خطوات الفوز بأعلى مراتب الصوم

خطوات الفوز بأعلى مراتب الصوم قبسات من فكر المرجع الشيرازي

شبكة النبأ

2024-03-21 04:01

(إن الإنسان لا يوفَّق - عادة - إلا لما دون ما عزم عليه)

سماحة المرجع الشيرازي دام ظله

لقد ذكرنا في مناسبات عديدة أن الصوم لا يعني انقطاع الإنسان عن الطعام والشراب فحسب، وإنما هناك غايات تربوية دينية كبيرة تقف وراء فعل الصيام، ومن أهم غايات الصوم، أن يكون الإنسان ذا قلب نقي نظيف، وعقل واعٍ، ويكون متمسكا بالأحكام الشرعية ومطبقا لها، وفاهما بشكل جيد للعقائد التي تنظّم حياته من خلال الدين وأحكامه.

فالهدف من الصيام بناء الإنسان بشكل سليم من حيث التفكير والعقيدة والإيمان، حتى ينعكس ذلك في شخصيته على شكل أفكار وسلوكيات تلتزم بالدين وبالأحكام الشرعية، ومن ثم المساهمة الجادة في بناء المجتمع أيضا، فالغاية الأساسية من الصيام صقل الذات، وتحصينها من الانحراف، وهذا ما يقدمه الصيام الحقيقي للصائم.

كيف يفوز الصائم بأعلى وأفضل درجات ومراتب الصوم؟، هذا هو الهدف المهم في شهر رمضان، فهناك خطوات من المهم أن يسير عليها الصائم كي يفوز بأعلى مراتب الصوم، لهذا وضع علماء الأخلاق أقسامًا ودرجات للصوم.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يشير إلى هذا الموضوع المهم في كتابه القيّم الموسوم بـ ( نفحات الهداية):

(نظراً لأهمية الصوم في شهر رمضان المبارك، ودوره في بناء الإنسان المسلم، فقد قسّم علماء الأخلاق الصوم إلى ثلاثة أقسام هي: الصوم العام. و الصوم الخاص. و الصوم خاص الخاص).

لكل قسم من أقسام الصوم تعريفه الخاص، وهكذا فإن هذه الدرجات الثلاث تختلف عن بعضها البعض، من حيث طبيعة الصيام، والقضايا التي يجب أن يلتزم بها الصائم في هذا القسم من الصوم أو ذاك.

فمثلا يعرَّف الصوم العام بأنه: (هو الكفّ عن المفطرات المذكورة في الكتب الفقهية والرسائل العملية من الأكل والشرب والكذب على الله تعالى ورسوله والأئمّة المعصومين، والارتماس في الماء، والبقاء على الجنابة حتى الفجر، والتقيؤ عمداً وغيرها من الأمور التي إن لم يلتزم بها المرء لا يصدق عليه أنه صائم) بحسب ما يذكر ذلك سماحة المرجع الشيرازي.

والحقيقة أن الصوم العام ينطبق على نسبة كبيرة من الصائمين، لكن المراتب الأعلى من الصوم تتطلب جهودا كبيرة، خاصة تلك التي تكافح بالضد من انحراف الذات، وتسعى لتنظيف القلب من الشوائب، وتحمي النفس من التلوث بالمحرمات والأفكار المنحرفة.

الامتناع عن التفكير بالمحرّمات

لذا فمن أهم الخطوات التي تساعد الإنسان على بلوغ مرتبة صيام أعلى، الكف عن ارتكاب الحرام بكل أنواعه، بالإضافة إلى القضايا والأمور التي توضحها الأحكام الشرعية بصيغة لا غموض ولا لبس فيها، كما أنها واضحة وسهلة الفهم، كي تبيّن للصائم ما له وما عليه من حقوق و واجبات بوضوح شديد.

الصائم يلتزم بهذه القضايا كلها، ولكن هل هذا يكفي لبلوغ المرتبة العليا من أقسام الصوم التي مرَّ ذكرها سابقا؟

بالطبع هذا لا يكفي، لأن بلوغ مرتبة الصوم الخاص يتطلب اتخاذ خطوات أصعب وأقوى لابد للصائم أن يتّخذها بصدق وإصرار، ويثابر على تطبيق متطلباتها وشروطها، فلكل مرتبة صوم شروط، ذكرها العلماء المختصون بالأخلاقيات وتوضيح الأحكام.

لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): 

(أما الصوم الخاص: وهو أرقى من الأوّل وأرفع درجة، فهو الكفّ عن المحرّمات كلّها إضافة إلى ما ذكر، مثل: كفّ اللسان والسمع عن الغيبة، وكفّ البصر عن النظر إلى المرأة الأجنبية بريبة، وكفّ اللسان عما لا يحل له كالكذب واغتياب الآخرين، وهكذا. وأما الصوم خاص الخاص: فلا يتوقّف حتى عند هذا الحد بل يترقى ليشمل النوايا والفكر أيضاً. فالصائم في هذه المرتبة لا يقتصر على الكفّ عن المفطرات وعموم المحرّمات فحسب بل لا يفكر فيها ولا تحدّثه نفسه بها).

