إيتا تحل نفسها: نهاية آخر تمرد مسلح في اوروبا الغربية

عبد الامير رويح

2018-05-14 06:12

بعد قرابة 6 عقود من المطالبات التي لم تكن سلمية فقط، إذ سقط خلالها قرابة 850 قتيلاً وآلاف الجرحى كما نقلت بعض المصادر. اعلنت حركة أرض الباسك والحرية الانفصالية والتي تعرف بحركة "إيتا" حل نفسها تماماً وأنهت حملتها المطالبة بإقامة دولة مستقلة شمال إسبانيا وجنوب فرنسا وهي منطقة الباسك التي تتقاسمها هاتان الدولتان. هذه الحركة الانفصالية تأسست عام 1959 تحت حكم الديكتاتور فرانشيسكو فرانكو، بسبب القمع السياسي والثقافي الذي عانى منه سكان منطقة الباسك. واستمرت، بعده، عمليات المطالبة بالاستقلال وانشاء دولة الباسك. واتخذت الحركة العمل العسكري وسيلة لذلك فنفذت عمليات اغتيال وهجمات بالقنابل في كل من اسبانيا وفرنسا.

وبعد ان اعتبرها الاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية، وتم اعتقال قيادييها، تراجعت هذه الحركة عام 2011 عن العنف وسلمت أسلحتها العام الماضي. وفي بيان لها مؤرخ في 16 نيسان/ابريل الماضي، ونشرته الصحافة الاسبانية أعلنت حل هياكلها بشكل تام. كما جاء في الرسالة التي قرأها ديفيد هارلاند المدير التنفيذي لمركز الحوار الإنساني "ولدت إيتا من الشعب والآن ستذوب من جديد وسط الشعب". وفق أحد المسؤولين في حكومة إقليم الباسك الاسباني، هذه الرسالة كانت موجهة للشخصيات التي شجعتها على التراجع عن العنف مثل أمين عام الأمم المتحدة السابق كوفي عنان والرئيس السابق لحزب شين فين الإيرلندي جيري آدامز.

هذا الإعلان اصبح اليوم محط اهتمام اعلامي كبير، خصوصا وان البعض يرى ان هذه الحركة

سوف يكون بإمكانها أن تتحول إلى العمل السياسي السلمي الطبيعي، وسوف يكون في مقدور عناصرها أن يصبحوا مواطنين طبيعيين. وردا على ذلك قال رئيس وزراء إسبانيا ماريانو راخوي إنه لن يكون هناك إفلات من العقوبة على الجرائم التي ارتكبها مسلحو حركة أرض الباسك والحرية (إيتا) الانفصالية في إقليم الباسك بعد الإعلان عن حل الحركة.

وأضاف راخوي ”لم يحدث من قبل ولن يحدث أي إفلات من العقوبة“. وتابع قائلا ”ستستمر التحقيقات في جرائم إيتا وسينظر فيها القضاء ويصدر أحكاما بشأنها إذا تطلب الأمر، وسيستمر تنفيذ الأحكام (التي صدرت بالفعل)“. وتراجع التأييد الشعبي لإيتا عما كان عليه الوضع في السبعينيات وخاصة بعد خطف واغتيال محافظ الباسك الاسباني ميغيل بلانكو. وانحصرت شعبية المنظمة كثيرا بعد اعتقال القائد العسكري للمنظمة جاركوتز اسيازو روبينا المعروف بـ "تكسيروكي" في عام 2008 في فرنسا.

وفي عام 2009 أخفق المتشددون في تحقيق أغلبية في انتخابات الإقليم وتشكلت حكومة غير قومية للمرة الأولى برئاسة الاشتراكي باتكسي لوبيز. وسعت الشرطة في فرنسا وإسبانيا لتقليص نفوذ إيتا وقد حظر القضاء جناحها السياسي الذي كان يسعى لاستقلال الباسك.

ايتا تحل نفسها

وفي هذا الشأن اشاد رئيس حكومة اسبانيا ماريانو راخوي بضحايا منظمة ايتا تزامنا مع الاعلان رسميا عن حلها في كومبو-ليه-بان في بلاد الباسك الفرنسية، مؤكدا رفضه اي تنازل للمجموعة الانفصالية. وقال راخوي بشأن ضحايا المنظمة الباسكية "لهم علينا واجب الذكرى والتكريم. لهم ولاسرهم ولمئات الاسبان الذين نجوا من العنف الارهابي لمن سيعانون للابد آثار الفظاعات". واضاف "ان التحقيقات في جرائم ايتا مستمرة وجرائمهم سيستمر النظر فيها وسيستمر تنفيذ الاحكام الصادرة".

كما اشاد راخوي بالشرطة والحرس المدني والقضاة والصحافيين والجمعيات الذين تعاونوا في مكافحة ايتا. وشكلت هذه القطاعات النسبة الاكبر من قتلى منظمة "ايتا" (اختصار لبلاد الباسك والحرية) البالغ عددهم 853 شخصا بحسب حصيلة للحكومة الاسبانية. وتابع راخوي "المنتصر اليوم لا يمكن ان يكون القتلة بل الضحايا" دون ان يتحدث مباشرة عن "المؤتمر" المنعقد في فرنسا بغرض انهاء عملية حل المنظمة التي تاسست عام 1959. وكانت ايتا اعلنت تخليها عن الكفاح المسلح في 20 تشرين الاول/اكتوبر 2011 كما اعلنت تسليم الاسلحة في 8 نيسان/ابريل 2017.

وفي مؤتمر كامبو-ليه-بان وجه خبراء دوليون نداء لل "مصالحة" من خلال "طي الصفحة". وقال كوفي انان الامين العام الاسبق للامم المتحدة احد رعاة العملية ان اعلان ايتا حل نفسها في جنيف "يظهر ان الحوار السياسي دائم مع انه لا يزال هناك الكثير مما يتعين القيام به لمداواة الجروح". وبثت ايتا "اعلانا نهائيا" بان المنظمة السرية "فككت جميع هياكلها" و"انهت كل عمل سياسي".

من جهته، حذر جيري ادامز القائد السابق لمنظمة شين فين طوال 34 عاما ان "الغضب ليس سياسة والانتقام ليس حلا". واضاف ادامز الذي رعى نهاية انشطة الجيش الجمهوري الايرلندي ان "بناء السلام اصعب بكثير" من خوض الحرب "والحوار يجب ان يكون نقطة الانطلاق". وعبر العديد من المشاركين عن الاسف لغياب اي ممثل للحكومتين الفرنسية والاسبانية وطلب ادامز من مدريد ان "تعطي اشارات ايجابية بشأن المساجين" الباسك.

ويطالب انصار استقلال الباسك بتخفيف ظروف الاعتقال لنحو 300 من مساجين ايتا اساسا في فرنسا واسبانيا وان يتم نقلهم الى سجون في بلاد الباسك ليكونوا قرب عائلاتهم. وتستمر الحكومة الاسبانية في تجاهل هذه المطالب. وقال انييغو مانديز دا فيغو المتحدث باسم الحكومة الاسبانية ان مدريد "لن تغير سياستها في مجال السجون".

ولا يبدي عدد كبير من ضحايا إيتا استعدادا للتغاضي عن الدم الذي أريق خلال سنوات الصراع. وفي مؤتمر صحافي في سان سيباستيان (شمال)، المدينة الباسكية التي شهدت عددا كبيرا من الاعتداءات، طالبت "هيئة ضحايا الارهاب" المنظمة بأن تدين الارهاب وتتوقف عن الاشادة العلنية بمناضليها عندما يخرجون من السجن. وهي تنتظر ايضا توضيح خفايا 358 جريمة لم تكشف بعد.

وترفض الاكثرية الساحقة من الباسكيين العنف، لكن اقلية ما زالت تطالب بالاستقلال. وحصل التحالف الانفصالي اي.اتش بيلدو، الحزب الثاني في البرلمان الباسكي، على 21% من الاصوات في الانتخابات الاقليمية 2016. ويطالب حزب بيلدو، على غرار الحزب القومي الباسكي بزعامة اوركولو، بسجن ال 300 اسير لإيتا الذين يمضون عقوبتهم في اسبانيا وفرنسا، على مقربة من عائلاتهم.

ترحيب فرنسي

من جانب اخر رحب رئيس الوزراء الفرنسي برنار كازنوف بالعملية الي أسفرت عن العثور على 3,5 طن من الأسلحة والذخائر في ثمانية مواقع وتعود إلى منظمة إيتا الانفصالية، التي تعهدت بنزع أسلحتها بالكامل بعد أن تخلت منذ 2011 عن صراعها من أجل استقلال منطقة الباسك الواقع بين فرنسا وإسبانيا.

أعلن رئيس الوزراء الفرنسي برنار كازنوف أنه تم العثور على ثلاثة أطنان ونصف طن من الأسلحة والذخائر في ثمانية مواقع حددتها منظمة إيتا، وذلك بعد تعهد المنظمة نزع سلاحها. وقال كازنوف في بيان "الحكومة الفرنسية ترحب بهذه العملية التي تم تنفيذها بهدوء وبدون عنف". وأضاف البيان "أنها خطوة حاسمة نحو إنهاء إرهاب الانفصاليين في الباسك". وزودت المنظمة فرنسا بلائحة تتضمن مواقع مخابئ أسلحتها، وهي خطوة رحبت بها فرنسا لكن إسبانيا اعتبرتها غير كافية وطالبت بحل منظمة إيتا نهائيا وبشكل كامل. وأشار كازنوف إلى أن "المنتجات الخطيرة سيتم تدميرها". بحسب فرانس برس.

وقال "سيتم تقييم الأسلحة والمعدات من قبل السلطات القضائية التي ستعمل كما هي حالها دائما بالتعاون مع السلطات الإسبانية للتحقق مما إذا كانت المواد التي تم جمعها تساعد في حل قضايا عالقة". وأضاف "وسيتم تحديد ما إذا كان نزع السلاح كاملا بشكل عملي". وأمل رئيس الوزراء الفرنسي بأن يشكل تعهد إيتا بنزع سلاحها "نهاية خمسة عقود من العنف"، وإعلانا لـ"حقبة من السلام الدائم" في منطقة الباسك.

ذات صلة

التنمية المتوازنة في نصوص الإمام علي (ع)أهمية التعداد السكاني وأهدافهالموازنة في العراق.. الدور والحجم والاثرفرصة الصعود في قطار الثقافةموقع العراق في سياسة إدارة ترامب الجديدة