إندونيسيا: وداعا للإسلام السياسي، مرحبا بالشعبوية
زينب شاكر السماك
2017-04-24 07:53
تعد اندونيسيا أكبر دولة آسيوية مسلمة من حيث عدد السكان، حيث يدين 90 بالمئة من سكانها الذين يبلغ عددهم 255 مليونا بالإسلام. شهد هذا البلد الذي يتسم بالاعتدال الديني تزايد الصراعات والاضطرابات السياسية في السنوات الأخيرة.
ان السبب وراء هذه الاضطرابات هي معارضة حاكم جاكرتا المسيحي باسوكي تاهاجا بورناما والقادم من الأقلية الصينية، تفسير بعض علماء الدين لآية في القرآن تعتبر أن على المسلمين واجب انتخاب حاكم مسلم، هذه القضية سلطت الضوء على التهديد الذي يحيط بالحريات الدينية. وسببت موجة عارمة من الاحتجاجات.
فقد استخدم مسلمون متشددون ومحافظون هذه التصريحات وخرج مئات الآلاف من المسلمين إلى الشوارع أواخر العام الماضي وقادوا احتجاجات ومسيرات للدعوة بأقالة حاكم جاكرتا من منصبه وحثوا الناخبين على عدم اختيار زعيم غير مسلم. بينما تحدث خبراء ومختصين عن هذه الصراعات بأنها ذات دوافع سياسية.
واتهم حاكم العاصمة في نهاية 2016 تحت الضغط بالتجديف على الاسلام، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى حكم بالسجن خمس سنوات. وبسبب هذه المحاكمة خسر بورناما رغم شعبيته وإنجازاته منصبه أمام خصمه المسلم أنيس باسويدان المتهم بموالاة المتشددين لكسب أصواتهم. على أن واجب المسلمين انتخاب حاكم مسلم، وبعد هزيمته في الانتخابات، سيفقد أهوك، منصبا وصل إليه تلقائيا في 2014 عندما كان مساعدا لرئيس البلدية السابق جوكو ويدودو الذي انتخب رئيسا للبلاد.
فقد شبه مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي صدمة فوز وزير التعليم السابق أنيس باسويدان بالسباق على منصب حاكم جاكرتا بصدمة انتخابات الرئاسة الأمريكية والتصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي العام الماضي. خاصة بعد اظهار استطلاعات الرأي قبيل الانتخابات وفوز بورناما بالجولة الأولى من التصويت على منصب الحاكم في فبراير شباط.
بينما يرى المختصون أن الانتخابات شكلت "مواجهة بين التعددية في إندونيسيا وبين نوع جديد من الإسلام السياسي يؤججه إسلاميون متشددون". وتشكل الاتهامات التي وجهت إلى أهوك نموذجا واضحا من التعصب الديني الذي تصاعد في السنوات الأخيرة في إندونيسيا وتمثل بتزايد الهجمات على الأقليات وتزايد تأثير الإسلاميين المتطرفين.
على صعيد مغاير وفي الوقت الذي تشهد فيه اندونيسيا موجة صراعات وبعد ان هاجم ترامب مرارا خلال حملته "الإرهاب الإسلامي المتطرف". قام نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس بزيارة إلى جامع "الاستقلال" أكبر مسجد في إندونيسيا. وتعد هذه الزيارة أول مبادرة لإدارة ترامب للتقرب من المسلمين منذ توليه الحكم. مما تدل هذه الزيارة ان ترامب بصورة عامة بات يغير من واجهته الانتخابية وأيضا هذه الزيارة تعطي الدعم لحاكم جاكرتا الجديد المسلم.
بادرة رمزية للإدارة الأمريكية
في الشأن ذاته زار نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، جامع "الاستقلال" أكبر مساجد إندونيسيا التي في بادرة رمزية للإدارة الأمريكية المتهمة بإذكاء الإسلاموفوبيا. واستهل بنس زيارته لإندونيسيا بالإشادة بالإسلام المعتدل فيها ودوره "الملهم" ثم زار جامع "الاستقلال" الذي يتسع لنحو 200 ألف مصل وتشرف قبته البيضاء على وسط العاصمة جاكرتا.
وخلع بنس حذاءه قبل التجول في المسجد الذي يعد كذلك الأكبر في جنوب شرق آسيا برفقة زوجته وابنتيه اللواتي غطين رؤوسهن بمنديل وكان معهم إمام الجامع الأكبر نصر الدين عمر. وتمثل زيارة بنس أول مبادرة رفيعة لإدارة ترامب للتقرب من المسلمين منذ توليه الحكم، وهو ما فعله قبله الرئيس السابق باراك أوباما وزوجته ميشيل عام 2010.
واعتمد بنس لهجة مختلفة تماما وقال بنس إثر مباحثاته مع الرئيس جوكو ويدودو في القصر الرئاسي إن "التقاليد الإسلامية المعتدلة في إندونيسيا هي بصراحة مصدر إلهام للعالم ونحن نشيد بكم وبشعبكم". وفي مسجد جاكرتا، جال بنس وعائلته في قاعة الصلاة المقببة وأشاد بهندسة قبتها المعمارية، واستمتعوا بقرع على طبل منحوت في باحته. ثم أجرى بنس حوارا بين الأديان في جلسة مغلقة مع ممثلين عن المسيحيين والبوذيين والكونفوشيين والهندوس والمسلمين. بحسب فرانس برس.
ولكن تصريحات بنس عن الإسلام المعتدل واعتبار إندونيسيا مثالا للتسامح والحوار بين الأديان تتعارض مع المخاوف المتنامية داخل البلد من زيادة التعصب الديني في السنوات الأخيرة واستقواء التيار المحافظ مع تزايد الهجمات التي يشنها متشددون إسلاميون على الأقليات.
ورحب الإندونيسيون بزيارة بنس التي لا يعتقد أنها كافية لتبديد مخاوفهم من مواقف ترامب المعلنة ضد الإسلام. وقال معروف أمين رئيس مجلس العلماء الإندونيسي "نأمل أن تؤشر زيارة بنس إلى تغيير في الموقف، على الأقل أن يبتعدوا عن موقفهم بأنهم لا يحبون الإسلام كثيرا".
قضية ازدراء الإسلام
من جانب اخر دعت نيابة جاكرتا لوضع حاكم جاكرتا المسيحي باسوكي تاهاجا بورناما (أهوك) تحت المراقبة لسنتين في قضية التجديف بالإسلام التي يحاكم بشأنها في أكبر بلد مسلم في العالم وتوصية النيابة بسنتين من المراقبة مع إمكانية سجنه لسنة في حال ارتكب جريمة خلال تلك الفترة أخف من المتوقع إذ ينص القانون على عقوبة تصل إلى السجن خمس سنوات في حال الإدانة بالتجديف.
وقال النائب العام علي موكارتونو إن أهوك "مذنب بارتكاب عمل جرمي في العلن" عندما عبر عن "عدائية وكراهية تجاه قسم من سكان إندونيسيا" الذين يدين نحو 90% منهم بالإسلام. وتابع أنه طلب تخفيف العقوبة نظرا لإسهامات أهوك في تطوير جاكرتا ولأنه تصرف بلباقة خلال محاكمته. وفق فرانس برس.
وحوكم أهوك المعروف بصراحته، لأنه قال في أيلول/سبتمبر إن تفسير بعض علماء الدين لآية في القرآن تعتبر أن انتخاب حاكم مسلم واجب على المسلمين، خطأ. واستغل مسلمون متشددون ومحافظون هذه التصريحات لمقاضاته في حين رأى خبراء أن وراء ذلك "دوافع سياسية". اكتسب أهوك شعبية كبيرة نظرا لتصميمه على مكافحة الفساد المستشري في الوظيفة العامة وإجراء إصلاحات في جاكرتا التي تعد عشرة ملايين نسمة وتفتقر إلى التنظيم.
انقسام حاد في المجتمع
في انتخابات شهدت توترا دينيا في أكبر بلد مسلم في العالم عدديا ما بين حاكم جاكرتا المسيحي الذي يحاكم بتهمة إهانة الإسلام بهزيمة أمام خصمه المسلم وزير التربية الأسبق المسلم أنيس باسويدان وأفادت تقديرات مؤقتة لمراكز استطلاعات للرأي استنادا إلى نتائج فرز كل الأصوات أن باسوكي تجاهاجا بورناما الملقب أهوك، حصل على 42 بالمئة من الأصوات مقابل 58 بالمئة لوزير التربية السابق أنيس باسويدان المسلم.
وتشكل هذه الانتخابات اختبارا لتسامح إسلام معتدل تقليديا في إندونيسيا في مواجهة تزايد تأثير مسلمين محافظين من أنصار تيار متشدد. وقد نظموا في الأشهر الأخيرة مظاهرات حاشدة ضد الحاكم المسيحي المنتهية ولايته الذي يحاكم بتهمة التجديف. ويشكل الاقتراع فرصة أيضا لمواجهة بين كبار اللاعبين السياسيين في البلاد الذين يعتبرون منصب حاكم العاصمة التي يبلغ عدد سكانها عشرة ملايين نسمة مؤشرا إلى الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في 2019.
