في فرنسا منعدمة منذ ثلاث سنوات. نسبة البطالة ارتفعت لتشمل ستة ملايين شخص، ونسبة العجز المالي العام ارتفعت أيضا".

وأضاف إن وضع فرنسا الاقتصادي "يبعث على القلق"، منتقدا السياسة الضريبية "الموجعة" التي اتبعها الرئيس هولاند. وقال من حكم فرنسا من 2007 لغاية 2012: "منذ انتخابه رئيسا للبلاد في مايو/أيار 2012، لم يكف فرانسوا هولاند عن فرض ضرائب إضافية على الفرنسيين (40 مليار يورو)"، منوها في الوقت نفسه أن قانون "إنعاش الاقتصاد" الذي عرضه وزير الاقتصاد إيمانويل ماكرون "لم ولن يأتي بجديد بالنسبة لاقتصاد فرنسا كونه لا يحتوي ولو على مادة واحدة تنص عل تخفيض نسبة الضرائب بهدف دفع عجلة التنمية".

وانتقد ساركوزي ما سماها الطريقة "القاسية" التي لجأ إليها رئيس الحكومة مانويل فالس لإقرار قانون "إنعاش الاقتصاد" في البرلمان من خلال المادة 49-3 من الدستور والتي تسمح للحكومة تفادي تصويت النواب على القانون المذكور. "أولوياتي إعادة ترتيب البيت ومعالجة الجروح ومحو الانقسامات" وإلى ذلك، كشف رئيس حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية"، أبرز أحزاب المعارضة إلى جانب "الجبهة الوطنية" اليمينية المتطرفة، عن سلسلة من الإجراءات الاقتصادية التي ينوي اقتراحها لإخراج فرنسا من "العزلة الاقتصادية" في أوروبا.

ومن بين هذه الاقتراحات، تمديد سن التقاعد من 62 سنة إلى 63 سنة وإلغاء الضريبة على الثروة وخفض النفقات العامة وعدم استبدال الموظفين العموميين الذين يحالون إلى التقاعد، إضافة إلى خلق عقد عمل لا تتجاوز مدته خمس سنوات، خاصة في مجال الإعلام الآلي. ورغم الانتقادات التي يواجهها ساركوزي داخل حزبه وافتقاده إلى رؤى مستقبلية، إلا أنه أكد أن "لديه مشروعا سياسيا واقتصاديا لفرنسا" على أن يتم الكشف عنه "وفق إستراتيجية واضحة". بحسب فرانس برس.

وشدد الرئيس السابق على أن الأولوية بالنسبة إليه "إعادة بناء حزبنا وترتيب بيتنا وتوحيد قدراتنا ومعالجة الجروح وإنهاء الانقسامات التي جاءت في أعقاب خسارتنا في الانتخابات الرئاسية في 2012"، مؤكدا أن دوره يكمن في وضع "سياسة بديلة قادرة على إعادة الأمل للفرنسيين".

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي