هل يحتاج المسلمون للثقافة النظيفة؟
قبسات من فكر المرجع الشيرازي
شبكة النبأ
2015-02-05 01:30
بداية ما هي الثقافة النظيفة؟ وهل هناك ثقافة تقف بالضد منها، وتعطي نتائج معاكسة لها، فكما يؤكد المنطق والاستنتاج، أن المصادر النظيفة فكريا وأخلاقيا وماديا، ينتج عنها ثقافة نظيفة ونتائج نظيفة ايضا، على العكس من المصادر التي تفتقر للنظافة، فإنها وفقا للمنطق تنتج ثقافة غير نظيفة، وهذه سوف تنعكس على الواقع المادي والفكري على حد سواء، فيكون الانسان المعرَّض لمثل هذه الثقافات ضحية لها، كونه سوف يفقد إنسانيته وفطرته وعفويته، ويتم تشويه ذائقته وأفكاره وعقليته، ومن ثم أفعاله بفعل وتأثيرات الثقافة الوسخة، فيتحوّل الى (لا إنسان)، بسبب فقدانه لمزاياه الإنسانية تحت تأثير الثقافة غير النظيفة ومصادرها.
لذا من أهم ما يحتاجه انسان العصر الراهن، مسلمون وغيرهم، الثقافة النظيفة، بسبب احتوائها على أهم ما تحتاجه البشرية، وهو الفكر النظيف والمبادئ التي تقف الى جانب الانسان، وتنمّي فيه روح الرأفة ونكران الذات ومحبة الآخرين، مع حزمة من المبادئ الانسانية الخالصة، وهذا تحديدا هو ما تفتقر إليه ثقافة التوحّش والعنف والاستهتار بحقوق وحريات الانسان، بهذا المعنى يحتاج المسلمون جميعا ومعهم العالم أجمع، الى الثقافة النظيفة، فما هي مصادر هذه الثقافة، وكيف يمكن الحصول عليها؟ إن الاجابة عن هذا السؤال الكبير ببساطة وسرعة وثقة ووضوح: هي ثقافة اهل البيت عليهم السلام.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في احدى كلماته القيمة التي وجهها مؤخرا الى المسلمين: إن (ثقافة أهل البيت صلوات الله عليهم، إذا وصلت إلى كل إنسان، صغيراً كان أو كبيراً، وعالماً أو جاهلاً، حتى إن كان حبراً يهودياً، فسيرونها ثقافة معقولة، فيدخلون في الإسلام، والكثير من علماء اليهود وأحبارهم، كتبوا العديد والعديد من الكتب بعد إسلامهم لتأييد الإسلام).
لذلك نحن بأمس الحاجة الى ترسيخ الثقافة النظيفة ونشرها في الدول والشعوب الاسلامية، بل والعالم أجمع، وهذا يستدعي جهودا كبيرة، بل استثنائية، ينبغي أن يتصدى لها جميع المسلمين المؤمنين بمبادئ الرسالة النبوية، بمعنى يحتاج هذا الهدف الى جهد اعلامي وفكري جمعي منظم ومدروس ومتواصل.
كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي بقوله: (هذا الهدف بحاجة إلى توسيع وتركيز وتنويع، وبحاجة إلى عرض ثقافة –أهل البيت- النظيفة، وأأكّد وأقول النظيفة، عبر الإعلام الحديث، بالأخص القنوات الفضائية، عرضاً يبلغ الجميع ويصل إلى الجميع، كل بمستواه. فللمثقّفين بمستواهم، ولعامة الناس في مستواهم، وللرجال في كل العالم بمستواهم، وللنساء في مستواهنّ، وللأطفال في مستواهم).
جذور الثقافة النظيفة ومسؤوليتها
يثبت الواقع، ويسجّل التاريخ بأمانة، أن مصادر الثقافة النظيفة هم أهل بيت النبوة الشريفة بلا منازع، ففي قراءة موضوعية حيادية لتاريخ أهل البيت عليهم السلام، سوف يكتشف المدقق من دون عناء، أن كل ما دعا له أهل البيت من مبادئ وكل ما أعلنوه من نصائح، وكل ما طرحوه وطبقوه من قيم وأخلاقيات وضوابط تطابق النصوص القرآنية المباركة ومعانيها، لذلك فهي ترتفع بواقع الإنسان وقيمته ومكانته وتضاعف من ميله لمحبة الناس بمختلف مشاربهم، كون هذه الثقافة تمتلك مواصفات وسمات النظافة الفكرية والعملية استنادا لأمرين:
الاول: إن جذرها ومصدرها هو نبي الرحمة وسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وآله، وعنه أخذها آل بيته الاطهار، ونشر الأئمة المعصومون عليهم السلام هذه الثقافة كلُّ في عصره وزمانه، وهذا ما تؤكده صفحات التأريخ الاسلامي المشرق.
الثاني: أن هذه الثقافة أينما وُجدت وُجد العدل والمحبة والتسامح، وانتشرت قيم التعايش وحفظ الحقوق والحريات، وكل ما يصطف الى جانب الحياة الكريمة للانسان، لذلك استحقت هذه الثقافة صفة وتسمية (النظيفة)، لأنها لا تحمل في طياتها، أي نوع من التطرف والتعصب والضغينة والاحقاد، كما هو الحال مع الثقافة الاخرى المشبوهة التي يحاول اصحابها تشويه جوهر الاسلام المحمدي من خلال قيامهم بجرائم يندى لها جبين الانسانية، ويلصقونها بالاسلام وهو منها براء، فيظن العالم ان هذا هو الاسلام الحقيقي، وهنا تكمن الخطورة، وتتضاعف مسؤولية جميع المسلمين من اصحاب الثقافة النظيفة والمنتمين لها والآخذين بها، لاسيما شيعة أهل البيت واتباعهم، فهؤلاء مسؤوليتهم مضاعفة وكبيرة لإيصال ثقافة اهل بيت النبوة الى العالم.
لذلك يؤكد سماحة المرجع الشيرازي في كلمته نفسها على: (أنَّ ثقافة أهل البيت صلوات الله عليهم ثقافة نور وثقافة أخلاق وثقافة فضيلة، وليس فيها جزء لا يرتضيه العقل والعياذ بالله، وليس فيها كلمة باطلة. فلماذا العالم محروم من هذه الثقافة؟ ومن المسؤول عن ذلك؟).
إن الاجابة تؤكد أن لا أحد من المسلمين يُستثنى من هذه المسؤولية، ولكن هناك شرط يفرضه المنطق، يتعلق بأهمية ايمان المسلم بالثقافة النظيفة، بل ولابد ان ينبذ ما يخالفها ويعمل بالضد منها ويذهب الى تشويه الاسلام الحق، وهذا يستدعي ان يتصدى الجميع بإيمان وصبر وقوة وذكاء لهذه المسؤولية الكبرى.
إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي في كلمته نفسها: (الكل مسؤولون، كل في مجاله، وبمقداره، سواء في العراق أو في البلاد الإسلامية وغير الإسلامية).
سينعم العراق بالحرية
من هنا كلما كان المسلم مثقفا واعيا ومطلعا على تاريخ اهل بيت النبوة، كلما كان اكثر قدرة على نشر الاسلام الحقيقي، من خلال العمل الجاد المتواصل والمدروس لنشر الثقافة النظيفة، وهنا يبرز دور الاعلام بأنواعه ووسائله كافة، لاسيما القنوات الفضائية، في اسرع وصولا للأخرين واكثر تأثيرا بهم، لهذا لابد أن يرتفع مستوى القنوات الفضائية الشيعية التي تبث ثقافة اهل البيت عليهم السلام بصورة متزايدة، وأن يتضاعف الاداء وان يكون منسجما مع روح العصر، فيتم تقديم الاسلام والثقافة الاسلامية بجوهرها الحقيقي المتمثل برفض الظلم والتطرف والعدوان في آن واحد، واستثمار المشاعر والعقل الافكار لكي تتآزر وتعمل في خدمة الانسان.
وثمة دعوة ووصية مهمة جدا يقدمها سماحة المرجع الشيرازي ويخص بها شباب المسلمين، طالبا منهم وجوب الاطلاع على تاريخ العراق، والمعني هنا هو الاطلاع على تاريخه آل البيت عليهم السلام، لكي يستمدوا منها مآثر ومزايا الثقافة النظيفة وتحويلها الى مفردات عمل تصب في صالح المسلمين، وتجعل منهم امة قوة مستقرة ومتطورة.
لذلك يوجّه سماحة المرجع الشيرازي وصيته هذه الى كل الشباب الشيعة والمسلمين بل وشباب العالم أجمع، قائلا سماحته في هذا المجال: (أنا أوصي شباب العراق أولاً، وشباب الشيعة في كل العالم ثانياً، وثالثاً شباب المسلمين في كل العالم، وبعد ذلك جميع الشباب في العالم كلّه، أوصيهم بقراءة ومطالعة التاريخ المهم للعراق، أي تاريخ أهل البيت صلوات الله عليهم في العراق، وتاريخ علماء الإسلام في العراق، حتى ينعموا جميعاً بالخير اكثر من ذي قبل، ويكون الشباب سبب لهداية الآخرين).
واذا التزم هؤلاء لاسيما الشباب الشيعة الموجودين في العراق، بهذه الوصية، وركزوا جهودهم على فهم التاريخ الحقيقي للعراق ولأهل البيت عليهم السلام، فإن النتائج التي تتحقق ستكون بمثابة قفزة كبيرة في التاريخ الاسلامي، وفي اعادة الجوهر الحقيقي للاسلام، فيصبح العالم الاجمع على دراية واطلاع تام على الاسلام الحق، وعندها سوف يفرّق العالم الغربي وسواه ما بين الاسلام الذي يتم تشويهه عن عمد من خلال المجاميع الارهابية التي تسيء للاسلام وتعاليمه الواضحة، وبين الاسلام الحقيقي الذي يبث الثقافة النظيفة ويعتمدها فكرا وعملا.
وبهذا اذا تم التزام الشباب في العراق وسواه بهذه الوصية، فإن السلام والحرية هما هدية يستحقونها وستكون تحت تصرفهم، وسيغدو العراق بلدا معافى، وشعبه قويا موحدا متطورا، كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي بكلمته المذكورة نفسها: (سوف يقبل العراق إن شاء الله وسائر بلاد الإسلام على الحرية التي أينما أتيحت بمعناها الصحيح، عمّ الخير الجميع وكانت الأخلاق الحسنة تحكم الجميع).