حزب الله وأمريكا: صراع يرسم مصير الشرق الأوسط

عبد الامير رويح

2018-05-30 04:32

بعد الانتخابات النيابية الاخيرة في لبنان، التي حقق بها حزب الله وباقي الحلفاء نتائج مهمة ازعجت الخصوم بشكل كبير، ازدادت الضغوط الداخلية والخارجية على الحزب بخصوص بعض القضايا ومنها قضية التسليح ومشاركة حزب الله في الصراع السوري وغيرها من الملفات الاخرى، التي وضعت حزب الله على لوائح الإرهاب عرضته لعقوبات خاصة، ويرى بعض المراقبين ان الضغوط والتحركات الخارجية ربما ستشمل ايضا حلفاء ودول اخرى داعمة لحزب الله ومنها ايران وروسيا. حيث دعا الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش ايران ، دون ان يسميها، الى المساهمة في تحول حزب الله الى تشكيلة سياسية مدنية معتبرا ان القدرات العسكرية لحزب الله مقلقة جدا بالنسبة للبنان.

وقال في وثيقة سلمها مؤخرا الى مجلس الامن الدولي "ادعو دول المنطقة التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع حزب الله الى الدفع باتجاه تحول هذه المجموعة المسلحة الى حزب سياسي مدني فقط". واضاف ان ذلك يخدم "المصلحة الفضلى للبنان والسلم والامن الاقليمي". ولم يسم غوتيريش ايران لكن من المعروف انها الداعم الرئيسي لحزب الله في المنطقة. وحزب الله الذي تصنفه واشنطن "مجموعة ارهابية" هو الفصيل الوحيد الذي لم يتخلى عن السلاح في لبنان بعد الحرب الاهلية (1975-1990) وراكم عبر السنوات نفوذه الاقليمي.

واعتبر الامين العام للامم المتحدة ان "احتفاظ حزب الله بقدرات عسكرية مهمة ومتطورة خارج رقابة الحكومة في لبنان، يبقى مصدر قلق بالغ". وطالب غوتيريش حزب الله "وكافة باقي الاطراف المعنية عدم الانخراط في اي نشاط عسكري داخل لبنان او خارجه". واعتبر ان "وجود السلاح المعمم خارج سيطرة الدولة مع وجود مليشيات مسلحة مهمة، يعرض امن المواطنين اللبنانيين للخطر". وتابع "اني ادعو الحكومة والقوات المسلحة في لبنان الى اتخاذ كافة الاجراءات الضرورية لمنع حزب الله وباقي المجموعات المسلحة من حيازة اسلحة وبناء قدرات شبه عسكرية خارج سلطة الدولة".

ترسانة حزب الله

وفي هذا الشأن حذر وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون من أن تنامي ترسانة جماعة حزب الله المدعومة من إيران وتورطها في الصراعات الإقليمية يهدد أمن لبنان. وأضاف تيلرسون، خلال مؤتمر صحفي عقد في بيروت مع رئيس الوزراء سعد الحريري، أن واشنطن تتواصل مع لبنان وإسرائيل لضمان الهدوء في منطقة الحدود. وتعتبر إسرائيل حزب الله أكبر تهديد مباشر على حدودها وضربت أهدافا للجماعة في سوريا بشكل متكرر. ويقاتل حزب الله في صف الرئيس السوري بشار الأسد في الحرب الأهلية التي اقتربت من بدء عامها الثامن.

وانتهجت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سياسة متشددة حيال إيران وفرضت عقوبات على عدة أفراد وكيانات مرتبطة بحزب الله في إطار مساع لزيادة الضغط على إيران. ويشارك حزب الله في الحكومة الائتلافية اللبنانية التي يترأسها الحريري في إطار نظام سياسي معقد يدعم تقاسم السلطة بين الطوائف المختلفة في البلاد. وقال تيلرسون ”حزب الله لا يمثل قلقا للولايات المتحدة فحسب. على الشعب اللبناني أن يكون قلقا أيضا بشأن أفعال حزب الله وترسانته المتنامية التي تتسبب في تدقيق غير مرغوب ولا مفيد مع لبنان“.

وأضاف خلال زيارته للبنان، الأولى من وزير خارجية أمريكي منذ 2014، ”تورط حزب الله في صراعات إقليمية يهدد أمن لبنان“. ورفض حزب الله على الدوام أي مطالبة بالتخلي عن أسلحته ويقول إنها ضرورية للدفاع عن لبنان في مواجهة إسرائيل. ويقول حزب الله أيضا إن دوره في سوريا مطلوب لدرء خطر التشدد السني عن لبنان وأشار إلى أنه يعتقد أن الحرب هناك ستنتهي خلال عام أو عامين.

وبدأت زيارة تيلرسون بموقف محرج إذ انتظر لعدة دقائق في قصر بعبدا للقاء الرئيس ميشال عون وهو حليف لحزب الله. ونفى مكتب الرئاسة اللبنانية أي خروج عن البروتوكول الدبلوماسي وقال إن تيلرسون وصل مبكرا ببضعة دقائق. وبثت قنوات تلفزيونية عربية لقطات له منتظرا على مدار اليوم. وقال عون فيما بعد إن تيلرسون استمع لوجهة النظر اللبنانية فيما يخص الحدود مع إسرائيل وتفهمها. وتصاعد التوتر بين إسرائيل ولبنان في الآونة الأخيرة بسبب خطط إسرائيلية لبناء جدار على الحدود مع لبنان وقرار بيروت البدء في التنقيب عن النفط والغاز في امتيازات تقع في منطقة حدود بحرية متنازع عليها.

وتنامت القوة العسكرية لحزب الله، الذي تعتبره الولايات المتحدة جماعة إرهابية، منذ آخر صراع كبير مع إسرائيل في 2006. وحث تيلرسون زعماء لبنان على التمسك بسياسة النأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية. واتهمت إسرائيل إيران بالسعي إلى إنشاء مصانع أسلحة في لبنان وقال الجيش الإسرائيلي إن البلاد تحولت إلى ”مصنع كبير للصواريخ“. ويتلقى لبنان مساعدات عسكرية كبيرة من الولايات المتحدة. وقال تيلرسون إن واشنطن تظل ملتزمة بدعم الجيش اللبناني وقوات الأمن الداخلي في البلاد. بحسب رويترز.

ولدى سؤاله عن النزاع الحدودي البحري مع إسرائيل بما يشمل تقارير إعلامية لبنانية عن أن واشنطن طلبت من بيروت التخلي عن قسم من المناطق التي تطالب بالسيادة عليها نفى تيلرسون تلك التقارير. وقال ”سنواصل اتصالاتنا المكثفة مع الطرفين. لم نطلب من أي طرف أن يتخلى عن أي شيء ولكننا نبحث عن حل“. وتابع قائلا ”نتواصل مع حكومتي لبنان وإسرائيل لضمان بقاء الحدود الجنوبية للبنان هادئة“.

العقوبات الأمريكية

من جانب اخر دعا الأمين العام لجماعة حزب الله اللبنانية حسن نصر الله أنصاره إلى الصمود في وجه العقوبات الأمريكية التي تستهدف الجماعة المدعومة والاستعداد لمزيد من الضغوط عليها. وتعهد نصر الله بإطلاق حملة كبرى لمكافحة الفساد في الدولة اللبنانية وحذر من أن الدولة ستواجه انهيارا ماليا إذا لم يتم وقف الهدر. وفاز حزب الله وجماعات وأفراد مؤيدون لحيازته السلاح بأغلبية المقاعد في الانتخابات البرلمانية. وسوف يشكل الزعيم السني المدعوم من الغرب سعد الحريري الحكومة الائتلافية القادمة والتي ستشمل الأحزاب الرئيسية بما فيها حزب الله.

وسعت الولايات المتحدة إلى قطع التمويل عن حزب الله الشيعي وفرضت عقوبات على ممثله في إيران بالإضافة إلى ممول رئيسي وخمس شركات في أوروبا وغرب أفريقيا والشرق الأوسط. كما أعلنت واشنطن وشركاء خليجيون عن فرض مزيد من العقوبات على حزب الله بما في ذلك أكبر قائدين فيه نصر الله ونائبه الشيخ نعيم قاسم. وجاءت العقوبات ضمن سلسلة من الإجراءات الجديدة التي تستهدف إيران وحليفها اللبناني منذ انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني.

ووصف نصر الله العقوبات بأنها ”جزء من المعركة“ وقال إنها لن تؤثر على زعماء الحزب لكنها قد تنال من داعميه. وقال ”فيما يتعلق بي شخصيا أو بإخواني، الموضوع ليس له أثر مالي أو مادي... هم يهدفون لإبعاد الناس عنا“. وأضاف ”عندما يضعون (على قائمة العقوبات) شركات لبنانية أو مصانع أو كيانات أو جمعيات أو جهات لها نشاطها المالي والاستثماري في لبنان وفي خارج لبنان وتحتاج إلى سفر ومعاملات بنكية وبيع وشراء وتبادلات مالية، طبعا هذا مؤذ جدا ولذلك لا أحد يستخف به“. وقال ”هؤلاء مواطنون لبنانيون. وإذا كانوا مواطنين لبنانيين فإن الدولة اللبنانية مسؤولة عنهم ويجب أن تدافع عنهم ويجب أن تحمي مصالحهم“.

وحذر نصر الله من أن الإجراءات الأمريكية ستستمر في التصاعد ودعا أنصاره إلى الصبر والتحمل قائلا ”الضغط علي أي متبرع أو مساهم لهذه المقاومة ومؤسساتها... هذا جزء من المعركة“. لكنه قال إن تلك العقوبات لن تحقق شيئا ووصف الضرر الذي قد يتعرض له أنصاره وممولوه بالتضحية. وقال إن العقوبات الأمريكية لن تؤثر على تشكيل حكومة جديدة في لبنان من المقرر أن يبدأ العمل على تشكيلها الأسبوع المقبل. بحسب رويترز.

وبعد انتخابات السادس من مايو أيار، وهي أول انتخابات برلمانية في لبنان منذ تسع سنين، يمثل الوضع الاقتصادي الصعب ومستويات الدين العام الهائلة أولوية للحكومة القادمة. ولبنان ثالث أكبر دولة مدينة في العالم حيث تبلغ نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي أكثر من 150 بالمئة. وتعهد نصر الله بإطلاق حملة ”جدية استراتيجية كبرى“ لمكافحة الفساد. وقال ”نحن ما قدمنا دما وما حررنا أرضا... حتى بلدنا يفلس وينهار“.

النزاع مع إسرائيل

على صعيد متصل قال الأمين العام لجماعة حزب الله اللبنانية حسن نصر الله إن على الولايات المتحدة أن تقبل بمطالب لبنان بشأن الخلافات مع إسرائيل مؤكدا أن جماعته مستعدة للتحرك إذا لزم الأمر. وقال مسؤولون إن دبلوماسيين أمريكيين يتوسطون بين لبنان وإسرائيل لنزع فتيل خلافات بسبب جدار إسرائيلي على الحدود وقرار لبنان البدء في التنقيب عن موارد الطاقة قرب منطقة بحرية متنازع عليها.

وكان رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري أبلغ مبعوثا أمريكيا أن لبنان يرفض مقترحات حالية بشأن الحدود البحرية المتنازع عليها مع إسرائيل. وقال نصر الله إن على الدولة اللبنانية أن تتخذ ”موقفا حازما وقويا“ بشأن الخلافات مع إسرائيل. وأضاف في خطاب بثه التلفزيون ”على المسؤولين في الدولة في هذا الملف التاريخي الاقتصادي الحياتي الحساس للبنانيين أن يكونوا بمستوى الثقة وبمستوى الأمانة وعلى درجة عالية من الشجاعة وتحمل المسؤولية. والشعب اللبناني الآن يتطلع إليكم. نحن جميعا معنيون أن ندعم الدولة في موقفها وأن نساندها وأن نقف إلى جانبها في كل ما تريد“.

وتابع ”لكن الدولة معنية أن يكون لها الموقف الراسخ والقوي والثابت. أن تتعامل الدولة ومعها الشعب اللبناني في هذا الملف من موقع أننا أقوياء ولسنا ضعفاء“. ومضى يقول ”إذا كنا موحدين وبما نملك من مقدرات وطاقات نحن أقوياء ويجب أن نفاوض كأقوياء ويجب أن يتابع هذا الملف كأقوياء وإسرائيل التي تهددكم... أنتم تستطيعون أن تهددوها والأمريكاني إذا جاء ليقول لكم عليكم أن تتجاوبوا معي حتى نرد إسرائيل عنكم... قولوا للأمريكي يجب أن تقبل بمطالبنا حتى نرد حزب الله عن إسرائيل“.

وخاطب اللبنانيين قائلا ”إن القوة الوحيدة لديكم... في معركة النفط والغاز هي المقاومة“ في إشارة إلى حزب الله. وأوضح أن الجيش اللبناني لن يكون قادرا على ردع إسرائيل لأن الولايات المتحدة، الحليف الرئيسي لإسرائيل، ”تمنعه من أن يمتلك صواريخ أرض أرض أو أرض بحر أو أرض جو“. وكان نصر الله يتحدث في احتفال بذكرى ثلاثة من كبار قادة حزب الله العسكريين بمن فيهم الزعيم العسكري السابق عماد مغنية الذي اغتيل في انفجار قنبلة في دمشق عام 2008. بحسب رويترز.

وقال نصر الله ”يستطيع أي لبناني أن يقف ويقول مهلا تمنعونا نمنعكم وتقصفوننا نقصفكم وتضربونا نضربكم ونملك الشجاعة ونملك القوة ونملك القدرة وعدونا يعلم ذلك... نحن في هذه تحت الأمر إذا المجلس الدفاع الأعلى اللبناني يأخذ قرارا أن محطات الغاز والنفط الفلانية في البحر الفلسطيني ممنوع أن تعمل أنا أعدكم خلال ساعات قليلة لا تعود تشتغل“.

وقال نصر الله إن إسقاط المضادات الأرضية السورية الطائرة الإسرائيلية يعد ”إنجازا عسكريا نوعيا كبيرا“. وكانت الدفاعات الجوية السورية أطلقت صاروخا على طائرة حربية إسرائيلية وهي عائدة من غارة جوية على مواقع تدعمها إيران في سوريا. ويعد الحادث أخطر مواجهة بين إسرائيل والقوات المدعومة من إيران في سوريا.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي