أمريكا وسياسة الغموض في محاربة داعش

كمال عبيد

2015-03-14 08:12

يلاحظ المتابعون أن أمريكا بدأت بتغيير ملامح استراتيجيتها في محاربة داعش، وفقا للمتغيرات العسكرية والسياسية التي حدثت مؤخرا، والتي تتمثل في تغير دفة الانتصارات العسكرية في العراق بمساعدة ايرانية، التي اثارت حفيظة الولايات المتحدة تجاه ايران.

اذ يرى المحللون ان من شأن الانتصارات التي حققها العراقيون ضد تنظيم داعش ان تغير من استراتيجية امريكا في التعامل مع هذا التنظيم الارهابي، لاسيما بعدما دعمت ايران العراق بالاسلحة والاستشارة العسكرية، ومن العوامل التي ستسهم في تغيير الاستراتجية امريكا بمحاربة داعش هو اللوبي الاسرائيلي في الكونجرس الامريكي، والذي تجسد بالخطاب الدعائي لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو من اجل وضع صعوبات امام الرئيس الامريكي باراك اوباما ومنع حق استخدام القوة ضد داعش، لو لم يكن ذلك ظاهريا كهدف لاسرائيل.

لكن في الخفاء ان عدم استقرار الشرق الاوسط ولاسيما سوريا والعراق ودعم بروز قوة جديدة في الشرق الاوسط، من شأنها ان تهدد الوجود الاسرائيلي، إذ يرى الكثير من المحللين ان الانتصارات الاخيرة للعراق على داعش اثارت غضب اسرائيل وعملاؤها في امريكا، فلم يحقق طلب الرئيس الامريكي التفويض باستخدام القوة العسكرية ضد تنظيم داعش تقدما يذكر في الكونجرس.

في حين يتزايد عدد المؤيدين الامريكيين في ارسال جنود للمشاركة في معارك على الارض في العراق وسوريا ضد تنظيم داعش حسب ما جاء في آخر استطلاع للرأي اجراه معهد بيو، كما باتت تشكل قضية مكافحة الارهابين العائدين الى امريكا أهمية كبرى، وذلك اثر تهديدات الذئاب المنفردة العائدين من قلب النزاعات في سوريا والعراق، إذ تعتقد الولايات المتحدة وحلفاؤها ان أكثر من 20 ألف مقاتل أجنبي من أكثر من 90 دولة ذهبوا الى سوريا. وسيطر تنظيم "داعش" على مساحات كبيرة في العراق وسوريا، لذا تسعى السلطات في الولايات المتحدة بصورة حثيثة الى إيجاد أساليب واستراتيجيات جديدة لمكافحة الإرهاب.

في حين يرى بعض المحللين أن وراء انتشار تلك الظاهرة رسالة سياسية، الى جانب احتمال وجود صراع سياسي حول الهيمنة والنفوذ السياسي، باستخدام أدوات محلية لتحقيق أجندات خارجية، وتكشف المعطيات آنفة الذكر سياسية الرياء الامريكية لإخفاء النوايا المبيتة والرهانات الشبه حتمية والحقيقية الموجود لدى الولايات المتحدة، وقد اتضح جليا من خلال اعتمادهما على سياسة الغموض الاستراتيجي، التي تجسدها ديمومة الجدلية والمراوغات السياسية وصراع الأجندة، داخل امريكا وخارجها، والتي تنعكس بصورة مباشرة على سير العمل في محاربة داعش في العراق.

معارضة تفويض أوباما لقتال داعش

في سياق متصل أوضح الديمقراطيون بمجلس الشيوخ الأمريكي أن لديهم مخاوف جدية بشأن تفويض الحرب الذي طلبه الرئيس باراك اوباما لحملته ضد تنظيم داعش الارهابي رغم انهم يأملون في أن يتوصل المشرعون إلى حل وسط.

ورغم مناشدات من مسؤولين كبار في الادارة بدعم الخطة بصرف النظر عن الانتماءات الحزبية قال السناتور الجمهوري بوب كروكر رئيس لجنة العلاقات الخارجية خلال جلسة عقدتها اللجنة إن الاقتراح لا يحظى بدعم أي عضو ديمقراطي.

وقال السناتور روبرت منينديز وهو أرفع عضو ديمقراطي بلجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ إن أعضاء حزبه يرغبون في وضع قيود صارمة على استخدام القوات البرية والحدود الجغرافية، وأضاف "الديمقراطيون غير مستعدين لمنح هذا الرئيس أو أي رئيس آخر تفويضا مفتوحا للحرب أو شيكا على بياض".

وثمة قلق ايضا بين الجمهوريين الذين غالبا ما ينتقدون السياسة الخارجية لأوباما باعتبارها اضعف مما ينبغي ويريدون أن يضع التفويض لاستخدام القوة العسكرية قيودا أقل على القادة العسكريين الذين يحاربون تنظيم الدولة الاسلامية.

وقال وزير الدفاع الأمريكي آش كارتر ان الادارة تتوقع حملة محدودة بدرجة أكبر مما حدث في حروب حديثة أخرى، وقال كارتر "انه يهدف... بصورة واضحة الى استبعاد ذلك النوع من الحملة التي نفذت في العراق وافغانستان لأننا لا نرى ان حملة من هذا القبيل ضرورية"، والى جانب كارتر حضر الجلسة وزير الخارجية جون كيري ورئيس هيئة الاركان الجنرال مارتن ديمبسي.

ولم يحرز طلب أوباما منحه تفويضا لاستخدام القوة العسكرية ضد التنظيم المتشدد تقدما يذكر منذ ان أرسله إلى الكونجرس قبل شهر وربما لا يحصل على الموافقة مطلقا بسبب معارضة كثيرين من رفاقه في الحزب الديمقراطي.

ويريد بعض الديمقراطيين ان يبطل طلب التفويض الجديد تفويضا تمت الموافقة عليه في 2001 بخصوص الحرب ضد تنظيم القاعدة وهو من السلطات التي تستخدمها إدارة أوباما لمحاربة تنظيم الدولة الاسلامية، ويؤكد مسؤولو الادارة أن تفويض عام 2001 يجب ان يستمر لحماية البلاد من التهديد من القاعدة.

وردا على سؤال عن الانقسام الحزبي في الكونجرس قال كيري ان صدور التفويض بموافقة حزب واحد فقط سيكون أسوأ من عدم صدور التفويض مشيرا الى أهمية ارسال رسالة موحدة ليس فقط لتنظيم الدولة الاسلامية وإنما أيضا إلى حلفاء الولايات المتحدة.

تغيير استراتيجية محاربة داعش

من جانبه قال وزير الدفاع الأمريكي الجديد آشتون كارتر إن الولايات المتحدة لديها "العناصر" السليمة لاستراتيجية قتال تنظيم الدولة الإسلامية بناء على محادثات كبار القادة الأمريكيين العسكريين والدبلوماسيين دون أن يلمح إلى أي تحول جوهري في الحملة.

وبعد يوم من الاجتماعات في الكويت اعترف كارتر أن هناك مجالا للتحسين مما يدل على نطاق واسع على أن بعض الحلفاء قد يسهموا بشكل أكبر في الحرب.

لكن في تصريحات من المرجح أن تثير إحباط المنتقدين الجمهوريين لاستراتيجية الرئيس باراك أوباما أشار كارتر أيضا إلى أن الولايات المتحدة على الطريق الصحيح في العراق وسوريا، وبسؤاله عما إذا كان يرى حاجة إلى إعادة نظر للاستراتيجية قال كارتر "لدينا عناصر الاستراتيجية"، وأضاف "حققت جهودنا حتى الآن بالفعل بعض الآثار الهامة. تحالفنا العالمي على مستوى هذه المهمة وكذلك القيادة الأمريكية". بحسب رويترز.

بدأ كارتر محادثات مع ما يزيد على 24 من كبار المسؤولين الأمريكيين في معسكر عريفجان بالكويت وهم يمثلون "فريق أمريكا" في المنطقة. وكان من بينهم الجنرال لويد أوستن قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط والجنرال المتقاعد جون ألين مبعوث أوباما للتحالف الذي يقاتل الدولة الإسلامية.

كما تلقى كارتر بيانا عن العمليات من اللفتنانت جنرال جيمس تيري القائد الأمريكي الكبير في العمليات ضد الدولة الإسلامية بسوريا والعراق، وقال تيري للصحفيين المسافرين مع كارتر إن القوات العراقية تستعد لهجوم لاستعادة السيطرة على بلدة البغدادي من الدولة الإسلامية، وأشار كارتر في تصريحات للصحفيين إلى قوة التحالف لكنه أشار أيضا إلى "الحاجة إلى تعزيز الاستفادة من الاسهامات الفردية لكل" عضو في التحالف.

ولم يذكر كارتر دولة بالاسم لكن مسؤولين أمريكيين عبروا في السابق عن رغبتهم في مزيد من دعم الحلفاء ولاسيما تركيا، وأكد كارتر على استغلال الجماعة المتشددة لوسائل التواصل الاجتماعي بنجاح في تجنيد المتشددين، وقال مسؤول بوزارة الدفاع الأمريكية طلب عدم نشر اسمه "هناك أجزاء من تنفيذ (الاستراتيجية) اعتقد يمكن القيام بها بشكل أفضل... لكنه (كارتر) يعتقد بشكل أساسي أن الاستراتيجية سليمة وتؤتي أكلها".

كما وعد وزير الدفاع الاميركي الجديد اشتون كارتر بالحاق "هزيمة نهائية" بتنظيم الدولة الاسلامية "داعش"، وذلك فيما يعقد اجتماع في قاعدة اميركية في الكويت مع قادة عسكريين ودبلوماسيين بهدف البحث في متسجدات الحرب على المتطرفين، وبعد ايام فقط من استلامه مهامه، يجتمع وزير الدفاع الاميركي مع حوالى عشرين قائدا عسكريا وسفيرا ومسؤولا في اجهزة المخابرات في قاعدة عريفجان في صحراء الكويت، وقال كارتر متوجها الى القوات الاميركية في القاعدة قبيل الاجتماع، ان الائتلاف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة "يدفع (تنظيم الدولة الاسلامية) بفاعلية بعيدا عن الكويت وعن اماكن اخرى"، واضاف "لا يكن لديكم شك ابدا باننا سنلحق بهم هزيمة نهائية".

من جهة أخرى قال مدعون إن رجلا في مينيسوتا أنزل من طائرة متجهة إلى تركيا العام الماضي اتهم بالتآمر لدعم تنظيم الدولة الإسلامية والكذب على ضباط اتحاديين يحققون في عمليات تجنيد للجماعات المتشددة، وقال المدعون إن حمزة أحمد (19 عاما) وثلاثة شبان آخرين من مينيسوتا منعوا من ركوب رحلات دولية من نيويورك يوم الثامن من نوفمبر تشرين الثاني بعد السفر بالحافلة من منيابوليس، وذكر المدعون في بيان أنه احتجز لأنه اتهم في أوائل فبراير بالكذب على ضباط اتحاديين وهو متهم أيضا بمحاولة تقديم دعم مادي إلى متشددي الدولة الإسلامية. بحسب رويترز.

وقال المدعي الأمريكي اندرو لوجر إن أحمد هو الشخص الرابع على الأقل من منطقة سانت بول في منيابوليس الذي يتهم أثناء تحقيق بشأن اناس يسافرون أو يحاولون السفر إلى سوريا للانضمام لتنظيم الدولة الاسلامية، وأفاد المدعون أن عشرات الأشخاص من منطقة سانت بول في منيابوليس وبينهم كثيرون من الأمريكيين الصوماليين سافروا أو حاولوا السفر الى الخارج لدعم جماعات مثل الدولة الإسلامية او حركة الشباب منذ 2007.

وقال لوجر إن مكتبه ملتزم بالملاحقة القضائية لمن يحاولون تقديم دعم مادي إلى الدولة الإسلامية وغيرها من التنظيمات وبالعمل مع الزعماء المحليين لكسر دائرة التجنيد، وذكر المدعون أن أحمد والرجال الآخرين الذين أوقفوا في مطار جون كنيدي الدولي في نوفمبر تشرين الثاني كلهم في التاسعة عشرة أو العشرين من العمر وجاءوا من منطقة سانت بول في منيابوليس. وكان أحمد مسافرا إلى اسطنبول التي استخدمت كبوابة إلى سوريا لمن ينضمون الى الدولة الإسلامية.

على صعيد ذي صلة يتزايد عدد الاميركيين الذين يؤيدون ارسال جنود للمشاركة في معارك على الارض في العراق وسوريا ضد تنظيم الدولة الاسلامية، حسب ما جاء في استطلاع للرأي اجراه معهد بيو ونشرت نتائجه، ويؤيد اميركي واحد تقريبا من اثنين (47%) ارسال جنود في مهمات قتالية على الارض ضد الجهاديين في حين كانت النسبة 39% في تشرين الاول/اكتوبر، حسب ما اوضح معهد بيو للابحاث، لا يزال 49% من الاميركيين يعارضون ارسال قوات الى الارض ولكن اقل مما كان عليه الامر قبل اربعة اشهر (55%)، واشار الاستطلاع الى ان ثلث الاميركيين (30%) يعارضون ارسال قوات وقد كانت النسبة 33% في تشرين الاول/اكتوبر. بحسب فرانس برس.

ويدعم الاميركيون ايضا وبأغلبية كبيرة (70%) سياسة الولايات المتحدة بعدم دفع فدية لخاطفي الرهائن في حين يعارض ذلك 25%. اما ال5% الباقون فلم يعطوا اي رأي، واوضح المعهد ان الاميركيين ما زالوا مع ذلك منقسمين لمعرفة ما اذا كان "استعمال القوة العسكرية الساحقة هو الوسيلة الافضل لدحر الارهاب في العالم".

واعرب حوالى 47% عن موافقتهم على هذا الامر بانها "الوسيلة الافضل" في حين يعتبر 46% ان "الاتكال كثيرا على قوة عسكرية لدحر الارهاب يولد الحقد الذي يؤدي بدوره الى مزيد من الارهاب"، حسب المعهد.

وتختلف الاراء حول الحرب على تنظيم الدولة الاسلامية حسب الحزب وحسب الجنس، فالجمهوريين (70%) اكثر من الديمقوراطيين (58%) والرجال (70%) اكثر من النساء (56%) لناحية تأييد اللجوء الى الحرب، وكذلك هناك انقسام في الرأي حول فعالية هذه الحرب: 58% يعتبرون انها لن تكون جيدة، واجري الاستطلاع على شريحة من 1504 اميركيين بالغين بين 18 و22 شباط/فبراير.

تقلّص التبرعات للجماعات المتشددة

الى ذلك قال جيمس كلابر مدير المخابرات القومية الأمريكية ان نحو 180 أمريكيا سافروا إلى سوريا للانضمام إلى متشددين إسلاميين وإن حوالي 40 منهم عادوا إلى الولايات المتحدة، واضاف كلابر أنه ليس كل الذين ذهبوا الى سوريا -حيث يقاتل متشددو تنظيم الدولة الاسلامية وفصائل اخرى بعضهم البعض وقوات الرئيس بشار الاسد- شاركوا في الحملة الاسلامية. وأضاف ان بعضهم ربما كانوا موظفي مساعدات. بحسب فرانس برس.

وعبر مسؤولون أمريكيون عن قلقهم من ان أمريكيين تحولوا الى التطرف وتدربوا على شن هجمات في سوريا ربما ينفذون هجمات ارهابية عندما يعودوا الى الوطن. وقال كلابر انه لا يعلم بأي مؤامرات شارك فيها المقاتلون العائدون، وأبلغ منتدى في مجلس العلاقات الخارجية أنه مادام هؤلاء المسافرين لم ينخرطوا في أعمال عنف فمن "حقهم كمواطنين أمريكيين" أن يعودوا إلى الولايات المتحدة.

وقال إن التبرعات للجماعات المتطرفة مثل تنظيم الدولة الإسلامية والجماعات التابعة للقاعدة من الحكومات والهيئات الاهلية في دول إسلامية تقلصت في الآونة الأخيرة وإن هذا يرجع جزئيا إلى تشديد الرقابة من جانب حكومات المنطقة.

وأكد أن الأولوية للولايات المتحدة وحلفائها في سوريا حاليا هي محاربة تنظيم الدولة الإسلامية. لكنه قال إن واشنطن لا تزال تعتقد أن من الضروري أن يرحل الأسد عن السلطة لأن "عامل الجذب لكل هذا التطرف ... هو بسببه"، وأقر بأن جهود الولايات المتحدة لتجنيد وفحص وتدريب معارضين سوريين "معتدلين" هي مسعى طويل الأجل، وقال "القضية هي الوقت الذي يستغرقه الأمر ... للحصول على ... قوة النيران التي سيكون لها تأثيرا.".

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي