الطبقة الوسطى في مصر: أوقات عصيبة تحت وطأة التقشف
عبد الامير رويح
2018-06-10 05:52
ما يزال برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تبنته الحكومة المصرية، من اجل التعامل مع المشكلات والازمات المتفاقمة التي تواجه الاقتصاد المصري، محط اهتمام واسع وخصوصا وان سياسة التقشف الحالية وكما يرى بعض المراقبين، قد اثرت سلباً على حياة الملايين من الفقراء حيث دفعت الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها مصر بحسب بعض المصادر، الحكومة إلى ضرورة اتخاذ العديد من الإجراءات التقشفية لمواجهة عجز الموازنة، كان أبرزها تخفيض الإنفاق في جميع الوزارات والمصالح الحكومية بنسبة تصل إلى 20%، بالإضافة إلى خفض مستوى التمثيل الدبلوماسي في الخارج إلى 50%، ومع أدى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اليمين القانونية لولاية ثانية أمام مجلس النواب بعد فوزه بأغلبية ساحقة في انتخابات لم يواجه فيها منافسة قوية.
ستستمر مصر خلال الفترة المقبلة بتطبيق حزمة من القرارات التي وصفتها الحكومة بالصعبة، تتضمن إجراءات خفض الدعم وتجميد الأجور ورفع قيمة الدولار أمام الجنيه، وزيادة الضرائب غير المباشرة، بالإضافة إلى مجموعة من الإجراءات التقشفية الهادفة إلى خفض عجز الموازنة، وذلك بعد أن تمّ التفاهم على قرض مع صندوق النقد الدولي بمبلغ 12 مليار دولار على ثلاث سنوات. وقررت السلطات المصرية في وقت سابق، رفع أسعار المحروقات والمواد البترولية وقال مصدر بوزارة البترول المصرية إنه تقرر رفع أسعار المحروقات والمواد البترولية ممثلة في البنزين والسولار وغاز السيارات بنسب تتراوح بين 30% إلى 47%. وتأتي هذه الخطوة جزءا من إجراءات التقشف التي يطالب بها صندوق النقد الدولي، وسعت الحكومة ايضا في وقت لاحق الى رفع اسعار بعض الخدمات والمواد الاخرى.
وأكد السيسي كما نقلت بعض المصادر، في أكثر من مناسبة أن الحكومة ستتخذ عددا من الإجراءات القاسية خلال الفترة المقبلة، لكنه أقر أيضا بالمخاوف من إمكان أن تحدث تلك القرارات اضطرابات اجتماعية في الشارع، قائلا “إن التحدي الرئيسي الذي يجابه مصر ليست الإجراءات ولكن مدى قبول الرأي العام لها”. وقال أحمد مجدي حجازي، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة القاهرة إن حالة الارتباك التي تظهر على البعض من قرارات السلطة السياسية تأتي نتيجة لأزمات عدة، من بينها الزيادات المتفاوتة في الأسعار، والتي تدفع باتجاه الاحتجاجات والاعتراضات بأشكال مختلفة.
قائد بلا منازع
وفي هذا الشأن فصانع الاستقرار بالنسبة للبعض وحاكم منفرد بالنسبة لآخرين، يقود المشير السابق عبد الفتاح السيسي مصر بلا منازع منذ العام 2013 وقد رسخ ذلك بإدائه اليمين الدستورية أمام البرلمان لولاية رئاسية ثانية من أربع سنوات. وحقق السيسي فوزا كاسحا في انتخابات آذار/مارس بنسبة وصلت الى 97 في المئة من الاصوات الصحيحة، ومن دون أن يواجه أي منافسة فعلية. وكان السيسي (63 عاما) تمكن من الفوز بسهولة بالانتخابات الرئاسية العام 2014 بعدما أزاح سلفه الاسلامي محمد مرسي في 2013 اثر تظاهرات جماهيرية كبيرة طالبت برحيله.
ومنذ توليه الحكم قبل أربع سنوات، اسكت السيسي كل صوت معارض، سواء كان إسلاميا أو ليبيراليا. وندد الاتحاد الاوروبي مؤخرا بموجة قمع وتوقيفات جديدة شملت معارضين وشخصيات من المجتمع المدني في مصر خلال الأسابيع الماضية. وخلف نظارته السوداء الشهيرة يظهر ضابط الجيش السابق، الذي استبدل الزي العسكري ببزات مدنية داكنة، كثيرا في وسائل الاعلام المصرية وعبر شاشات التلفزيون فيشارك مرة في اطلاق حدث ومرة أخرى في مؤتمرات مع الشباب المصري.
ويتحدث السيسي باللهجة المصرية العامية ويلقي بصوت دافئ خطبا مسهبة تتخللها احيانا ضحكات بصوت مرتفع أمام جمهور منتبه وهادئ. وبلهجة أبوية، يصف السيسي المصريين بانهم "نور عينه" مؤكدا انه ليس أكثر من خادم لشعبه اختير لخدمة بلده. واحتفظ السيسي بشعبيته لدى المصريين الذين لا يزالون يرون فيه الرجل الوحيد القادر على الحفاظ على الاستقرار بعد أن سئموا الفوضى التي سادت في أعقاب ثورة 2011 التي أسقطت حسني مبارك.
دفع السيسي بالجيش في شمال سيناء، حيث ينشط الفرع المصري لتنظيم داعش، لكنه لم ينجح في القضاء على موجة الاعتداءات الدامية التي تستهدف أساسا رجال الجيش والشرطة.
على الصعيد الاقتصادي، أطلق السيسي برنامجا استهدف أساسا تقليص الدعم الذي تقدمه الدولة للسلع الأساسية والكهرباء والمحروقات. ورغم الاستياء الشعبي لم تحدث أي احتجاجات. ولد السيسي في تشرين الثاني/نوفمبر 1954 في حي الجمالية بقلب القاهرة الاسلامية وكان من الصغر متميزاً وسط اقرانه ويتحلى بصفات قيادية، بحسب من عرفوه في تلك الفترة.
تخرج من الكلية الحربية في العام 1977 ودرس بعد ذلك في انكلترا ثم في الولايات المتحدة قبل ان يصبح رئيسا للاستخبارات العسكرية في عهد مبارك في العام 2010. وفي 2013 تصدر السيسي المشهد السياسي وشن حملة قمع ضد انصار الرئيس الاسبق محمد مرسي ما ادى الى مقتل مئات المتظاهرين الاسلاميين في اسابيع. والمفارقة ان مرسي كان عين بنفسه السيسي وزيرا للدفاع وقائدا عاما للقوات المسلحة في اب/اغسطس 2012.
وابدى الناشطون العلمانيون واليساريون الذين ايدوا اطاحة مرسي اسفهم بعد ذلك على موقفهم. وتتهم منظمات حقوق الانسان الدولية بانتظام السيسي بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان. وفي 14 اب/اغسطس 2013 ، بعد شهر من اطاحته مرسي، قتل شرطيون وجنود اكثر من 700 متظاهر من انصار الرئيس الاسلامي خلال بضع ساعات في القاهرة. وتحدثت منظمة هيومن رايتس ووتش انذاك عن "قتل جماعي" يمكن ان يشكل "جريمة محتملة ضد الانسانية". بحسب فرانس برس.
واثناء حملته الانتخابية في العام 2014 اعتبر ان "الحريات" ينبغي الا تكون على حساب "الامن القومي" واكد في مقابلة صحافية ان الامر يتطلب "20 الى 25 عاما لاقامة ديموقراطية حقيقية " في مصر. ومنذ عزل مرسي، سجن عشرات الالاف من انصاره وصدرت أحكام جماعية سريعة دانتها بشدة الامم المتحدة بحق مئات من أنصار الاخوان المسلمين من بينهم الرئيس المخلوع نفسه. ويقول المقربون من السيسي، وهو أب لاربعة ابناء وزوجته محجبة، انه رجل متدين يؤدي فروض الصلاة الخمسة يوميا.
قرارات جديدة
من جانب اخر نشرت الجريدة الرسمية في مصر قرارا وقعه رئيس الوزراء شريف اسماعيل يتضمن إجراءات لزيادة أسعار مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي بما يصل إلى 46.5 بالمئة، وهي ثاني زيادة في أقل من عام. ونفذت مصر إصلاحات اقتصادية واسعة ضمن برنامج قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار لأجل ثلاث سنوات وقع عام 2016. وحررت سعر صرف عملتها وخفضت الدعم من أجل جذب استثمارات أجنبية بعد تراجعها في أعقاب انتفاضة عام 2011. وشمل القرار زيادة نسبتها 12 بالمئة في رسوم الصرف الصحي. وكانت مصر رفعت أسعار مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي بما يصل إلى 50 بالمئة في أغسطس آب.
وأثارت زيادة أسعار تذاكر قطارات مترو أنفاق القاهرة ايضا مظاهر نادرة للغضب الشعبي، في الوقت الذي ما زال فيه هناك المزيد من خفض الدعم في الطريق، بما في ذلك دعم الوقود والكهرباء. ويقول مسؤولون حكوميون إن خفض الإنفاق سيساعد على إنعاش الاقتصاد، حيث يشكل الدعم نحو 25 بالمئة من إنفاق الدولة. لكن السياسات التي تشمل خفض الدعم وزيادة الضرائب قادت الأسعار إلى الارتفاع مما تسبب في تراجع شعبية الرئيس عبد الفتاح السيسي.
من جانبه دافع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن زيادة أسعار تذاكر مترو الانفاق الذي أثار موجة نادرة من الإستياء قائلا ان هذا التحرك ضروري لوقف نزيف الخسائر التي تعاني منها الشبكة. وأضاف السيسي قائلا هل النهاردة عندي رفاهية ان أجلت اكتر من كده في إصلاح مسار زي المترو؟ لأ معنديش.. طيب في ناس هتتعب؟ أكيد. عايزين البلد تقوم وتبقى ذات شأن ولا لأ؟“.
وتقول الحكومة إن رفع أسعار التذاكر بما يصل إلى أكثر من ثلاثة أمثال السعر السابق إجراء ضروري للحفاظ على استمرار الخدمة التي تتكبد خسائر ولتمويل التوسعات في شبكة المترو لخدمة عدد أكبر من سكان العاصمة الذين يصل عددهم إلى 25 مليون نسمة. ويستخدم أكثر من ثلاثة ملايين شخص مترو الأنفاق يوميا. بحسب فرانس برس.
ووفقا لوكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية، فإن خسائر الشركة المشغلة للمترو وصلت إلى 618 مليون جنيه (35 مليون دولار). وقال السيسي ”هو كان مفاجأة ليكم؟ لأ ...دي خطة اتعملت من أربع سنوات في القطاعات كلها.. في الكهرباء والمياه والصرف الصحي.. مفيش خيار تاني“. وقالت الحكومة إنها ستبقي على الاشتراكات المخفضة للطلاب وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة. كانت الحكومة قد أثارت غضب الكثيرين، الذين يعانون بالفعل من ارتفاع حاد في تكاليف المعيشة، عندما ضاعفت سعر تذكرة المترو العام الماضي.
أوقات عصيبة
في السياق ذاته لا يعرف المدرس عبد الرحمن علي إن كان سيستطيع شراء حفاضات لمولودته الثانية التي تنتظرها زوجته.. فهو لم يعد بمقدوره شراء اللحم لمائدة الغداء، واضطر إلى اقتراض المال من حماته وسط ظروف اقتصادية صعبة في مصر. يتأهب علي وغيره من أبناء الطبقة المتوسطة في مصر - العمود الفقري الاجتماعي لحكومات متعاقبة - لمزيد من المصاعب بعد انتخابات الأسبوع القادم المتوقع على نطاق واسع أن تمنح الرئيس عبد الفتاح السيسي أربع سنوات أخرى في الحكم.
يقول علي الذي يدًرس اللغة العربية في مدرسة خاصة ”في حمل زوجتي الأول كنت أشتري احتياجات البيت كاملة من كل اللوازم... لكن هذا الحمل تركتها على ربنا... الموضوع صعب جدا جدا“. ويحث السيسي المصريين مرارا على الصبر والتضحية من أجل بلدهم بينما يتعافى الاقتصاد. لكن محللين سياسيين يقولون إن عليه أن يتوخى الحذر في التعامل مع الطبقة الوسطى التي تآكلت مدخراتها بفعل صعود فكلي للأسعار على مدار السنوات الأربع لفترة رئاسته الأولى.
وكانت الطبقة الوسطى هي من اعتصم في ميدان التحرير في 2011 موقدة شرارة احتجاجات أطاحت بالرئيس حسني مبارك. وكان مصريون من الطبقة المتوسطة هم من خرج في مظاهرات أيضا انتهت بتدخل الجيش تحت قيادة السيسي للإطاحة بالرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين في 2013. وساعدت أصواتهم السيسي بعد ذلك ليصبح رئيسا في العام التالي لكن شعبيته تراجعت.
في مواجهة الحاجة إلى إصلاح المالية العامة لمصر وافق السيسي على إصلاحات اقتصادية في إطار حزمة قرض قيمته 12 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي. وحررت مصر سعر صرف الجنيه في نوفمبر تشرين الثاني 2016 لتفقد العملة نصف قيمتها ويرتفع التضخم إلى مستويات قياسية فوق 30 بالمئة الصيف الماضي مع صعود أسعار الطاقة. وبالمقارنة كانت زيادات الأجور بين 15 و20 بالمئة على مدى العام المنقضي وفقا لخبراء اقتصاديين.
وما زال يتعين على أشخاص مثل علي، كان بمقدورهم في السابق شراء سيارة وقضاء عطلات في الخارج، تقليص الإنفاق ومحاولة التغلب على أزمة مالية تلو الأخرى بينما يزدادون فقرا. فدخل أسرته الإجمالي البالغ أربعة آلاف جنيه (228 دولارا) في الشهر سيعني 33 جنيها (أقل من دولارين) في اليوم للفرد عندما يولد طفله الثاني. ويقول علي إن أسعار اللحم البقري باهظة ونوع الدجاج الذي يمكنه شراءه غير صالح للأكل. يقول ”موضوع اللحم صعب جدا... في فراخ نزلت السوق، فراخ صعبة جدا وكان فيها مشكلة بعد ما تسلق الفرخة تجدها زرقاء تماما. اشتريناها مرة وخوفنا نشتريها مرة ثانية“.
ومنذ وقعت مصر اتفاق صندوق النقد وبدأت تنفيذ الإصلاحات، تضاعفت الاحتياطيات الأجنبية وعاد الاستثمار الأجنبي ببطء وبدأ النمو الاقتصادي يتعافى. وأشاد الخبراء الاقتصاديون بصندوق النقد والبنك الدولي بإصلاحات الحكومة وحمايتها للفئات الأشد فقرا من التداعيات، لكن هذا لم يساعد المصريين ذوي الدخل المتوسط. فإصلاح شيء بسيط في المنزل قد يكلف أسرة علي أكثر من نصف دخلها الشهري. ويقول علي ”لو حصلت مشكلة في السباكة... أضطر أستلف فلوس فعلا لتصليحها.“ وشراء متطلبات البيت مشكلة أخرى. يقول ”كنت زمان لما أنزل السوق بخمسين جنيها أجيب كل حاجة... حاجات ممكن تقعد معنا أسبوعين أو ثلاثة. حاليا أنزل بمئة وخمسين جنيها أصرفهم وأحس أني لم أشتر حاجة“.
ولا توجد أي بادرة على أن الطبقة الوسطى ستخرج للتظاهر لكن بعض المحللين يقولون إن حكومة السيسي تدرك أن الأوضاع الحالية قد تدفع الناس إلى الشارع من جديد. يقول تيموثي قلدس الباحث في معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط ”أشك في أن تخرج الطبقة الوسطى للتظاهر بأعداد كبيرة في المستقبل القريب لكن شكواهم الرئيسية التي قد تدفعهم لذلك هي المصاعب الاقتصادية“. وتعهد السيسي بأن خفض الدعم الحكومي سيساعد في إنعاش الاقتصاد والنهوض بالنمو في الأجل الطويل واجتذاب الاستثمار الأجنبي. لكن هذا له ثمنه.
يقول عمرو عدلي الباحث في برنامج مسارات الشرق الأوسط ”شأنها شأن أي حزمة تقشف فمن المتوقع أن تسوء الأمور قبل أن تتحسن. ”سيظل صندوق النقد مشرفا على سياسات مصر الاقتصادية للسنوات الأربع أو الخمس المقبلة.“ لا بادرة أمل في الأفق لعلي وأسرته. واستخدمت الأسرة مدخراتها للاستثمار في مقهى صغير لألعاب الفيديو كان يدر بعض الأموال عليها. لكن مع بدء إجراءات التقشف العام الماضي اضطرت إلى غلق النشاط لأن أسعاره لم تعد في متناول الزبائن. بحسب رويترز.
يقول علي ”كان في أربعة بلاي ستيشن وست أو ثماني أجهزة كمبيوتر وكان في بلياردو. بعتهم قبل الدنيا ما تغلى بشهرين وخسرت فيهم مبلغا كبيرا“. وتقول زوجته سارة التي تعمل في حضانة للاطفال ”طبعا استغنينا عن حاجات كثيرة. الحاجات والسلع - ماذا يقول عليها السيسي؟ استفزازية. ”يعني في أنواع شامبو، المفروض كنا بنجيب حاجات معينة، وحاليا بنجيب أي حاجة. كريمات أو زيوت (للشعر)، كان في حاجات نجيبها.. نوع معين وحاليا لا“. لا يولي علي اهتماما يذكر لانتخابات ليس فيها فعليا منافسة جدية. ما يشغل باله حقا هو القلق من أن ارتفاع الأسعار قد يعني أن طفله الثاني لن يلقى الرعاية التي حظى بها طفله الأول. كان ثمن عبوة الحفاضات لإبنتهما تاليا 57 جنيها مصريا عندما ولدت قبل عامين. الآن، والولادة الثانية تقترب، أصبح السعر 135 جنيها (7.68 دولار).