ودعي حوالي 7,2 ملايين ناخب أغلبهم من المسلمين إلى التصويت في هذه الدورة الثانية من الاقتراع، وتم حشد أكثر من ستين ألفا من أفراد قوات الأمن لمواجهة أي فلتان. ويفترض أن تعلن النتائج الرسمية مطلع أيار/مايو. وعلى الرغم من احتجاجات عنيفة مرتبطة بقضية اتهام "أهوك" (50 عاما) التي أدت إلى انقسام حاد في المجتمع، حل الرجل في الطليعة في الدورة الأولى التي جرت في 15 شباط/فبراير بحصوله على 43 بالمئة من الأصوات، بينما حصل خصمه البالغ من العمر 47 عاما على أربعين بالمئة. حسب ماجاء في فرنس برس.
لكن احتياطي الأصوات المؤيدة لأهوك كان ضعيفا. فالمرشح الثالث أغوس يودويونو نجل الرئيس السابق والمسلم أيضا، حصل على 17 بالمئة من الأصوات ولم يصدر توجيها إلى مؤيديه بالتصويت إلى أحد المرشحين. ويبدو أن كل أصوات مؤيديه ستذهب إلى وزير التربية السابق المسلم.
الإسلام السياسي
في نفس السياق خلال الحملة الانتخابية واجه أنيس باسويدان انتقادات لأنه التقى قادة إسلاميين متشددين لتعزيز فرص فوزه. فالسؤال المطروح في نظر كثير من الناخبين بات "هل يمكن انتخاب حاكم غير مسلم؟". ويرى المحلل توبايس باسوكي أن هذه الانتخابات يمكن تلخيصها في "مواجهة بين التعددية في إندونيسيا وبين نوع جديد من الإسلام السياسي يؤججه إسلاميون من أنصار خط متشدد". وفق فرانس برس.
وتشكل الاتهامات التي وجهت إلى أهوك نموذجا واضحا من التعصب الديني الذي تصاعد في السنوات الأخيرة في إندونيسيا وتمثل بتزايد الهجمات على الأقليات وتزايد تأثير الإسلاميين المتطرفين. وقال كيث لافارد المحلل بمركز كونكورد كونسالتينج في جاكرتا ومؤلف كتب عن السياسة الإندونيسية إن السياسة المتأثرة بالدين "ستمثل قوة هائلة في المستقبل."
مرحبا بالشعبوية
هذا وقد كان فوز وزير التعليم السابق أنيس باسويدان بالسباق على منصب حاكم جاكرتا مفاجئا في ظل إظهار استطلاعات الرأي قبيل الانتخابات منافسة محتدمة للغاية. وفاز بورناما بالجولة الأولى من التصويت على منصب الحاكم في فبراير شباط. وشبه مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت نتيجة الانتخابات بالنتائج الصادمة لانتخابات الرئاسة الأمريكية والتصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي العام الماضي. وقال مستخدم لتويتر يدعى فؤاد "أستطيع أن أشعر بما يشعر به المواطنون الأمريكيون والبريطانيون الآن. مرحبا بالشعبوية..."
خيم التوتر الديني على الحملات الانتخابية حيث خرجت احتجاجات بقيادة جبهة المدافعين عن الإسلام ضد بورناما إضافة إلى مناشدة الناخبين باختيار مرشح مسلم. ونشرت وسائل الإعلام على نطاق واسع صورا لباسويدان أثناء لقائه مع حبيب رزيق زعيم جبهة المدافعين عن الإسلام مما دفع منتقديه لاتهامه بتشويه سمعته كمسلم معتدل.
وقال باسويدان في مقابلة أجريت معه في منزله بجاكرتا "اعتقد أن هناك تأطيرا غير عادل هنا". وأضاف "إذا التقيت مع الطائفة الكاثوليكية فهل لم أعد مسلما إذا؟ إذا التقيت مع الطائفة البوذية فهل لم أعد مسلما إذا؟" وقال إن الإعلام يعطي انطباعا مشوها عن حملته التي تشمل اجتماعات مع مجموعة من الجماعات الدينية. وفق رويترز.
واختار الرئيس جوكو ويدودو باسويدان -وهو أكاديمي معروف فاز بمنحة فولبرايت للدراسة في الولايات المتحدة- وزيرا للتعليم لكنه ترك منصبه في تعديل وزاري في العام الماضي. وإندونيسيا بها أكبر عدد سكان من المسلمين في العالم لكن نظامها الرسمي علماني وبها أقليات مسيحية وهندوسية وبوذية وغيرها.