لا يوجد أكرم وأثمن من دم الإمام الحسين (ع)

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

شبكة النبأ

2015-10-15 10:25

مطالعة التاريخ بدقة، تكفل معرفة أفضل للمتابع والمتقصي والانسان البسيط أيضا، لأن الجميع هم بحاجة الى معرفة الحقائق كما هي، وإن كانت هذه الحاجة بدرجات، ولكن كلما كانت مسؤولية الإنسان أوسع وأكبر تأثيرا بالآخرين، وجب عليه الإطلاع اكثر من غيره على التاريخ وما يضمه في بطونه، وخاصة تاريخنا الاسلامي الذي تعرض لموجات من الدس والتغيير والتضليل، وحرف الحقائق وهندستها وفقا لمصالح الحكام الطغاة.

لهذا السبب دعا سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في احدى كلماته التوجيهية، أهل العلم والمثقفين الى الاطلاع على التاريخ، كونهم أول من يتصدى لمعرفة حقائق الامور ومجرياتها ونشرها على الملأ، بما يثبت الحقيقة كما هي، لا كما يريدها الطغاة ومعاونوهم وحكوماتهم التي ولدت من رحم الضلال والخديعة.

فقد أكد سماحة المرجع الشيرازي، في كلمه توجيهية قيّمة، بمناسبة قرب ذكرى عاشوراء، وإحياء تضحية الامام الحسين (ع) الخالدة، قائلا حول أهمية إطلاع المعنيين وأهل العلم والمثقفين على الحقائق: (أقول للعالمين، بالأخصّ العلماء والمثقّفين، وباقي فئات المجتمع، عليكم بمطالعة التاريخ بدقة وتأمّل).

إن هذا التركيز على أهمية معرفة الحقائق وتمييزها عن الزيف، ونقلها لعموم الناس وفق حقيقتها وأصالتها، وليس وفق ما حصل لها من تضليل وتعديل يتوافق ومآرب الطغاة ومصالحهم، يأتي منسجما ومتوافقا مع المبدأ الحسيني الخالد، الذي يقوم على التصدي للزيف والباطل والانحراف، وقد دفع الامام الحسين (ع) وذويه وصحبه الاطهار ارواحهم ودمائهم ثمنا لإثبات الحقيقة والتصدي للزيف الأموي والجبروت القائمة على الخديعة والظلم.

فكانت دماء الحسين (ع)، هي الثمن الذي أعاد للاسلام وجهه الناصع، بعد أن سعى الطغاة المنحرفون من الحكام الأمويين، الى تدمير الاسلام المحمدي، وحرف مساره نحو الضلال.

لهذا أكد سماحة المرجع الشيرازي هذا الأمر، عندما قال: (لقد كان ثمن خلود الإسلام هو دم مولانا الإمام سيد الشهداء صلوات الله عليه). وهذه الحقيقة التاريخية الناصعة، قد لا يعرفها كثيرون من شعوب المعمورة، كما هو الحال في الغرب، حيث ينظر كثير من الغربيين الى الاسلام كما يقدمه المتطرفون الارهابيون، وهي الصورة التي تشكل امتدادا للانحراف الذي سعى له الطغاة الأمويون، لذلك وقف الأمام الحسين (ع) بالضد من ذلك مضحيا بأغلى ما يملك.

كما نقرأ في قول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب: (إن الإمام سيد الشهداء صلوات الله عليه، بتضحياته، أحيى الإسلام الحقيقي وأبقاه خالداً).

أسطوات الطغيان الأموي

إن الصراع الذي خاضه الإمام الحسين (ع)، وذووه وأصحابه وأتباعه كافة، كان نابعا من ايمان تام برفض الظلم والطغيان، فقد قام الحكم الأموي على التضليل، وحرف مسار الاسلام، وكان الحكام بأنفسهم يقودون هذه المهمة، فيقومون بخداع الأمة من خلال التزامهم الظاهري، حيث يقيمون الصلاة والصيام والفرائض الأخرة امام الناس، ولكنهم في حقيقة الأمر يسيئون للاسلام ويسعون لحرفه عن مبادئه المحمدية التي أعلنها نبي الاسلام (ص) ابان اعلان الرسالة الاسلامية وترسيخها ونشرها كما اراد لها الله تعالى.

ولكن حاول الأمويون استثمار الظروف لصالحهم، معتمدين على الطغيان بأقصى صوره وأشكاله، كما أشار الى ذلك سماحة المرجع الشيرازي، متسائلا بكلمته هذه: (هل تعلمون مَن كان الحجّاج؟ لقد كان ممثّل أو والي ما سمّي بخليفة المسلمين وهو عبد الملك بن مروان، الذي حكم باسم الإسلام! فكان هذا الأخير يتظاهر بالإسلام وبالصلاة وبالصيام وبالحجّ. وهكذا كان مَن حكم قبله وبعده، ولكنهم لم يتوانوا عن ممارسة الظلم باسم الإسلام أبداً، وأظلموا كثيراً).

ان هذا المنهج الأموي لم ينتهِ بنهاية العصر الأموي، بل كان امتداده حاضرا في العصور اللاحقة، بل هو حاضر في يومنا هذا، وهدفه تدمير الاسلام، واشعال الفتن بين المسلمين خدمة لأعداء الاسلام، وتشويها للمبادئ والتعاليم الاسلامية القائمة على نبذ العنف بكل صوره، لذلك ينبغي أن يطلع المثقفون ومن ينتمي الى أهل العلم ويسعى إليه، على التاريخ الأصيل لمن حاول ولا يزال أن يشوه الدين ويعطي صورة مزيفة عن الاسلام.

فمسؤولية أهل العلم والمثقفين اثبات الحقائق، والتصدي للضلال، وإظهار الامور كما هي في حقيقتها للأمة، وليس كما يريدها الطغاة حسبما يصب في صالحهم.

وانطلاقا من ذلك قال سماحة المرجع الشيرازي في كلمته هذه: (أنا لا أريد أن أشرح أو أن أبيّن لكم التاريخ، فأنتم أهل العلم والفضل والتحقيق لكم دراية بالتاريخ، ولكن الهدف من ذكري لهذه النماذج من التاريخ، ليعرف من يسمع كلامي أو من سيسمعه بالمستقبل، أن هذه الجماعة الظالمة وأتباعها ليسوا من الإسلام الحقيقي الذي أتى به النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله. ولذا عليكم أنتم أهل العلم، أن تسعوا إلى نجاة الناس كافّة).

دور المثقفين وأهل العلم

كانت ولا تزال مسؤولية أهل العلم كبيرة، ومثلها مسؤولية المثقفين والمفكرين، فهؤلاء هم نخبة الأمة، وعليهم تقع مسؤولية التنوير، والفرز بين الصالح والطالح، وعزل الزيف عن الحقيقة، حتى لا يضيع دم الحسين عليه السلام، ولن يضيع قط، كونه أعاد للاسلام وجهه المضيء الحقيقي، بعد أن حاول الطغاة الأمويون واستماتوا في تزييف الحقائق، وتشويه الفكر الاسلامي، ولكنهم فشلوا وسيفشلون دائما.

وهذه بالضبط مهمة اهل العلم والمثقفين، حيث التصدي الدائم للضلال والتشويه المستمر، والوقوف بقوة وصلابة لتعرية الخداع والظلم وأهله، لتخليص الاسلام والمسلمين من موجات التكفير والتطرف التي زرعها الامويون منذ ان استباحوا الخلافة عنوة جورا وظلما، علما ان هذه المهمة تستدعي اطلاعا دائما على الحقائق، وتوضيحا مستمرا لها، كي يفهمها الآخرون ومنهم الغرب على وجه التحديد، فضلا عن الناس الآخرين حتى البسطاء منهم، فمسؤولية تنوير هؤلاء تقع على عاتقكم.

كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي: (عليكم أنتم أهل العلم، أن تسعوا إلى نجاة الناس كافّة، حتى الناس في الغرب الذي يعتبرونه مهد الحرية، وأن تبيّنوا لهم الإسلام الأصيل والحقّ. وكذلك على المثقّفين وطلاّب العلم، أن يطالعوا التاريخ، لكي يضعوا حلاًّ لمستقبل البشرية، كل حسب قدرته).

وهكذا كان دم الحسين (ع) ولا يزال وسيبقى، نورا ساطعا، يكشف كل محاولات التحريف التي يتعرض لها الاسلام، وهذه هي مهمة الدم الحسيني الطاهر، منذ أن نذر نفسه فداءً على طريق حماية الفكر الاسلامي من موجات التضليل والانحراف والتشويه التي تعرض لها ولا يزال، خدمة لأعداء الاسلام.

وقد قضت الحكمة الإلهية أن تكون التضحية التي بادر بها الامام الحسين (ع)، درعا حصينا وخالدا، تتصدع وتتكسر على جداره نبال الحقد المسمومة التي حاولت ولا تزال تحاول وتسعة لتشويه الاسلام والنيل من المسلمين، وحرف مسارهم خدمة للضلال والطغيان، ولكن هيهات أن يحدث شيء من هذا القبيل.

فالاسلام محميّ بالدم الحسيني الطاهر، الى أبد الآبدين، وهو كفيل بفضح المساعي الأموية المشبوهة التي تمثلها خطوط التكفير والانحراف والتطرف، وهي كانت ولا تزال تسعى لطمر حقيقة الاسلام، ولكن أين هي من هذا الهدف، ونقاء الاسلام ونصاعته ممزوج بدم سيد الشهداء، الامام الحسين (ع)، فهو كفيل بكشف الزيف والخداع، وفضح بؤر الانحراف، ما بقيت هذه الأرض قائمة على قيد الوجود.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في خلاصة كلمته هذه: (خلاصة القول: اقتضاء لحكمة الله تعالى، كان يجب صون الإسلام وحفظه من كل انحراف، وهذا الأمر لم يتحقّق إلاّ باستشهاد الإمام الحسين صلوات الله عليه وبإراقة دمه الطاهر في تلك الظروف، وهو دم لم يوجد أكرم وأثمن منه).

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي