لِين اللسان يهذّب سلوك الإنسان
قبسات من فكر المرجع الشيرازي
شبكة النبأ
2024-06-20 04:43
(جزء كبير من سعادة الإنسان يكمن تحت كلمة (لاتغضب)
سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
يعرَّف الغضب على أنه حالة عنيفة مرتبطة بالجانب العاطفي، تصدر من الإنسان لأسباب مختلفة، ويصف بعض العلماء المختصين الغضب بأنه عاطفة إنسانية شائعة تتميز بإحساس قوي بالاستياء والاستثارة النفسية الزائدة مع الرغبة في المقاومة؛ فعندما يشخّص دماغنا (العاطفي) وجود تهديد، فإنه يطلق تأثيراً متسلسلاً في أجسامنا قد يؤدي إلى الاستجابة بالغضب.
عادة ما يحصل الغضب بسبب تهديد (حقيقي أو متصور)، ويختلف في شدته وطريقة تعبيره.
فكلنا نغضب وقد نغضب لأسباب مختلفة وعلى مستويات مختلفة من الشدة. ولكن رغم وجود الأسباب التي تدفع بنا نحو الغضب، إلا أن هذه الحالة العنيفة غير مرغوب بها، وغالبا ما يتم تفضيل حالة اللين والتعاطي السلس الهادئ المتوازن مع الأمور، لأن الحدّة أو الغضب ستكون على نوعين، أما لفظي أو سلوكي، وفي كلتا الحالتين يكون هناك نوع من التعنيف والغلظة المفرطة، وهذه الحالة غير محبّبة كونها تعود بنتائج عكسية على صاحبها.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) يصف الحدة في إحدى محاضراته ضمن سلسلة محاضرات (نبراس المعرفة) فيقول:
(الحدّة: هي غضب في غير محلّه، وشدة في القول، وغلظة في العمل، وبسببها يصل الغاضب إلى مستوى العنف).
كذلك توصَف الحدة بأنها قسم من أقسام الجنون (كما يصفها الإمام علي عليه السلام)، والجنون كما هو معروف يسلب عقل الإنسان، ويفقدهُ صوابه وتوازنه، وهذا يدفعه نحو الحدة والغضب وارتكاب الأخطاء بحق غيره، فالغضب دائما يجعل الإنسان غير متحكم بأفعاله ولا بأقواله، وفي هذه الحالة سوف يسء للطرف الآخر بشكل عنيف مادي أو لفظي.
هذا التصرف الذي يحصل نتيجة الغضب، سوف يقود صاحبه إلى الندم، لأن ردود فعل الإنسان الغاضب غالبا ما تكون مبالغ بها، وتفوق كثيرا رد الفعل المتوازن، لهذا يجب أن يحذر الإنسان من الغضب، حتى يبقى متماسكا، وحتى يستفيد من عقله حول الرد الصحيح المتوازن تجاه أي شخص يحاول المساس بحقوقه أو مكانته، ولكي لا يبلغ مرحلة الندم.
يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
(هذه هي معاني الحدّة، فهي على حد تعبير أمير المؤمنين صلوات الله عليه، قسم من أقسام الجنون، لأنّ من يرتكب الغضب في غير حق يفقد صوابه ولا يتحكّم بعقله، وسوف يندم في يوم من الأيام على كلّ قول أو فعل أو غضب ارتكبه).
التخفيف من الحدّة والحالة الغضبية
كيف يمكن للإنسان أن يخفّف من الحالة الغضبية التي قد تجتاحه في موقف معين، ولماذا عليه أن يسيطر على غضبه، هناك نوع مقابل من السلوك يجب أن يلجأ إليه الإنسان لإطفاء نار الغضب، وهذا السلوك هو اللين واللطف والرفق في التعامل مع الآخرين.
التعامل هنا لا يقتصر على شخص معين أو موقف معين، بل يجب أن يشمل جميع مجالات الحياة، حتى السياسية منها أو الاقتصادية أو الاجتماعية، وفي الجانب العملي أيضا، وخلاصة القول أن الإنسان عليه أن يبتعد كليا عن الغضب، في جميع المجلات، لأن حالة الغضب سوف تقوده إلى خسائر معنوية وربما مادية، بالإضافة إلى الخسارة الذاتية.
فعلى مستوى الذات يمكن أن يجعل الغضب صاحبه نادما ومتأسفا على ما بدر منه تجاه الآخر، وحينها يعرف أنه تسرّع وأنه بالغ في الرد وفي التعامل الغاضب مع الآخر، وأن الأمر لا يستحق كل هذه الحدّة المبالَغ بها، لهذا من الأفضل للإنسان أن يتحلى بالهدوء ورباطة الجأش، وأن يمسك نفسه بعيدا عن حالة الغضب، حتى لا يقع فريسة للندم.
سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، يشير إلى هذه النقطة فيقول:
(على الإنسان أن يعزم ويُصمم على التعامل بلين ورفق في كل مفاصل حياته الاجتماعية والسياسية والعملية والاقتصادية وغيرها، حتى إذا صدرت منه بعض الفلتات اللسانية التي فيها خُرق وحدّة مع الآخرين فإنه سوف لن يندم كثيراً، بل إنّ الندم حينها يكون أقل بكثير مما هو عليه في تعامله بأسلوب حادّ وجاف مع الآخرين).
ولا يقتصر هذا النوع من التعامل على الحياة السياسية أو على التعامل الاقتصادي، بل مطلوب من الأب أو الزوج أو حتى الزوجة، أن يتعاملوا بأسلوب اللين مع بعضهم، حتى تكون حياتهم هادئة محاطة بالسعادة والتفاهم والانسجام.
لذا فإن التفاهم الخطابي داخل الأسرة وبين أفرادها، يتم عن طريق التعامل المتبادَل الذي يقوم على اللين والتراحم، بعيدا عن التشنج والغضب والمساس بكرمة الآخر لأي سبب كان، لهذا نلاحظ أن اللين والرفق من أهم الأساليب التي تزيد من تماسك أفراد الأسرة والمجتمع.
(وهذا الأمر لا فرق فيه بين الجميع، فالزوج يمكنه أن يعزم على التعامل برفق ولين مع زوجته وأطفاله، والزوجة أيضاً مسؤولة عن نفس التعامل مع زوجها وأطفالها، فالرفق واللين وسيلة مهمة حتى في التعامل الخطابي مع الآخرين والطلب منهم). كما يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله.
وقد يسأل سائل، كيف يمكن لي أن أشقّ طريقي نحو التعامل الصحيح في المجتمع؟، وهو سؤال تم طرحه بالفعل، والإجابة عن هذا السؤال تؤدي إلى منفعة وفائدة، فمن يريد أن يشق طريقه بشكل سليم في قضية التعامل الصحيح مع الناس، يمكنه أن يعتمد اسلوب اللين والرفق ويبتعد عن الغلظة بكل أشكالها.
اللين يمهّد الطريق للنجاح المجتمعي
هذا النوع من التعامل الهادئ المتوازن، كفيل بأن يفتح الطريق للإنسان في تعاملاته المختلفة مع الجميع، ولهذا في حال ساد هذا النوع اللين بين الناس، فإن المجتمع سوف يكون أكثر تماسكا وتعاونا ونجاحا.
لهذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي دام ظله على أهمية اللين في تحقيق التماسك الاجتماعي، حيث يقول سماحته:
(إذا كان الإنسان يتعامل بلسانه مع الآخرين برفق ولين، فإن الأمور وإن بلغت صعوبتها ستسهل أمامه، وعكس ذلك إذا استخدم الحدّة والغلظة في تعامله مع الآخرين فإن ذلك سوف يعقّد الأمور وتصبح أهدافه صعبة المنال. ولذا فإن أحد أهم الأمور التي تصلح المجتمع أو تفسده هي مسألة الحدّة واللين).
ولابد من التذكير بأن الابتعاد عن العنف، واعتما أسلوب اللين في التعامل على الأصعدة كافة، حتى السياسية منها، سوف يساعد المجتمع على تحقيق حالة من التماسك والتوازن والاستقرار، فالحكومات مثلا عليها أن تعتمد اللين مع شعوبها، وكذلك تعامل الشعوب مع بعضها، يجب أن يتم تحييد الغضب ويتم اعتماد اللين كأسلوب للتعامل المتبادَل.
لهذا إذا أراد الإنسان أن يحقق السعادة في حياته، عليه أن يلجأ إلى ثقافة اللين وينشرها بين أفراد أسرته، ومن ثم نشرها في المجتمع، لأن اللين يمكن أن يجعل المجتمع ناجحا متقدما بسبب الاستقرار التي يحققها أسلوب اللين لهذا المجتمع، أما في حالة حصول العكس، فإن الندم المؤلم سوف يكون له بالمرصاد.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(الحدّة تزيد من المشاكل الاجتماعية والمظالم بين الناس، بينما أسلوب الرفق واللين يُقلل من تلك المشاكل ويذلّلها، ولا فرق في هذا حتى في الأمور السياسية سواء الحكومات مع شعوبها أو الشعوب مع بعضهم البعض، المهمّ أن الإنسان إذا أراد سعادة دنياه وآخرته، عليه أن يعزم على ترك الحدّة والغضب ويتعامل مع الآخرين بلين ورفق قبل أن يندم فيكون ندمه كبيراً ولا رجعة فيه).
هكذا تتبيّن لنا جميعا القدرة الهائلة لأسلوب اللين في تهذيب شخصية الإنسان، والتأثير الإيجابي في سلوكه وتفكيره، ولهذا فإن اللين وترك الحدّة تجعل من الإنسان لطيفا في أقواله وأعماله، وإذا كان اللين أسلوبا للمجتمع كله، وللدولة وللحكومة، فهذا يعني أننا نعيش في ظل دولة وحكومة ناجحة، وفي رحاب مجتمع لا يسمح للعنف أن يتسلل إلى أفراده.