لا تبخسوا الشباب حقَّهم

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

شبكة النبأ

2016-08-11 10:09

في مثل هذه الأيام، قبل عقد ونصف من الآن، خصصت الأمم المتحدة يوما سنويا للشباب في العالم، يوم 12 من الشهر الثامن آب/ أغسطس، وهي التفاتة تدعو الى رعاية الشباب واحتضان مواهبهم والتأكيد على دورهم في بناء الحاضر، والتأسي لمستقبل مشرق، قائم على القيم الإنسانية النبيلة، التي تساوي بين بني الانسان، من حيث الحقوق والواجبات.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، من الدعاة الدائمين للاهتمام بشريحة الشباب، ورعايتهم، ومد يد العون لهم، وتذليل المصاعب التي تواجههم وهم يشقون طريق الحياة، ويؤكد سماحته على الهداية المستمرة للشباب، لأنهم الدعامة الأساسية التي تستند إليها الأمة.

لذلك أكد سماحته في الكثير من مؤلفاته ومحاضراته القيّمة، على دور الشباب أنفسهم في معالجة مشكلاتهم، حيث يقول سماحته: (إن للشباب فطرة نقية، ولكن لابدّ من السعي والبناء حتى نهديهم إلى الطريق الصحيح).

ويأتي هذا التأكيد لسماحته من باب تعميق ثقة الشباب بأنفسهم، لذلك فإنهم الأقدر على التأثير في بعضهم البعض ايجابيا، كون الشاب يتأثر بصورة فعلية وسريعة بالشاب الذي يقاربه في العمر، وهنا يحدث نوع من تبادل الأفكار والسلوك، وهكذا يكون الشباب أكثر تأثيرا في بعضهم، وأسرع هداية من خلال التأثير المتبادَل.

حيث يؤكد سماحة المرجع الشيرازي في إحدى كلماته التوجيهية القيمة قائلا: (إنّ خير من يسوق الشباب صوب الخير والهداية هو أمثالهم من الشباب)، ويورد سماحته مثالا من الواقع الاجتماعي والأسري حول هذا التأثير، وإصلاح الأخ لأخيه أو الأخت لأختها، كأسوة أو نموذج متميز، سلوكا وتفكيرا وأخلاقاً.

فيقول سماحته حول تأثير الشباب في بعضهم: (ما أكثر الحالات ـ عبر التاريخ ـ التي أنقذ أخ أخاه أو أخته من الفساد والضلالة).

شباب بين التيه والضياع

وعند التدقيق في الأوضاع الشبابية عبر المعمورة، فسوف يكتشف المتابع، حالة من التيه تلّف الملايين من الشباب، فيكتشف أنها ظاهرة (عالمية) ولا يقتصر الأمر على الشباب المسلم، ما يتطلب ذلك تعاونا حثيثا وجهودا متواصلة على المستوى الدولي، من أجل الأخذ بأيدي الشباب، وترسيخ أقدامهم وخطواتهم على الجادة الصواب.

يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع: (في عالم اليوم، وفي كل مكان منه، يواجه الملايين والملايين من الشباب، الضياع والتيه، فيجب أن نأخذ بأيديهم، نحن وأمثالكم وأمثالنا، ونرشدهم ونربّيهم. وهذا يحتاج إلى أمر مهم جدّاً).

من هنا علينا حماية شبابنا المسلم، خاصة من العادات الوافدة، ومن الثقافات الدخيلة، التي تحمل معها أمراض المجتمعات المتفسخة، وكذلك نحن مسؤولين عن حمايتهم من تأثيرات نموذج الشاب الفاشل فيهم، فقد أكدت دراسة ميدانية حول الظروف التي تدفع ‏الشباب الى تعاطى المخدرات أن أصدقاء السوء من أهم الأسباب للادمان بنسبة 3ر50 ‏بالمائة يليها الظروف المحيطة والمرور بالأزمات بنسبة 4ر29 بالمائة، وأوضحت دراسة اجتماعية في مصر أن حب الاستطلاع ‏والتجربة اضافة الى أصدقاء السوء وعدم وجود الرقابة والتوعية من أهم أسباب ‏الادمان، وذكرت أن 50 بالمائة من العينة التي أجريت عليها الدراسة قالوا أن وسائل ‏الاعلام تقلل من انتشار الظاهرة فيما أكد 41 بالمائة أنها تزيد من حدة المشكلة، وأكدت نسبة 2ر74 بالمائة من العينة أن التليفزيون من أكثر الوسائل تأثيرا في ‏انتشار الظاهرة أو في الحد منها وأن نسبة 60 بالمائة رأت أن معالجات الأفلام ‏السينمائية للظاهرة من الممكن أن تعلم الأفراد الادمان وتعاطى المخدرات.

لذلك علينا أن نحتاط ونحذر على شبابنا، من الانزلاق في هذا الفخ القاتل، ويمكن لنا أن نحصّن شبابنا ونقيهم من هذه الأمراض، خاصة أنها تشبه الأمراض المعدية والسارية، التي تنتقبل عبر وسائط كثيرة متاحة على مستوى العالم، ونعني بها وسائل الاعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي التي اقتحمت العالم على حين غرة، وجعلت من الكرة الأرضية غرفة واحدة يطلع فيها الجميع على الجميع بصورة آنية ومستدامة.

عن أمراض الشباب المعدية، يقول سماحة المرجع الشيرازي: (إنّ مجتمعات العالم تصاب بأمراض مختلفة وعديدة، وبعضها قاتلة، كأنفلونزا الطيور. والكثير من الناس يصابون بها بغير إرادتهم وبدون اختيار منهم. كذلك تصاب المجتمعات الإنسانية بأمراض فكرية وعلمية وعقائدية، ويصاب بها الكثير لا إرادياً وبلا اختيار منهم، ومنهم الشباب). وهذا يستدعي الوقوف بحزم ضد هذه التأثيرات السلبية، وهي مهمة كبار الأمة والنخب والعلماء والخطباء والمثقفين، الجميع يقع على عاتقهم مسؤولية حماية الشباب من السقوط في هذا المنزلق الخطير.

الشباب بُناة الحاضر وقادة المستقبل

وقد يطرح أحدهم أو بعضهم تساؤلات تستفسر عن الأسباب التي تقف وراء كل هذا الاهتمام بشريحة الشباب، والتأكيد على دعمهم وتحصينهم وترسيخ ثقافة الخير والرحمة والثقة والانسانية في نفوسهم وعقولهم، أما الأسباب فهي تقودنا الى البداية، حيث التركيز على قدرة الشباب على التأثير المباشر في حركة الامة من حيث الانتاج والابداع وما شابه.

من هنا نلاحظ أن الأمم المتقدمة، أو تلك التي تقدمت علينا، بعد أن كانت تسير وراءنا، أنها وعت شرط الاهتمام بشريحة الشباب، وبالفعل، قدمت تلك الامم كل ما يمكن أن يصب في صالح الشباب، وجعلتهم في المقدمة دائما من حيث الرعاية والتوجيه والاهتمام، وتسهيل المهام المختلفة لهم وتوفير ما يحتاجونه من اجل التطور والتقدم الى أمام.

ولذلك يوجّه سماحة المرجع الشيرازي المعنيين قائلا في شأن الشباب وتطورهم: (لابد من الاهتمام بالشباب باعتبارهم رجال الغد، وبُناة المستقبل، عبر إرشادهم إلى الفضيلة والصواب).

لذا علينا أن نستمر مناسبة اليوم العالمي للشباب، بتقديم الدعم الكامل لهم، وتوفير فرص العمل، وانتشالهم من الفرغ، وفتح آفاق المستقبل لهم، والتركيز على تحسين اوضاعهم الراهن، من حيث العيش السليم، والترفيه والتعليم والتطوير ورعاية المواهب، واستثمار قدرات الشباب المختلفة، فهذا من شأنه زرع جذور الثقة في تربة المواهب الشبابية المتوقدة.

والنتيجة الجيدة عن دعم الشباب دائما، لا تنحصر بهم وحدهم، انما يستطيع الجميع أن يلمس الفوائد القيمة التي تنتج عن رعاية الشباب والاهتمام بهم، كأن تقوم الجهات المعنية المدنية والثقافية والحكومية في هذه المناسبة المهمة (اليوم العالمي للشباب) بالاحتفال بهذه الشريحة والتأكيد على رعايتهم وتقديم كل الدعم لهم وفي جميع المجالات التي تجعل منهم في المقدمة دائما.

سبب هذا الاهتمام، أن الشباب هم القادة في معظم مجالات الحياة، وعلينا نحن الذين سبقناهم في العمر والتجربة، ان نضاعف في نفوسهم وقلوبهم الثقة بالنفس، والايثار، والتحدي، والإقدام، والصدق والمثابرة والامانة والاخلاص وكل القيم التي تضيء مساحة كبيرة للخير في حياتنا، وتكتب لنا التقدم في مضامير الحياة كافة.

لهذا يدعو سماحة المرجع الشيرازي الى مضاعفة هذه الرعاية والاهتمام بالشباب، لأن الحاصل سيكون في صالح الجميع، كما يؤكد سماحته ذلك في قوله: (ينشأ في الشباب القادة الأبرار، والزعماء الأخيار، والرؤساء الصالحون، والأمناء المصلحون، وهذا الأمر بحاجة إلى همّة كبيرة وشاملة من قبل كافة شرائح الأمة، لتعطي أحسن النتائج، وأطيب الثمار. لينشئوا جيلا صالحا، يبنون حضارة المستقبل على أسس الفضيلة والتقوى، والرفاه والخير، والعدل والقسط).

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا