تركيا والاكراد: عندما أصبح السلام مجرد اضغاث أحلام
وكالات
2017-05-20 05:20
أدى صعود ميليشيا تركية في سوريا خلال الحرب الأهلية السورية إلى انتشار الصراع الكردي الدائر منذ أكثر من 30 عاما إلى ما وراء الحدود التركية بل وخروجه إلى حد ما عن سيطرة تركيا. ولا يتضح ذلك في أي مكان مثلما يتضح في شرناق.
ففي اشتباكات استمرت شهورا خلال العام الماضي بين قوات تركية وحزب العمال الكردستاني لحق الدمار بأجزاء كبيرة من هذه المدينة ومدن حدودية أخرى ما أدى إلى انهيار عملية سلام تاريخية.
وينتشر الخراب في مناطق بالمدينة التي تحيط بها سلسلة جبلية تمتد نحو الحدود السورية. ورغم سكوت المدافع يضطر سكان المدينة إلى نقل احتياجاتهم من مواد البقالة وسط أكوام من الركام والمباني المتهدمة، وكانت شدة القتال قد أحدثت تحولا في ميزان القوى الإقليمي يمكن أن يعرقل أي عودة إلى محادثات السلام. وقد شنت تركيا ضربات على القوة السورية التي كسبت نفوذا لتصبح حليف واشنطن الرئيسي في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية.
غير أن نهج أنقرة تجاه أكراد سوريا له عواقب في شرناق وغيرها من المدن في جنوب شرق تركيا الذي يغلب عليه الأكراد، ويقول خير الدين ايرأوغلو (37 عاما) الذي يملك متجرا في مدينة الجزيرة القريبة، حيث دار بعض من أسوأ الاشتباكات في أعقاب انهيار وقف إطلاق النار في تركيا عام 2015، إن التحول يرجع إلى عام 2014 عندما تقاعست تركيا عن دعم الأكراد الذين كانوا تحت الحصار من جانب الدولة الإسلامية في مدينة كوباني السورية الحدودية، وقال إن الرئيس رجب طيب إردوغان "جلس مع الأكراد لعقد سلام لكنه قال تلك الأشياء .. ‘كوباني على وشك السقوط‘ وكأنه كان يستمتع بذلك. وكل الأكراد هنا في سوروج وفي أورفا (بتركيا) لهم أقارب في كوباني وفي تل أبيض" بسوريا.
وأضاف "بعض الناس لهم أبناء عمومة وأحفاد توجهوا إلى سوريا وحاربوا مع وحدات حماية الشعب في مواجهة الدولة الإسلامية. ثم يقول إردوغان ذلك. من المؤكد أن هذه كانت نقطة تحول. لكن من ناحية أخرى أيضا وحد موقفه الأكراد".
ومن المقرر أن يجتمع إردوغان مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الثلاثاء. وخلال الحرب الأهلية السورية ظلت الأولوية عند أنقره هي الإطاحة بالرئيس بشار الأسد في حين ظل تركيز واشنطن على هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية.
وعندما حولت تركيا موقفها في يوليو تموز 2015 ومنحت التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة الدولة الإسلامية حق استخدام قواعدها الجوية في جنوب البلاد وشنت هجمات جوية على التنظيم نفسه واجهت انتقادات من الغرب ومن الأكراد بأن ما فعلته جاء متأخرا وليس كافيا، وفي معركة استعادة كوباني ألقى التحالف قنابله دعما لمقاتلي وحدات حماية الشعب. وعندما استعاد الأكراد كوباني بعد معارك في الشوارع استمرت خمسة أشهر عزز ذلك مكانتهم العسكرية في أعين واشنطن وعقد مشاكل أنقرة.
وفتح انهيار وقف لإطلاق النار استمر عامين ونصف العام مع حزب العمال الكردستاني في يوليو تموز عام 2015 الباب أمام أسوأ اشتباكات منذ عشرات السنين في جنوب شرق تركيا. وانتشرت الاشتباكات في عشرات الأحياء بين قوات الأمن وشبان مسلحين من حزب العمال الكردستاني راحوا يحفرون الخنادق ويقيمون المتاريس ويزرعون القنابل ويعلنون الحكم الذاتي في المدن التركية، وكانت تلك نهاية عملية السلام التي أعطت بارقة أمل في انتعاش اقتصاد المنطقة بعد صراع استمر 30 عاما راح ضحيته أكثر من 40 ألف قتيل.
ويتذكر شيموس باداي صانع الصابون في مدينة ماردين القديمة التي نجت إلى حد كبير من الاشتباكات أنه ظل متفائلا رغم أنباء الاشتباكات على شاشة التلفزيون كل ليلة، وقال باداي وهو يجلس بين أكوام كبيرة من الصابون في متجره "حفر تلك الخنادق قضى علينا جميعا. بعد كوباني اتجه النشاط التجاري جنوبا. فالخنادق قضت على من تبقى من الزبائن. ثم ردت الدولة بكل قوة. وها نحن نجلس طوال اليوم نرد على المكالمات الهاتفية".
في الخارج أوضحت تركيا على الدوام أنها لن تتهاون مع أي جيب لأكراد سوريا يتمتع بحكم ذاتي على امتداد حدودها وأرسلت قوات في وقت سابق من هذا العام بهدف منع تقدم وحدات حماية الشعب غربي نهر الفرات.
وقال وزير الخارجية مولود تشاوس أوغلو ردا على قرار ترامب تسليح وحدات حماية الشعب للمساعدة في حملة استعادة مدينة الرقة من أيدي تنظيم الدولة الإسلامية "حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب منظمتان إرهابيتان ولا اختلاف بينهما سوى في الاسم"، وانتقد إردوغان القرار لكنه قال إنه واثق أن بوسعه تغييره خلال زيارته لواشنطن، وتخشى أنقرة أن تقام في نهاية الأمر دولة كردية مستقلة تحتل أراضي في تركيا وسوريا وربما العراق. وفي هذا الصدد تسعى للحصول على دعم واشنطن التي تعتبر حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، وقال إردوغان في أنقرة متحدثا عن وحدات حماية الشعب "نريد أن نصدق أن حلفاءنا سيفضلون الانحياز لنا لا لمنظمة إرهابية".
وبعد لحظات من إعلان فوزه بفارق ضئيل بصلاحيات جديدة في استفتاء تاريخي نظمته تركيا الشهر الماضي وجه إردوغان الشكر للناخبين الأكراد على دعمهم له وقال إن الأيام القادمة ستكون أفضل.
غير أن تعليقاته لم تقابل بحماس يذكر في شرناق التي كانت من أشد المدن تضررا وتقع في محافظة صوت أهلها بأغلبية ساحقة برفض زيادة صلاحيات الرئيس. وقال سكان كثيرون إنهم يخشون اشتداد حملة القمع في الوقت الذي أبدى فيه البعض غضبه لموقف تركيا من الأكراد في سوريا، وقال عامل المناجم علي أوجر في مطعم على بعد أمتار من حاجز أمني به وجود مكثف للشرطة "السلام أصبح وهما هنا. إردوغان أطلق عملية السلام ثم أنهاها بنفسه عندما لم تعد تناسب سياسته"، وأضاف أوجر الذي كان من قبل يؤيد إردوغان "لماذا يبدأ الآن وهو يملك كل الصلاحيات التي يحتاج إليها؟" وقال إنه انقلب على إردوغان بسبب سياسته تجاه أكراد سوريا، أما باداي صانع الصابون الذي يواجه صعوبة في دفع إيجار المتجر وإطعام أطفاله فقال إنه صوت بالموافقة على منح إردوغان سلطات إضافية. وهو يعتقد أن كثيرين غيره يفكرون مثله، وفي إشارة إلى الشبان الذين انضموا لصفوف حزب العمال الكردستاني قال "في النهاية الدولة هي القوية ويمكنها أن تضع نهاية لذلك. ويمكنها أن تبني مصانع وإذا وجدت الوظائف فربما يتوقف هؤلاء الأولاد عن الذهاب للجبال"، وأضاف "ربما منح بعض الأكراد من أمثالي إردوغان فرصة أخيرة".
ومازال للشرطة وجود مكثف في مدينتي شرناق والجزيرة. ويتم الدخول والخروج من خلال نقاط التفتيش الأمنية التي تحرسها عربات مدرعة تابعة للشرطة وتحصينات للمدافع الرشاشة مقامة بأكياس الرمل وكتل الخرسانة للوقاية من أي هجوم، ويجلس محمد الخفير بإحدى القرى في مقهى في الجزيرة يحملق في الشارع التجاري المزدحم الممتلئ بسيارات تطلق أبواقها. ويتذكر محمد أن المتاجر كانت كلها مغلقة قبل عام وكان الصوت الوحيد الذي يتردد هو صوت النيران، وقال "هذا هدوء. وهذا أفضل ما يمكن".
وقد صوت محمد، الذي حارب حزب العمال الكردستاني مع الجيش التركي في الريف الجبلي بالقرب من الجزيرة على مدى 23 عاما، لصالح إردوغان الشهر الماضي ورغم ذلك فالسلام بالنسبة له مجرد كلمة.، وقال "نحتاج محادثات جديدة. عملية جديدة لكن الآن الأطراف أكثر بكثير من تركيا والأكراد. فهناك الولايات المتحدة الآن وروسيا وأطراف دولية. والسؤال هو هل سيسمحون لنا بعقد السلام؟".