المرجع الشيرازي: نبيّ الإسلام أهدى للبشرية خير الدنيا والآخرة
مؤسسة الرسول الاكرم
2015-12-14 04:58
تعريب: علاء الكاظمي
بعد أن أحيوا مراسم ذكرى استشهاد سيّد الكائنات، مولانا النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله، وكالسنوات السابقة، حضرت جموع غفيرة من العلماء والفضلاء والمؤمنين والمعزّين من العديد من المدن والمحافظات الإيرانية، في بيت المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، بمدينة قم المقدّسة، عصر يوم الخميس الموافق للسابع والعشرين من شهر صفر الأحزان 1437 للهجرة (10/12/2015م)، فألقى سماحته فيهم كلمة قيّمة بخصوص هذه الذكرى الأليمة، قال سماحته فيها:
بمناسبة أيام استشهاد رسول الله صلى الله عليه وآله، سيّد الأولين والآخرين، واستشهاد الإمام الرضا صلوات الله عليه، أقدّم التعازي لمولانا وإمام زماننا المهديّ الموعود عجّل الله تعالى فرجه الشريف وصلوات الله عليه. وأعزّي، أيضاً، جميع المسلمين وجميع المستضعفين.
الشكر لمن أحيا الشعائر الحسينية
كما أشكر كل من قاموا بمسؤوليتهم في شهري محرم الحرام وصفر الأحزان، وفي أيام عاشوراء، بالخصوص في كربلاء وفي العراق عموماً، وفي البلاد الإسلامية وغيرها، وخصوصاً في أيام الأربعين الحسيني صلوات الله عليه، في العراق، وكل من قاموا بالسير إلى الإمام الحسين صلوات الله عليه مشياً على الأقدام، وأدّوا بقية الشعائر الحسينية المقدّسة، ومن قام بالشعائر في البلدان الإسلامية وغير الإسلامية. وبعنوان الواجب الذي أراها عليّ، أدعو لهم ولذراريهم، وأن يديم الله تعالى عليهم وعلى ذريّتهم هذا التوفيق الكبير وهذه الخدمة.
نبيّ الإسلام جاء بخير الدنيا والآخرة
في بداية الإسلام خاطب الله تعالى نبيّه الكريم صلى الله عليه وآله بالآية الكريمة التالية: (وأنذر عشيرتك الأقربين). فهيّأ رسول الله صلى الله عليهم وآله، وليمة، ودعا إليها أقاربه، وكان أكثرهم على ظاهر الشرك، وقال لهم جملة تكوّنت من أربع كلمات، ونقلها المفسّرين والمؤرّخين وأهل السير والحديث، متواتراً،: (جئتكم بخير الدنيا والآخرة). وهكذا بدأ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله الحديث معهم، وإن كان بعضهم قد استهزأ، ولكنه صلى الله عليه وآله، قد أخبرهم بخير الدنيا والآخرة. فأما خير الآخرة، فهي الراحة في البرزخ والابتعاد عن أهوال يوم القيامة، والأمن والأمان منها، ودخول الجنة في ظلّ محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين. وأما خير الدنيا، فهو لا جوع ولاخوف، والحصول على كل مايحتاجه الإنسان، وزوال الموانع والعوائق، والخير في الاقتصاد، والسياسية، وفي النواحي والمجالات الأخرى كالزواج والسكن، وغير ذلك، بل وكل شيء سيكون فيه الخير. وهذا الأمر بالفعل قد حصل في زمان النبيّ صلى الله عليه وآله، أي في المدينة المنوّرة، لأنه في مكّة لم يكن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله مبسوط اليدين، بل كان تحت ضغوط المشركين، ولم يعمل صلى الله عليه وآله بالإعجاز، لأن الإعجاز كان لأجل اتمام الحجّة فقط، ولأن الدنيا هي دار بلاء وامتحان واختبار، فكل شخص لابد أن يُمتحن. ولكن لما هاجر الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله إلى المدينة المنوّرة كان مبسوط اليدين، وكان رئيس الحكومة، وكان قوله وعمله وتقريره هو قانون الإسلام الصحيح.
من هنا أوصي الجميع بأن يطالعوا تاريخ النبي صلى الله عليه وآله، سواء المنقول عن أهل البيت صلوات الله عليهم وفي كتب التاريخ الشيعية كـ(بحار الأنوار وغيره)، وسواء من كتب التاريخ والسير للبعيدين والمنحرفين عن أهل البيت صلوات الله عليهم، ومن غير المسلمين أيضاً، حتى يعرفوا سيرة النبيّ صلى الله عليه وآله في الحكومة، ويعرفوا أوضاع وأحوال الناس في زمن تلك الحكومة، أكثر وأكثر.
الحكومة الخير
لابدّ من القول، بكل جدّ وقوّة واطمئنان، بالنسبة لقول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: (جئتكم بخير الدنيا والآخرة)، هو ان خير الدنيا في حكومته قد رآه الناس بشكل واضح، ولم يكن له نظير في كل التاريخ، حتى اليوم. فاليوم لا توجد دولة إسلامية أو غير إسلامية، على وجه الكرة الأرضية، يمكن أن نقيسها مع حكومة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله. فالناس الذين كانوا في حكومته صلى الله عليه وآله، من المسلمين وغيرهم، والمنافقين، بل حتى الكفّار، كانوا منعّمين بالخير في حكومته صلى الله عليه وآله. وهذا هو معنى (جئتكم بخير الدنيا والآخرة). فأقرأوا التاريخ، وانظروا هل يوجد لحكومة نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله مثيلاً؟
الحكومة المثالية
نعم يوجد لها نظير واحد فقط وهي حكومة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، الذي قال عنه القرآن الكريم: (وأنفسنا وأنفسكم). علماً بأن النبي صلى الله عليه وآله هو مولى الإمام عليّ صلوات الله عليه، وقد قال الإمام صلوات الله عليه: (أنا عبد من عبيد محمد). لكن من حيث طريقة الحكومة، هو عين النبيّ صلى الله عليه وآله في الحكم، أو كما عبّر عنه القرآن الكريم بـ(نفس النبي صلى الله عليه وآله). فاقرأوا المصادر التاريخية التي كتبت عن نبيّ الرحمة مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله، القديمة والمعاصرة، وراجعوا وسائل الإعلام المسموعة والمرئية.
الهدف الحسيني
هنا أقول جملة مهمة جدّاً، وأشير إليها فقط، ولا أقصد شرحها الآن، لأن هذه الجملة تتطلّب دورة من الكتب إذا أردنا شرحها، وهي قول الإمام الحسين صلوات الله عليه حينما أراد الخروج إلى كربلاء، وهي: (أريد أن أسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالب). فلقد أراد حكّام بني أمية قتل الإمام الحسين صلوات الله عليه في بيت الوالي على المدينة من قبل معاوية ويزيد، وهو مروان بن الحكم، فاضطرّ الإمام الحسين صلوات الله عليه، حسب الظاهر، إلى الهجرة. وقبل هجرته وخروجه إلى مكّة أوصى الإمام بوصية، وكان ذلك في زمن قد مضى منه عشرين سنة على استشهاد أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وحدث فيه استيلاء معاوية على بلاد المسلمين، وأمرهم بسبّ ولعن، والعياذ بالله، الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، في كل صلاة جمعة، في كل البلدان، حيث قيل انها كانت أكثر من سبعين ألف منبر.
حتى في كربلاء أظهر الناس بغضهم وعداوتهم للإمام عليّ صلوات الله عليه، وقالوا للإمام الحسين صلوات الله عليه: (نقاتلك بغضاً منّا لأبيك) لأنهم في هذه السنين، كانوا قد تأسّسوا ونشأوا على أساس العداء والبغض لأمير المؤمنين وأبنائه المعصومين صلوات الله عليهم.
على خطى النبيّ والوصي
في هكذا ظروف، قال الإمام الحسين صلوات الله عليه: (أريد أن أسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالب). وهذه الكلمات هي عظيمة، وفيها مطالب كثيرة. فالإمام الحسين صلوات الله عليه أعلن للعالم كله، وخصوصاً لعالم اليوم، بأن النبي الكريم والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما هما حقيقة واحدة، ونفس واحدة، كما صرّح القرآن الكريم بذلك حيث قال (وأنفسنا). وقد قصد الإمام الحسين صلوات الله عليه من ذكر أبيه، لكي يبيّن نفسه، ويبيّن، أيضاً، ان سيرته هي سيرة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله، لا غيرها أو غيره. ولعله صلوات الله عليه، أراد أن يبيّن لأهل العالم اليوم، بأن يقوموا بمسؤوليتهم وأن يعلنوا للعالم ويبيّنوا له بأن سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه هي سيرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، وأنهما صلوات الله عليهما وآلهما شيء واحد. فالناس في ذلك الزمان كانوا يذكرون اسم النبيّ صلى الله عليه وآله في الأذان، ولكن الإمام الحسين صلوات الله عليه، ذكر لهم ذلك لكي يذكّرهم بالسيرة الصحيحة لأبيه وجدّه صلوات الله عليهما وآلهما.
من الواجب
إذن، ومن باب الواجب الكفائي، على كل شخص وبمقدار فهمه، أن يراجع ويقرأ الكتب التاريخية، ليعلم ويعرف ماهو خير الدنيا والآخرة، الذي بيّنه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، في أول دعوته، وماهي مصاديقه، وكيف كانت، وكيف علينا أن نفهمها، وكيف على الحكّام في البلاد الإسلامية وغيرها أن يفهموها ويطبّقوها، وكيفية العمل بها اقتصادياً، واجتماعياً وسياسياً وفي المسائل الخلافية، أيضاً.
من مساوئ الحكومات الوضعية
من يقرأ المجلاّت والصحف اليوم، يطّلع على العدد الهائل من البشر الذين يموتون جوعاً، مع العلم انه يمكن تحمّل الجوع كثيراً، خلافاً للعطش، لكن مع ذلك ترى الكثير من الناس يموتون جوعاً، حتى مع تطوّر العالم، وهذه الحالة لا تجدها في تاريخ النبي صلى الله عليه وآله. فلم يذكر التاريخ في زمن حكومة النبيّ صلى الله عليه وآله، موت حتى شخص واحد بسبب الجوع. ومن لا يقبل بهذا الكلام فعليه إثباته. فيا ترى ما حلّ باقتصاد الدنيا اليوم لكي يموت أفواج من الناس بسبب الجوع؟ وهل هذا هو خير الدنيا والآخرة؟
أرقى وأفضل حكومتين
وهكذا كانت حكومة أمير المؤمنين صلوات الله عليه، أي لم تجد فيها فقيراً واحداً بقي محتاجاً إلى آخر عمره، أو كان عزباً ولم يتزوّج، أو كان محتاجاً إلى سكن لآخر عمره، أو كان عاطلاً عن العمل وإلى آخر عمره. علماً بأن النبي صلى الله عليه وآله كان في زمانه مبتلياً بمشاكل داخلية، وحروب وغزوات، وبالمنافقين، حتى انه ولأكثر من مرة أرادوا قتله واغتياله وهو على علم بذلك وكان يعرف المتآمرين. وقد قتلوه صلى الله عليه وآله فيما بعد، وهذا ما اتّفقت عليه الكلمة، والتواريخ، وهو بأنهم قد قتلوا النبي صلى الله عليه وآله، بالسُم، وكانوا قد سمّوه من قبل أكثر من مرّة. وهذا الأمر واضح لمن راجع ويراجع كتب التاريخ والسير، والقرآن الكريم يقول: (أفإن مات أو قتل) بمعنى (بل قتل). وكذلك مع المشكلات التي كانت في زمانه صلى الله عليه وآله، ولكن لم يبقى أي أحد من الناس على فقر، أو بقى أعزباً.
لا فقير في الإسلام
لقد قرأت قبل سنوات عن إحدى البلدان الإسلامية أنه أكثر من ثمانين بالمئة 80% من شعبها هم تحت خط الفقر، فهل هذا هو الإسلام؟ بلى كان في زمن النبي صلى الله عليه وآله، ناس فقراء، ولكن كان يرتفع فقرهم بعد مدّة. فقد كتبوا أن فقراء المدينة كانوا قرابة أربعمئة شخص وكانوا من غير أهل المدينة، بل من مكّة، وطردهم أهلها لأنهم أسلموا، فجاؤوا إلى المدينة، فجعل لهم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله صُفة يبيتون عليها، ولم يبقى منهم أحد على فقره، بل آلت أمورهم إلى أحسن حال. فلم يوجد في تاريخ النبي العظيم صلى الله عليه وآله أن أحد من الناس قد بقي على فقره. وهذا من معاني (خير الدنيا والآخرة).
نعم، كان بعضهم، في المدينة، مسكيناً، فكان أهل البيت صلوات الله عليهم يعينونهم، فترتفع حاجتهم، كما في قوله تعالى: (ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً) وتقضى حوائجهم. وأما اليوم فيوجد ملايين من البشر وهم فقراء، فعلى من تقع مسؤوليتهم؟ ومن المسؤول عنهم؟ لا شكّ هي مسؤولية الجميع.
فهل اقتصاد النبي صلى الله عليه وآله الذي لم يوجد فيه حتى فقير واحد، هو الاقتصاد نفسه الذي نجده في زماننا اليوم، أم هو اقتصاد الرأسمالية والاشتراكية، اللذين أوجبا تفشّي الفقر في العالم؟ بالتأكيد هو غير اقتصاد النبيّ صلى الله عليه وآله، وهو ليس إلاّ ضلالاً.
ولا أعزب في الإسلام
هنا أشير إلى بعض الأمور التي ينبغي الإشارة إليها، وأخاطب بها الجميع وأقول: أيّها البشر اقرأوا التاريخ وتعلّموا من النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله، لكي تنالوا خير الدنيا والآخرة. ففي حكومة الإسلام لا يوجد رجل بدون زوجة، ولا توجد إمرأة بدون زوج. فمع وجود الكتب الكثيرة التي كتبوها ضدّ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، والفضائيات الضالّة والمضادة للإسلام، هل يستطيعون أن يذكروا أو أن يقولوا بأنه في حكومة نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله، قد مات شخص واحد جوعاً؟ أو هل يجدون فيها فقيراً واحداً؟ أو شخصاً لم يتزوّج في حكومة رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فحتى أعداء الإسلام لم يكتب أحدهم أنه في حكومة رسول الله صلى الله عليه وآله، مات شخص من الجوع أو من العطش، أو بقي عالاً على الآخرين حتى نهاية عمره. وأما اليوم فيوجد الملايين من الناس وهم بلا زواج، مع حاجتهم لذلك، فيضطرّ بعضهم إلى التعفّف والعزلة ويمرض ويكون عالاً على المجتمع، أو يدخل مداخل السوء والحرام فيَفسد ويُفسد المجتمع.
مما يُفسد المجتمع
قرأت في بعض الصحف ان في إحدى البلدان الإسلامية يوجد قرابة أربعة آلاف بنت يبيتنّ في الشوارع من الليل إلى الصباح! فهل هذه البنات في مأمن وأمان؟ وهل هنّ من الكفّار في البلاد الإسلامية؟ وهل هنّ لسن من البشر؟ وإذا فسد هذا العدد من البنات اللاتي يبيتنّ في الشوارع ليلاً، فما الذي سيحصل في المجتمع؟ وهل هذا هو من خير الدنيا والآخرة الذي جاء به الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله؟ وهل هذا هو الخير لتلك البنات؟
تسهيل أمور الزواج
مما نقله المحدّثون والمؤرخون أن رجلاً من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله، كان فقيراً ولم يكن متزوّجاً، وكان هناك امرأة مثله، فتكلّم معها النبي صلى الله عليه وآله، فقبلت بالزواج، مع فقرهما كليهما. فطلب النبي من الرجل أن يأتي بشيء كمهر، فجاء بحلقة من حديد، أي لا من ذهب ولا من فضة، فقدّمها لزوجته، وعقد النبي صلى الله عليه وآله وهو سيد الكائنات وسيد الأولين والآخرين لهما، وتوفّقا في زواجهما، وبعدها خرجا من الفقر ومن العزوبية. فلو ان النبي صلى الله عليه وآله كان قد تركهما، لفسدا أو تمرّضا. لكنه صلى الله عليه وآله زوّجهما وجعل تلك الحلقة مهراً لزواجهما مع انها كانت زهيدة. وهذا هو خير الدنيا والآخرة. ففي حكومة النبي صلى الله عليه وآله، لم يبقى أحد من الناس فقيراً، لا من المؤمنين ولا من المنافقين، ولا حتى من الكفّار.
من مضرّات تصعيب الزواج
كما نقلوا أيضاً: ان النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله، وفي قصة زوجين آخرين، انه قال للرجل هل تملك شيئاً ما؟ فقال: لا. فقال النبي صلى الله عليه وآله: هل تعرف من القرآن شيئاً؟ فقال: نعم. فقال صلى الله عليه وآله: اجعل ماتعرفه من القرآن مهراً. فتزوّجا. وهكذا حصّن النبي صلى الله عليه وآله المجتمع عن الفساد والفقر، على خلاف ما ترى اليوم من القيود الكثيرة في الزواج، التي أوجبت الابتعاد عن سُنّة النبيّ صلى الله عليه وآله، وأوجبت الفقر وفساد المجتمع ومرضه. وهذه القيود توجب القلق والاضطراب في المجتمع، بالأخصّ عند الشباب والشابات، وأهل الولد وأهل البنت. وإذا حصل الزواج مع القيود الكثيرة فسيلازمه الاضطراب الكثير، الذي يؤدّي إلى فقدان حصانة المجتمع ووقوع الطلاق الكثير.
كتب بعضهم، وأنا قد قرأت ذلك، ان من كل ثلاث حالات زواج، يحصل منها طلاق واحد. وكتب آخرون ان صالة من صالات الأعراس التي تقام فيها حفلات الأعراس يكون مصير نسبة خمس وستون بالمئة من تلك الأعراس هو الطلاق بعد مدة قليلة! فهل هذا هو المجتمع الإسلامي؟ وهل هذا هو خير الدنيا والآخرة ؟ ولماذا وصلنا إلى هذه الحالة؟ وإلى متى؟ ومن الذي خطّط ذلك للمسلمين؟ ولماذا استسلم المجتمع المسلم لهذا الوضع؟
أسس الزواج في الإسلام
إنّ لكل واحد منّا مسؤولية وواجب. وبقيام الكل بمسؤوليته سيفلح المجتمع، وكما قيل ان أوّل الغيث قطرة ثم ينهمر. فعلى الجميع أن يقوموا بمسؤوليتهم. فإذا لم يوجد حاكم مثل النبي صلى الله عليه وآله فعلى الناس أن يعملوا بسيرة النبي صلى الله عليه وآله. فالأمهات والآباء الذين يعيشون حالة من القلق على أبنائهم، عليهم أن يعملوا على إزالة الكثير من القيود التي تقيّد وتمنع زواج أبنائهم وبناتهم، وعليهم أن يعملوا بما أوصى به النبي صلى الله عليه وآله، وهو: (من جاءكم مَن ترضوه خُلُقه ودينه فزوّجوه). وهذه الوصية هي للآباء والأمهات وليست للأولاد. فلم يقل النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله أنه من جاءكم من له سيارة أو وظيفة أو كذا راتب وأموالاً وتجارة وزراعة وصناعة فزوّجوه، بل جعل الملاك أمران، وهما: مَن ترضون: خُلُقه، ودينه. بلى من كان عنده شيئاً من الماديات فهذا أمر جيّد ولكن إذا كان فاقداً لها فهل يُترك بلا زواج؟ وهل هذا هو الحل؟ أم ان الحل الذي فيه خير الدنيا والآخرة وهو: زوّجوه؟ فالشخص الذي لا يملك سوى الأخلاق والدين فزوّجوه لأن في ذلك خير الدنيا والآخرة.
ومن مساوئ عالم اليوم
إنّ ما يحصل من اختطاف للبنات في العالم كلّه اليوم وفي بلاد المسلمين بالتحديد، هو أمر مؤسف جدّاً، ومثل ذلك لم يحصل في زمن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله. علماً بأن شباب ذلك الزمان لم يكونوا كسلمان وأبي ذر، بل وكان في المدينة المنوّرة من المنافقين والكفّار وغير الملتزمين، والفضل في ذلك يرجع إلى عدم الحاجة لذلك. لأنه في زمن النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله كان لكل رجل زوجة أو يمكنه الزواج على الأقل.
هذا من الناحية الاقتصادية والاجتماعية. وأما من الناحية السياسية فإن بعضهم يبرّر وجود مثل تلك الحالات بقوله ان دنيا اليوم هي دنيا السياسية. فنقول نعم، ولكن هل تبدّل البشر أم ان السياسة هي التي قد تبدّلت؟ فأما البشر فهم لا زالوا بشراً، وقد منحهم الله تعالى مراتب متفاوتة من العقل والفهم والشهوات، كما في قوله تعالى: (والله فضّل بعضكم على بعض في الرزق) ليمتحنهم ويختبرهم.
لا معتقل ولا سجين بالإسلام
لقد حكم مولانا الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله قرابة عشر سنوات، واجه فيها وخلالها أنواع المشاكل الاقتصادية والسياسية والعسكرية، من الداخل والخارج، ومع فرض قرابة ثمانين معركة على النبي صلى الله عليه وآله، مع كل ذلك، لم تجد في ملف حكومة نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله، لا معتقل واحد ولا سجين سياسي واحد. فهل تجدون مثل هذه الحكومة في العالم؟ وأتوا بنموذج واحد من ذلك إن كان.
أما الوضع اليوم فقد تغيّر. ففي أي مكان في الدنيا اليوم لا ترى فيه معتقل أو سجين سياسي واحد، سواء في الدول الإسلامية أو غيرها. فجميعها تطبّل بالحرية وحقوق الإنسان، وأنه لا يوجد لديها سجناء سياسيين؟
حكومات الرعب والخوف
هذا التاريخ أمامكم، فابحثوا فيه وتعلّموا من النبي صلى الله عليه وآله. فالسياسة هي التي تبدّلت، والسياسيون هم الذين تبدّلوا وليس البشر. ففي زمن النبي صلى الله عليه وآله لم تجد حتى قتيل سياسي واحد، ممن لم يكن حربياً أو خارجاً عن القانون. نعم تجد ذلك في أمثال حكومة معاوية الذي كتبوا عنه أنه قتل ثلاثين ألف إنسان في يوم واحد بتهمة جرم سياسي. فمن المؤسف له ان الناس اليوم يعيشون الخوف والرعب والوحشة وفقدان الأمن الأمان، أي تماماً كالوضع الذي كان قبل الإسلام، الذي أشارت إليه السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها، بقولها: (كنتم تخافون أن يتخطّفكم الناس من حولكم فأنقذكم الله تعالى بأبي محمّد صلى الله عليه وآله). فقبل الإسلام كان ذلك حال الناس، وحصل مثله في حكومات بني أمية وبني العباس الذين سمّوا حكوماتهم بحكومات إسلامية وأوجدوا الرعب والخوف والهلع والاضطرابات في الناس.
من اضطهاد الحكّام
ومثال ذلك هو حال دعبل الخزاعي الذي كان شاعراً وأديباً ومفكّراً، الذي قّل له نظير في زمن هارون وابنيه الأمين والمأمون والمعتصم العباسيين. فقد نقل التاريخ، حتى تاريخ المخالفين، بأن دعبل الخزاعي قد قال: إني ومنذ أربعين سنة أحمل خشبتي على ظهري، في كل يوم، ليلاً ونهاراً. أي أنه كان يتوقع أن يسجن ويقتل في كل لحطة، لأنه كان يتبع أهل البيت صلوات الله عليهم. وربما كان ينتقد، أو كان سياسياً معارضاً. وهذا يعني ان دعبل، وطيلة أربعين عاماً، لم يكن في راحة، وكان يعيش حالة من القلق والاضطراب. فهل هذا هو خير الدنيا والآخرة؟ علماً ان دعبل لم يك متعدياً أو قاتلاً أو من قطّاع الطرق، بل كان منتقداً للحكومات. فهل تجدون مثل هذه الحالة في زمن حكومة النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله؟ وهل تجدون مثلها في زمن حكومة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه؟ أي هل ادّعى أحد أنه في زمن حكومة أمير المؤمنين صلوات الله عليه، قد عاش خائفاً من الحكومة، مع سعة رقعة حكومة أمير المؤمنين صلوات الله عليه التي كانت تضم حينها قرابة خمسين دولة من دول اليوم؟ فعلى الحكّام في الدول الإسلامية وغير الإسلامية أن يتعلّموا من نبيّ الإسلام والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما، في التعامل مع الناس سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وفي المجالات الأخرى أيضاً.
اضطهاد الكلمة
قبل حكومة عبد الكريم قاسم بالعراق، لم يشهد العراق إصلاحات زراعية، وبمجيء عبد الكريم قاسم إلى الحكم بانقلاب عسكري أسّسوا وزارة وسمّوها بوزارة الإصلاح الزراعي وخصّصوا لها نفقات باهظة وكبيرة. وصار أحد أساتذة الجامعة وهو عبد الصاحب العلوان وزيراً لها، وكتب كتاباً حول إصلاح الأراضي والإصلاح الزراعي، وكان فيه كلاماً فاضياً وغير نافع. وفي ذلك الوقت كتب أحد طلبة الحوزة العلمية الذي كان عمره إحدى وعشرين سنة، كتب كتاباً صغيراً بعنوان (الإصلاح الزراعي في الإسلام)، ذكر فيه ان النبيّ صلى الله عليه وآله قال بخصوص الإصلاح الزراعي أربع كلمات، وهي ان: (الأرض لله ولمن عمّرها). وهذا هو قانون التأمين الزراعي التامّ. فقام وزير الإصلاح الزراعي المذكور وبخلاف قانون حكومته ذلك اليوم، قام بإصدار قراراً منع بموجبه ذلك الكتاب الذي كان بحجم كراس، وأوجب المعاقبة القانونية على من يقوم بطبعه.
الكلمة بالكلمة
لقد بُعث نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله ليجعل المنطق قبال المنطق، والكلمة قبال الكلمة، وليس بجعل المعاقبة القانونية قبال الكلمة. فالكثير منّا قد قرأنا قول النبي صلى الله عليه وآله:(كثرت عليّ الكذابة). ومع ذلك لم يقم صلى الله عليه وآله بمعاقبة أي أحد من المكذّبين، سواء بالهراوة أو بالتخويف أو بالإرعاب وماشابه ذلك، بل واجههم بالكلمة. إذن أليس هذا النوع من التعامل هو من خير الدنيا والآخرة؟
الأرض لله ولمن عمّرها
مثال آخر أذكره عن الإصلاح الزراعي، وهو: كتب العديد من المؤرّخين، ومنهم الاصطخري، عن مصر قبل قرابة ألف عام، أنه كان لمصر ستة وثلاثين مليون فداناً، وكان ثلاثين مليون فدان منها تحت الزراعة، أي مزروعاً. والزراعة يعني منها حفر الآبار ووجود المياه، وغيرها، وكان ذلك من امتداد قانون (الأرض لله ولمن عمّرها). فكان الناس يعمرون الأرض، ببركة ذلك القانون الإلهي الذي سنّه نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله. علماً أنه قبل ألف سنة كان إعمار الأرض يتم مع عدم وجود الآلات والمكائن، بل كان العمل باليد وبواسطة الاستعانة بالحيوانات. ومع ذلك كان الإصلاح الزراعي آنذاك أكبر بكثير.
من بركات قانون الإسلام
كما كتبوا عن مصر، أنه في زمان جمال عبد الناصر، تم بناء سدّاً، وسميّ بالسد العالي، وذلك لتجميع الماء وراء السد حتى يرتفع الماء وينزل للأراضي. وإثر هذا العمل ارتفعت سعة الأراضي المزروعة في مصر من ستة وثلاثين مليون فداناً إلى سبعة وثلاثين مليوناً. ويمكنكم معرفة ذلك عبر مراجعة تاريخ مصر، وأنا شخصياً قد قرأت ذلك بنفسي. وبإعمار الأرض بزراعتها سيكون الهواء أنظف وأنقى وأصحّ، وستقلّ الأمراض، ويُقضى على البطالة، ويتحسّن العمل، ويُقضى على الفقر. ويحصل كل ذلك بفضل أربع كلمات، هي: (الأرض لله ولمن عمّرها)، وهي فيها خير الدنيا والآخرة.
ومثال آخر، عن العراق الذي كان يسمّى بأرض السواد، ولم يبالغوا في هذا الاسم، لأنه لم يك يوجد في العراق آنذاك حتى شبراً واحداً من الأرض غير مزروع. فأرض العراق، من الموصل إلى البصرة، كانت مزروعة، وهذا هو من خير الدنيا، وليس في ترك الزراعة وتصحّر الأرض وجفافها.
وهكذا عاش الناس في زمن النبي صلى الله عليه وآله، أي بفضل ماعمله النبي الأكرم صلى الله عليه وآله معهم، فلم يجد الفقر بينهم موضعاً. فعلينا أن نبيّن للبشرية والعالم أمثال هذه الأمور، حتى يتعلّموا منها، وحتى يقبلوا على خير الدنيا. وهذه مسؤولية تقع على عاتق الجميع.
أداء المسؤولية قدر المستطاع
بلى قد لا يتسنّى لأحدنا أن يقضي على كل المشاكل، لكن يمكنه أن يؤثّر، بالكلام وبالكتابة. ومسؤولية الحكومات الإسلامية بهذا الصدد أكبر، وكذلك أهل العلم من الحوزويين وغيرهم، مسؤوليتهم أكبر، وكذلك الرجل والمرأة، كل في مجال مسؤوليته. فيجب أن يعرف العالم قول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: (جئتكم بخير الدنيا والآخرة). ويجب علينا أن نبيّن للعالم كلّه ونثبت له ونريه ان نبي الإسلام صلى الله عليه وآله، قد وفى بعهده للناس بأن أتاهم بـ(خير الدنيا). واليوم، حيث النبيّ صلى الله عليه وآله ليس معنا في الدنيا، لكن قوانينه موجودة. فعلينا أن نبيّن قوله صلى الله عليه وآله: (جئتكم بخير الدنيا والآخرة). ونبيّن للعالم قانون: (الأرض لله ولمن عمّرها)، وقانون: (إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه)، اللذين أتى بهما رسول الله صلى الله عليه وآله.
لا عقوبة سياسية في الإسلام
كان ذلك في الجانب الاقتصادي، وأما في الجانب السياسي، فقد ذكر التاريخ ان جماعة من الأصحاب تواطؤوا على قتل النبي صلى الله عليه وآله، وعرفهم النبي صلى الله عليه وآله، فلم يحبسهم ولم يعاقبهم. وهذا هو من خصائص عقل النبي صلى الله عليه وآله، ومن رحمته صلى الله عليه وآله، وهذا هو معنى (جئتكم بخير الدنيا والآخرة).
كما ذكر التاريخ ان رجلاً من المشركين، وهو حاطب بن أبي بلتعة الذي حضر في بدر، كان يتجسّس على المسلمين، فكان يكتب للمشركين عما يجري في المدينة، وعن النبي الكريم صلى الله عليه وآله. وعندما قبض المسلمون عليه، وهم في أحلك الظروف وأصعبها، وجاؤوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، عفا صلى الله عليه وآله عنه، ولم يحرمه من شيء، ولم يسجنه. وعلى ذلك استند العامّة وافتوا على أساسه.
إلى المسلمين ورؤساء العالم
فيا أيها العقلاء في العالم، وياقادة العالم، تعالوا وتعلّموا من نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله. وياقادة المسلمين، ويامسلمين، تعالوا وتعلّموا من رسول الله صلى الله عليه وآله، قبل غيركم، كما قال الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: (الله الله بالقرآن لايسبقنّكم بالعمل به غيركم). فإذا سبقكم غيركم فسيسودوا ويحظوا بخير الدنيا، وتبقون أنتم على ما أنتم عليه، وربما ستتعلمون من غيركم، أي من غير المسلمين.
كما عليكم أن تعرفوا بأن كل تقدّم وتطوّر اجتماعي واقتصادي وسياسي وعائلي، فهو من ثمرات (خير الدنيا) الذي أتى به نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله. وان كل الأزمات هي بسبب الابتعاد والانحراف عن سيرة رسول الله وآله الأطهار صلوات الله عليه وعليهم أجمعين.
دعاء ووصية
أسأل الله تعالى أن يوفّق جميع الذين خدموا بكل أنواع الخدمات في شهري محرم وصفر، للخدمة في باقي أيام السنة، وأن يعملوا كما أراد الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم، وكما بيّنوه، ومنه قولهم صلوات الله عليهم: (شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا، يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا). أي أن يكونوا ممن يفرحون في أفراح أهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم، ويحزنون في أحزانهم، وأن لا يبتعدوا عن إطار (خير الدنيا) وأن يدعوا الآخرين إليه.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.