العراق بحاجة الى القائد النموذجي
قبسات من فكر المرجع الشيرازي
شبكة النبأ
2016-04-14 01:43
الظروف العصيبة التي يحاول العراقيون تجاوزها، هي ليست وليدة ما يحدث اليوم فقط من أخطاء، انما هناك سلسلة اخطاء تراكمت فوق بعضها، فتولّدت هذه المشاكل السياسية والادارية التي تعاني منها الدولة العراقية، وثمة مشكلة اخرى تتمثل بغياب الشخصية القيادية السياسية النموذجية، الشخصية التي يقتدي بها الجميع، علما أن تاريخنا ينطوي على شخصيات نموذجية في القيادة، لو اطلع عليها السياسيون العراقيون والتزموا بمنهجها لكنّا اليوم من أفضل الدول في العالم.
لا يريد بعض العاملين في السياسة أن يفهموا قضية أساسية وهي اهمية اكتمال شخصية السياسي القائد، انه في الحقيقة يمثل نموذجا راقيا للناس، هكذا ينظرون إليه ولأفعاله واقواله وملبسه وشكله، انهم يتأثرون به ويسيرون على خطواته بصفته مثالا لهم، فحياة القائد السياسي الشخصية ينبغي أن تكون ذات مآثر كبيرة، حيث يتداولها الناس ويحتفظ بها سجل التاريخ، لأن كل قائد له صفحته في الحاضر والمستقبل وفي بطون الماضي ايضا، من هنا تكون حياة القائد وافكاره وسلوكه ذا تأثير كبير على شعبه.
هناك مشكلة نعاني منها في العراق وقد ظهرت نتائجها اليوم في الساحة السياسية وانعكست على عموم الشعب والدولة، ونعني بها غياب تأثير شخصية القائد النموذج بحياة الناس، ولذلك فإن المشكلة اليوم تكمن في نوع النظام والعاملين في الحقل السياسي، كذلك تكمن في طبيعة شخصية القائد، ومدى قدرته على التحكم بأهوائه ورغباته وتحييد مصالحه، لأننا في الغالب لا نمتلك قضاء قويا وقانونا رادعا لمن تسول له نفسه من الحكام في انتهاك حقوق الشعب او التجاوز على امواله وثرواته، اي اننا باختصار لا نملك مؤسسات دولة قوية قادرة على ضبط ايقاع انشطة الدولة السياسية والادارية وحمايتها من الفساد.
لذلك يبقى الالتزام الشخصي وطبيعة شخصية القائد لها الدور الاكثر تأثيرا على سلوك وافكار القائد نفسه فضلا عن الشعب، لذا ينبغي أن يدرس هؤلاء القادة النماذج العظيمة التي سبقتهم في الحكم ويتعلمون منها الزهد والايثار وتفضيل الاخر حتى على النفس او الاهل، ولا يفكر القائد بالثراء على حساب الناس او شراء القصور وما شابه.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير.. آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كتابه القيّم الموسوم بـ (السياسة من واقع الاسلام)، حول هذا الجانب: إن (الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام لا ينظر إلى أهل المدينة فحسب، الذين يجدون غالباً اللحم فيأكلونه، ولا ينظر إلى أهل الكوفة فقط التي تتوفر فيها اللحوم من كل الأنواع، من الغنم، والبقر، والإبل، والدجاج، والطيور، والأسماك. وإنما ينظر إلى أقاصي بلاد الإسلام، وأهل الأرياف البعيدة، والفقراء الذين يسكنون الأخبية، فكلهم لا يجد اللحم كل يوم ليقتات به).
القائد نموذج للمساواة والعدل
هل فكر سياسيو العراق بالمساواة؟ هل تذكروا نموذجا واحدا للقائد السياسي العادل، هل لاحظوا علامات ومؤشرات الفقر التي تنتشر بين صفوف الشعب، هل ناقشوا اسبابها، وهل سعوا الى القضاء عليها، ألم يقرؤوا التاريخ، ويطلعوا على حكومة النبي (ص) ومن بعدها حكومة الامام علي (ع)، وكيف كان بصفته القائد الأعلى الذي لا ينام قبل أن يطمئن بأن جميع الرعية، من الفقراء وغيرهم قد اطمأنوا في ليلهم بلا جوع ولا آلام؟.
في الحقيقة لا نبالغ اذا قلنا أن العراقيين افتقدوا مثل هذا النموذج، وبعضهم لم يكلف نفسه الاطلاع على التاريخ، واذا اطلع فإنه لا يريد أن يتعلم القيام بالمسؤولية على النحو الصحيح، ان هؤلاء الذين دخلوا عالم السياسية يبدوا أنهم لا نموذج لهم، وهذه مشكلة كبيرة، واذا اطلع بعضهم على النموذج فهناك مشكلة اخرى، انهم يقرؤون ولكنهم لا يتعلمون ولا يؤمنون فلا يطبقون ما يطلعون عليهم، وهنا لا فائدة من الاطلاع على حياة القائد النموذج، خصوصا أن هؤلاء لا يطبقون ما يطلعون عليه.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (أربع سنوات أو أكثر قضاها أمير المؤمنين عليه السلام بين الكوفة والبصرة، وهو الرئيس الأعلى للبلاد الإسلامية الواسعة الأطراف. خلال هذه المدة الطويلة لم يشتر من مال المسلمين ثياباً لنفسه، ولم يأخذ من أموال البصرة والكوفة شيئاً لذلك. بل ظل على ثياب المدينة كل هذه المدّة الطويلة، إلا إذا اشترى من عطائه الخاصّ كأضعف مستضعف من مسلم آخر في طول البلاد الإسلامية وعرضها).
السؤال هنا كم شخصا عاملا في ساحة السياسية العراقية، طبّق ما قام به الامام علي (ع)، وهل أقدم هؤلاء على الخطوات التي تساعد الفقراء على تذليل المشكلات التي يعانون منها؟ أليس من الواجب على السياسي مساعدة الرعية؟ فالمعروف أن القائد السياسي العادل يعمل على تحسين حياة الفقراء، من خلال الحس الانساني الذي يمتلكه، فضلا عن حسن الادارة والمقدرة التي يدير بها ثروات واموال الامة، وهو غاليا ما يتحلى بعزة النفس والكرم، فيجعل من مصلحة الناس والشعب تتقدم على مصالحه واهله وذويه، إن هذا السلوك القيادي ينبغي أن يكون درسا لساسة العراق اليوم ولعموم المسلمين، ولكن الذي يحدث على ارض الواقع السياسي غير هذا تماما، لقد انشغل هؤلاء القادة بمنافع شخصية زائلة وتركوا الشعب العراقي يعاني من مشكلات خطيرة وصلت بهم الى حد تهديد وجودهم
القائد لا تشغله المنفعة الذاتية
القائد السياسي هو الذي يقدم مصالح الناس على مصالحه الفردية والعائلية والحزبية، هل فعل سياسيو العراق هذا الأمر؟، القائد هو من يسهر على راحة الشعب، ويذلل مصاعب الفقراء بقدر المستطاع، هل قام بذلك قادة العراق؟ القائد النموذج يضع بينه وبين الفساد حاجزا حديديا، ويقارع الفساد وأهله، ويحفظ اموال الأيتام والفقراء، هل فعل ذلك سياسيو العراق؟، الاسئلة كثيرة والاجابات قليلة، أو انها خاطئة، فالصمت سيد الموقف، والحيرة تحاصر الناس، والسبب أن السياسي يفكر بنفسه ومصالحه وحزبه وينسى مسؤولياته تجاه الشعب.
يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب تحديدا: (في الوقت الذي عمت الخيرات بلاد المسلمين وبفضل الإسلام، فكان المسلمون وغير المسلمين يرفلون في نعيم من الطيبات. وكانت الكوفة ـ عاصمة أمير المؤمنين عليه السلام ـ لا تجد بها إلا المنعَّم من الناس. في مثل هذا الظرف تجد سيد الكوفة، وسيد البلاد الإسلامية، وزعيم الإسلام: أمير المؤمنين عليه السلام لا يأكل حتى ما يأكله أدنى الناس).
هكذا ينبغي أن يبقى القائد نبراسا لشعبه، ولا شك أن الشعب ينظر الى قادته، ويتأثر بهم، وربما هذه الفوضى التي يعاني منها العراقيون في حياتهم اليومية تعود الى الفوضى بين السياسيين، لذلك ينبغي أن يفهم السياسي أن الناس تنظر إليه كقائد ونموذج وتتأثر بما يقول ويفعل ويلبس وفي اي مجال ينشط وكيف يتصرف في هذا الشأن أو ذاك.
حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب: إن (شخصية القائد أدق مدرسة للأجيال المتمسّكة بذلك القائد، ولهذا كان من سياسة أمير المؤمنين عليه السلام بناء حياته الشخصية على الإيمان والزهد).
ولكن لا يمكن لأي سياسي أن يقوم بذلك، فلكي يكون القائد نموذجا لشعبه عليه ان يكون زاهدا بالحياة وبالسلطة وامتيازاتها، على العكس من بعض حكام المسلمين الذين تضعف نفوسهم وارادتهم ازاء سحر السلطة والنفوذ والقوة، فينتهكون حقوق الفقراء ويلهثون وراء جمع الثروات بحجج واهية، كما نلاحظ ذلك في واقع الساحة العراقية اليوم، وهي ظاهرة ينبغي الشروع الفوري بالقضاء عليها، والسعي الجاد لتقديم النموذج الأفضل للشعب.