كيفية السعي
مؤسسة الرسول الاكرم
2017-01-22 04:17
عقدت الجلسة الفكرية الخامسة، مع كلمة نجل المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، حجّة الإسلام والمسلمين السيد حسين الشيرازي، عصر يوم الخميس العشرون من شهر ربيع الثاني 1438 للهجرة (19/1/2017م)، بحضور أعضاء مكتب سماحة المرجع الشيرازي دام ظله في مدينة قم المقدّسة، والفضلاء والوكلاء، وطلبة العلوم الدينية، والناشطين في المجالات الدينية والثقافية والإعلامية، وضيوف من العراق وكندا.
في هذه الجلسة تناول نجل سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، موضوعا تحت عنوان (كيفية السعي)، فيما يلي ملخصا لبعض الأفكار التي طرحت في المحاضرة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وعترته الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
قال تبارك وتعالى: «وان ليس للإنسان إلاّ ما سعى»(النجم/29).
وقال تعالى: «وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن».
قال تبارك وتعالی: «إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها»(الأسراء/7).
وقال تعالى: «ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه»(الأنعام/104).
قال تبارك وتعالى: «لكي لا تأسوا على مافاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم»(الحديد/23).
وقال تعالى: «لكيلا تحزنوا على مافاتكم ولا ما أصابكم»(آل عمران/153).
قال أمير المؤمنين عليه السلام: «من أشرف أعمال الكريم غفلته عما يعلم ومن أفضل أفعال القادر أن يغضب فيحلم».
قال عليه السلام: «غفلة» ولم يقل «تغافل».
قال أميرالمؤمنين عليه السلام: «لا عقل كالتجاهل»، وقال عليه السلام: «من لم يتغافل ولا يَغضّ عن كثير من الأمور تنغّصت عيشته».
ـ الأسس الرئيسيّة في مفهوم «السعي» ثلاث: هذا في جميع أبعاد الحياة (وهذا تفسير جديد لمفهوم «السعي»).
الأول: (لا) للفعل: السعي المباشر لتحقيق الأهداف وبلوغ الغايات وتحصيل السعادة وامتلاك الحريّة وحماية المصالح.
(نعم) للانفعال: السعي غير المباشر، النتائج الحاصلة بشكل تلقائي وعَفَوي وطوعي واستجابي.
الثاني: (لا) للانفعال (من): الفرار من المشكلات والإفلات عنها وتحاشي شيئاً منها، أو الاستجابة لها.
(نعم) للانفعال (إلى): اهزم المشكلات وتصدّى لها وواجهها واقدم عليها وأقهرها وقاومها.
الثالث: (لا) للانفعال (إلى) (الملاحقة): عندما يتم الإختراق يجب حصول الاستجابة وترك التدافع والاندفاع والإنشغال بالترميم.
(نعم) للانفعال (إلى) (المواجهة): التدافع والاندفاع مادامت المواجهة قائمة وبذل كل انواع الجهد العضلاني والفكري والروحي.
ـ العنوان الأول: يمثل أهم العناوين وأصعبها وأكثرها تأثيراً واخفاها ارتباطاً، بل اتصور أنه خلاصة جميع العناوين.
* ان الاهداف الكبرى في الحياة عصّية على المحاولات المباشرة ولن تستجيب للسعي المباشر، ولا اقل فإن الاستجابة الحقيقية الكاملة فيها مرهونة السعي غير المباشر والمحاولات على صعيد الأسباب والمسببات لكي تتحقق بشكل تلقائي نتيجة لتحقق الأسباب والعلل.
* السعادة وراحة البال والرضا بالمعيشة والثقة بالحياة والوجدان اليقظ والضمير الحي و... ليس في الوجود عامل لخسارتها أكبر من السعي المباشر لها.
* أهم أسباب «السعي غير المباشر» هو منح الآخرين كل ما يريده الإنسان لنفسه، وأهم أسباب الفشل غير المباشر هو حرمان الآخرين عن ما يريده لنفسه.
* مثلٌ معروف: سعيت إلى عقلي فلم أجد عقلي وسعيت إلى روحي فلم أجد روحي وسعيت إلى أخي اقدّم له خدمة يريدها فوجدت الثلاثة: عقلي وروحي وأخي.
* أقول: سعيت إلى السعادة فلم أجدها وسعيت إلى التوفيق فلم أجده وسعيت إلى العظمة فلم أجدها وسعيت إلى راحة البال فلم أجدها وسعيت لاكتشاف مواهبي فلم أقدر على اكتشافها وسعيت لامتلاك الحرية فلم أجدها وسعيت إلى قلبي وعواطفي فلم أجدهما... فلما منحتها لغيري وجدتها.
ـ العنوان الثاني: ان العافية من المشكلات والحرية منها لا يكادان يتحقّقان عبر تحاشيها والافلات منها، فإنها لا محالة تلحق الإنسان وتدركه، فأفشل المساعي هو معالجة التحديات والمشكلات عن طريق الفرار منها وتفادي مضانّها والامتناع عن الاقتراب منها، لأنها تمثل القضاء والقدر فيجب التصدي لها.
* لا فرق فيما ذكرنا بين الأهداف والمشكلات وبين الفرص والتحديات وبين العناوين الايجابية والعناوين السلبية، فيجب قهر المقتضيات بعد الاقدام عليها ومواجهتها بل وطلبها في حين فقدها كطلب الأسباب والعوامل المؤثرة في حين عدم توفرها، والظروف الفاقدة للمشكلات لا تحقق انجازاً.
* يبدو لي أن خلق المشكلات التي تؤرّق الإنسان في العمل، هي أهم عوامل نجاحه في الحياة، فإنها تروضه على قساوة الحياة، مثل التلقيحات والتطعيمات.
ـ العنوان الثالث: عندما يتم لدغ الإنسان من قبل ثعبان أو مثله، فلا يقضي ذلك على الإنسان إلاّ حينما يحاول الإنسان ملاحقة الثعبان، فيتسبب ذلك دوران الدم بشدة وهو بدوره يتسبب بلوغ السمّ إلى القلب أو المخ، فتحصل النتيجة، واما اذا قرر الإنسان ترك ملاحقة الثعبان ومحاولة استخراج السم ومعالجته فانه لا محالة يبقى على قيد الحياة، بل حتى مع عدم المحاولة العلاجيّة، فان مجرد عدم الملاحقة كاف في البقاء على قيد الحياة.
* لا فرق في عنوان «عدم الملاحقة» بين الملاحقة العملية أو اللسانية بل والفكريّة، فعندما يبقى الإنسان يفكر بالماضي والأضرار الحاصلة، فان تفكيره هذا نوع جهد مبذول يتسبب ببلوغ السمّ إلى القلب والقضاء على الإنسان، فيجب ترك التفكير بالماضي رأساً أو لا أقل ترك الحُزن عليه.
ـ الخاتمة: تعلّمت ملايين الدروس من السيد العم (قدّس سرّه) لكن أبرز ما تعلّمته منه أنه لم يكن يبالي أبداً بالإساءة إليه من قبل الأعداء والحسّاد، حتى في التفكير والحديث.