حول صوم خاص الخاص، وهو أعلى المراتب في الصوم، فهذا القسم يتطلب اتخاذ خطوات أقوى وأصعب، فإذا كانت المراتب الأدنى تفرض على الصائم أن يصوم عن المفطرات العامة التي مرّ ذكرها، ففي هذا القسم وهذه المرتبة العليان يجب أن يكف الصائم حتى عن التفكير بالمحرمات، وليس الامتناع عنها فقط.

وهذه خطوة في غاية الصعوبة، ولكن يمكن للصائم أن يصل إليها، إذا ثابر وصمد وقرر واتخذ الخطوات القوية التي تقوده إلى هدفه وإن كان صعبا، فعدم التفكير بالمحرمات يعد مرحلة متقدمة للإنسان في طريق الإيمان والتقوى والالتزام التام بالشريعة والأحكام والعقائد.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(هناك فريق من الناس لا يتورعون عن المعصية ويكفّون عنها وعن المحرّمات فحسب بل يتورعون عن التفكير فيها أيضاً، فهم يصومون عن المفطرات العامة، وتصوم جوارحهم عن ارتكاب الذنوب، كما تصوم جانحتهم عن التفكير فيها. وهذا صوم خاص الخاص. وهو أعلى مراتب الصوم وأقسامه).

التخطيط لبلوغ مرتبة الصيام الأعلى

ولابد من التذكير بأن هناك نوعا من التدرج في تحقيق المراتب الأفضل في الصيام، وهذا يحدث في جميع جوانب الحياة، فحين يقرر الإنسان أن يبلغ مرتبة معينة، نجده يبلغ المرتبة الأدنى، وهذا أمر طبيعي، لذلك حين يصمم أحدنا على بلوغ مرحلة معينة عليه أن يحسب هذا الحساب بالنسبة لبلوغ الأدنى دائما. 

لذا فإن الإنسان حتى لو قام بالخطوات اللازمة لبلوغ المراتب التي يتمناها أو يرغب بها، فهو غالبا من ينال الدرجات الأقل من الدرجة التي قرر أن يصل إليها.

هذا ما أكده سماحة المرجع الشيرازي دام ظله في قوله:

(أما إذا عزم المرء على المرتبة الثانية فيُخشى أن لا يوفَّق حتى لهذا، ولا يبلغ أكثر من المرتبة الأولى وهي الصوم العام، وذلك لأن الإنسان لا يوفَّق - عادة - إلا لما دون ما عزم عليه. يقول الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه: مَن طلب شيئاً ناله أو بعضه).

وهكذا يحتاج الأمر إلى مثابرة عالية ومستمرة، وتصميم لا يتزعزع، ينبثق من درجة إيمان عالية، لكي يحصل على التوفيق العالي في طاعة الله، وهذه من أهم الخطوات التي تساعد الإنسان على الفوز بالمرتبة العليا للصوم، والإنسان الصائم قادر على ذلك، ولكن من المهم أن لا يكتفي بترك المفطرات، بل عليه أن يضع نصب عينيه وقلبه بلوغ المرتبة الأعلى للصوم وهو (خاص الخاص)، حيث يمتنع الصائم حتى عن التفكير بالحرام.

وهي درجة يصعب الوصول إليها، لأنها تحتاج إلى إنسان يضع مغريات الدنيا ومادياتها، وامتيازاتها خلف ظهره، لاسيما في عصرنا اليوم، حيث يتسابق الناس نحو السلع المادية والمظاهر والتفاخر، في حين أن المطلوب هو ترك هذه الأمور السطحية كونها سريعة الزوال، والتمسك القوي بالخطوات التي تقود الصائم إلى المرتبة التي تسمو به عاليا فوق الصغائر.

سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، ينبّه على هذه القضية فيقول:  

(من هنا ينبغي للإنسان أن يكون ذا تصميم قوي وإرادة صادقة لكي يوفّق إلى طاعة الله عزّ وجلّ في أعلى مراتبها ونيل أعلى الدرجات، لا أن يقول حسبي ترك مفطرات الصيام؛ فإنه قد يُحرم غفران الله).

في الختام، لا نزال في رحاب هذا الشهر الكريم، صائمين ملتزمين، نتمنى مرضاة الله سبحانه وتعالى، ولكن علينا أن نعرف بأن هناك درجات أفضل وأعلى للصوم، والوصول إليها ليس مستحيلا، لكنه صعب، كونه يحتاج إلى خطوات جادة ومهمة إذا تمكن الصائم من تطبيقها، سوف يصل القمة ويبلغ صيام خاص الخاص، وهو أعلى وأفضل وأصعب أقسام الصوم.

ذات صلة

الاكتفاء الذاتي والبساطة في العيشالدفاع عن حقوق المرأة في منهج الصديقة الزهراءانسحاب قطر من جهود الوساطة لإنهاء الحرب في غزة وفشل المفاوضاتإمكان إزالة الغضب وطرق علاجهمرة أخرى، كان الاقتصاد هو السبب يا غبي