الإيرانيون يحتفلون والمعتدلون يصعدون والمتشددون قلقون

وكالات

2015-04-04 11:03

انطلقت الاحتفالات في طهران مساء يوم الخميس مع إعلان التوصل إلى اتفاق مبدئي يمهد لاتفاق نووي نهائي بين إيران والقوى العالمية.

وأظهرت لقطات فيديو نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي على الانترنت سيارات تطلق أبواقها وركابا يصفقون في شوارع العاصمة طهران.

وتحدثت تعليقات على موقع تويتر عن أناس يرقصون في شوارع شمال طهران ويوزعون الحلوى. ونشر البعض صورا لتجمع صغير أمام وزارة الشؤون الخارجية.

وفي فيديو نشر على موقع فيسبوك سمع صوت نساء يصفقن ويهتفن "شكرا روحاني" في إشادة بالرئيس حسن روحاني. بحسب رويترز.

ومن المرجح أن يعزز الاتفاق شعبية روحاني بين ملايين الإيرانيين الشبان الذين صوتوا لصالحه في عام 2013.

ولم يصدر حتى الآن أي انتقاد علني لإطار الاتفاق من معارضي روحاني المتشددين.

وقال الرئيس الإيراني حسن روحاني يوم الجمعة ان المفاوضات التي أدت الى التوصل الى إطار اتفاق نووي هي "خطوة أولى" نحو علاقات أفضل بين ايران والعالم بعد أن استقبل الإيرانيون الإعلان بالاحتفالات في الشوارع.

وأشاد الرئيس الأمريكي باراك أوباما أيضا بالاتفاق ووصفه بأنه "تفاهم تاريخي" رغم أن دبلوماسيين حذروا من أن عملا صعبا ينتظر الأطراف قبل إبرام اتفاق نهائي.

ويشمل هذا العمل الصعب مساعي أوباما لإقناع المنتقدين بالداخل وكذلك حليفة واشنطن الوثيقة إسرائيل بقبول الاتفاق النهائي. ونددت إسرائيل بالاتفاق المبدئي وطالبت بمزيد من الضمانات في المفاوضات المقبلة.

والاتفاق المبدئي الذي تم التوصل إليه يوم الخميس بعد محادثات دامت ثمانية أيام في سويسرا يمهد الطريق أمام مفاوضات على تسوية تهدف إلى تهدئة مخاوف الغرب من احتمال سعي إيران لصنع قنبلة ذرية في مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عنها.

ويمثل الاتفاق أهم خطوة باتجاه حدوث تقارب إيراني أمريكي منذ الثورة الإيرانية عام 1979 وقد ينهي عقودا من العزلة الدولية لإيران. بحسب رويترز.

وفي خطاب نقله التلفزيون على الهواء مباشرة يوم الجمعة قال روحاني -وهو شخصية معتدلة نسبيا انتخبت بأغلبية كبيرة قبل عامين على وعد بتخفيف عزلة إيران- إن المحادثات النووية هي مجرد البداية نحو سياسة انفتاحية أوسع نطاقا. وأضاف "هذه خطوة أولى نحو التفاعل البناء مع العالم."

وتابع قوله "هذا اليوم سيخلد في الذاكرة التاريخية للأمة الإيرانية.. يرى البعض أنه ينبغي علينا إما محاربة العالم أو الاستسلام للقوى العالمية. نحن نقول إن هناك طريقا ثالثا. يمكننا أن نتعاون مع العالم."

لكن الأمر مازال يتطلب عمل الخبراء على تفاصيل صعبة على مدى ثلاثة أشهر. وقال دبلوماسيون إن الاتفاق قد ينهار في أي لحظة قبل انقضاء مهلة في نهاية يونيو حزيران.

وأثار الاتفاق غضب إسرائيل أقوى حلفاء واشنطن في المنطقة حيث قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إن الاتفاق سيمهد الطريق أمام الانتشار النووي والحرب بل وحتى دمار بلاده.

وبالنسبة لإيران فإن الاتفاق سيؤدي في النهاية إلى رفع العقوبات التي أدت إلى خفض صادرات النفط التي تدعم اقتصادها بأكثر من النصف على مدى السنوات الثلاث المنصرمة.

لكن عقودا من العداء لا تزال قائمة بين البلدين حيث تصف طهران الولايات المتحدة بأنها "الشيطان الأكبر" بينما تصف واشنطن إيران بأنها جزء من "محور الشر".

وسيتعين على كل من أوباما وروحاني الترويج للاتفاق بين المتشككين إزاءه في الداخل.

وقال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يوم الخميس إن التوصل إلى اتفاق نووي مع القوى العالمية الست لا يعني تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة.

وقال ظريف بعد توصل الجانبين إلى اتفاق إطار بشأن كبح برنامج إيران النووي "العلاقات الأمريكية الإيرانية لا صلة لها بهذا ... وهو ما كان محاولة لحل القضية النووية... لدينا خلافات كبيرة مع الولايات المتحدة." وأضاف "انعدمت الثقة بيننا في الماضي ... لذا آمل في إمكانية استعادة بعض الثقة من خلال التنفيذ الشجاع لهذا. لكننا سنوف ننتظر ونرى."

وطالب الجمهوريون في الولايات المتحدة بأن يمنح الكونجرس الذي يسيطرون عليه الحق في مراجعة الاتفاق.

وبانضمام روسيا والصين إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا في توقيع الاتفاق وترحيب دول عربية سنية به بحذر فإن الدولة الوحيدة التي أعلنت معارضتها له هي إسرائيل.

وكانت السعودية أكثر حذرا وأعلنت تأييدها للاتفاق لكن مشاعر الارتياب لديها لا تزال عميقة. وأطلقت الرياض حملة قصف قبل نحو أسبوع ضد حلفاء لإيران في اليمن.

وبعد انخفاض أسعار النفط العالمية بشدة خلال العام المنصرم هوت الأسعار مجددا أمس الخميس بسبب احتمال تمكن إيران من زيادة صادراتها. وانخفض خام برنت ما يصل إلى خمسة في المئة قبل أن يتعافى.

وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس إن الاقتصاد الإيراني سيجني 150 مليار دولار من تخفيف العقوبات.

منزلة روحاني تعلو في إيران

حقق الرئيس الإيراني حسن روحاني انتصارا في الداخل والخارج إذ أنهى عزلة إيران عن الساحة الدولية باستخدام سياسته البراجماتية في محاولة لإنهاء العقوبات الموجعة وعقود من العداء مع الغرب عبر تحسين العلاقات والجهود الدبلوماسية.

وإذا أدى الاتفاق إلى اتفاقية شاملة في يونيو حزيران فإن شعبية روحاني ستزيد أكثر مما يمنحه رأس المال السياسي اللازم للتغلب على المتشددين الذين يقفون حائلا أمام وعوده بإجراء اصلاحات سياسية واجتماعية في الجمهورية الإسلامية. بحسب رويترز.

وروحاني رجل دين يبلغ من العمر 66 عاما وتولى في السابق منصب كبير المفاوضين في المحادثات النووية الإيرانية وينفي أن يكون نهجه البراجماتي خيانة لمبادئ تأسيس الجمهورية الإسلامية.

وقال روحاني بعد وقت قصير من الهزيمة المنكرة غير المتوقعة التي مني بها خصومه المحافظون في الانتخابات عام 2013 "لا يعني الاعتدال الانحراف عن المبادئ ولا يتعلق الأمر بالنهج المحافظ في مواجهة التغيير والتطوير."

وبدا أيضا أن روحاني يدرك أن الوفاء بوعوده الانتخابية سيتطلب بعض الوقت. وقال "إن الاعتدال.. نهج نشط وصبور في المجتمع للابتعاد عن جحيم التعصب."

وفي إيران يبقى أمام روحاني القليل ليثبت التزامه بتعهده بإدارة أكثر شفافية وتسامحا إذ لا تزال هناك قيود سياسية ومدنية صارمة تثير ضيق إيرانيين كثيرين.

وأشارت الأمم المتحدة في مارس آذار إلى أن عددا كبيرا من السجناء أعدموا وبينهم نشطاء سياسيون وقصر. وأضافت أن الصحفيين يسجنون بصورة روتينية وتتعرض النساء والأقليات إلى انتهاكات حقوقية.

وتجدر الإشارة إلى أن اثنين من السياسيين الإصلاحيين الكبار خاضا انتخابات الرئاسة في 2009 لا يزالان رهن الإقامة الجبرية. وانتخب أنصار المرشحين السابقين روحاني بأعداد كبيرة بعد ذلك بأربع سنوات بعدما تعهد ضمنيا بالإفراج عنهما وعن سجناء سياسيين آخرين.

