مستقبل الاتفاق النووي ومتغيرات المشهد السياسي الدولي والاقليمي
كمال عبيد
2015-04-05 12:13
بعد سنة ونصف من المفاوضات المكثفة توصلت مؤخرا الدول الكبرى 5+1 وايران لاتفاق نووي انهى جدلا استمر اكثر من 12 عاما، واثار مخاوف كبيرة من اندلاع حرب في الشرق الأوسط، مما اغضب اسرائيل بشدة، بينما لا تزال دول الخليج تلتزم الصمت حتى اللحظة الراهنة، فاعتبر الكثير من المحللين ان طهران والقوى العظمى نجحت في تحقيق اختراق الجمود المهيمن على الطرفين، من خلال التفاهم على اتفاق اطار حول الملف النووي الايراني لكن لا يزال يتعين القيام بعمل هائل لانجاز اتفاق تاريخي نهائي، وذلك بمعزل عن المعارضين للاتفاق - من اسرائيل الى خصوم الرئيس باراك اوباما من الجمهوريين- الذين قد يضاعفون الجهود سعيا لنسف العملية التفاوضية، إذ تخشى اسرائيل ودول الخليج طموحات ايران في القطاع النووي، وبالنسبة لرئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو فان الاتفاق يهدد "بقاء دولة اسرائيل.
ويرى الكثير من المحليين انه على الرغم من أن التوصل الى توافق بين ايران والغرب وصف بالخطوة الايجابية، إلا ان الثقة لم تترسخ بعد بين الطرفين، الذين حذروا من ان الالية برمتها يمكن وقفها في حال عدم تقيد طهران بالتزاماتها، ولكن على الرغم من كل ذلك يبقى هذا الاتفاق الاطار انجازا اساسيا وسط ازمة مستمرة منذ 12 عاما بين ايران والاسرة الدولية، فلا يزال التوصل الى الاتفاق النهائي الذي يتضمن كافة التفاصيل التقنية بحلول نهاية حزيران/يونيو المقبل، يحتاج الى عمل ومثابرة تؤطرها ثقة متزايدة بين الطرفين.
فيما يتساءل بعض المحللين حول الانفراجة النووية مؤخرا، وهل كان لقوة ايران السياسية ونفوذها في الشرق الاوسط سببا في الوصول الى صفقات معينة مع الغرب لكي تحصل على هذا الاتفاق الذي وصف بالخطوة التاريخية ضمن اطار عشر سنوات على الاقل، ولمن يعود الفضل في هذا الاتفاق؟، خصوصا وان اجواء المفاوضات على مدار تاريخها كانت مليئة بالتجاذبات والاتهامات المتبادلة، ووصل في فترة معنية لقرع طبول الحرب والعقوبات والقرارات الاممية، مما يبقي اجندة طرفي الاتفاق متعددة الأوجه والأشكال وتستعرض ادوارا مختلفة من الاهداف السياسية باستخدام إلاستراتيجية التدريجية المرنة.
فقد تم في هذا الاتفاق وضع وثيقة اطار من اربع صفحات تحدد ثوابت النقاط الاساسية للتفاوض وهي تخصيب اليورانيوم، المراقبة وعمليات التفتيش، العقوبات ومدة الاتفاق، وهذه الوثيقة تعتبر مقدمة لما سيكون عليه الاتفاق النهائي.
وبحسب نسخة اميركية للنص تتعهد ايران بخفض عدد اجهزتها للطرد المركزي التي تسمح بتخصيب اليورانيوم بمقدار الثلثين، وستحتفظ بستة الاف منها مقابل 19 الفا حاليا (منها عشرة الاف مشغلة)، اضافة الى ذلك سيخفض مخزون اليورانيوم المخصب التي تملكه ايران باكمله تقريبا (98 %).
ومفاعل اراك للمياه الثقيلة الذي يثير قلق الغربيين بشكل خاص، سيعاد بناؤه ليقتصر على الابحاث وانتاج النظائر المشعة الطبية بدون انتاج البلوتونيوم، المادة الاخرى التي يمكن استخدامها للتوصل الى صنع القنبلة الذرية، وسيخضع لعمليات تفتيش مشددة للامم المتحدة، وهذه النقاط المختلفة تسمح بحسب الولايات المتحدة بتمديد الفترة الزمنية اللازمة لانتاج كمية كافية من اليورانيوم المخصب لصنع سلاح نووي لسنة (بدلا من شهرين الى ثلاثة اشهر) ما يتيح الوقت للقوى العظمى للتحرك.
وفي مقابل هذه التعهدات يقضي النص بان ترفع العقوبات الاميركية والاوروبية وخاصة الدولية التي تفرضها الامم المتحدة تبعا لاحترام ايران لالتزاماتها، لكن يمكن ان يعاد فرضها ايضا.
ويرغب الايرانيون الذين نزلوا الى شوارع طهران للاحتفال بالاتفاق، قبل اي شيء في رفع العقوبات التي تخنق اقتصادهم منذ سنوات بشكل سريع، لكن العقوبات لن ترفع دفعة واحدة بل ستخفف بصورة تدريجية وفقا لتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وسينكب الخبراء الدوليون خلال الاشهر الثلاثة المقبلة على جدول زمني واضح لتحديد العقوبات التي سترفع وفي اي وقت وتبعا لاي تدابير واضحة ستتخذها ايران، فقد اعربت ايران عن نيتها العودة الى الساحة الدولية بعد سنوات من العزلة السياسية على خلفية برنامجها النووي، وذلك غداة التوصل الى اتفاق اطار مع القوى العظمى لقي ترحيبا دوليا فيما دانته اسرائيل بشدة.
وعليه يجمع المحللون ان الاهم بشأن مستقبل الاتفاق النووي الايراني هو ماذا سيطرأ على المشهد السياسي دوليا واقليما في الكثير من قضايا الشرق الاوسط التي تضبط وتوازن على وقع هذا الملف في المستقبل القريب؟.
الاتفاق النهائي يحتاج لعمل هائل
في سياق متصل لخص المحلل في مجموعة الازمات الدولية علي فايز ان ما انجز يبقى "هشا جدا" لافتا الى القوة "المخيفة" لمعارضي هذا الاتفاق. فضلا عن ذلك "هناك مسائل عديدة شائكة للغاية سيتوجب حلها في الاشهر الثلاثة المقبلة"، لأن الشيطان يكمن في التفاصيل والاتفاق الاطار الذي اعلن مساء الخميس في لوزان يتضمن جوانب عديدة ضبابية وغامضة.
وكرر وزير الخارجية الاميركي جون كيري كبير المهندسين للاتفاق مع نظيره الايراني محمد جواد ظريف "كنا في منتهى الوضوح، علنا وفي المجالس الخاصة: اي اتفاق نهائي لن يكون مستندا الى وعود. (بل) سيكون مرتكزا على ادلة"، وقال دبلوماسي غربي بلهجة مازحة "هذه الادلة الودية" ضرورية في علاقة ما زالت متميزة بالريبة والتشكيك المتبادلين بين ايران والقوى العظمى، ولفتت المحللة كيلسي دافنبورت الاختصاصية في مسائل عدم الانتشار النووي الى ان الاتفاق الاطار الذي تم التوصل اليه في لوزان "لا يحدد جدولا زمنيا معينا كي تمتثل ايران للتدابير المطلوبة في اطار تحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، لكن بالرغم من نقاطه غير الواضحة وجوانب الظل فيه "فان الاهمية الاساسية لهذا الاتفاق حول الثوابت الرئيسية للملف لا يمكن الاستهانة بها". بحسب فرانس برس.
ولفت فايز الى ان ضغوط الجمهوريين قد تجعل اي رفع للعقوبات الاميركية امرا صعبا، واي اقتراح قانون يتوجب التصويت عليه في 14 نيسان/ابريل قد يرغم الرئيس اوباما على الحصول على موافقة اعضاء الكونغرس قبل ابرام اتفاق نهائي، وراى توم كولينا من مؤسسة بلوشيرز فاند انه "يفترض تجنب اتخاذ تدابير في مجلس الشيوخ الاميركي من شأنها ان تنسف الاتفاق الاطار (...) لأن ذلك قد يقتل الاتفاق قبل ابرامه".
صفحة جديدة في علاقات طهران الخارجية
وفي طهران، اعتبر الرئيس الايراني حسن روحاني ان الاتفاق يعتمد على وفاء الطرفين بوعودهما. وقال في خطاب نقله التلفزيون الرسمي مباشرة "اذا احترم الطرف الآخر وعوده، فسنحترم وعودنا" من اجل التوصل الى اتفاق "متوازن"، ورأى روحاني ان الاتفاق النووي سيفتح "صفحة جديدة" لايران والعالم.
وقال ان الاتفاق يفتح المجال امام "علاقات تعاون جديدة مع العالم في القطاع النووي وقطاعات آخرى" ما من شأنه "ان يفتح صفحة جديدة" في العلاقات الخارجية للجمهورية الاسلامية التي تعاني من عقوبات دولية منذ سنوات، وتابع روحاني "لدينا توترات وحتى عداء مع بعض الدول، ونحن نأمل بنهاية تلك التوترات وهذه العداءات"، وجدد روحاني تأكيد سلمية برنامج ايران النووي، مشددا على ان تخصيب اليورانيوم "لن يستخدم ضد دول في المنطقة او في العالم"، وبعد اجتماع للحكومة الامنية المصغرة ، وصف نتانياهو الاتفاق بالسيء. ولكنه اوضح ان الحل لا يقع بين خيارين هما الاتفاق السيء او الحرب، بل هناك "خيار ثالث هو الوقوف بصرامة وزيادة الضغط على ايران حتى التوصل الى اتفاق جيد".
وتابع في بيان ان "اسرائيل تطلب ان يتضمن اي اتفاق نهائي مع ايران اعترافا ايرانيا واضحا وغير مبهم بحق اسرائيل في الوجود"، واضاف نتانياهو ان "الحكومة موحدة في رفضها القاطع للاتفاق المقترح"، مضيفا ان "هذا الاتفاق يشكل خطرا كبيرا على المنطقة والعالم، ويمكن ان يهدد بقاء دولة اسرائيل".
اما في ايران فرحب خطیب جمعة طهران آیة الله محمد امامي کاشاني بالاتفاق معتبرا انه "جيد جدا ويعتبر فوزا لنا"، واثار اعلان الاتفاق المرحلي ليل الخميس مظاهر فرح في طهران حيث نزل السكان الى الشارع مطلقين العنان لابواقهم وراقصين على الارصفة وهم يرفعون شارات النصر ويلوحون بمناديل بيضاء، كما لقي وفد المفاوضين الايرانيين برئاسة وزير الخارجية محمد جواد ظريف استقبالا حاشدا لدى عودتهم الى طهران صباح الجمعة بعد ثمانية ايام من المفاوضات الشاقة.
وفي تصريحات مقتضبة، شكر ظريف المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية علي خامنئي الذي يحتفظ بالكلمة الفصل في الملف النووي، على "دعمه اللافت"، واشار ظريف الى انه "مقابل المكاسب التي حصلنا عليها، سنقدم بعض الامور من اجل امكان التقدم"، وطالما انتقد المحافظون في ايران المفاوضات مع القوى الكبرى. وفي هذا الصدد، ندد المحلل السياسي مهدي محمدي، الذي تصفه وسائل الاعلام بالمحافظ، بتسوية "غير متساوية على الاطلاق" ولا تزال "مبهمة" في ما يتعلق بالعقوبات، كذلك وصف النائب المحافظ اسماعيل كوساري وفد المفاوضين بـ"الضعيف"، مشيرا الى ان نتائج المفاوضات "غير مقبولة".
وفي اطار ردود الفعل الدولية، قال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الجمعة ان مسالة رفع العقوبات عن ايران "لم تتم تسويتها تماما بعد" موضحا ان يجب رفعها تدريجا وفق وفاء طهران بالتزماتها.
اما وزير الخارجية الالماني فرانك فالتر شتاينماير فاعتبر انه "من المبكر جدا الاحتفال" بالاتفاق. واضاف ان "كل مفاوض (...) يعلم بانه ليس هناك اي ضمان لنجاح المفاوضات"، واشاد وزير الحكومة البريطاني ديفيد كاميرون "باتفاق صلب يقطع كل السبل امام حيازة القنبلة النووية"، وابدت روسيا استعدادها لتزويد ايران بالوقود الجديد للمفاعلات التي بنتها موسكو في ايران مشيرة الى انه "ما زال ينبغي توضيح نقاط كثيرة"، وعبر الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز للرئيس الاميركي باراك اوباما مساء الخميس عن الامل في التوصل الى اتفاق "نهائي ملزم" مع ايران يؤدي الى "تعزيز امن واستقرار المنطقة"، وفقا لمصدر رسمي، كذلك رحبت سوريا باتفاق من شأنه المساهمة في "تخفيف حدة التوتر في المنطقة والعالم".
أوباما والكونغرس واسرائيل
الى ذلك طمأن الرئيس الأمريكي باراك أوباما الأمريكيين على أن اتفاق الإطار النووي الجديد مع إيران "اتفاق جيد" بينما سعى إلى حشد التأييد الشعبي للانفراجة الدبلوماسية التي يعارضها كثيرون في الكونجرس.
وبعد يوم من إجراء اتصالات هاتفية بكبار المشرعين الأمريكيين بهدف حشد التأييد للاتفاق روج أوباما لفكرة أن الاتفاق سيضمن أن خصم واشنطن منذ أمد بعيد لن يكتسب سلاحا نوويا، وقال أوباما في كلمة أسبوعية عبر الإذاعة والإنترنت يوم السبت "انه اتفاق جيد... اتفاق يفي بأهدافنا الأساسية بما في ذلك وضع قيود صارمة على البرنامج الإيراني وقطع كل طريق قد تسلكه إيران لتطوير سلاح نووي"، وأضاف "هذا الاتفاق يمنع إيران من الحصول على البلوتونيوم اللازم لعمل قنبلة. انه يغلق الطريق أمام تصنيع إيران قنبلة باستخدام اليورانيوم المخصب"، ويأمل البيت الأبيض أن يساعد دعم الشعب الأمريكي لجهود المفاوضات في التأثير على المشرعين المتشككين. وسيقوم الرئيس ومسؤولون بالإدارة بحملة صعبة للترويج للاتفاق في الأسابيع والأشهر المقبلة.
وقال البيت الأبيض إن أوباما انتهى من إجراء اتصالات هاتفية مع رئيس مجلس النواب الجمهوري جون بينر وكذلك زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب نانسي بيلوسي وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الجمهوري ميتش ماكونيل وزعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ هاري ريد، وفي كلمته أشار أوباما إلى أن الاتفاق سيلزم إيران بالخضوع لعمليات تفتيش والشفافية لسنوات عديدة، وقال أوباما "هذا اتفاق طويل الأمد بقيود صارمة على برنامج إيران لأكثر من عقد وبإجراءات شفافية لم يسبق لها مثيل تستمر 20 عاما أو أكثر"، واتفاق الإطار الذي تم التوصل إليه بعد ثمانية أيام من المحادثات بين إيران والقوى الست في سويسرا يمهد الطريق امام التوصل إلى اتفاق نهائي يبدد المخاوف الغربية من أن إيران قد تكتسب القدرة على صنع قنبلة نووية. وفي المقابل سيشمل الاتفاق رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران، ويسعى المفاوضون إلى التوصل لاتفاق نهائي بحلول نهاية يونيو حزيران. وأشار أوباما إلى أن مفاوضات التوصل لاتفاق نهائي لا تزال عرضة للانهيار، وقال أوباما "النجاح غير مضمون... لكن اليوم لدينا فرصة تاريخية لمنع انتشار الأسلحة النووية في إيران وأن نفعل ذلك بطريقة سلمية ومن خلفنا المجتمع الدولي بحزم".
يخصص الرئيس الاميركي باراك اوباما الاسابيع المقبلة لمحاولة اقناع الجمهوريين وعدد من الديموقراطيين في الكونغرس بعدم افشال المفاوضات الدولية حول الملف النووي الايراني قبل التوصل الى اتفاق نهائي بحلول 30 حزيران/يونيو. بحسب فرانس برس.
ومنذ عام ونصف عام والادارة الاميركية بكل طواقمها من الخارجية الى الدفاع والمالية والقوات المسلحة تمثل امام مجلس الشيوخ والنواب للرد على اسئلة اعضاء الكونغرس في جلسات استماع متتالية، الا ان اعضاء الكونغرس لا يكتفون بدور "استشاري" . فهم يعتقدون ان اوباما الحريص على ارثه السياسي، يقدم تنازلات كثيرة ويتجاهل حليفه الاسرائيلي.
ويريد اعضاء الكونغرس فرض معاييرهم الخاصة ويبدو سقفهم اعلى مما وافق عليه الرئيس فهم يريدون وقف كل انشطة التخصيب وشفافية البرامج العسكرية الايرانية واغلاق موقع فوردو لان تركيزهم ليس على اوباما بل على الانتخابات الرئاسية في 2016.
طالب رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو الجمعة بزيادة الضغط على ايران للتوصل الى اتفاق افضل حول برنامجها النووي يضمن اعتراف طهران بحق اسرائيل في الوجود.
ووصف نتانياهو اتفاق الاطار الذي توصلت اليه مجموعة 5+1 وايران بالسيء، ولكنه اشار الى ان الحل لا يقع بين خيارين هما الاتفاق السيء او الحرب، بل هناك "خيار ثالث وهو الوقوف بصرامة وزيادة الضغط على ايران حتى التوصل الى اتفاق جيد"، وتابع في بيان ان "اسرائيل تطلب ان يتضمن اي اتفاق نهائي مع ايران اعترافا ايرانيا واضحا ولا لبس فيه بحق اسرائيل في الوجود".