التوعية العالمية بثقافة عاشوراء
قبسات من فكر المرجع الشيرازي
شبكة النبأ
2024-08-08 05:10
(يجب أن تُنقل كلمات الأئمة صلوات الله عليهم إلى جميع الناس على وجه الأرض)
سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
إن أساليب الخطاب، أو صياغات مخاطبة الآخرين لها أنواع عدة، منها محدّد أو مخصّص كي يشمل فئة محدّدة، أو شخصا واحدا، أو أمة معينة، ومنها أسلوب خطاب عام يشمل الجميع، فيأتي عبر كلمات واضحة المعاني والمعالم، مثل جملة (أيها الناس) التي تتكرر في الأسلوب الخطابي للقرآن الكريم، وهي تعني أن هذا الخطاب لا يستثني شخصا معينا ولا أمة بعينها، وإنما هو يشمل جميع البشر من دون استثناء.
وهناك جملة خطابية تلفّظ بها الرسول صلى الله عليه وآله تتكون من كلمتين أيضا (معاشر الناس)، حيث تتم بهذه الجملة مخاطبة الحاضرين والسامعين جميعا بغض النظر عن انتمائهم الديني أو العرقي أو الجغرافي، وهذا يدل دلالة قاطعة على شمولية الخطاب، وأهميته من حيث توصيل المعلومة إلى الجميع، لاسيما إذا كانت تتعلق بثقافة جوهرية.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في إحدى محاضراته التوجيهية القيّمة:
(جميعنا نعلم بأنّ القرآن الكريم في مواضع مختلفة يخاطب جميع البشر، حيث يستخدم الله تعالى تعبير «أيّها الناس»، وهذا التعبير يشمل جميع أفراد البشر، كذلك استخدم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله في يوم الغدير تعبير «معاشر الناس»، على الرغم من أنّ جميع الحاضرين كانوا من المسلمين).
ولا ينحصر هذا الخطاب (الشامل) على النصوص والمخاطبات القرآنية للناس، وكذلك لا يخص أقوال الرسول صلى الله عليه وآله وحدها، وإنما نجده أيضا في أقول أهل البيت عليهم السلام، لنصل إلى الدليل القاطع الذي يؤكد لنا بأننا في حاجة ماسة إلى مراجعة هذه الصياغات الخطابية وفهمها بالشكل الدقيق، ثم نبحث عمّا تهدف إليه في آخر المطاف.
الخطاب الشامل لأهل البيت عليهم السلام
فالهدف هو (الناس جميعا)، وليس فردا لوحده، أو لأمة بعينها، فجميع البشر هم معنيون بالخطاب الإلهي (يا أيها الناس)، وجميعهم معنيون بالصياغة النبوية (معاشر الناس)، وكذلك الأمر فيما يتعلق بأحاديث وأقوال أئمة أهل البيت والسيدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليهم جميعا، فلا يتعلق الكلام هنا بالمؤمنين وحدهم، بل حتى المنافقين مشمولين به، وإذا ذهبنا أبعد فإن جميع الناس مشمولين به وليس المسلمين فقط..
سماحة المرجع الشيرازي دام ظله يوضّح ويفصّل هذه النقطة بالقول:
(هذا النوع من الخطاب يمكن رؤيته أيضًا في كلام أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة وغيرها، وفي كلام السيدة الزهراء سلام الله عليها في خطبتها البليغة التي ألقتها في مسجد النبي صلى الله عليه وآله أمام جمع من المسلمين والصحابة، سواء كانوا مؤمنين أو منافقين. حتى في كلام الأئمة الآخرين عليهم السلام، يظهر هذا النمط من الخطاب الذي يدل على أن حديثهم لم يكن موجهاً فقط للمسلمين، بل كان لجميع البشر).
أما مهمة التصدي لنشر وتوصيل هذا الخطاب، وجعل العالم كله ساحة له، فإنها تعود إلى كل من له القدرة على القيام بهذه المهمة، فكل المكلّفين تقع عليهم مسؤولية النشر والتوصيل، في أي مكان كان موجودا من هذا العالم، فإنه يجب أن يتصدى لهذه المهمة، ويجب أن يقوم بما عليه من دور في توصيل الخطاب للناس جميع من دون استثناء.
والوجوب هنا شرعيا يتوافق مع التكليف، فإن كان قادرا على توصيل الخطاب القرآني والديني وأحاديث وروايات أهل البيت عليهم السلام، يجب أن يقوم بهذه المهمة على أفضل وجه، ولا يتردد ولا يقصّر قيد أنملة في القيام بهذا الواجب الذي يفيد البشرية كلها من وصول الصياغات الخطابية التي تقوّم العقل البشري وتنفع النفس البشرية، ولا يُستثنى من هذا الدور أي شخص قادر عليه، حوزويا كان أم جامعيا، أم مفكرا، أم معلّما، أم مثقّفا.
سماحة المرجع الشيرازي دام ظله يشير إلى هذه النقطة بالقول:
(إنّ القيام بهذا الواجب (يقع على عاتق جميع المكلّفين في أي نقطة من العالم، ولا يوجد فرق بين العلماء الحوزويين أو الجامعيين أو حتى أصحاب الأعمال).
والسؤال الكبير الذي يتم طرحه في هذا الصدد، هل وصلت خطابات أهل البيت إلى العالم كله، إلى ثمانية مليارات من البشر، الجواب سوف يأتي بالنفي، هناك نسبة كبيرة من هؤلاء لمن تصلهم ثقافة عاشوراء، ولم يتعرفوا على قيم الإمام الحسين عليه السلام، بل لم يعرفوا ماهية النهضة الحسينية، ولماذا خرج الإمام الحسين ثائرا على الحاكم الفاسد آنذاك؟
كيف تنعم البشرية بقيم وثقافة عاشوراء؟
كذلك لم تصل ثقافة أهل البيت إلى البشرية، على الرغم من أن هذه الخطابات سوف تجعل من العالم متآخ متّحد متراحم فيما بينه، وينشر السعادة والحياة الحرة العادلة بين الجميع، ويمحو الظلم الذي ناهضه الإمام الحسين عليه السلام، وقدم نفسه وذويه قربانا على مذبح الحرية، لكي تنعم الأمة بالنهضة القويمة وبالأفكار السليمة التي تحمي كرامتهم.
يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
(يجب على جميع الأفراد الذين يستطيعون التعامل مع هذا الموضوع أن يؤدّوا دورهم في هذا المجال. فهل وصلت معارف وفكر وسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام والسيدة الزهراء سلام الله عليها والإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السلام إلى جميع البشر البالغ عددهم ثمانية مليارات على الأرض؟).
نعم لابد من القيام بنشر ثقافة عاشوراء، والخطاب الإسلامي بين الناس جميعا، فهذه هي مهمة الجميع، وهدف (عالمية ثقافة عاشوراء)، يجب أن يتم التخطيط له بصورة دقيقة ومتقنة، كما أن خطوات النشر والتبليغ يجب أن تكون بنفس دقة التخطيط للإيصال والنشر في عموم العالم، لاسيما أننا نعيش اليوم في جملة من الأزمات والمشكلات التي تهدد البشرية كلها من دون استثناء.
هذا ما يراه سماحة المرجع الشيرازي حينما يقول:
(إذن، يجب إيصال نداء «أيها الناس» في القرآن الكريم و«معاشر الناس» لرسول الله صلى الله عليه وآله و «أيّها الناس» للسيدة الزهراء سلام الله عليها إلى آذان وقلوب جميع الناس).
لذا يجب أن لا يقصّر أحد في نشر ثقافة عاشوراء، لأن التقصير في هذا الجانب يعد بمثابة الخيانة للإمام الحسين عليه السلام، الذي ضحى بنفسه ودمه وذويه وأصحابه لكي تنهض الأمة بهذه القيم وهذه المبادئ التي تشتمل عليها ثقافة ورسالة عاشوراء.
يجب إيصال ثقافة عاشوراء ومضامينها إلى العالم كله، ولا يصح التقاعس أو التكاسل أو التردد في هذا الدور وهذه المهمة، نصرة للإمام الحسين عليه السلام.
كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في قوله:
(طبقًا لما ذكر وبالاستناد إلى القرآن الكريم والنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وعترته الطاهرة عليهم السلام، فإن إيصال رسالة عاشوراء وما جرى فيها إلى العالم هو واجب عيني على جميع الرجال والنساء. وإذا كان لدى أحد القدرة على ذلك وقصّر أو لم يقم بهذا الواجب بقدر استطاعته، فقد خان قضية الإمام الحسين عليه السلام وسيعاني من خذلان الله تعالى).
في الخلاصة لابد من التوعية العالمية لثقافة عاشوراء، خاصة أن وسائل النشر باتت من السعة والكثرة والتطور الهائل، ما يجعلها ذات تأثير سريع وفعال وكبير، ولكن يجب أن يتم التصدي لهذه المهم بأسلوب مستدام لا يتوقف، مع التخطيط والتجديد المستمر لتطوير أساليب التوصيل والنشر في العالم كله، فالجميع من المهم جدا أن يفهم ثقافة عاشوراء ومضامينها ومبادئها وقيمها دونما نقصان.