وتعزز موقف روحاني بفضل مؤهلاته الثورية التي لا تشوبها شائبة. ففي وقت مبكر من حياته درس الدين وعارض الشاه آنذاك محمد رضا بهلوي وانضم الى آية الله روح الله الخميني بالمنفى في باريس عام 1977. وبعد وصول الخميني إلى السلطة عزز روحاني مكانته كعضو في الدائرة المقربة من الخميني بتولي سلسلة من المناصب الحساسة.

وبعد شهر من توليه الرئاسة تحدث روحاني مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما هاتفيا في سبتمبر أيلول 2013 وظل هذا أعلى مستوى من الاتصالات بين البلدين منذ 30 عاما.

كان الاتصال هو ذروة تغير حاد في النبرة بين إيران وواشنطن التي قطعت العلاقات مع طهران بعد عام من الثورة الإسلامية والإطاحة بالشاه عام 1979.

وفي تغيير مدهش وافق المحافظون داخل الزعامة الإيرانية ومن بينهم خامنئي على انفتاح روحاني وأشاروا إلى استعدادهم لبحث التنازلات اللازمة لأي اتفاق.

ويرى الدبلوماسيون أن مجاراة المحافظين لروحاني كانت لأسباب من بينها فوزه في الانتخابات بنسبة كبيرة من الأصوات مما كشف حجم الغضب بسبب سنوات من سوء الإدارة الاقتصادية ومدى التأييد الشعبي لهدفه وهو إنهاء عزلة إيران الدولية. بحسب رويترز.

وبعد ذلك بشهرين أبرمت إيران اتفاقا مؤقتا تاريخيا مع مجموعة خمسة زائد واحد التي تضم الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين وبريطانيا ووافقت الجمهورية الإسلامية بموجبه على كبح جماح برنامجها النووي مقابل تخفيف مبدئي للعقوبات.

وكان لأسلوب روحاني الفضل في الكثير من نجاحه الدبلوماسي. وابتعد الرئيس الإيراني وهو محام حصل على شهادة الدكتوراه من المملكة المتحدة عن استفزازات سلفه محمود أحمدي نجاد الذي أنكر محارق النازي ودعا إلى "محو إسرائيل من صفحات التاريخ". بحسب رويترز.

ويشتهر روحاني بالبلاغة والشخصية الكاريزمية كما أنه مستخدم نشط لوسائل التواصل الاجتماعي إذ كثيرا ما يدون آراءه بشأن القضايا العالمية في تغريدات على موقع تويتر ويعتبر منفتحا على الحوار.

وأعطى تعيين روحاني لمحمد جواد ظريف في منصب وزير الخارجية دفعة للدبلوماسية. فظريف دبلوماسي لبق تولى منصب مندوب إيران لدى الأمم المتحدة كما أنه أكبر خبير لطهران في شؤون النخبة السياسية الأمريكية.

ومع ذلك راقب روحاني المحادثات عن كثب من طهران وتدخل قبل أسبوع من الاتفاق المؤقت عن طريق الاتصال بزعماء فرنسا وبريطانيا والصين وروسيا في محاولة على ما يبدو لكسر جمود لم يدم طويلا.

واليوم أصبحت المحادثات الثنائية المتكررة بين واشنطن وطهران لمناقشة القضايا النووية والإقليمية شيئا مألوفا حتى في غياب العلاقات الدبلوماسية الرسمية مما يخدم تعهد روحاني بمزيد من التواصل الإيراني على الساحة الدولية.

خامنئي يقدم دعما حذرا

ولكن لم تكن إيران والغرب ليتوصلا إلى إطار اتفاق نووي هذا الأسبوع دون دعم الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي الذي نحى جانبا شكوكه العميقة تجاه الولايات المتحدة من أجل إنهاء عقود من العزلة الإيرانية.

ورغم أنه صرح أكثر من مرة بأنه يعتقد أن المفاوضات ستفشل فقد قدم خامنئي لروحاني غطاء سياسيا مهما لمواصلة المحادثات الطويلة والشاقة على خلاف رغبة المعارضة الداخلية القوية. بحسب رويترز.

وأصبح خامنئي الزعيم الأعلى في عام 1989 بعد وفاة آية الله روح الله الخميني الذي قاد الثورة للإطاحة بالشاه المؤيد للغرب قبلها بعشرة أعوام. ورغم افتقاره لسلطة الخميني الثورية وشخصيته الجذابة فقد ظل خامنئي في السلطة لمدة 25 عاما بالموازنة بين مصالح الفصائل المختلفة.

وبإتاحة المجال لإبرام اتفاق مع الأعداء فقد اتخذ خامنئي خطوة مماثلة لاتفاق سلفه مع العراق على وقف إطلاق النار في عام 1988 بعد حرب استمرت ثمانية أعوام قارنه الخميني آنذاك بتجرع كأس من السم. بحسب رويترز.

وعانت إيران لعقود بسبب العقوبات الاقتصادية لا سيما على مدى الأعوام الثلاثة الماضية عندما تسبب تشديد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للعقوبات ضدها في تقليص صادرات النفط شريان الحياة الرئيسي لاقتصادها.

وخلال تلك الفترة دعم خامنئي فكرة "اقتصاد المقاومة" وصور برنامج إيران النووي كرمز للسيادة لا يمكن التخلي عنه مهما كان الثمن.

ولا تزال خطاباته حافلة بالتنديد بالولايات المتحدة التي يصفها بأنها "الشيطان الأكبر".

لكن عندما انتخب الشعب روحاني بأغلبية كبيرة قبل نحو عامين بارك خامنئي المفاوضات. وربما أدرك الزعيم الأعلى في الحقيقة أن الحوار هو الخيار الأفضل لإيران مع تزايد الضغط الدولي رغم أن خطاباته توحي بعكس ذلك ورغم انعدام ثقته في الغرب.

ورغم دخول المفاوضات مراحلها الأخيرة فقد واصل خامنئي التأكيد على أنه يتوقع فشلها. وقال إن المحادثات مصدر للتشويش وحجاب رقيق يخفي عداوة أمريكية شديدة.

وقال في خطاب الشهر الماضي وسط هتافات (الموت لأمريكا) من الحشود "يعرفون أننا لا نسعى للحصول على أسلحة نووية لكنهم يستغلون ذلك حجة للضغط على الشعب الإيراني."

وعندما كتب أعضاء جمهوريون في مجلس الشيوخ الأمريكي رسالة لإيران في مارس آذار يحذرون فيها من أنهم قد يعطلون أي اتفاق يبرمه الرئيس باراك أوباما اعتبر خامنئي ذلك دليلا آخر على عدم جدوى المحادثات.

وقال "في كل مرة نصل إلى مرحلة تلوح فيها نهاية المفاوضات في الأفق تصبح نبرة الطرف الآخر لا سيما الأمريكيين أكثر تشددا وخشونة وصرامة. هذه هي طبيعة حيلهم وخدعهم."

ويتوقع دبلوماسيون أن خامنئي وشخصيات أخرى محافظة تماشت مع روحاني فيما يرجع إلى حد بعيد إلى تفويضه الانتخابي القوي من أجل الحوار الدولي وبسبب الغضب الشعبي من سوء إدارة الاقتصاد على مدى أعوام.

وفي عام 2009 عجت الشوارع بأكبر مظاهرات للمعارضة منذ الثورة الإسلامية في عام 1979. ورغم أنه تم قمع هذه الانتفاضة سريعا فقد أثارت قلق المحافظين.

وكان قرار خامنئي دعم العملية الدبلوماسية حتى ولو بشكل مؤقت تحولا ملحوظا لرجل طالما أبدى احتقاره للولايات المتحدة وحلفائها الذين وصفهم طوال حياته "بالقوى المتغطرسة".

من جهته أثنى خطيب الجمعة في جامعة طهران يوم على الاتفاق المبدئي الذي توصلت إليه إيران والقوى العالمية بشأن البرنامج النووي الإيراني في إشارة إلى أن الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي والمحافظين الآخرين سيدعمون الاتفاق.

وألقى آية الله محمد إمامي كاشاني رجل الدين المحافظ البالغ من العمر 78 عاما بخطبة الجمعة هذا الأسبوع في جامعة طهران. ويتناوب كبار أعضاء المؤسسة الدينية المحافظة في إيران إلقاء الخطبة في الجامعة.

ونقلت وكالة الطلبة للأنباء عن إمامي كاشاني قوله "فريق التفاوض حازم وحكيم وهادئ. يدعم الزعيم الأعلى هؤلاء الممثلين." بحسب رويترز.

وقال إمامي كاشاني "علينا حقا أن نهنئ الرئيس والسيد ظريف ونقول لهما أحسنتما."

ورغم الثناء على اتفاق الإطار وفريق التفاوض استخدم إمامي كاشاني نبرة تحذيرية ووجه حديثه للدول المشاركة في المحادثات قائلا "إذا أخلفتم وعدكم فستخلف إيران وعدها."

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي