النهضة الحسينية.. سلطة القيم في مواجهة أوهام السلطة

حسن السباعي

2025-07-01 05:03

ما هي الأسباب التي تؤدي الى اختلال السلام واستفحال الحروب والصراعات في العالم؟

وما هي القيم التي صدح بها صوت الامام الحسين (ع) من اجل نشر السلام ومجابهة العنف والذل والطغيان؟

وكيف يمكن للمؤسسات الدولية والدينية، وكذلك المراكز والحسينيات ان تساهم في تحويل القيم الحسينية الى مشروع سلام عالمي؟

إن القوة والمكنة، إن لم تتحل بحدود الورع وصفات الفطرة والإنسانية، تؤدي إلى الوقوع في أوهام خطيرة؛ حيث يرى القوي أن من صلاحياته السيطرة والسيادة على الآخرين، من دون حاجة أو اضطرار أو حتى خوف محتمل يدعوه إلى ذلك. فهو لم يكن مضطرًا لتجاوز حدوده، ولكن الأوهام منحته هذا الحق وتلك الصلاحية.

والوهم لا يبقى حبيس التصور والمخيلة، بل يتجسّد في الفعل والسلوك. وحين يُفعَّل عبر أدوات القوة، يتحوّل إلى طغيان، وهذا بدوره يؤدي في نهاية المطاف إلى اختلال السلام واستفحال الحروب والصراعات في العالم.

وعلى الجانب الآخر؛ قد يتوهم الضعيف بالقوة، فيتظاهر بما لا يملك، ويظهر بصورة بعيدة عن الواقع، مما يؤدي به إلى انكشاف حقيقته، وسقوطه في الضعف والهوان والذل والاضمحلال.

ومن هنا، نقرأ في كلمة الإمام الحسين عليه السلام رسما واضحا لمعالم هذا الفهم، حيث قال سلام الله عليه: "إني لم أخرج أشِرًا ولا بطرًا .."، وقد أطلقها عليه السلام في منزل التنعيم في اليوم السابع من ذي الحجة الحرام سنة ٦٠ هـ، أي قبل يوم واحد من خروجه إلى العراق، حيث إن مفردة "بطر" وردت في قواميس اللغة بمعان عدّة، منها: شدة المرح والطرب، وما يرافقهما من غفلة وتوهّم بالقوة والقدرة، إلى درجة تدفع الإنسان إلى ممارسة الطغيان دون حاجة أو اضطرار.

من هنا نفهم من كلمة الإمام الحسين عليه السلام: "إني لم أخرج أشِرًا ولا بطرًا…" إنما أراد أن يثبت أنه خرج مضطرا لهدف ضروري ومُلح، لا مختالا ولا طاغيا، فقد نفى عن نفسه الوهم بالقوة الذي يؤدي إلى استخدام العنف للسيطرة، مؤكدا أن كل ما قام به كان في سياق دفع طغيان الطرف المقابل. فلو عرف كل طرف حجمه وحدوده، لما تجاوزها، وحتى عند ردّ الظلم يجب أن يكون الرد عقلانيا ومنضبطا، دون السقوط في ذات الوهم الذي وقع فيه الطرف المعتدي.

ومن هنا؛ فإن التمسك بهذا الأصل يفضي إلى حفظ صبغة السلام والأمن واللاعنف. وحتى لو لم يلتزم الطرف المقابل بهذه المبادئ، أو كان يعيش في عالم يخلو من الإنصاف والعدالة، فإن الطرف المتمسك بالقيم يكون قد أدّى ما عليه، ويخلّد في صفحات التاريخ كنموذج يُحتذى به للأجيال القادمة.

وفيما يرتبط بدور المؤسسات الدولية والدينية، والمراكز والحسينيات في تحويل القيم الحسينية إلى مشروع سلام عالمي؛ فإن التأمل في معاني المسيرة الحسينية، وقراءة سطورها وما بين سطورها، يكشف عن نظريات ومفاهيم مغفول عنها.

فالكلمة التي قالها الإمام الحسين عليه السلام: "إني لم أخرج أشِرًا ولا بطرًا ولا ظالمًا ولا مفسدًا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح…"؛ تصلح أن تكون أساسا لنظرية إنسانية تقول: إن لا قيمة للسلطة أو القوة إن تجردت من العقلانية والمنطق والقيم الإنسانية.

وعليه؛ فالأفضل للفرد أو الجهة أن تبقى بلا سلطة أو مكنة إن كانت هذه الأدوات ستُستعمل دون هذه القيم، على أن تنجرّ إلى وهم السيطرة الذي يؤدي إلى الظلم والفساد والحرب والإستبداد.

* مداخلة مقدمة الى الجلسة الحوارية التي عقدها مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث تحت عنوان: (قيم النهضة الحسينية والطريق الى بناء سلام عالمي)

ذات صلة

هوية كربلاء العلميةالمقاربات الاسرائيلية اتجاه قطاع غزة بعد المواجهة العسكرية مع ايرانلماذا يجب أن نشارك في الانتخابات البرلمانية المقبلة؟حرب الـ 12 يوماً.. صمتت المدافع وتعالى ضجيج الأسئلة والتساؤلاتثورة العشرين أمّ الثورات